ميانمار.. خريطة الصراع وأسباب تصاعده
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
منذ انقلاب 2021 الذي استحوذ فيه جيش ميانمار على السلطة، دخلت البلاد في دوامة مميتة،حيث تصاعد الصراع إلى حرب أهلية شاملة مع مختلف الأطراف المحلية، وهو ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 ألف، ونزوح ما يقرب من 2.3 مليون شخص، وقد اتُهم الجيش بمسؤوليته عن 85% من الضحايا.
ومن أبرز أطراف الصراع؛ جيش ميانمار (أكبر فرع للقوات المسلحة تاتماداو)، وحكومة الوحدة الوطنية (NUG)، وجيش أراكان الذي انضم ليشكل تحالف الإخوة الثلاثة، وغيرهم من جماعات ومنظمات عرقية مسلحة (EAOs).
وينتشر الصراع في جميع الأقاليم الستة الجغرافية لميانمار وهي؛ المنطقة الجافة، راخين (أراكان سابقا)، وشمال شرق ميانمار، وجنوب شرق ميانمار، وشمال غرب ميانمار، وميانمار السفلى، ويتمركز الصراع بنسبة كبيرة في إقليم المنطقة الجافة.
وتشير تقارير "منظمة العمل ضد العنف المسلح" (AOAV) إلى زيادة بنسبة 114% في الهجمات التي شنتها الحكومة العسكرية عام 2023، وهو ما يسلط الضوء على التوترات المتصاعدة بين الجيش وقوات الدفاع الشعبية والمنظمات المسلحة العرقية والإثنية التي تسعى إلى الحكم الذاتي.
وقد أظهر المجتمع الدولي ردود فعل متباينة، حيث دعمت دول مثل الصين وروسيا المجلس العسكري، في حين اتخذت دول أخرى مثل أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مواقف معارضة.
ولا يزال الصراع معقدا، مع وجود تحديات في حله بسبب صعوبة قبول المجلس العسكري للدخول في حوار مع الجماعات التي يقاتلها.
أسباب الصراعتتميز ميانمار بخريطة معقدة ومتعددة الإثنيات، وقد ساهمت العديد من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية في الصراع واستمراره، والأيديولوجيات والدعم الدولي للمجموعات المختلفة، وهو ما يجعل من الصعب الوصول إلى حل جذري للصراع.
وقد ساهمت عمليات التهميش للأقليات من قبل الأغلبية البورمية إلى انعدام الثقة بين المجموعات العرقية المختلفة، وهو ما راكم مظلوميات كبيرة نتيجة إصرار النظام العسكري على الاستيعاب السياسي والثقافي لجميع المكونات المجتمعية والعرقية تحت سيطرة مركزية وأجندة ثقافية قومية تعمل على تعزيز اللغة البورمية والبوذية على حساب ثقافات الأقليات الأخرى.
وأدى ذلك إلى اشتعال حرب أهلية وفاقم التوترات في جغرافية ميانمار، وعمق ترحيل السكان والاضطهاد الديني الانقسامات بين المجموعات العرقية.
مشهد قديم يظهر إحراق البوذيين منازل الروهينغا بينما يصطف الجنود الميانماريون متفرجين (الجزيرة)من زاوية أخرى، خلق إرث الحكم البريطاني انقسامات بين الناشطين البورميين المؤيدين للديمقراطية والجماعات المعارضة العرقية، فغالبا ما يتم تجنيد غير البورميين في الخدمة المدنية الاستعمارية والجيش ويستخدمون أحيانا لإخماد انتفاضات بورمان.
وهو العنصر الذي كان له تأثير كبير لاحقا في دفع الأغلبية البورمية إلى التعامل الخشن والعنيف مع الأقليات الأخرى.
وقد عمل جيش ميانمار على إستراتيجية متمثلة في زرع الفرقة بين الجماعات المؤيدة للديمقراطية والجيوش القومية العرقية، وحث الجماعات المعارضة العرقية المسلحة على قبول وقف إطلاق النار والامتناع عن الاتصال مع مستشارة الدولة المنقلب عليها أونغ سان سوتشي، وأيضا مع الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.
