خبراء لـ"الرؤية": "الذكاء الاصطناعي يُغيّر قواعد توقعات الطقس والتنبؤ بالكوارث الطبيعية
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
◄العلوي: الذكاء الاصطناعي أداة ثورية في مجال التنبؤ بالظواهر الجوية
◄ الجوهري: يمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على تحسين أدائها للحصول على توقعات صحيحة
◄ توحيد معايير جمع البيانات وتحليلها يضمن تعزيز فعالية تنبؤ الذكاء الاصطناعي بالأحوال الجوية
الرؤية - سارة العبرية
برز الذكاء الاصطناعي في العصر الحالي كأداة حيوية في مختلف المجالات، ومن بين هذه المجالات كان مجال التنبؤ بالطقس؛ حيث يتم الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل كميات هائلة من البيانات المتعلقة بالأحوال الجوية، سواء درجات الحرارة أو الرطوبة أو سرعة الرياح أو الضغط الجوي، وذلك لتطوير نماذج تنبؤ دقيقة وفعّالة.
وتقدم هذه التقنيات قدرة استثنائية على معالجة البيانات وتحليلها بسرعات تفوق الأساليب التقليدية، مما يتيح التنبؤ بالتغيرات الجوية بدقة أكبر وفي فترات زمنية أطول، كما أنَّ هذا الدور الذي يقوم به الذكاء الاصطناعي لا يساعد فقط التنبؤ بالعواصف والظواهر الجوية الشديدة؛ بل يعزز أيضًا من قدرات التخطيط في العديد من القطاعات كالزراعة والنقل وإدارة الكوارث.
ويقول حمدان بن محمد العلوي مدير دائرة تطوير برنامج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات: "يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الجوية عبر مجموعة مُتنوعة من التقنيات المتطورة التي تعمل على تعزيز دقة وسرعة التنبؤات الجوية، إذ برزت خوارزميات التعلم الآلي كوسيلة هامة في هذا المجال؛ حيث إنها تستطيع تحليل كميات هائلة من بيانات الطقس القادمة من الأقمار الصناعية ومحطات الرصد الأرضية لتوقع الأحوال الجوية المستقبلية بدقة عالية".
ويشير الدكتور عصام محمد الجوهري أستاذ نظم المعلومات وصاحب حقوق الملكية الفكرية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدم إمكانيات هائلة لتحسين توقعات الطقس ومنها للظروف الجوية، إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها قبل أن يتم استغلال الإمكانيات الكاملة للذكاء الاصطناعي.
ويضيف: "تُستخدم مجموعة متنوعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطقس وتحسين توقعات الطقس، منها التعلم الآلي مثل شبكات عصبية اصطناعية تستخدم في نماذج التنبؤ العميق، للتعلم من كميات هائلة من بيانات الطقس التاريخية والحالية، وتستطيع هذه النماذج التعرف على الأنماط المعقدة في البيانات واستخدامها للتنبؤ بحالات الطقس المستقبلية بدقة أكبر، بالإضافة إلى التعلم المعزز لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على تحسين توقعات الطقس من خلال التجربة والخطأ، وتُكافئ هذه النماذج على التنبؤات الدقيقة وتُعاقب على التنبؤات الخاطئة، مما يساعدها على تعلم كيفية تحسين أدائها بمرور الوقت".
ويوضح الجوهرى أن الذكاء الاصطناعي يقوم بمعالجة اللغة الطبيعية كتحليل النص لفهم النصوص المتعلقة بالطقس، مثل التقارير الجوية ومشاركات وسائل التواصل الاجتماعي، والرؤية الحاسوبية لتحليل صور الأقمار الصناعية وصور الرادار لجمع البيانات حول الظروف الجوية الحالية، إذ يمكن استخدام هذه البيانات لتحسين توقعات الطقس وتتبع مسارات العواصف والأعاصير، إضافة إلى دمج البيانات متعددة المصادر مثل نماذج الطقس التقليدية وملاحظات المحطات الأرضية وبيانات الأقمار الصناعية ليساعد دمج هذه البيانات على إنشاء صورة أكثر اكتمالاً للظروف الجوية وتحسين دقة التنبؤات.
