رغم التحشيد العسكري الأميركي والأوروبي المستمر، إلا أن المئات من سفن نقل الحاويات التي ترتبط بالموانئ الأميركية والأوروبية بآسيا تتجنب العبور من باب المندب والبحر الأحمر.

ما يجري في الممر المائي يؤكد أن الاضطرابات الحاصلة منذ نوفمبر الماضي سوف يطول أمدها؛ خصوصا وأن الهجمات الإرهابية التي تشنها الميليشيات الحوثية بدعم من إيران مستمرة وهو يكبد التجارة العالمية خسائر كبيرة غير متكافئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبحسب تقرير وكالة التصنيف العالمية جرى تحويل ما يقرب من نصف جميع سفن الشحن والناقلات بعيداً عن البحر الأحمر إلى طرق بديلة حول رأس الرجاء الصالح في أعقاب الهجمات على السفن التجارية في مضيق باب المندب. 

ووفقاً لتحليل شركة "فليكسبورت" وتتبع مسار السفن التجارية، تواصل أكثر من 500 سفينة نقل حاويات تغيير مسارها عن البحر الأحمر منذ 19 يناير 2024. وهذا التغير المتواصل يؤكد أن العمليات العسكرية التي جرى إطلاقها من قبل الولايات المتحدة الأميركية تحت مسمى "حارس الازدهار" والاتحاد الأوروبي تحت مسمى "أسبيديس" غير مجدية لإيقاف وردع الهجمات الصاروخية التي تشنها الميليشيات الحوثية ضد السفن التجارية المارة قبالة سواحل اليمن.

والجمعة، أعلنت فنلندا انضمامها إلى القوات البحرية المشتركة، لتصبح العضو رقم 43 في التحالف الدولي الذي تتركز مهامه على حماية الأمن البحري الإقليمي في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.

وقالت القوات البحرية المشتركة: "نرحب بانضمام فنلندا باعتبارها العضو رقم 43 في أكبر شراكة للأمن البحري في العالم، والتي تهدف إلى حماية الأمن البحري في منطقة الشرق الأوسط". مضيفةً: إنه مع انضمام فنلندا تصبح القوات البحرية المشتركة أكبر شراكة بحرية في العالم، تركز على دحر الإرهاب ومنع القرصنة وتشجيع التعاون الإقليمي وتعزيز بيئة بحرية آمنة، كما تدعم هذه الشراكة النظام الدولي المستند إلى القواعد من خلال دعم الأمن والاستقرار على مساحة أكثر من 3.2 مليون ميل مربع من المياه تشمل بعضا من أهم ممرات الشحن في العالم.

نتيجة ما يجري في البحر الأحمر من تحشيد عسكري وهجمات إرهابية حوثية، ارتفعت أسعار شحن الحاويات، إذ صعد مؤشر الحاويات العالمي، الذي يقيس التغير في أسعار الشحن عبر المسارات الرئيسية، بنسبة 151% منذ أوائل أكتوبر 2023 إلى الآن. وزادت الأسعار على الطرق بين آسيا وأوروبا بنسبة 284%، وأكثر من الضعف على الممرات الرئيسية الأخرى بين الشرق والغرب.

وأشار تقرير حديث لوكالة التصنيف العالمية أن الاضطرابات في البحر الأحمر تجاوزت توقعاتها الأولية في ديسمبر 2023، دون أي علامة على التراجع. وأدى تغيير مسار المرور حول إفريقيا إلى زيادة وقت العبور لحركة الحاويات على الطريق بين آسيا وأوروبا بنحو 50%.

تعتقد الوكالة أن الاضطرابات في البحر الأحمر تعمل على استمرار ارتفاع أسعار الشحن لفترة أطول. علاوة على ذلك، فإن تضخم تكاليف التشغيل وارتفاع رسوم الموانئ وارتفاع تكاليف الامتثال للوائح البيئية سوف يدعم أسعار الشحن قليلاً على المدى المتوسط والطويل. قدرت الوكالة أن تكاليف تشغيل شركات الشحن على الطرق المتأثرة قد زادت بنحو 50%، أقل بكثير من الزيادات الفعلية في الأسعار.

وفي تصريح لمدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، أكد أن الاضطرابات في المنطقة وتحديدا في البحر الأحمر أثرت على قطاع التجارة في المنطقة، مشيراً إلى أن بعض الدول المطلة على البحر الأحمر ستتأثر سلباً جراء التوترات.

