الدولة الضحلة.. التفكير في ” الخلافة “!
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
لم يكن الأمر بسيطا ، كان القذافي يعتقد أنه يمسك بكل خيوط اللعبة عندما بدأ في اتخاذ خطوات عملية لتوريث السلطة لنجله سيف الاسلام ، كثيرون يعرفون جيدا قمة جبل الجليد و لكنهم لم يتعمقوا كثيرا في التفاصيل التي كانت تشكل المشهد في ذلك الوقت ، لم يكن النظام الجماهيري يدرك حقيقة الصلات بين القوى التي صنعها على الأرض رغم أن تعامله مع قضية صناعة “ولي عهد” يثبت أنه استشعرها على الأقل و عليه أن يختبر قدراتها الفعلية وهو يخطط لمستقبل ” الحاكم القادم ” للجماهيرية ” .
غسل وجه النظام الليبي سيكون على حساب بعض ” القاذورات ” و لابد من نحر ضحايا لتجديد دماء الدولة و هؤلاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام النصب و هم يشاهدون رقاب زملائهم تحز و بما أنه من غير الممكن اقامة حفل موت جماعي لهم فوقت إنتباه “الطغمة ” المقترحة لقوائم الذبح في أعراس تدشين الوريث ٱت لا محاله ، و إذا إتحدت الخراف ضد الذئب ستأكل كبده ، الخوف سيجعل قرونها سيوفا حادة في لحظات ،و ستندفع هائجة لهدم المعبد لايخفى على عقل العقيد الفطن ذلك .
بمجرد أن طفق مصطلح ” القطط السمان ” يروج على ألسنة حاشية الأمير المرشح أدرك “الحرس القديم ” أن أصابع الشك تحوم حول أعناقهم ، و بدؤوا في تحسس مسدساتهم ، لقد فهموا جيدا أبعاد المؤامرة التي تخيم في الأفق ، و هرعوا للاستنجاد بالأب ليقيهم شر مشروع الإبن المفعم بالطموحات المتهورة ، و شرحوا وجهة نظرهم بوضوح للوالد ” لن تكون هناك تركة ليرثها أحد إذا استمر الحال على ماهو عليه ، ان هدم اساطير الفكر الأخضر و تبني الرواية الغربية للتاريخ ستحطم كل شيء في المملكة ” .
بالطبع لم يستطيعوا طرح السؤال الجوهري حول الايدولوجية “الأم” الذي يقول : أن مجرد التفكير داخل صندوق الدماء الزرقاء يحطم اليقينيات السابقة برمتها ، فالانقلاب الذي ازاح ادريس السنوسي و عهده لايجب أن يستخدم كلمات بائده بالضرورة ، إن مجرد الاشارة لتوريث يعارض فكر المؤسس للخرافة الثورية الكبرى ، و أن الجماهيرية الثانية تحتاج إلى تعديلات تهدد وجود مفاهيم ” الكتاب الأخضر باجزائه الثلاث ” يمكنهم صياغة إلتواءات ترقع الانسان النموذجي الجديد جدا أذا تأكدوا من بقاء جماجهم في مكانها المعتاد .
هذه هي مجريات الصدام الأولى بين الدولة الضحلة و الدولة العميقة قبل الربيع ، قديما فسر ” قائد الثورة ” الجرائم التي ارتكبت بسبب تنفيذ ” الحرس القديم ” لعقيدة سياسية افرزتها فلسفته غير المسبوقة بأنها عبارة عن لحظة ” طغيان للطلبة ” ، الإبداع التنظيري لن يعجز في تحويل التقاليد الملكية المنبوذة لترسيم الحاكم التالي و الإنتقال السلمي للسلطة إلى دفقة ثورية أنتجتها الإرادة الحرة للشعب السعيد على ركح ” المؤتمرات الأساسية وهي تمارس الديمقراطية المباشرة ” و سيبشر الحزب و أعني هنا ” اللجان الثورية ” بهذا الانعتاق الفريد بحماس لا نضير له .