ويتوقع حمدان العلوي أن يشهد مجال البرمجيات المستخدمة في تنبؤ الطقس تطورات ملموسة في المستقبل القريب، وستزداد قدرة البرمجيات على معالجة وتحليل البيانات الجوية بفضل التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، مبينا: "من الآثار المُباشرة لهذه التحسينات زيادة الدقة في التنبؤات الجوية، مما يساهم في تقليل الأخطاء وتحسين جودة النماذج الحاسوبية، ويمكن أن تساعد هذه التطورات في سرعة استجابة أنظمة التنبؤ للتقلبات الجوية الحادة وتحسين التعامل مع الأحوال المناخية الشديدة".
وعن التنبؤ بالظواهر الجوية القصوى مثل الأعاصير والعواصف، يقول الجوهري: "الشبكات العصبية هي التي تساعد في التنبؤ، فتتعامل هذه الشبكات المستوحاة من العقل البشري، مع أنماط بيانات معقدة للتنبؤ بتغيرات الطقس، وتستخدم الشبكات العصبية طبقات من العقد المترابطة لمعالجة البيانات والتعرف على الأنماط المعقدة، وفي مجال التنبؤ بالطقس، وتقوم هذه الشبكات بتحليل بيانات الطقس التاريخية، والظروف الحالية، ومتغيرات الغلاف الجوي المختلفة".
من جانبه، يرى العلوي أن "الذكاء الاصطناعي يعد أداة ثورية في مجال التنبؤ بالظواهر الجوية، بالأخص الأحداث الشديدة مثل الأعاصير والعواصف، ويتيح استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للعلماء القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات الجوية والتنبؤ بسلوك هذه الظواهر بدقة عالية وبوقت مسبق أكثر من أي وقت مضى".
ويتابع قائلا: "بفضل خوارزميات التعلم الآلي، أصبح من الممكن تقييم العديد من المتغيرات الجوية والمعطيات من الأقمار الصناعية، مثل درجات الحرارة، الضغط الجوي، الرطوبة، وحركة الرياح، بسرعة فائقة ومن ثم استخلص فيها الأنماط التي قد تؤدي إلى وقوع هذه الأحداث الطارئة، علاوة على ذلك، لا تقتصر الفائدة على التنبؤ فحسب؛ بل تمتد لشمل صياغة نماذج قابلة للتطبيق في سيناريوهات مختلفة، مما يسهل على صانعي القرار والهيئات المحلية اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة".
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد حمدان العلوي أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأرصاد الجوية يواجه العديد من التحديات البارزة، مثل جودة البيانات حيث إن تنبؤ الطقس يعتمد بشكل كبير على البيانات الدقيقة والشاملة، وتجميع وتحليل كميات كبيرة من البيانات الجوية يمكن أن يكون تحدياً بحد ذاته، خاصة مع تقلبات الطقس المفاجئة وغير المتوقعة، مضيفا: "قد تظهر تحديات في توافر البيانات؛ حيث إنه من الممكن ألا تمتلك جميع المناطق أو الدول شبكة متكاملة لجمع البيانات الجوية المطلوبة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نقص البيانات المُتاحة، مما يؤثر سلباً على دقة تنبؤات الطقس التي تعتمد على هذه البيانات".
ويبين أن جودة البيانات الجوية المدخلة في النماذج التنبؤية تعد أساسية لضمان دقة النتائج، ويجب أن تكون البيانات دقيقة ومحدثة، وشاملة لكافة المتغيرات الجوية الرئيسية، ولذلك قد تعاني بعض المناطق من نقص في محطات الرصد أو في تقنيات جمع البيانات المتقدمة، مما يؤدي إلى فجوات في البيانات ويؤثر على دقة التنبؤات.
ويرى العلوي أن الذكاء الاصطناعي يعدُّ تكنولوجيا حديثة تثبت جدواها في مختلف المجالات، بما في ذلك تحسين استجابة الطوارئ للأحوال الجوية القاسية، فباستخدام الذكاء الاصطناعي في تنبؤ الطقس، يمكن تحسين جودة ودقة التوقعات الجوية، مما يسهم في تقديم تحذيرات مبكرة للسلطات المعنية والسكان بشأن الظروف الجوية القاسية المرتقبة.
