الفاشر- بالرغم من التوترات والاشتباكات المتصاعدة بين الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور في غرب السودان، يظل السكان عازمين على البقاء في المدينة ومواجهة التحديات، الأمر الذي يثير تساؤلات عن خطورة ذلك في حال سقوط المدينة وتأثير ذلك عليهم، وعلى قادة الحركات المسلحة.

وتحظى مدينة الفاشر بأهمية إستراتيجية، حيث تعد مركزا رئيسيا لأبرز قادة حركات الكفاح المسلح في المنطقة، وتتمتع بموقع جغرافي حيوي، إذ تحدها من الغرب تشاد ومن الشمال الغربي ليبيا، مما يعزز أهميتها كنقطة تلاق للمصالح والصراعات.

وبالرغم من التحديات التي تواجهها قوات الدعم السريع بالسيطرة على المدينة، فإنه من الصعب التوقع بشكل قاطع مصير المدينة في الوقت الحالي، فالتوترات والاشتباكات المسلحة قد تتفاقم أو تتراجع بناء على تطورات الميدان والتدخلات الدبلوماسية.

كما تثير الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدينة مؤخرا قلقا بشأن تأثيرها على المدنيين والأوضاع الإنسانية في المدينة والمناطق المحيطة بها، مما يتطلب التركيز على حماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية الضرورية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

وفي هذا التقرير، تحاول الجزيرة نت الإجابة عن نقاط عدة حول تداعيات هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد أن امتنعت عن ذلك لوقت طويل، وعن السيناريوهات المتوقعة وأوضاع المدنيين في المدينة وما حولها.

الاشتباكات أدت لسقوط 100 قتيل من المدنيين خلال يومين (مواقع التواصل) 1/ لماذا أعادت قوات الدعم السريع هجومها على مدينة الفاشر؟

تربط مصادر محلية من حركات الكفاح المسلح تحدثت للجزيرة نت، هجوم قوات الدعم السريع على الفاشر بتغيّر مواقف بعض الحركات فيها، "التي قررت الخروج عن موقف الحياد وانخرطت في القتال إلى جانب الجيش السوداني في مناطق مختلفة، وبخاصة في ولاية الجزيرة وأم درمان" حسب وصف المصادر، وبناء على ذلك، قررت قيادة الدعم السريع استئناف العمليات العسكرية في المدينة.

في حين قال الأمين إسحاق زكريا الناطق الرسمي لحركة جيش تحرير السودان-المجلس الانتقالي، للجزيرة نت، إن قوات الدعم السريع تسعى لفرض سيطرتها على كامل إقليم دارفور. ولذلك، قررت تكثيف هجماتها على المدينة التي تُعد آخر مدن دارفور التي لم تستول عليها، بعد سيطرتها على 80% من مدن الإقليم.

وأضاف زكريا أن هذه الهجمات تهدف إلى تحقيق مكاسب قبيل المفاوضات المقبلة في مدينة جدة السعودية، إذ ترغب قوات الدعم السريع في الاستيلاء على المدينة واستخدامها كورقة ضغط جديدة، والقول إن دارفور أصبحت خالية تماما من الجيش.

2/ ما الموقف الميداني في المدينة ومن يسيطر عليها الآن؟

تشهد الفاشر اشتباكات من حين إلى آخر في الأحياء الشرقية والشمالية من المدينة، وتحديدا عند المدخل الشمالي القريب من بوابة مليط ومخيمي السلام وأبو شوك للنازحين.

ويعتبر الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح الجهة المسيطرة على المدينة، حيث تمتلك هذه القوات أساطيل من المركبات القتالية، وتعتمد بشكل كبير على القوات المحلية كقوات قتالية متمركزة في المدينة، كما ينتشر الجيش والقوة المشتركة بشكل واسع في جميع أنحاء المدينة، من بينها الأسواق والطرقات الرئيسية ومقار المنظمات والهيئات الدولية.

وعلى الجانب الآخر، توجد عناصر من قوات الدعم السريع تم حشدها مؤخرا في أطراف الأحياء الشرقية من المدينة، حيث تفتقر هذه الأحياء لوجود السكان، ومعظم منازلها خالية منذ بداية الحرب، بسبب اشتداد القتال ودخول عناصر الدعم السريع فيها، بعد أن شهدت قرى ريف الفاشر اعتداءات من قبل المليشيات المسلحة، دفعت بنزوح أعداد كبيرة من المواطنين.

