من البحر الأحمر إلى أصفهان.. هشاشة نظام إيران وأذرعه في مواجهة الغرب
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
بعد 24 ساعة، تكشفت تفاصيل الضربة التي وجهتها إسرائيل للنظام الإيراني بقصف مواقع عسكرية بأصفهان فجر الجمعة، رداً على الهجوم الذي شنه النظام الإيراني عليها فجر الأحد.
حيث كشفت تقارير أمريكية وغربية بأن طائرات إسرائيلية من طراز "إف 35" أطلقت عدة صواريخ واستهدفت منظومة رادار للدفاع الجوي مكلفة بحماية منشأة نطنز النووية بأصفهان، التي توصف بأنها قلب البرنامج النووي الإيراني.
المنشأة التي تم فضح أمرها من قبل المعارضة الإيرانية عام 2002م، تُعد أكبر منشأة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران وتتكون المنشأة من ثلاثة مبانٍ كبيرة تحت الأرض، قادرة على تشغيل ما يصل إلى 50 ألف جهاز طرد مركزي.
وسبق وأن تعرضت المنشأة لعدة هجمات "سيبرانية" كان أخطرها عام 2021م، بعد أن أدى الهجوم إلى تلف كبير في أجهزة الطرد المركزية بالمنشأة وتسبب في عرقلة مشروع إيران النووي لمدة عام وفق تقارير استخبارية أمريكية، وهو ما دفع إيران حينها إلى وصف الهجوم بأنه عمل إرهابي واتهمت إسرائيل بالوقوف وراءه.
ما يجعل الهجوم رسالة تحذير إسرائيلية شديدة اللهجة إلى النظام الإيراني، بقدرة تل أبيب على نسف حلمه النووي باستهداف قلب المشروع النووي المتمثل بمنشآة نطنز، كما صنعت باغتيال عقل المشروع وهو العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري في طهران أواخر عام 2020م.
هجمات بالأمس واليوم تعيد التذكير بحقيقة الانكشاف الذي يعاني منه النظام الإيراني عسكرياً واستخبارياً، حيث يفتقر النظام إلى أنظمة دفاع جوية حديثة قادرة على التصدي بفعالية للصواريخ وللطائرات الحربية أو المُسيرة الأمريكية والإسرائيلية التي تعد الأحدث عالمياً، ما يسهل على واشنطن وتل ابيب استهداف المواقع الإيرانية بدون عناء.
كما أن الاختراق الواضح الذي يعاني منه النظام الإيراني يسهل أيضا على إسرائيل وأمريكا اغتيال قادة القوة الضاربة للنظام والمتمثل بالحرس الثوري الإيراني، في مناطق انتشاره كالعراق وسوريا، كما حدث مع الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قنصلية إيران في دمشق مطلع أبريل الجاري وقتل على أثرها 7 من كبار قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ومثلت هذه الضربة إحراجاً غير مسبوق للنظام الإيراني أجبره على الرد لأول مرة بشكل مباشر نحو إسرائيل، فجر الأحد، بأكثر من 300 صاروخ وطائرة مُسيرة، تمكنت إسرائيل وحلفاؤها الأمريكيون والأوروبيون من إسقاط 99% منها.
ليقدم هذا الهجوم دليلا إضافياً على ضعف الترسانة العسكرية للنظام الإيراني وأن أغلب ما ينتجه من طائرات مُسيرة وصواريخ متأخرة تقنياً وغير قادرة أن تتغلب على ما يتملكه أعداء النظام من أنظمة دفاع جوي حديثة ومتطورة.
في حين أن طريقة الهجوم أظهرت بشكل واضح حرص النظام الإيراني على عدم التسبب في أي خسائر بالجانب الإسرائيلي ستدفع تل أبيب وحلفاءها لرد قوي قد يتطور إلى حرب مفتوحة.
ذات المشهد تماماً ينطبق على حال ذراع النظام الإيراني في اليمن والمتمثل بجماعة الحوثي وتعاملها مع الضربات التي يتلقاها منذ أشهر من قبل أمريكا وبريطانيا على خلفية استهداف الجماعة للملاحة الدولية بالبحر الأحمر وخليج عدن.
