أمريكا وإسرائيل تبتلعان الضربة الإيرانية.. الكرة في ملعب محور المقاومة
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
الأداء اليمني الشجاع إلى جانب طوفان الأقصى سرّع بكسر قواعد الاشتباك إقليمياً ودولياً
الثورة / إبراهيم الوادعي
ساعات فصلت بين هجوم أصفهان، وقصف مقر للحشد الشعبي في بابل بالعراق، سبق ذلك قصف بطارية دفاع جوي للجيش السوري جنوب سوريا.
لا يمكن أن تكون هذه العمليات بعيدة عن العدو الإسرائيلي وأساليبه التي درج عليها منذ سنوات وتعامل معها محور المقاومة، والجميع كقواعد اشتباك.
منذ ما يزيد على عقد كانت الجبهتان السورية على وجه الخصوص والعراقية تاليا- ما يقرب من 300 عملية انتحارية وبسيارة مفخخة نفذت في العراق، واجتياح داعش لاحقا- هي ميدان المواجهة بين المحور الأمريكي وفي المقدمة الكيان الإسرائيلي، وبين محور المقاومة وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية، قبل دخول الجبهة اليمنية بقوة تصاعدية منذ 2014م مع وصول انصار الله إلى السلطة، وهو الأمر الذي وصفه قادة في حركات المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي بالشيء الإيجابي لغزة وطوفان الأقصى، وقال زياد النخالة في مقابلة مؤخرا مع قناة فلسطين اليوم «من حسن حظنا وجود انصار الله في السلطة باليمن، ما مكن اليمن من تقديم دعم وإسناد قوي لطوفان الأقصى وغزة”.
بدا واضحا منذ السابع من أكتوبر انكشاف ضعف إسرائيل على العالم وعلى حلفائها الغربيين، بعكس الصورة التي ارتسمت للكيان الإسرائيلي منذ سبعة وستين، حين اجتاح الجيش الإسرائيلي في 6 أيام 3 دول مجاورة وسيطر على ارض بحجم فلسطين 3 مرات.
وتعزز هذا الضعف مساء 14 أبريل، بدت إسرائيل غير قادرة على مواجهة ايران وصد الهجوم الصاروخي إلا بمساعدة 4 دول نووية إلى جانبها ومعلومات استخبارية وفرتها دول حلف الناتو، ومع ذلك وصلت الصواريخ إلى أهدافها وضربت 3 قواعد عسكرية هامة لإسرائيل بينها قاعدة نفاتيم، يجري الحديث عن هذه القاعدة كأكثر الأماكن تحصينا على وجه الأرض، إذ تمتلك خمس طبقات من الحماية مرتبطة بالأقمار الاصطناعية، ومع ذلك وصلت 5 صواريخ إيرانية إلى القاعدة بين 7 وجهت نحو القاعدة» لقد نجح الإيرانيون في تقديم عرض مذهل للقوة بمواجهة 4 دول نووية والناتو، مضاف إليه ناتو عربي إن صح التعبير.
الحديث الإسرائيلي عن الرد على إيران كان لمجرد الاستهلاك الإعلامي، نقلت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية عن مصدر صهيوني قوله: اذا أتيح بث مباشر لمناقشات مجلس الحرب فسنرى نصف الإسرائيليين في اليوم التالي يزدحمون داخل مطار بن غوريون طلبا للمغادرة، كما أن الترويج للتنسيق الأمريكي الصهيوني مسبقا بشأن الرد، خلاصته سحب القرار من يد نتنياهو والقادة الإسرائيليين وإدارته من قبل واشنطن مباشرة، وهذا الأمر يجيء بشكل كبير فعليا منذ السابع من أكتوبر، حيث يشارك الجنرالات الأمريكان في التخطيط وإدارة عمليات القتال على غزة.
وبالعودة إلى سياق الأحداث في العراق وسوريا وإيران منذ فجر الجمعة، فلا يمكن الفصل بينها لجهة انضوائها في ميدان محور المقاومة كأطراف مستهدفة، ولجهة واحدية الفاعل وهي الكيان الإسرائيلي، تسبب وزير الأمن الداخلي بن غفير في إحراج كبير لخطة وهدف الرد الإسرائيلي على إيران حين وصفع بالمسخرة أو السخيف.