3/ ما حجم الخسائر المسجلة في صفوف المدنيين وممتلكاتهم؟

مع استمرار النزاع العنيف في أطراف المدينة، تتزايد الخسائر البشرية والمادية يوما بعد يوم، وهو ما أكده الدكتور موسى عبد الله المدير الطبي لمستشفى الفاشر الجنوبي -المستشفى المدني الوحيد الذي يعمل حاليا بالمدينة- في حديثه للجزيرة نت، وقال إن المستشفى سجل عددا من الخسائر البشرية خلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، ووفقا لسجلاته فقد بلغ عدد القتلى المدنيين في الفاشر 15 شخصا، بينهم نساء وأطفال ورجال، بالإضافة لتسجيل 100 جريح.

وتحدث مفوض العون الإنساني بولاية شمال دارفور الدكتور عباس يوسف للجزيرة نت عن الوضع الإنساني في المدينة وريفها، وقال إنه "معقد وسيئ للغاية"، موضحا أن ما يقارب من 5 آلاف أسرة هربت من القرى الغربية لمدينة الفاشر واستقرت في عدة مناطق غربية، من بينهم ألفا شخص فروا من قرية بركة غرب مدينة الفاشر، وذكر أن المفوضية تعمل بالتعاون مع منظمات وطنية ودولية لتقديم المساعدة العاجلة لهؤلاء النازحين.

في حين قال عبد المنعم الدومة، رئيس لجنة الخدمات المعنية بنازحي قرى ريف الفاشر الغربي، إن سجلات الحصر تشير إلى أن عدد النازحين خلال اليومين الماضيين بلغ 25 ألف شخص فروا من 18 قرية في غرب المدينة، وأشار خلال إفادته للجزيرة نت أن النازحين بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، مؤكدا أن عدد الضحايا في تلك القرى بلغ 11 قتيلا و28 جريحا جرى نقلهم إلى الفاشر لتلقي العلاج.

4/ ما أوضاع المدنيين في الفاشر وما حولها؟

باتت أوضاع المدنيين الإنسانية معقدة للغاية في ظل القتال المستمر الذي تشهده مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها، وسط غياب المنظمات والهيئات الدولية القادرة على تقديم المساعدة خلال الأزمة، مما يزيد تحديات الحصول على الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب والغذاء.

كما تعيش العائلات في المدينة والقرى المجاورة ظروفا قاسية وغير إنسانية، حيث يواجهون صعوبة بالوصول إلى الإمدادات الأساسية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمستلزمات الأخرى بالإضافة إلى نقص الرعاية الطبية خاصة في قرى ريف الفاشر الغربي بشكل كبير.

وأدى القتال إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان من منازلهم، وخاصة النساء والأطفال، الذين استقروا في بعض المدارس والمرافق الأخرى بالأحياء الجنوبية من المدينة، حيث يعيش هؤلاء في ظروف صعبة، ويحتاجون بشكل مُلح للمساعدة الدولية والرعاية الصحية.

بعد تهديدات القوات المتمردة التى تحاصر الفاشر،بمهاجمتها غدا ،فى تطويرين لافتين،الأول:(الفيديو)للقوة المشتركة للحركات بالفاشر أمس،الثانى: البيان الذى أصدرته القوة المشتركة قبل قليل،أعلنت،(لاحياد بعد الآن،سنتقاتل مع حلفائنا والقوات المسلحة ضد مليشيات الدعم وأعوانهم(البيان بالمضافة) pic.twitter.com/kveuyV8I3W

— أحمد البلال الطيب (@ahmed_albalal) April 11, 2024

5/ ما السيناريوهات المتوقعة لوضع الفاشر؟

يعتقد الصحفي محمد سليمان حامد في حديثه للجزيرة نت أنه "إذا نجحت قوات الدعم السريع بالسيطرة على المدينة، فقد يؤدي ذلك إلى تصاعد عمليات القتال، وتشكيل تحالف جديد من المجموعات المسلحة، حيث تنشأ جماعات مسلحة جديدة تسعى للمقاومة والتصدي لهم".

ويرى محللون إمكانية إيجاد حل عاجل للأزمة بتدخل دولي، وجهود وساطة للتهدئة بعدم التصعيد في الفاشر المكتظة بالسكان، وفتح المجال للمنظمات والهيئات الإنسانية لتقديم المساعدة للمحتاجين، وقالوا إن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية قد يتدخلون لوقف العنف والتفاوض بين الأطراف المتحاربة، بهدف التوصل إلى حل يجنب المدنيين العنف، ويعيد الاستقرار للمنطقة.

في حين يرى محللون ومراقبون من جهات مختلفة أن استمرار التصعيد العسكري يقود إلى حدوث أعمال عنف وتصاعد للصراع بشكل كبير في مختلف مدن الإقليم، لا سيما مدينة الفاشر الإستراتيجية، مما قد يتسبب بتفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة عمليات النزوح.

