منظومات المخاطر والثقافة المجتمعية
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
تأتي تأثيرات الأنواء المناخية التي عاشتها سلطنة عُمان مؤخرًا خلال منخفض «المطير» في سياق حالات التطرف المناخي، والذي تصاعدت موجات التحذير منه خلال السنوات الفائتة بوصفه أحد المخاطر الهيكلية العالمية؛ والتي تتصاعد قوة تأثيرها ضمن أطر المخاطر المتوقعة عامًا بعد عام؛ فآخر تقرير للمخاطر العالمية 2024 والذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي صنف (الظواهر المناخية القاسية) بوصفها الخطر رقم (2) في ترتيب المخاطر المتوقعة خلال عامين (المدى القصير) والتي يمكن أن تؤثر على العالم، فيما جاءت في الترتيب (1) على مستوى المخاطر العالمية المتوقعة خلال (10) أعوام، وما يشدد خطورة هذه الظواهر هو أن بقية المخاطر الأولى المتوقعة خلال (10) أعوام قادمة كلها مرتبطة بالمناخ والطقس والتركيب البيولوجي للأرض والتننوع البيولوجي، حيث صنفها التقرير على نحو الخطورة التالية: (1): الظواهر المناخية القاسية (2): التغيرات المهمة في الأنظمة المناخية الأرضية (3): خسائر التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي (4): شح الموارد الطبيعية.
هناك آثار مركبة لتغير المناخ؛ كارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وأحداث الطقس المتطرفة، وآثار ذلك على المستوى الاقتصادي مثل تدهور البيئات الزراعية، وفقدان الانتاجية، وتهديد الاقتصادات القائمة على الموارد الطبيعية، وآثاره على مستوى النزوح والهجرات المناخية، بالإضافة إلى الآثار المركبة المرتبطة بكلف إدارة المخاطر مثل عمليات الانقاذ والإغاثة والأيواء وتعويض المؤن والسكنى فيما يتعلق بالمناطق المرتبطة بشدة أحداث الطقس المتطرفة. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على سبيل المثال هناك نتائج صادمة تتوقعها تقديرات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ؛ حيث يعيش ما يقرب من 60% من السكان بالفعل في مناطق تعاني من ضغوط مائية شديدة ويولدون 70% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، ومن المتوقع أن تؤدي آثار ندرة المياه الناجمة عن المناخ إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة (6 ـــ 14)% بحلول عام 2050.
تشكل الثقافة المجتمعية عنصرًا أساسيًا ومهمًا في سياق استدراك المخاطر، فاستخدام عنصر «المعرفة بالأرض» خاصة عبر الأجيال قد يسهم في فهم السيناريوهات المتوقعة لتأثير بعض حالات الطقس وأوقات الجدب، واستخدامات المياه، واستحضار بعض الأحداث التاريخية المعايشة وسيناريوهاتها فيما يعضد «المعرفة التاريخية» والتي هي عنصر أساس من عناصر بناء التنمية وفهم ثنائية الإنسان والأرض. كما أن هناك حاجة لاستحداث عناصر ثقافية جديدة وأهمها (ثقافة التأمين ضد أشكال المخاطر)؛ ويمكن ذلك من خلال تفعيل خدمات وبرامج التأمين، وتعزيز آليات التثقيف والتوعية بها، وإتاحة التسهيلات للوصول إلى هذه الخدمات، وتحويل بعضها إلى أشكال ملزمة في ظل تصاعد الكوارث الطبيعية التي قد تنجم عالميًا عن تطرف المناخ. هناك أيضًا دور مهم للتوجيه السلوكي للأفراد لجعل أماكن عملهم وإقامتهم وتنقلاتهم آمنة ضد المخاطر بطرق استباقية من خلال عناصر مهمة منها أنماط البناء، وطرائق التشجير والعناية به في المنازل لكي لا يكون أثر مضاعف على المنازل في حالات الرياح والأمطار والزلازل على سبيل المثال، وكذلك الطريقة الملائمة لوضع أجهزة التحكم بالكهرباء