ولعل أقوى ضربة تلقتها الجماعة كانت أواخر ديسمبر الماضي، بمقتل 10 من عناصر مليشياته بتصدي القوات الأمريكية الموجودة في البحر لمحاولة قامت بها عناصر الجماعة على متن 4 زوارق اختطاف سفينة تجارية، على غرار خطف السفينة "غالاكسي ليدر" قبل شهر من الحادثة، التي مثلت رادعاً حقيقياً بعجز الجماعة عن اختطاف أي سفينة أخرى.
وعقب الحادثة أصدرت جماعة الحوثي سيلاً من التهديدات نحو أمريكا بالانتقام لمقتل عناصرها، وأعلنت مهاجمة قطع عسكرية أمريكية بالبحر الأحمر وخليج عدن بصواريخ بحرية وطائرات مُسيرة دون أن تحلق بها أي خسائر مادية أو بشرية، واستمرت هذه الهجمات منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
فشل هجمات جماعة الحوثي في إلحاق خسائر مادية وبشرية بالتواجد العسكري الأمريكي بالبحر الأحمر وخليج عدن، يعد نتيجة طبيعية لضعف قدرات ما تمتلكه من صواريخ بحرية وطائرات مُسيرة إيرانية، مقارنة بأنظمة الدفاع الجوي الذي تمتلكه القطع الحربية الأمريكية.
إلا أن ذلك لا يعني عجز الجماعة عسكرياً في الانتقام من أمريكا وإلحاق بها خسائر بشرية، حيث يمكن –نظرياً- التغلب على منظومات الدفاع الجوي لقطع عسكرية ما بإطلاق كميات كبيرة من الصواريخ والمُسيرات نحوها، لكن الجماعة تمتنع عن ذلك خشية من تداعيات سقوط خسائر بشرية في صفوف الجيش الأمريكي.
وقائع تكشف حقيقة الهشاشة والضعف العسكري والاستراتيجي الذي يعاني منه نظام إيران وأذرعه في المنطقة بمواجهة القوة العسكرية الغربية وعدم القدرة على تحمل كلفة المواجهة المباشرة معها، وهو ما يفضح كذب الشعارات العدائية ضد الغرب التي يرفعها النظام في إيران وأذرعه في المنطقة منذ 40 عاماً.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: النظام الإیرانی م سیرة
إقرأ أيضاً:
سوريا والنظام العربي المقبل
في الفترة السابقة لم يعد النظام العربي الإقليمي قادراً على مقاومة الكثير من التحديات. كان نظاماً شبه معطل؛ بسبب "الزعيق" الآيديولوجي، وأيضاً بسبب وضع سوريا التي اختارت تحت نظام الأسدين الأب والابن الارتباط بمكوِّن آخر خارج النظام. وسوريا مع مصر، والمملكة العربية السعودية تشكل جميعاً قاعدة النظام العربي المشرقي. فإن استطاع هذا المحور التعاون البنّاء، يمكن أن ينضم إليه آخرون على قاعدة الندية والخير المشترك.
بدأت هذه المسيرة الثلاثية بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومحاولة دول كبرى أن تستقطب دول الإقليم وتزجها في صراعها الأممي، فكان ما عُرف في ذلك الوقت بـ"حلف بغداد"، والذي ضم كلاً من إيران وتركيا وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة، وأُعلن في عام 1955 باسم "حلف المعاهدة المركزية".
بعدها تداعت الدول الثلاث، المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا، إلى اجتماع في مدينة الظهران في المنطقة الشرقية على ضفاف الخليج. ضم الاجتماع كلاً من الراحلين الملك سعود بن عبد العزيز، والرئيسين جمال عبد الناصر وشكري القوتلي، فكان ميلاد ما عرفه المشتغلون بالسياسة بأنه قاعدة النظام العربي الجديد، المعتمد على البُعد عن المحاور والصراعات الدولية، والدفاع عن المصالح العربية. كان ذلك التوجه للنأي بالمنطقة من استنزاف مواردها التي تحتاجها شعوبها للتنمية عن مصالح صراعية دولية، بين ما عُرف وقتها بالمعسكر الغربي والمعسكر الشرقي.