6/ ما رأي حاكم إقليم دارفور بوضع عاصمة الإقليم؟

قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في حديث بث على مواقع التواصل الاجتماعي إن قواته لن تقف مكتوفة الأيدي، وستعمل من أجل التصدي لأي محاولة لاقتحام المدينة، وأضاف أن الجميع كانوا شهودا على ما وقع من هجمات واعتداءات من قوات الدعم السريع في ريف المدينة الغربي.

وتابع مناوي أنه على مدى أكثر من 20 عاما -وبدعم من الدولة- شنت مجموعات عرقية أيديولوجية حربا على دارفور، بهدف تغيير التركيبة السكانية، موضحا أن تلك المجموعات ارتكبت سلسلة من الجرائم ضد الإنسانية، لكن أهل دارفور قاوموها، وأشار إلى أن مدينة الفاشر ستظل صامدة أمام تلك الهجمات، بفضل إرادة سكانها من النساء والأطفال، والقوة المشتركة من الجيش وحركات الكفاح المسلح.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات قوات الدعم السریع الکفاح المسلح مدینة الفاشر إقلیم دارفور على المدینة فی المدینة للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

مقتل 18 مدنيا في هجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة

قتل 18 مدنيا وأصيب آخرون جراء هجوم لقوات الدعم السريع على قرى في ولاية الجزيرة وسط السودان.

وقالت شبكة أطباء السودان (غير حكومية) أمس الاثنين في بيان إن 13 شخصا قتلوا وأصيب آخرون جراء هجوم للدعم السريع على قرية البروراب بمجمع قرى الشيخ مكي شرقي ولاية الجزيرة.

وأشارت الشبكة إلى أن الهجوم أسفر عن نزوح عشرات الآلاف إلى عدد من الولايات المتاخمة، مما تسبب في كارثة إنسانية.

من جانبها، أفادت منصة "نداء الوسط" السودانية بأن قوات الدعم السريع هاجمت أمس الاثنين القرية 50 في منطقة أم القرى شرق الجزيرة وقتلت 5 أشخاص.

استنكار أممي

وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إن 25 امرأة على الأقل تعرضن لعنف جنسي، من بينهن فتاة تبلغ من العمر 11 عاما لقيت حتفها نتيجة لذلك.

وأضاف المكتب أن تقارير وصلته تقول إن قوات الدعم السريع صادرت أجهزة إنترنت في 30 قرية على الأقل، وأحرقت محاصيل زراعية.

وقالت كليمنتاين نكويتا سلامي ممثلة الأمم المتحدة في السودان "أشعر بصدمة وانزعاج شديدين إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية الجزيرة، والمماثلة للمستوى الذي شهدناه في دارفور العام الماضي"، في إشارة إلى إقليم دارفور غرب السودان.

طرد وقتل وسلب

وفي سياق متصل، قالت إحدى الناجيات لوكالة رويترز -وهي أم لرضيع يبلغ من العمر شهرا واحدا- إن قوات الدعم السريع اقتحمت منازل المواطنين في ولاية الجزيرة أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وطردتهم خارج القرية بالسياط، ثم أطلقت عليهم النار.

بدوره، قال هاشم بشير -الذي بُترت إحدى ساقيه قبل الحرب- إن قوات الدعم السريع طردته من منزله في قرية النايب، كما قالت ابنة أخيه فائزة محمد إن القوات نزعت منها مجوهراتها وسرقت هاتفها ولم تسمح لهم بأخذ أي شيء معهم، حتى وثائق الهوية.

وتتعرض ولاية الجزيرة منذ أسبوعين لهجمات عنيفة استهدفت 65 قرية وبلدة على الأقل زادت حدتها بعد انشقاق قائد قوات الدعم السريع في الولاية أبو عاقلة كيكل وإعلان انضمامه إلى الجيش.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 11 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • السودان: قيادي أهلي يكشف عن «هجوم ضخم» من الدعم السريع على الفاشر
  • اتهامات للدعم السريع بالتحضير لهجوم على شمال دارفور
  • «التجمع الاتحادي» يحمل الدعم السريع مسؤولية حصار «الهلالية» ويطالب بفتح ممرات إنسانية
  • «الأمة القومي»: انتهاكات طرفي النزاع المستمرة بحق المدنيين تؤكد موقفنا الرافض للحرب
  • والي جنوب دافور: مستعدون وننتظر ساعة الصفر لكسر شوكة مليشيا الدعم السريع 
  • قائد لواء البراء بن مالك يكشف عن طلب من قوات الدعم السريع
  • الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم
  • الحكومة السودانية تلاحق وتقاضي دول جديدة متورطة في دعم قوات الدعم السريع
  • مقتل 18 مدنيا في هجوم لقوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة
  • التصعيد الاقتصادي والسياسي للدعم السريع اتجاه مصر ، خطوات نحو الانفصال الإداري وتبعاتها