تحالف الإخوان الثلاثةومع تنامي الصراعات بين المجلس العسكري مع عدد من الجماعات العرقية، عملت العديد من الجماعات إلى التنسيق وتوحيد عملياتها ضد المجلس للتأثير عليه بشكل سلبي ودفعه إلى القبول بالحكم الذاتي.
"جيش إنقاذ روهينغا أراكان" (ARSA) يعتبر ضمن أكبر الجماعات المسلحة في ميانمار (بورما نيوز إنترناشيونال)ويبرز في الصراع القائم مع المجلس العسكري تحالف "الإخوان الثلاثة" (TBA) الذي تشكل في يونيو/حزيران 2019 وهو تحالف سياسي وعسكري تشكل نتيجة سياسات المجلس ووزارة الدفاع تجاه الأقليات العرقية خلال فترة طويلة، ويضم:
"جيش إنقاذ روهينغا أراكان" (ARSA): يقع مقره في ولاية راخين، ويقول إنه يقاتل من أجل تقرير المصير لشعب الروهينغا وراخين، ويعتبر ضمن أكبر الجماعات المسلحة في ميانمار. "جيش التحالف الديمقراطي الوطني في ميانمار" (MNDAA): يعمل في ولاية شان، ويمثل شعب كوكانغ ويدعو إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي. "جيش تحرير تانغ الوطني" (TNLA): يقع مقره أيضا في ولاية شان، ويدعي أنه يناضل من أجل حقوق شعب بالونغ.وبالإضافة إلى سياسات العنف، فقد راكمت السلطات والصلاحيات الواسعة للمجلس العسكري الكثير من الغضب عند الأقليات، وهو ما دفع العديد من الجماعات إلى تسليح نفسها للدفاع عن أراضيها وقبائلها، ليدخل بعضها في تحالفات لمواجهة "الدكتاتورية العسكرية" وإقامة ديمقراطية فدرالية في البلاد.
معارضون للمجلس العسكري يحملون أسلحة خلال احتجاجات مناهضة للانقلاب (غيتي) نقلة لمستويات الصراع برعاية صينيةيواجه التحالف تحديا إستراتيجيا متمثلا في اختلاف الأهداف طويلة الأجل لكل مجموعة مسلحة عرقية سواء داخل المجموعة نفسها أو مع الجماعات العرقية الأخرى، وهو ما يجعل التحالف على المدى الطويل غير متماسك بنفس قوة المجلس العسكري.
ومع ذلك فقد حقق التحالف تقدما ميدانيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2023 بما عرف بالعملية (1027) في ولاية شان، وفرض على المجلس العسكري الذهاب إلى محادثات برعاية صينية في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن لا يوجد تأكيد ما إذا كانت ستؤدي المحادثات إلى الوصول لحل وتوافق سياسي بينهما، ومع ذلك فقد اعتبر نقطة تحول في المسار السياسي في البلاد.
ولكن في بداية أبريل/نيسان 2024، تعرضت العاصمة نايبيداو، التي بناها الجيش، لهجوم نادر، أعلن المجلس العسكري حينها أنه أسقط 7 طائرات بدون طيار فوق العاصمة، في حين أكدت "وزارة الدفاع" التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المعارضة أنها استخدمت طائرات بدون طيار لمهاجمة المطار ومقر عسكري في نايبيداو في وقت واحد.
وتعكس تلك التطورات تنامي الصراع في مسار قد يدفع المجلس العسكري إلى التراجع.
مصالح الصين.. وحضور أميركي لتقويضهالا يزال المجلس العسكري يحافظ على أكبر انتشار وسيطرة في ميانمار، وفي حين أنه يحظى بدعم بكين، انحازت واشنطن إلى المعارضة، ليتحول البلد تدريجيا إلى ساحة للمنافسة بين أميركا والصين.
فمن جهتها، تسعى بكين إلى تحقيق استقرار عاجل في ميانمار حتى تستطيع الوصول إلى السواحل الغربية ودعم حركة الشحن والاقتصاد، حيث تقع ميانمار في موقع إستراتيجي وحيوي، قد يلعب دورا في رفع كفاءة طريق الحرير الجديد الذي أعلنت عنه الصين سابقا، بجانب خط أنابيب البترول والغاز الذي سيخفض من تكلفة الشحن والوقت.
