عن عملية الوعد الصادق الايرانية “رؤية “
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
عبدالرحمن مراد
منذ السابع من أكتوبر 2023م الى اليوم مضت سبعة أشهر أو تزيد، وخلال هذه الفترة خفت صوت الحرب في أوكرانيا ليرتفع صوت المعركة في غزة، ثم خفت صوت المعركة في غزة لينتقل الضوء الى البحر الأحمر، وبعد أن خفت ضجيج البحر الأحمر انتقلت دائرة الضوء الى عملية الوعد الصادق الإيرانية، هذا التبدل والانتقال من دائرة الى أخرى ليس اعتياديا ولكنه اشتغال مدروس على الرأي العام العالمي وتحريكه وفق قضايا ومصالح وأهداف يشتغل عليها النظام الدولي القديم حتى يحافظ على قدراته اللوجستية في صناعة الأزمات وإدارتها .
إسرائيل تقصف القنصلية في دمشق في سابقة غير معهودة تخترق القانون الدولي فيسكت المجتمع الدولي عن الجريمة , بحجة عدم وضوح الرؤية للحدث، وتصمت إسرائيل دون أن تعلن مسؤوليتها عن الحادث حتى لا تضع مجلس الأمن في موقف محرج ,وعلى إثر ذلك يتعثر قرار إدانة تبنته روسيا في مجلس الأمن , وتعمل ايران على الثأر لكرامتها السياسية فترد بعدد كبير من المسيرات والصواريخ الباليستية وتقوم بإبلاغ أمريكا قائلة أنها لا تريد تصعيدا في المنطقة ولكنها مضطرة للثأر لنفسها مما قامت به إسرائيل التي استهدفت أحد عناصر المقاومة في قنصلية ايران بدمشق , ومثل ذلك الاستهداف الذي حدث في قنصلية ايران في دمشق نهج قديم في السياسة الإسرائيلية فهي تحاول اغتيال كل القادة الذين تكون أدوارهم مؤثرة على وجودهم الاستيطاني في فلسطين ,وغالب أولئك من ايران أو من محور المقاومة على وجه العموم , بلغت إسرائيل غايتها من العملية العسكرية للقنصلية من خلال الاغتيال لأحد عناصر المقاومة مع عدد آخر من الجنود , وجاء الرد الإيراني في عملية الوعد الصادق دون أن يترك ندوبا ذات أهمية في وجه إسرائيل القبيح – وفق كل التقارير والتصريحات المتداولة – لكنه كشف الغلالة عن الترسانة العسكرية التي بحوزة ايران وتقنيتها والمدى الذي تصل اليه وقدراتها .
في تقديري أمريكا استدرجت ايران الى هذه العملية استدراجا مدروسا وواعيا بدليل أنها كانت على علم بموعد الرد وشاركت في عملية صد الهجمة مع بعض قواعدها وعملاءها في المنطقة ,ومنعت إسرائيل من الرد – المنع لن يكون إلا ظاهرا لكنها باطنا سوف توجه إسرائيل بالرد حتى تكتشف القدرات الدفاعية الإيرانية – وليس كما يشاع خفضا للتصعيد بل لغايات تقييم الوضع العسكري في المنطقة ثم تعمل على خفض التصعيد ومعرفة الموقف منه , وجمع معلومات ربما عجزت عن الوصول اليها عبر أجهزتها الاستخبارية فكانت العملية العسكرية هي المحك الذي تدرس من خلاله الموقف وتقيمه .
اليوم كاد الحديث في الرأي العام ينحصر في الرد الإيراني الذي كان مشروعا وفق كل القوانين الدولية , وبه ومن خلاله تم الانتقال من موضوع البحر الأحمر إليه ,حتى تمارس إسرائيل أو تستمر في ممارسة غواية القتل والتشريد والتهجير لسكان غزة لبلوغ الغاية من ذلك وهي بسط النفوذ على قطاع غزة – وقد ورد ذلك في غالب التصريحات للمسؤولين الإسرائيليين – وصولا للحلم الذي يتجدد في دولة إسرائيل الكبرى وقناة ابن غوريون .
وقناة ابن غوريون ترتبط بمشروع دولة إسرائيل الكبرى ارتباطا عضويا ففي جل التقديرات أنها تتحكم بالملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية وقد تدر دخلا قوميا كبيرا للدولة /الحلم التي ترغب إسرائيل في الوصول اليها وفق مرجعياتهم الثقافية والعقدية التي يجدونها في كتبهم .
سيناريو الرد الإسرائيلي والضغط الأمريكي على إسرائيل واستعداد إسرائيل للرد وتراجعها في اللحظة الأخيرة كان معدا بطريقة ذكية جدا حتى يصدق الرأي العام العالمي ذلك ولو ارادت الشروع في الرد لما رضخت كما تفعل بكل التصريحات المتعلقة بحرب الإبادة في غزة , فالمتعارف عليه وفق كل المعطيات أن أمريكا هي من تدير الحرب في غزة ولكنها تحاول أن تقف موقفا يقنع المتابع بقدر وافر من الحيادية في التعاطي مع ما يحدث .