شاعر و كاتب و صحفي و مؤلف ليبي أسس و ساهم في تأسيس عدد من و الوحدات و الاقسام و الادارات في الصحف و الراديوات و القناوات الفضائية Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0المصدر: ليبيا الأحرار
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف
إقرأ أيضاً:
قراءة في نص “تأسيس” نيروبي: الأصولية العلمانية (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
علمانية الدولة
بدا أن جائزة عبدالعزيز الحلو التي أغرته بـ"تأسيس" هو قبولها بغير شيء من ضرب الأخماس في الأسداس أن تنص وثيقتها صريحاً على مطلب "علمانية الدولة" (في الديباجة) كما لم يفعل عهد سوداني من قبل. وعلمانية الدولة عقيدة مؤثلة للحلو اضطر أحياناً إلى استبدالها بـ"فصل الدين عن الدولة" في وثائق وقعها مع طيف واسع من الأحزاب السودانية وحتى مع الفريق ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة عام 2021. وطالما هبت الريح علمانية ناحيته جاء الحلو إلى الوثيقة بمطلب أذاعته حركته وهو أن ينص الدستور القادم على "مبادئ فوق دستورية" مثل العلمانية وهي التي لا تخضع للتعديل مثل غيرها التي ينص الدستور على إجراءات تعديلها. فهذه المبادئ فوق الدستورية في الحفظ والصون ومتى أراد أحد تغييرها صار من حق الجماعات السودانية المتضررة نفض يدها عن البلد بممارسة حق تقرير المصير (الباب الأول المادتان 3 و7).
ومع اقتناع كثر بأن فصل الدين عن الدولة بصورة أو أخرى أزف بدليل أنه ورد مكرراً تكراراً مزعجاً في وثيقة "اتفاق سلام جوبا" إلا أن إصرار الحلو على "توثين" علمانية الدولة، توثيناً يعتزل بها الصراع السياسي الذي قد ينال من العلمانية وحتى الديمقراطية، فهو حال استثنائية في عبادة مبدأ سياسي خلت منه المبادئ. وبدا من الحلو من فرط هذا التوثين أنه مصاب بـ"الأصولية العلمانية" التي حذرنا منها جون إسبسيتو الأستاذ بجامعة "جورج تاون"، تحذيره من الأصولية الدينية. فمعرفتنا الراهنة بالدين في رأيه هي "بنت ضغينة علمانية تمكنت من الصفوة الحديثة". فغالباً ما جرى التعامل مع الدين بلا مبالاة أو بعداء صريح. ويقع تحذير "إسبسيتو" من الأصولية العلمانية في سياق مراجعة لعلاقة الدين بالعلمانية انعقدت منذ عقود. فالأكاديمي الأميركي كريق كالهون من المراجعين، صرف من اعتقد أن العلمانية حال خالصة خلت من الدين بالكلية. فقال "غالباً ما أخذنا العلمانية كحالة غياب عما عداها. فهي في اعتقادنا ما يتبقى لنا متى تلاشى الدين لا من السياسة فحسب، بل من الوجود" كما كان مطلب الثورة الفرنسية وممارستها في أول عهدها حتى بدلت الفرنسيين، وإلى حين، ديناً أحسن من دينهم في رأيها.
ونبه نيكلوس كريستوف الصحافي في "نيويورك تايمز" في أعقاب ذيوع العبارة الدينية في عهد الرئيس جورج بوش الابن إلى القطيعة القائمة بين الصحافة الليبرالية و"المهتدين الجدد" من الأميركيين. فيؤمن، إحصائياً، 48 في المئة من الأميركيين، في قوله، بخلق الله للعالم في سبعة أيام بينما يؤمن 28 في المئة منهم بمبدأ داروين. ويعتقد الأميركيون بنسبة الثلثين أو يزيد بوجود الشيطان بأكثر من صدقية نظرية داروين. وتعيش هذه الجماعة المهتدية بمعزل عن الليبراليين في ثقافتها المستقلة. فمن بين أكثر الكتب مبيعاً سلسلة كتب مسيحية عن نهاية الكون وزعت 50 مليون كتاب. ومن بين أكثر مقدمي برامج التلفزيون شهرة داعية إنجيلي يشاهده الناس داخل 190 قطراً في العالم. ومن يرى ليومنا طي خيام الليبرالية بيد إدارة الرئيس ترمب صدق قول من سمى تدين الدولة في عهد بوش بـ"الصحوة الدينية الرابعة" خلال الـ300 عام من عمر أميركا. فاللدين طرائق قدداً في الأوبة بعد الغيبة.