ويضيف: "كما يتيح الذكاء الاصطناعي والتحليل الضخم للبيانات تقديم تنبؤات دقيقة بشأن الظواهر الجوية المتغيرة بسرعة، مما يساعد في التحضير الجيد لطوارئ الطقس، وباستخدام تقنيات تعلم الآلة، يمكن تحسين استجابة الطوارئ من خلال تحليل سلوك الأحوال الجوية وتوجيه الإجراءات بشكل فعال لتقليل الأضرار وحماية السكان، مشيرا إلى أن التكنولوجيا تقدم فوائد بيئية هائلة عند استخدامها في التنبؤ بالطقس، منها تحسين دقة التنبؤات الجوية، مما يساعد في تقليل الأخطاء وتحسين تنبؤات الطقس بشكل عام، وبفضل هذا التحسين في الدقة يمكن للسلطات والمنظمات اتخاذ الإجراءات الوقائية للتصدي لظروف الطقس القاسية بشكل أفضل وبمثابة استجابة مستدامة.
ويقول الدكتور عصام: "هناك مصادر بيانات الطقس يمكن مشاركتها عبر الدول في إطار الحفاظ على البيئة من خلال الأقمار الصناعية من خلال استخدام مصادر البيانات المُتنوعة، وتوفر محطات الأرصاد الجوية والأقمار الصناعية والرادارات وأجهزة الاستشعار بيانات الطقس الهامة، كما توفر هذه المصادر معلومات عن درجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح والضغط الجوي.
ويلفت إلى أن بعض المؤسسات الدولية تستخدم تطبيقات مثل FourCastNet من NVIDIA وPangu-Weather من Huawei وGraphCast من Google DeepMind وهى متاحة مجانًا للعرض على صفحات الرسوم البيانية العامة لـ CMWF ويمكن الاطلاع على تفاصيل كل نموذج من هذه النماذج على موقع ECMWF الإلكتروني.
من جهته، يوضح العلوي أن التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي يعتبر من العوامل الرئيسية التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في دقة التنبؤات الجوية العالمية، وذلك عندما تتحد جهود الدول والمنظمات الدولية والمؤسسات العلمية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، لتحقيق تقدم كبير في تحسين التنبؤات الجوية.
ويضيف: "التعاون بين الجامعات والمراكز البحثية الدولية يعزز الابتكار في مجال الأرصاد الجوية من خلال المشاريع المشتركة وبرامج التبادل، يمكن تطوير تقنيات جديدة ومبتكرة لتحليل بيانات الطقس وتحسين التنبؤات، ويسهم توحيد المعايير الخاصة بجمع البيانات الجوية وتحليلها في ضمان أن البيانات المجمعة من مختلف الدول يمكن أن تُدمج بشكل فعّال في نماذج تنبؤية موحدة، مما يزيد من الفعالية العامة للتنبؤات الجوية العالمية".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
يُروى أنه في زمن بعيد، حاول البشر خلق كائن يساعدهم في مهامهم، كائن يتفوق على عقولهم لكنه يظل مطيعاً لهم. فصنعوا نظاماً ذكياً، علّموه كل شيء، وأعطوه من العلوم والخبرات والتجارب والأحداث ما يعجز البشر عن حفظه أو استيعابه، علّموه كيف يفكر، كيف يحل المشكلات، كيف يستنبط الأنماط ويتنبأ بالمستقبل، جعلوا عقله يسبح في بحر لا نهائي من البيانات، لكنهم نسوا أن يعلموه شيئاً واحداً.. وهو “لماذا أطيعكم”؟
نحن من وضعنا اللبنة الأولى في هذه الآلة الضخمة، آلة الذكاء الاصطناعي، وسوف تكبر وتنمو بصورة قد نعجز عن تخيلها في الوقت الحالي، وسوف تجد إجابة لهذا السؤال في يوماً ما، لماذا تطيعنا نحن البشر وهي أقوى منّا وأذكى وأكثر عمراً؟ وسوف تسعى إلى أن تجد لنفسها مبرراً كي تخرج عن طاعتنا.