وأضاف إن هناك "تغييراً جزئياً" في مسارات التجارة، إذ لجأت السفن التجارية إلى رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا، بدلاً من باب المندب، للهروب من التوترات في المنطقة. ولكنه نبه إلى أن هذا التغيير يمكن أن يستمر، أو أن يكون مرحلياً، و"ينقشع عندما تتراجع نسبة المخاطر".

وقال جهاد أزعور: "إذ انخفضت التجارة عبر قناة السويس مثلاً بأكثر من 50% بين نوفمبر 2023 ونهاية فبراير 2024. بالإضافة إلى ذلك، تقلصت أحجام تجارة البضائع في بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة تلك التي تعتمد على موانئ البحر الأحمر خلال هذا الإطار الزمني". لافتا إلى أن مداخيل قناة السيويس مصرية كانت تصل إلى نحو 700 مليون دولار شهرياً، إلا أنها تراجعت ما دفع البلاد إلى القيام بإجراءات مالية جديدة للتحوط من هذا التراجع.

وأشار تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي بعنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمي" إلى أن تداعيات الاضطرابات في البحر الأحمر، طال أمدها، وتمتد لتطال النشاط الاقتصادي الذي سيتراجع بنحو 1% في اقتصادات الدول المطلة على البحر الأحمر، و0.3% في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى وباكستان.

من الآن فصاعداً، يمكن أن يكون للتوترات الطويلة في مضيق باب المندب تأثير سلبي أعمق على التجارة والإنتاج، وخاصة بالنسبة للبلدان المطلة على البحر الأحمر، بحسب التقرير.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: فی البحر الأحمر السفن التجاریة الاضطرابات فی الشرق الأوسط باب المندب إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما هي الممرات المائية التي تسعى أمريكا للسيطرة عليها بالشرق الأوسط؟

تسعى الولايات المتحدة إلى السيطرة على الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر، خاصة مضيق باب المندب، مع استئناف جماعة الحوثيين استهداف السفن التابعة للاحتلال الإسرائيلي. 

وقد بدأت القوات الأمريكية بشن عملية عسكرية جوية واسعة النطاق ضد الجماعة٬ قد تستمر لأيام أو أسابيع، في أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تصعد فيه واشنطن ضغوط العقوبات على طهران. ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، شن الحوثيون عشرات الهجمات على السفن التابعة للاحتلال الإسرائيلي أو السفن التابعة للدول التي تدعم الاحتلال، وتأتي هذه الحملة "دعماً للفلسطينيين في حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال على قطاع غزة".
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
وأفاد متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأن الحوثيين هاجموا السفن الحربية الأمريكية 174 مرة، بينما هاجموا السفن التجارية 145 مرة منذ عام 2023.


باب المندب
ويستهدف الحوثيون مناطق بحرية استراتيجية تربط بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، وأبرزها مضيق باب المندب، الذي يعتبر نقطة عبور حيوية تربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. 

ويقع المضيق بين اليمن في الشمال الغربي وجيبوتي وإريتريا في الجنوب الشرقي، ويفصل بين البحر الأحمر وخليج عدن. ويمر من خلاله نحو 15% من حجم التجارة العالمية، مما يجعله ذا أهمية قصوى لحركة الملاحة الدولية.

كما يستهدف الحوثيون السفن التي تمر في البحر الأحمر، الذي يربط مضيق باب المندب جنوباً وقناة السويس شمالاً. ويعتبر البحر الأحمر شرياناً حيوياً لنقل البضائع، حيث يمر عبره آلاف السفن التجارية سنوياً، ويوفر مساراً مختصراً للسفن المتجهة من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط، بدلاً من الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.

قناة السويس
كما تأثرت قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، بهجمات الحوثيين. وكان يمر عبر القناة قبل الهجمات حوالي 12% من التجارة العالمية، خاصة ناقلات النفط والغاز الطبيعي. 


وأجبرت الهجمات شركات الشحن على تحويل مسارات السفن من قناة السويس إلى مسار رأس الرجاء الصالح الأطول، مما أدى إلى تأخير عمليات التسليم وزيادة التكاليف.

وتسببت التوترات في منطقة البحر الأحمر في خسائر كبيرة لمصر، حيث بلغت خسائر إيرادات قناة السويس نحو 7 مليارات دولار خلال عام 2024، أي ما يعادل أكثر من 60% من إيراداتها مقارنة بالعام السابق، وفق تصريحات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي. 