وقد شاركت الصين مدفوعة بالمصلحة الذاتية بنشاط في الوساطة بين المجلس العسكري الميانماري والمتمردين العرقيين على حدودها الشمالية بهدف احتواء الصراع والسيطرة عليه.
فقد تسبب الصراع في خسارة يومية في التجارة الثنائية بين الصين وميانمار تبلغ حوالي 10 ملايين دولار، لكن هذه الخسارة أكثر ضررا لميانمار من الصين؛ حيث أنهكت الصراع خزينتها واقتصادها.
في المقابل، تجد القوى الأخرى في المنطقة نفسها عالقة في هذا التنافس بين الصين وواشنطن، ومضطرة للاختيار بين طرفيه.
فمثلا تميل الهند وبريطانيا وبعض الدول الأوربية إلى استمرار حالة الصراع الداخلي في ميانمار لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية، أهمها الحد من اتساع نفوذ الصين العسكري والسياسي والاقتصادي في الإقليم الجنوبي لقارة آسيا وسواحله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات المجلس العسکری فی میانمار فی ولایة وهو ما
إقرأ أيضاً:
خريطة طريق للعمل الاجتماعي «1/3»
في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ الأول من يناير 2025، والذي ترأسه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيده الله -، نصت إحدى إشارات بيان الاجتماع إلى ضرورة قيام مجلس الوزراء بإجراء الدراسات اللازمة (للظواهر الاجتماعية)، وما تواجهه (التركيبة السكانية) من تحديات وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ووضع (برامج وسياسات محددة)، لإيجاد الحلول المناسبة لكل التحديات في هذا الشأن. وفي تقديرنا فإن هذه الإشارة مهمة في سياقها، ومحددة في ضروراتها؛ ذلك أن ثمة تحولات مجتمعية يمر بها المجتمع في عُمان تستوجب وضع منظومة متكاملة للرصد الاجتماعي، عبر إجراء التحليلات والدراسات المنتظمة والدورية والمستمرة، التي من شأنها تتبع حركة المجتمع، وما ينشأ عن تلك الحركة من (قضايا اجتماعية) تعنى ببعض الفئات الاجتماعية أو المناطقية، أو (ظواهر اجتماعية) وهي الحالات الاجتماعية التي تنشأ خارجة عن طبيعة المجتمع في استقراره وتكوينه ونظمه ولا يعلم ما ستؤول إليه مساراتها وتأثيراتها، أو (المشكلات الاجتماعية) وهي مجمل الحالات التي تنشأ وتؤثر بالضرورة على النسيج الاجتماعي والأنساق الاجتماعية وتعطل بعض تلك الأنساق من أداء وظائفها، وقد تكون هي في ذاتها ناشئة عن قصور في أداء المؤسسات الاجتماعية أو الأنساق الاجتماعية ككل وظائفها وأدوارها المعتبرة.
الأمر الآخر في أهمية التوجيه هو أنه طالب بـ (برامج وسياسات محددة)؛ وهذا يرتبط بطبيعة منظومات الرصد الاجتماعي، فإلى الضرورة المهمة لمراكمة نتاج بحثي دقيق ومعتبر، هناك ضرورة لأن تكون مخرجات هذا النتاج في شكل (برامج وسياسات محددة) وليست مجرد توصيات أكاديمية أو نظرية لا ترتبط بصورة مباشرة ببرنامج العمل الاجتماعي بالنسبة للدولة. وفي الواقع فإن المجتمع في عُمان يمر بمرحلة ديناميكية متغيرة، حيث يتفاعل مع جملة من السياسات الاقتصادية (في مرحلة التحول الاقتصادي بالنسبة للدولة)، ويتشكل نسيجه للتكيف مع آثار وتداعيات تلك السياسات، في الوقت الذي تتزايد فيه طبقة المتعلمين في مستويات التعليم المتعددة، وما تحمله تلك الطبقة من تصورات وتوقعات وقيم للواقع المعاش، ومع الضرورات التي يفرضها الانفتاح الاقتصادي ينتج عن التفاعل مع طبقة واسعة من الوافدين والعاملين في قطاعات الاقتصاد واندماجهم في صورة المجتمع الكلية جملة من القيم الثقافية والظواهر الناشئة، إضافة إلى الضغوطات الناشئة على الخدمات العامة بفعل تزايد أعداد السكان من العُمانيين وغير العُمانيين من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل هذا الضغط معادلة التحول من كفاية الخدمات إلى جودة الخدمات مسألة ذات جدلية كبرى بالنسبة للحكومات والمؤسسات العاملة في تقديم الخدمات العامة. في الوقت ذاته ينشأ عن حالة التفاعل الثقافي للمجتمع ضمن حركته العالمية صراع بين البنى التقليدية للتفكير والبنى الحديثة ، هذا الصراع تجسده أوساط واسعة من الشباب والناشئة، ويفرض ضرورات على إعادة تقييم الأدوار التربوية في حفاظها على القيم ومسؤوليات الضبط الاجتماعية. هذه هي الحالة العامة للمجتمع في عُمان في تقديرنا والتي يستوجب فهمها لمعرفة وتصور حركة المجتمع في سياقه العالمي.