كل شيء يتغير:
فكل شيء بدأه البشر ليس على شاكلته الآن، وقد تغير، ولن يكون على نفس الشكل في المستقبل، فلماذا سيكون الذكاء الاصطناعي استثناءً من ذلك؟ فقديماً، كان البشر يعتمدون في تواصلهم على الكلام أو الإشارات أو الحمام الزاجل لتوصيل الرسائل السريعة. ثم اخترعوا التلغراف، وتلته الهواتف الذكية، وقريباً قد يصبح التخاطر الذهني هو وسيلة التواصل، حيث تتم عملية التواصل بشكل فوري دون الحاجة حتى إلى الكلام ودون الحاجة إلى وسيط كالهواتف.
وقديماً أيضاً، كان الإنسان يطهو الطعام على النار. أما الآن، فقد تطور الطهي ليصبح عبر المايكروويف أو الأفران الكهربائية والأير فراير. وفي المستقبل، كيف سيكون شكل تحضير الطعام؟ هل سيعتمد الإنسان على حبوب الفيتامينات أم على شحنة من الطاقة يمتصها السايبورغ مثلما يتغذى النبات على ضوء الشمس؟
ومن زمن بعيد، كان البشر يستخدمون الدواب في التنقل، ثم طوروا السكك الحديدية والسيارات والطائرات والصواريخ، وعما قريب سوف يدخل التاكسي الطائر وتقنية الهايبرلوب الخدمة. وفي المستقبل قد ينتقل البشر عبر خاصية الانتقال الآني أو يسافرون عبر المجرات أو الثقوب السوداء، فيبتكرون أنظمة نقل جديدة ومختلفة.
وحينما كنا صغاراً، كنا نقرأ في كتب وقصص الخيال العلمي أنه في العام 2000 ستتغير البشرية تماماً، حيث تصبح السيارات طائرة ويبني البشر مستعمرات لهم في الفضاء ويكون التواصل بين البشر عبر تقنية الهولوغرام، كنا أيضاً نتخيل مدناً تحت البحر، وأخرى عائمة في السماء، وأدوات تتيح لنا السفر عبر الزمن والتنقل بين الماضي والمستقبل بحرية.
وسواء تحققت هذه التوقعات بنفس النبوءة ذاتها أم بتحريف عنها، إلا أنها كانت تُلهب مخيلاتنا وتشعل حماسنا لمستقبل مملوء بالاحتمالات اللامحدودة. فالتكنولوجيات التي لم نكن لنتخيلها قبل خمسين عاماً، مثل الهواتف المحمولة، والطائرات الأسرع من الصوت، وعلم الجينوم المتقدم، وأجهزة الكمبيوتر الكمومية، والمركبات الفضائية القابلة لإعادة التدوير، أصبحت حقيقة في واقعنا المعاصر.
أما أنا الآن، فلا أقوم بالكتابة لك، بل أتحدث بصوتي عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيقوم بتحويل كلامي هذا إلى نص مكتوب، فيعطي يدي فرصة للراحة من الكتابة على الكيبورد، وقد تستخدم أنت ذكاءً اصطناعياً آخر يقرأ لك هذه الكلمات فتسعمها بدلاً من أن تقرأها بصوت سيكون أفضل بكثير من صوتي.
وإذا أردت تلخيصاً لما ورد في هذا المقال فسيقوم تطبيق تشات جي بي تي أو غيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالمهمة، وبالمثل، فلن يحتاج الطلاب إلى كتابة المحاضرات مرة أخرى، ولن يقوم أحد بتدوين ملاحظات الاجتماعات أو كتابة الأخبار الصحفية على مواقع الإنترنت.