إعادة تأسيس
اتفق لـ"تأسيس" إعادة تأسيس كل القوى العسكرية والأمنية والخدمية المدنية من أول وجديد. فسينشأ بمقتضى وثيقتها جيش جديد مهني وقومي يمثل الطيف السوداني وتحت قيادة مدنية. وهو جيش خلا من الولاءات السياسية والجهوية والإثنية ولا تداخل له في السياسة والاقتصاد. وستكون إعادة الـتأسيس هذه حين يغلب حلف "تأسيس" ويمسك بزمام الدولة (الباب الأول 14). وحتى ذلك اليوم ستحتفظ الجماعات المسلحة الموقعة على "تأسيس" بقواتها العسكرية، أو ما وصفته الوثيقة بالاستمرار في "الكفاح المسلح كوسيلة من الوسائل المشروعة للمقاومة والنضال من أجل التغيير وبناء السودان (الباب الأول 20). فصاروا في حال بخلاء الجاحظ. جلسوا حول قدر ماء يغلي رمى فيه كل واحد منهم بقطعة لحمه مشدودة إلى الخيط لتنضج، فتفرق طعامهم بينما القدر واحد.
وبدا من نص "تأسيس" أن رهاب الإسلاميين "الكيزان" هو ما أوحى حصرياً به. فلم تكتف "تأسيس" بحل حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وتفكيكهما (الباب الأول 32) بل نصت على تحريم قيام أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني. وربما أبعدت الوثيقة النجعة هنا لاعتقادها أن "الكيزان"، الذين أقاموا بالحق نظاماً سياسياً كئيباً، هم آخر من يرغب أن تؤوب الدولة للدين. فلا استنفاد لرغائب أمة من المسلمين ولا لعزائمهم في أن يحكموا دينهم فيهم هم، لا في غيرهم، مما ساحته التشريع المنتظر، أي القنطرة البعيدة لا تزال. وهي القنطرة التي جاءت في الوثيقة بدعوتها الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي في السودان الجديد على "أسس وقواعد ومبادئ النظام الديمقراطي والشرعية الدستورية" (الباب الأول 19). وبالطبع سارعت الوثيقة في نصها هنا لتجريم "استغلال الدين لأغراض سياسية". وهذا بلا مراء خرق للديمقراطية التي جاءت في النص والتي تقوم على المنافسة من فوق برامج سياسية على مرأى من ناخبين ومسمع. فجذم آصرة الدين عن السياسة هو ما أوقعتنا فيه عبارة "الإسلام السياسي" التي ناسبت خصوم المشروع الإسلامي ليقولوا إن ثمة إسلام آخر غير سياسي، وكفى به.
وساق هذا الرهاب من الإسلام إلى نوع هوس، فلم تكتف "تأسيس" بتحصين العلمانية كمبدأ فوق دستوري يأذن للجماعة المتضررة كما رأينا بالطلاق من الأمة متى جرى انتهاكه، بل سارعت بتجريم حتى قيام الحزب الذي يدعو لغير العلمانية. ولو صح أن تكون المظالم من "نظام الإنقاذ" هي مبلغ علمنا في تدبير شأننا السياسي لجرمت "تأسيس" قيام الأحزاب على أساس إثني. فهول الإثنية والسلالية على السودان ليس أقل من هول الحزب الديني عليه. ولكن لم يطرأ لواضعي "تأسيس" منع قيام الحزبية على الإثنية والقبائلية لأنه ما اجتمع في نيروبي إلا كل ذي عصبية منهما. ويكفي أن بين الموقعين على "تأسيس" ممثل لـ"مؤتمر البجا" وهو شعب في شرق السودان.
تَطَيُر الصفوة من حلف نيروبي وشفقتهم من أن يؤدي إلى تقسيم السودان وظيفة لاكتفائها من الواقعة دون نصها. فمن قرأ "تأسيس" في سياقاته التاريخية وملابساته المعاصرة أشفق على أهله قبل السودان لأنهم صدروا فيه عن غبائن من "الكيزان" كأن نجاة السودان في إلغائهم. فرهنوا بذلك أنفسهم لعادة معارضة الكيزان أو اللوثة بهم، لا يزال، بينما استحق السودان جرأة في تخيله تضع "دولة الإنقاذ" حيث هي في ذمة التاريخ مهما بدا من انتفاش منها يحاكي صولة الأسد. فمن شأن قراءة مثل "تأسيس" أن تزيل في قول أحدهم "المحق الدارج والمفازع المبالغ فيها".
ibrahima@missouri.edu