خرجت بغداد من الحلف أواخر عام 1958. وبعد انفراط الوحدة المصرية السورية آخر عام 1961، دخلت سوريا في صراع داخلي، ثم انزلقت إلى حكم الأسرة الأسدية، ومن وقتها ولنصف قرن تقريباً وهي تبتعد عن المحور العربي باتجاه محور إقليمي يناقض كل ما يرغب فيه الشعب السوري.
ذلك التاريخ انقطع أو يكاد ينقطع بسقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وبدخول قوات المعارضة السورية إلى دمشق.
في السنوات الأخيرة "نضج حكم الأسد وأصبح قابلاً للسقوط" لأسباب كثيرة يصعب حصرها؛ من قمع الداخل الذي طال تقريباً كل المكونات السورية، بما فيها ما عُرف بحاضنته الاجتماعية، ومنها سياساته الخارجية العبثية. ورغم محاولة تعويمه في أكثر من مرحلة، فإن مرض الإنكار كان قد تمكن منه، وهو مرض قاتل.
سوريا مهمة لقاعدة النظام العربي من أجل تصليبها. وثلاثية المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا ممكن من جديد أن تكون قاعدة النظام الإقليمي العربي، بعد التطورات التي حدثت في المنطقة، فالمملكة بما تملك من اتصال وثيق بمحيطها الخليجي والعالمي، ومصر بمخزونها البشري، وسوريا هي واسطة العقد العربي، لذلك من الأهمية أن يكون النظام الذي يتمخض عن الثورة الأخيرة منسجماً مع هذا المحور المصري الخليجي، آخذاً بالاعتبار كل التطورات التي مرت بالمنطقة، مع الاستفادة من الدروس الدموية التي دفعتها كل مكونات الشعب السوري.
كثير من المراقبين يرحبون بالتغيير في سوريا، إلا أن هناك بعض التحوطات التي يجب الأخذ بها، منها أن مكوناً واحداً لا يستطيع أن يبحر بسوريا في خضم المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أن سوريا في محيطها العربي هي أكثر أماناً، وأكثر قابلية للفعل على المستوى الدولي.
التحدي أمام النظام الجديد عنوانه الرئيس ألا يقع النظام الجديد في أخطاء النظام السابق الذي أغرق سوريا في القمع والفقر والخوف والعزلة. و"روشتة" الخروج من هذا المأزق هي أربع ركائز: أولاً، نظام سياسي يكفل الحريات لكل المواطنين والمكونات السورية، وينظم السلطات. وثانياً، نظام اقتصادي يكفل العيش الكريم بعيداً عن الشمولية والاستحواذ. وثالثاً، يحوط ذلك نظام قانوني يكفل الحقوق بميزان العدل الإنساني. ورابعاً، نظام إعلامي حر في حدود قوانين حديثة.
الانزلاق إلى الأحادية، والاهتمام بالصغائر والشكليات التي هي مفارقة للعصر وللعقل يدخلان النظام الجديد، وهو هشّ، إلى مداخل مظلمة، ويؤلبان الآخرين عليه، ويتركانه صيداً للقوى الإقليمية المستعدة للقفز من النافذة بعد خروجها من الباب! لأن المسارات النقيضة للنقاط الأربع السابقة، هي "نوافذ" لقفز الآخرين منها على مقدرات الشعب السوري.
يمكن في المرحلة الحالية توصيف ما جرى في سوريا حتى أسبوعين من سقوط النظام، إن استعرنا ضوابط إشارات المرور، بأنه "أخضر وبرتقالي"؛ أخضر في الكلام والوعود، وبرتقالي في بعض الأفعال، كما القول "إن صح" بعزل النساء عن القضاء، وما شابه من تصريحات تقود إلى توسيع حالة البرتقالي الذي بالضرورة سوف يقود إلى الأحمر الذي لا يتمناه أي وطني سوري ولا عربي مُحبّ لسوريا.
آخر الكلام: أي تغيير له شهر عسل، قد يطول وقد يقصر. العمى السياسي أن يعتقد البعض أن شهر العسل لا نهاية له!