والتوصيلات للحماية من أي كوارث طبيعية قد تقع وبعض التفاصيل التي يسهل على الأفراد التحكم بها بطرق استباقية قبل حدوث الخطر، مهم أن يتحول كل ذلك إلى رسائل توجيهية وإعلامية مستمرة تتراكم في الوعي العام لبناء الثقافة المطلوبة، ولتحويل المجتمع إلى (مجتمع مرن) تسهم ثقافته في أن تكون خط الدفاع الأول عن المخاطر. هناك دور مهم أيضًا لمفهوم Risk Awareness Education أو ما يترجم بـ «تعليم التوعية/ الوعي بالمخاطر» وقد بدأت الكثير من الدول تبني أطر محددة لتطبيق هذا المفهوم منذ بدء التعليم المدرسي والجامعي، كما أن مفهوم «مدارس السلامة»، والتي ترتكز على توفير بيئة نفسية ومعرفية وأداتية للطلاب والعاملين فيها تكون محصنة للتعامل مع المخاطر بدأ يكتسب خلال العقدين الماضيين أهمية قصوى. يبقى الأساس هو كيفية النظر إلى منظومة إدارة المخاطر بشمولية، وتوسيع مجالات التركيز، وإعادة تهيئة وهندسة السلوك الاجتماعي منذ الصغر على تبني مفهوم الخطر واستدراكه والتعامل معه. فمنظومة إدارة المخاطر قد تمتد كذلك للآليات التي يتم من خلال معالجة التداعيات النفسية للمتأثير من المخاطر أو الكوارث.
هذا بطبيعة الحال لا يعفي من دور المنظومات الرسمية لإدارة المخاطر، وإعادة مراجعة نظم التخطيط الحضري والعمراني، ووجود سياسات وطنية متكاملة لإدارة المخاطر، والتوسع في برامج إعداد الخبراء والمختصين في مجالات المخاطر ، وضمان التمويل المستدام والمتعدد للصناديق المرتبطة بالإعانات جراء المخاطر والكوارث. وكذا يمكن في ظل التوجه الحالي نحو اللامركزية أن يفتح المجال للمحافظات بتكوين صناديق لامركزية لإدارات الكوارث والمخاطر، ويمكن أن تتشكل الموارد المالية لهذه الصناديق من خلال تخصيص نسب موزونة من موازنات تنمية المحافظات، وتخصيص بعض الصناديق الوقفية بالتعاون مع الجهة المشرفة على هذا القطاع، إضافة لتشجيع مؤسسات القطاع الخاص على تخصيص نسب من مخصصات مسؤوليتها الاجتماعية إما لدعم هذه الصناديق أو لتبني مشروعات ومبادرات تخدم ذات الإطار (المرونة في مواجهة المخاطر والكوارث).
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إدارة المخاطر من خلال
إقرأ أيضاً:
سفير الصين بالقاهرة: الالتزام بالقرارات الأممية فيما يخص القضية الفلسطينية «ضرورة»
قال السفير لياو لي تشيانع سفير الصين لدي مصر إن العلاقات المصرية الصينية تمر بأفضل مراحلها فى التاريخ ، حيث تربط بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصيني صداقة كبيرة تهدف لتحقيق التنمية فى البلدين.
وأشار السفير الصيني خلال منتدي التحديث الصيني النمط والعالم إلى ضرورة الالتزام بالقرارات الأممية للقضية الفلسطينية ورفض الحرب والقتال لافتا إلى أن الصين ترفع راية التنمية والسلام والعدالة لبناء مجتمع مصير مشترك.
وأوضح السفير الصيني أن بكين على استعداد للعمل مع مصر وغيرها من الدول العربية للحفاظ على المنظومة الدولية المتمحورة على الأمم المتحدة، والنظام الدولي القائم على القانون الدولي، والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على ميثاق الأمم المتحدة.
ودعا السفير الصيني بالقاهرة إلى تكريس التعددية القطبية القائمة على المساواة والانتظام والعولمة الاقتصادية القائمة على الشمول والمنفعة للجميع، قائلا: "سنعمل بقصارى جهدنا على بناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين ومصر، وبين الصين والدول العربية، والسعي وراء التقدم المشترك للبشرية والتنمية الأكبر للعالم".