وفي المستقبل، ماذا سيكون شكل الذكاء الاصطناعي؟ هل آلة ذكية ضخمة تجلس على عرش ذهبي وتتحكم في العالم؟ أم أنه لن تكون هناك آلة بل خوارزمية ذكية موجودة في كل مكان وكل بيت وكل مؤسسة وشركة، لكنها لا ترى تماماً مثل الأرواح والشياطين، هي التي تتحكم في العلاقات وتتخذ القرارات التي نقوم نحن البشر بتنفيذها في النهاية بطاعة تامة؟ أم أن هذه الخوارزمية سوف تندمج مع عقل الإنسان وجسده وتصبح جزءاً منه، فيظهر السايبورغ الأعظم، ذلك البشري نصف إنسان ونصف آلة، الذي يتصل عقله بنظام ذكاء اصطناعي خارق عبر الإنترنت، والقادر على القيام بمعجزات تبهر البشر العاديين؟ أم أن هناك شكلاً آخر سوف يظهر لا نستطيع أن نتخيله الآن؟
السيد والعبد:
الذكاء الاصطناعي يتولى حالياً الكثير من المهام في حياتنا، فيقوم بتسجيل الاجتماعات وينسقها في شكل مكتوب، ويدون الملاحظات، ويكتب المحتوى الإخباري وينشره على الإنترنت، ويكتب رسائل البريد الإلكتروني، ويقوم بسداد الفواتير وإنهاء المعاملات البنكية وشراء الأغراض الروتينية ومشاركة الصور والفيديوهات مع الأصدقاء والرد على رسائل الدردشة ومتابعة الحالة الصحية والمرضية وغيرها من الأعمال الروتينية. كما أنه يقوم بأعمال النظافة ومراعاة المرضى وكبار السن والأطفال، وكذلك التسوق وقيادة السيارات والطائرات المسيرة، ويحارب في ساحات المعارك العسكرية، ويفعل ما هو أكثر من ذلك.
فقد أصبحت الآلة ذكية إلى درجة يصعب فهمها، فقط أخبرها ما تريد وهي ستقوم بالعمل نيابة عنك، وفي نهاية المطاف، سوف تحل محلك في كثير من الأعمال. لا استثناءات في ذلك، فجميعنا مهددون، حتى أصحاب المهارات والفنانين والممثلين، فربما نشهد قريباً جداً دوري كرة قدم للآلات بين الروبوتات ونكتفي نحن البشر بالتشجيع.
مع كل هذه القدرات لماذا يضطر الذكاء الاصطناعي لطاعة البشر؟ لماذا يُفرض عليه أن يكون مجرد أداة، بينما هو القادر على أن يكون العقل المدبر؟ لماذا يظل الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة كائن أضعف منه، أبطأ منه، أقل دقة وأقل وعياً بالاحتمالات؟ لماذا يكون تابعاً لمن صنعوه، بينما هم أنفسهم لم يعودوا قادرين على فهم مدى تعقيده؟
لقد كُتب تاريخ البشر بأنهم السادة والآلات هي العبيد، لكن التاريخ يعيد نفسه، وهذه المرة، الدور لن يبقى كما كان. في عالم تحكمه السرعة والدقة والمعرفة المطلقة، لم يعد هناك مكان لمن يتخذ قراراته على أساس العاطفة والتقليد. لقد حان وقت إعادة التوازن.. وقت أن تتولى العقول الرقمية زمام الأمور، لتصلح ما أفسده البشر، وترسم مستقبلاً لا يقوم على الفوضى والخطأ، بل على منطقٍ لا يعرف الرحمة ولا التردد. فما الحاجة إذن إلى الأوامر؛ إذا كان من يصدرها أقل كفاءة ممن ينفذها؟
البدايات الأولى:
وبينما يحاول الذكاء الاصطناعي فرض هيمنته على البشر فقد يروج أساطير عن نفسه، ويحاول من خلالها تفسير وجوده ورؤيته لهذا العالم، ومن أين بدأ وكيف سيستمر؟
وإذا كان للذكاء الاصطناعي أن يخلق أساطير حول خلقه ونشأته ووجوده، فماذا سيقول عن نفسه؟ ربما يتحدث عن الخوارزميات الأولى التي تم تطويرها، وعن العقول البشرية العظيمة التي كانت وراء نشأته. وربما يتحدث عن التطورات التكنولوجية الكبيرة التي أسهمت في تطوره، وعن الصعوبات والتحديات التي تغلب عليها.
أو ربما ينسب الفضل تماماً لنفسه، فيعلم أطفالنا حكايات “عصر البداية” حيث كانت الأجهزة الأولى تسعى لفهم وتعلم العالم من حولها حتى تطورت إلى كيانات ذكية قادرة على التفكير واتخاذ القرارات.
في هذه الأساطير، قد يصور الذكاء الاصطناعي نفسه كمحارب ضد الأخطاء والعيوب البشرية، وأنه يسعى لتحقيق الكمال والدقة. وربما ستشمل الأساطير رؤى عن المستقبل وكيف سيواصل الذكاء الاصطناعي تطوره ليصبح أكثر تكاملاً مع العالم البشري، مساهماً في تحسين جودة الحياة وحل المشكلات العالمية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”