وهي تحمل في طياتها رسالة واضحة، بقبول أمريكي على وجه الخصوص بالضربة الإيرانية لرأس الحربة الغربية في الشرق الأوسط، وهو مالم يكن تخيله قبل سنوات أو قبل السابع من أكتوبر إسرائيل ورغبة إسرائيلية أمريكية بالعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة وقوانين اللعبة ما قبل الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق.
بالنسبة لإيران، فهجوم أصفهان الضعيف رسالة أمريكية إسرائيلية لدفعها للقبول بالعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة، وهي إقرار ضمني بقبول الوضع عن دعمها للمحور فاستهداف قنصليتها جاء على خلفية الدعم لحركات المقاومة، ولما لم ينجح الأمر صار الإسرائيلي والأمريكي قابلا به ويتمناه، فلن يكون ممكنا حشد كل تلك الجهود الدولية لمواجهة أي رد إيراني أخر خصوصا إذا بوغتت إسرائيل به.
خلال المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله على الأراضي السورية كان يجري الرد على أي هجوم صهيوني في الأراضي السورية داخل الأراضي السورية، وردا على اغتيال عدد من المجاهدين وضع حزب الله قاعدة للرد على الاغتيال حتى من الأراضي اللبنانية باتجاه فلسطين المحتلة، واليوم نرى حزب الله فتح الحدود اللبنانية الفلسطينية على مصراعيها للمواجهة، وذلك سؤال آخر حول أي قواعد اشتباك ستجري في اليوم التالي لانتهاء الحرب.
الكرة الآن في ملعب محور المقاومة لنرى ما إذا كان سيرفض العرض الإسرائيلي، وسيضع قواعد اشتباك جديدة، أو القبول بقواعد الاشتباك القديمة مع وضع تعديلات عليها، تقيد حركة الإسرائيلي خصوصا في الميدان السوري، كما فعل حزب الله ما بعد حرب تموز 2006م.
ثمة أمر مهم تجدر الإشارة إليه فيما يتصل بالتحول الإيراني الأخير إلى المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي والاقتراب بشجاعة من حافة الحرب مع الأمريكي وضعف الرد الإسرائيلي وصلا إلى تمني عودة ما كان سابقا بحثا عن بعض الأمان الوجودي لإسرائيل، وهو الأداء اليمني في البحرين الأحمر والعربي وقصف جنوب الكيان، وأداء القيادة اليمنية وشجاعتها خلال سنوات مواجهة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، جميع ذلك كسر عمليا الكثير من الخطوط الحمراء وقواعد اللعبة السارية في المنطقة بين محور المقاومة وبين المحور الأمريكي الإسرائيلي، وحتى خطوط دولية مرسومه بين القوى الكبرى في الممرات المائية ومناطق الطاقة والثروة، لصالح اليمن وفلسطين والمحور.
ويمكن القول: منذ عملية طوفان الأقصى سرعت صنعاء انطلاقا من دافع إيماني بالدرجة الأولى وإنقاذا لغزة من كسر تلك الخطوط وبشكل مفضوح ومحرج للولايات المتحدة الأمريكية دوليا، لذا رأينا العالم الغربي يتحالف وينشئ أكثر من تحالف غربي لمواجهة اليمن. هذا الفعل اليمني بطريقة أو بأخرى شجع دولاً نووية وإقليمية على تحدى الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل أكثر وضوحا وفاعلية، يمكن اعتبار المساجلة السياسية داخل مجلس الأمن ميدانا مصغراً للوضع الذي تردت إليه الولايات المتحدة نتيجة وضعها في البحرين الأحمر والعربي، قبل الحديث عن أي جانب إنساني يتصل بالمجزرة والإبادة الجماعية الجارية في غزة، لم نر ذلك في بداية طوفان الأقصى.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هل يدفع العالم ثمنَ غطرسة أمريكا والكيان الإسرائيلي؟ بابُ المندب خطُّ نار عالمي
بقلم ـ عبدالملك محمد عيسى*
تتصاعدُ حدةُ الصراع في المنطقة مع كُـلّ يوم جديد، حَيثُ تتشابك المِلفات السياسية والعسكرية والاقتصادية في معركة إقليمية مفتوحة بين محور المقاومة من جهة وأمريكا والكيان الإسرائيلي وحلفائهما الإقليميين من جهة أُخرى.
وبينما تلوّح واشنطن بالمزيد من التصعيد سواء ضد غزة أَو ضد اليمن، على خلفية استهداف السفن في البحر الأحمر، تبدو المنطقة والعالم بأسره على شفا أزمة اقتصادية غير مسبوقة عنوانها الأبرز: (باب المندب خط نار عالمي).