نحن اليوم معنيون بدراسة الاحداث بكل تواترها وتتابعها وتقييمها وفق قياسات ومعايير منطقية تراعي المصالح المرسلة للأمة وبما يحفظ لها التوازن النفسي والثقافي والحضاري والاجتماعي , فالقضايا الكبرى تتطلب معرفة ووعيا واستراتيجيات كبرى , فالمعرفة هي من تدير المعركة اليوم ولذلك يستخدمون كل المعارف والعلوم الانسانية في المعركة من حيث التدبير وصناعة المقدمات والوصول للنتائج بأيسر جهد وبأقل التكاليف .
وبعيدا عن تمجيد الرد الإيراني من عدمه إلا ان الضرورة كانت تفرضه حتى يحدث التوازن السياسي والعسكري في المنطقة من حيث الردع ومن حيث الحد من الكثير من الطموحات للعدو الأمريكي والإسرائيلي، وربما ترك الرد ظلالا على الكثير من القضايا العالقة وشكل نفطة تحول في قابل الأيام في مسار القضية والاحداث .
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی المنطقة فی غزة
إقرأ أيضاً:
لجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر: باحث فرنسي يحدد “450 عملية عسكرية” فرنسية
ندد المؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي بلجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية خلال الثورة التحريرية, مؤكدا أنه تمكن من تحديد “450 عملية عسكرية” تم فيها اللجوء إلى هذه الأسلحة خلال الفترة الممتدة من 1957 إلى 1959.
وأوضح الموقع الالكتروني (actu.fr) الذي أجرى الحديث معه, أن “كريستوف لافاي قد تمكن خلال أبحاثه, من تحديد +450 عملية عسكرية تم اللجوء فيها إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر, والتي تركزت بشكل خاص في المناطق الجبلية بأعالي منطقة القبائل وفي الأوراس “.
وأضاف ذات الموقع, أنه إذا كان هذا الباحث قد استطاع اثبات وجود 450 عملية, فإن “القائمة لا زالت تحتاج إلى الاستكمال عبر فتح الأرشيف الذي لا يزال سريا حتى اليوم “.
كما أشار المؤرخ على ذات الموقع, إلى أن “عددا معينا من الوثائق يمكن الوصول إليها لكن ليس تقارير العمليات ومذكرات السير والعمليات, أي سجل الوحدة”, موضحا أن “الاطلاع على هذه الوثائق أمر هام لأنه يسمح بتقييم عدد الضحايا, وبالتالي تحديد الضحايا المفقودين, وهذا مهم بالنسبة للعائلات”.
وأضاف أن “هذه الوثائق تسمح أيضا بوضع خارطة شاملة حول المواقع التي استعملت فيها تلك الأسلحة والمواقع المعرضة لمخلفات استعمالها”.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات, فإن عمل كريستوف لافاي يحدد بشكل دقيق تاريخ استعمال الجيش الفرنسي للأسلحة الكيميائية.
وقال في هذا الصدد : “استطعت رغم ذلك إيجاد بعض القرارات السياسية التي تظهر أن الوزير موريس بورجس مونوري هو الذي وقع على الترخيص باستعمال الأسلحة الكيميائية, ثم جاءت الجمهورية الرابعة وبعدها الجمهورية الخامسة لتتحمل وتأمر وتنظم الحرب الكيمائية” في الجزائر.
وأكد ذات المؤرخ أن “أحد أهم الشخصيات المحورية في ذلك هو الجنرال شارل ايوري”, موضحا أن “هذا الخريج من المدرسة المتعددة التقنيات اعتبر الأب العسكري للقنبلة الذرية الفرنسية, وعند مروره بقيادة الأسلحة الخاصة, قام بتعزيز استعمال الأسلحة الكيميائية في الجزائر, فقد ألف كتابا في سنة 1948 وصف فيه استعمال العلم في الحرب كونه عنصر تفوق في سير العمليات, وكانت لديه قناعة بدور العلم كسلاح من أجل احراز النصر في الميدان”.
وأكد المؤرخ في هذا الخصوص, أنه استطاع من خلال الأرشيف “تأكيد استعمال غاز يسمى CN2D وهو مكون من غازين : غاز CN المشتق من السيانيد وغاز DM وهو أرسين أي مشتق من الزرنيخ”. وأشار كريستوف لافاي إلى “وجود عنصر ثالث وهو تراب المشطورات”, موضحا أن “خلط هذه العناصر الثلاثة ينتج غازا قاتلا”.
وتابع يقول إن “هذه الغازات مجتمعة معا في ذخيرة واحدة وبكميات كبيرة تؤدي بسرعة إلى موت الأشخاص المتواجدين داخل المغارات”.
وأضاف كريستوف لافاي, الدكتور في التاريخ المعاصر بجامعة أكس-مرسيليا وباحث مشارك بجامعة برغونية, أن الجيش الفرنسي قرر ابتداء من 1956 تكوين فرق خاصة لاستعمال تلك الأسلحة الكيميائية, “كانت مكونة من المجندين وتسمى فرق +الأسلحة الخاصة+ حيث تم إنشاء الوحدة الأولى في الجزائر في الفاتح ديسمبر 1956”, مؤكدا “نشاط 119 وحدة من هذا النوع خلال الفترة الممتدة بين 1957 و1959 على التراب الجزائري”.
كما استطاع المؤرخ خلال أبحاثه تأكيد وجود عملية أدت إلى سقوط 116 شهيدا, حسب ذات الموقع الإعلامي, مؤكدا أن لجوء الجيش الفرنسي إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر “لم يأتي صدفة بل هو جزء من عقيدة عسكرية حقيقية”.