وأوضح السفير الصيني بالقاهرة أن الصين تمتلك اليوم الميزة المؤسسية المتمثلة في نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، وميزة الطلب الناتجة عن سوقها الضخمة، وميزة العرض الناتجة عن منظومتها الصناعية المتكاملة، وميزة الكفاءات المتمثلة في العدد الكبير من الأيدي العاملة ورجال الأعمال عالية الجودة، لذلك تمتلك الصين الأساس المتين والقدرة الكافية على مواجهة جميع المخاطر والأزمات.
بالنسبة إلى التعاون الصيني المصري، قال السفير الصيني بالقاهرة أنه بفضل القيادة الاستراتيجية للرئيس شي جين بينغ والرئيس عبد الفتاح السيسي، تبقى الصين كأكبر شريك تجاري لمصر لـ13 عاما متتاليا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي 17.4 مليار دولار، بزيادة 10% على أساس سنوي، وتعد الصين من أنشط المستثمرين وأسرعهم نموا في مصر. وفقا لإحصاءات الجانب المصري، بلغت الاستثمارات الصينية التراكمية في مصر 9 مليارات دولار لغاية نهاية العام المالي 2023/2024، وتوجد أكثر من 2000 شركة ممولة جزئيا أو كليا من قبل الصين مسجلة في مصر، الأمر الذي يجسد دعم الصين الكبير للعملية الصناعية في مصر.
من جانبه قال ماو لي المدير العام للمكتب الإقليمي لوكالة شينخوا فى الشرق الأوسط إن الصين تلتمس الجهود الدؤوبة التي تبذلها الحكومة المصرية والشعب المصري لتعزيز التحديث والسعي نحو حياة أفضل، ونحن دائما مصابون ومتأثرون بالتغييرات والتقدم الملموس والمرئي.
وأوضح لي أنه في إطار التعاون، مثل البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، من العاصمة الإدارية الجديدة لمصر إلى منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري في السويس، ومن مدينة العلمين الجديدة إلى صحراء كوم أمبو في أسوان، يشارك عشرات الآلاف من الصينيين بعمق في عملية تحديث مصر. ومن "أطول مبنى في إفريقيا" في منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة إلى منطقة تيدا السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني والمصري على شاطئ البحر الأحمر؛ ومن فريق بناء آبار المياه الصيني في أعماق الصحراء إلى عمال الكهرباء الذين يضمنون إمدادات الطاقة المحلية المستقرة.
وأكد المدير العام للمكتب الإقليمي لوكالة شينخوا فى الشرق الأوسط أن الوكالة تلتزم بتعزيز العلاقات الودية والتفاهم المتبادل بين الصين ومصر ودول الشرق الأوسط الأخرى، قائلا :"نحن على استعداد لمواصلة العمل كجسر للتواصل والتعاون وكرابط للتبادلات الثقافية بين الصين ودول الشرق الأوسط في المستقبل، سنواصل تقديم تقارير متعمقة عن التقدم الجديد والإنجازات والنقاط البارزة الجديدة في التعاون العملي بين الصين ودول الشرق الأوسط، ومواصلة سرد قصة الصين ودول الشرق الأوسط في السعي نحو تحقيق حلم التحديث معًا".
فيما أوضح عصام شرف رئيس وزراء الأسبق إن مبادرة السلام العالمي الصينية تسعي إلي الالتزام بمقاصد و مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التسوية الخلافات والنزاعات من خلال الحوار والتشاور.
وأشار شرف إلى ضرورة تعامل الدول مع تنوع الحضارات ليس باعتباره "مصدر" صراع عالمي، بل كمحرك يدفع تقدم الحضارات الإنسانية.
وأكد عصام شرف إن التغييرات الرئيسة المطلوبة في العلاقات الدولية، تتضمن تطوير نموذج جديد للمنافسة بين القوى الكبرى، وتحويل المخاوف مشتركة الأمنية إلى مواجهة للتهديدات الكونية، وتعزيز التعاون الاقتصادي المربح للجانبين بدلاً من المنافسة التجارية والتكنولوجية ذات المجموع الصفري، ودمج الممارسات والحوكمة غير الغربية مع النظام الغربي لتحقيق القيم الإنسانية العالمية، وإدارة التنمية الاقتصادية بطريقة تضمن التوازن البيئي.