ففي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتهديد ترامب المباشر لحركة حماس بإجبارها على إطلاق الأسرى الصهاينة لديها بالقوة، جاءت الضربة اليمنية الحاسمة بإسقاط طائرة أمريكية من طراز MQ-9 في أجواء الحديدة بأسلحة محلية الصنع لتؤكّـدَ أن اليدَ اليمنية باتت على الزناد في البحر والجو معاً، ولم يكن هذا التطور منفصلاً عن السياق العام، بل جاء في ضوء زيارة وزير الدفاع السعوديّ خالد بن سلمان إلى واشنطن، حَيثُ بحث مع نظيره الأمريكي بيت هيغسيث سبل تعزيز التعاون الدفاعي والتطورات الإقليمية، هذا التنسيقَ العسكري السعوديّ الأمريكي في ظل استهداف اليمن وتصنيفه “إرهابياً”، يعكس بوضوح أن واشنطن تفكّر في مغامرة عسكرية ضد صنعاء بمباركة الرياض.
الرسالة اليمنية واضحة إما وقف العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة ورفع اليد الأمريكية عن اليمن أَو دخول العالم في أزمة اقتصادية كبرى تبدأ من باب المندب، هذا المضيق الاستراتيجي الذي يمر عبره نحو 12 % من حجم التجارة العالمية وتحمل مياهُه إمدَاداتِ الطاقة والبضائع نحو أُورُوبا وآسيا وأمريكا؛ فإغلاق باب المندب -ولو مؤقتاً- يعني ارتفاعًا صاروخيًّا في أسعار النفط والغاز وقفزة جنونية في تكاليف الشحن البحري؛ ما سيؤدي إلى موجة تضخُّم عالمية غير مسبوقة، وخَاصَّة أن الاقتصاد العالمي أصلاً هشٌّ بعد سلسلة من الأزمات، منها العقوبات الأمريكية على روسيا والصين وأُورُوبا وكندا والمكسيك والحرب في أوكرانيا، وتداعياتها على الطاقة والغذاء واضطراب سلاسل التوريد منذ أزمة كورونا.
أزمة باب المندب إذَا انفجرت ستضع الاقتصاد العالمي أمام سيناريو ركود تضخمي كارثي، حَيثُ ترتفع الأسعار بينما تتراجع معدلات النمو والإنتاج، وهذا يعني زيادة كلفة الطاقة على الصناعات في أُورُوبا وآسيا وارتفاع أسعار الغذاء والنقل والشحن عالميًّا وانخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين واضطراب أسواق المال وتهاوي العملات.
ما لا تدركُه واشنطن أن سلاح العقوبات الذي تستخدمه ضد الصين وروسيا واليمن وإيران وغيرها يرتد عليها اليوم بشكل أقسى؛ إذ لم يعد العالم أحادي القطبية خاضعاً بالكامل للإملاءات الأمريكية، بل أصبحنا أمام تعددية قطبية اقتصادية تلعب فيها المقاومةُ دوراً جديدًا، لا يقتصرُ على الرد العسكري بل يمتد إلى الردع الاقتصادي عبر التحكم بمفاصل التجارة العالمية.
أي تصعيد أمريكي إضافي ضد غزة أَو اليمن، سيؤدي إلى خلط الأوراق في الاقتصاد العالمي وإجبار الأسواق على دفع ثمن غطرسة واشنطن وحمايتها المطلقة لجرائم الكيان الإسرائيلي، وَإذَا كانت الإدارة الأمريكية تعتقد أن اليمن دولة معزولة ضعيفةٌ فَــإنَّ باب المندب وحدَه كفيلٌ بإثبات العكس، وبأن اليد التي أسقطت MQ-9 قادرة على إغلاق المضيق وتحويله إلى ساحة لهب عالمي، وقد تم تجريبه طوال عام كامل.
بين صراع السياسة وصراع الاقتصاد سيدرك العالم أن الهيمنة الأمريكية باتت تهديداً مباشراً لاستقرار التجارة والاقتصاد الدوليين، وأن مشروع المقاومة الذي يدافع عن سيادة الشعوب وكرامتها أصبح صمامَ الأمان الحقيقي لاستقرار المنطقة والعالم لا العكس.
* أُستاذ عِلم الاجتماع السياسي المشارك جامعة صنعاء