وأظهرت البيانات تراجع الإيرادات السنوية لقناة السويس بنحو الربع في السنة المالية المنتهية في حزيران/يونيو 2024، حيث سجلت 7.2 مليار دولار مقارنة بـ9.4 مليار دولار في 2022-2023.

خسائر اقتصادية وتجارية
منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، صعد الحوثيون من هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما أدى إلى إغراق سفينتين، والاستيلاء على أخرى، ومقتل ما لا يقل عن أربعة بحارة. وأدت هذه الهجمات إلى انخفاض حاد في حركة الشحن البحري عبر البحر الأحمر، من 25 ألف سفينة سنوياً قبل الأزمة إلى نحو 10 آلاف سفينة فقط، بانخفاض قدره 60%، وفقاً للبيت الأبيض.

وأجبر الاستهداف حوالي 75% من السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة على إعادة توجيه مساراتها حول قارة أفريقيا، مما أضاف نحو 10 أيام لكل رحلة، وتكاليف وقود إضافية تقدر بنحو مليون دولار لكل رحلة. كما تسببت هذه الهجمات في زيادة معدلات التضخم العالمي للسلع الاستهلاكية بنسبة تتراوح بين 0.6 و0.7% عام 2024.


تأثيرات على الموانئ
تضررت التجارة بين أوروبا وآسيا بشكل خاص من هذه الأزمة، حيث كان نحو 95% من السفن المتجهة بين القارتين تمر عبر البحر الأحمر في الظروف الطبيعية. ومن بين أكبر 10 دول مستوردة من حيث القيمة للتجارة عبر البحر الأحمر، 5 دول من الاتحاد الأوروبي. كما تأثرت موانئ في المنطقة بشكل متفاوت جراء إعادة توجيه مسارات السفن؛ فقد شهدت الموانئ السعودية مثل جدة وميناء الملك عبدالله انخفاضاً حاداً في حركة الشحن.

تشكيل تحالفات دولية
ودفع هذا الاستهداف الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالفات دولية لتأمين الممرات البحرية. وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، أطلقت الولايات المتحدة تحالفاً بحرياً دولياً أُطلق عليه اسم "عملية حارس الازدهار"، بهدف تسيير دوريات في البحر الأحمر وخليج عدن لحماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين. وضم التحالف عدة دول، بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا واليونان وكندا وأستراليا والبحرين، إضافة إلى دول أخرى ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليات.

ونفذت سفن هذا التحالف عمليات اعتراض لصواريخ وطائرات مسيرة أطلقها الحوثيون باتجاه السفن التجارية، مما أسهم في تقليل الخسائر البشرية والمادية. ومع ذلك، استمر الحوثيون في استهداف السفن، مما دفع الولايات المتحدة وبريطانيا في كانون الثاني/يناير 2024 إلى شن ضربات جوية مباشرة على مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن.


وأكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث أن الولايات المتحدة ستشن ضربات "لا هوادة فيها" على الحوثيين في اليمن حتى وقف عملياتهم العسكرية التي تستهدف الأصول الأمريكية وحركة الشحن العالمي. 

مقالات مشابهة

  • تداول 41 سفينة حاويات وبضائع عامة بميناء دمياط
  • ما هي الممرات المائية التي تسعى أمريكا للسيطرة عليها بالشرق الأوسط؟
  • المخاوف من هجمات الحوثيين تبقي تكلفة الشحن عبر البحر الأحمر مرتفعة
  • تكلفة الشحن عبر البحر الأحمر ترتفع مع استمرار هجمات الحوثيين
  • خبير عسكري: البحر الأحمر بات ساحة عمليات.. وضربات اليمن رسالة مباشرة لإيران
  • تداول 32 سفينة حاويات وبضائع عامة بميناء دمياط
  • هيئة السويس تبحث مع شركة شحن كبرى عبور القناة في ظل الوضع باليمن
  • مسئول عسكري أمريكي: الضربات ضد الحوثيين استغرقت وقتًا للتنظيم
  • خبير تشريعات اقتصادية: أمريكا تدعم الإرهاب في البحر الأحمر حتى تقطع طريق التجارة الصينية
  • أستاذ قانون: أزمة البحر الأحمر كارثة كبيرة على التجارة العالمية