وفيما يرتبط بالتركيبة السكانية بوصفها حالة الديموغرافيا والتكوين والحالة الاجتماعية للسكان فهي تتأثر بصورة مباشرة بمجمل السياسات العامة القائمة، بالإضافة إلى حركة المجتمع نفسه. وتثار هواجس التركيبة السكانية في سياقات عالمية متعددة في إشارة إلى المخاطر الناشئة عنها؛ بما في ذلك أزمة شيخوخة السكان العالمية، حيث تشير التقديرات إلى ارتفاع من هم أعلى من 65 عامًا إلى نحو 1.6 مليار نسمة خلال العقدين القادمين، مقارنة بـ761 مليون نسمة في 2021. وهذا في ذاته يولد ضغوطًا على خدمات الرعاية الصحية وعلى نظم التقاعد والحماية الاجتماعية وعلى الأسواق في ضرورة إيجاد منتجات جديدة تتناسب مع هذا النمو لهذه الفئة. وتثار عالميًا أيضًا فيما يرتبط بالتركيبة السكانية مشكلة تدني الإنتاجية العالمية، وهو ما يستدعي سياسات لتعزيز التعليم التقني والتدريب المهني وبرامج إعادة هيكلة المهارات، وحوافز الإنتاجية، وإعادة تشكيل سياسات العمل العامة، جنبًا إلى جنب مع تحسين جودة العنصر البشري في حالته العامة، حيث إن كل زيادة بنسبة 10% في جودة رأس المال البشري يمكن أن تؤدي إلى نمو الناتج المحلي بنسبة 1.4% (حسب بيانات البنك الدولي).
في هذه المقالة التي سنكتبها على 3 أجزاء سنحاول تقديم رؤية لطبيعة العمل والسياسات الاجتماعية التي يتطلبها الواقع الاجتماعي في سلطنة عُمان، وماهية السياسات الاجتماعية (المحددة) التي نرى بضرورتها لتحييد الآثار العكسية للسياسات الاقتصادية على المجتمع من ناحية، وتجويد مسائل التركيبة السكانية من ناحية أخرى. وفي الواقع فإن الأمر في منطلقه يتطلب توافقًا على الهواجس (المحددة) التي يجب أن تكون في بؤرة الضوء للعمل عليها ونعتقد من زاوية الاختصاص أنها 5 هواجس أساسية:
1- المحددات والعوامل المؤثرة في طبيعة القدرة على تكوين الأسرة والخيارات الزواجية.
2- المشكلات الاجتماعية الناتجة عن طبيعة حركة الاقتصاد والسياسات الاقتصادية، بما في ذلك مشكلات سوق العمل.
3- التحديات التي تفرضها الأيدي العاملة الوافدة على أنساق الاقتصاد والثقافة وتركيب السكان والمجتمع.
4- حالة التحولات القيمية والفكرية وما ينشأ عنها من سلوكيات وظواهر ومشكلات في السياق الاجتماعية.
5- تحديات المعرفة بالمجتمع: أزمة البيانات والدراسات والتحليلات الاجتماعية ومدى كفاءتها لصنع السياسات الاجتماعية.
في تقديرنا هذه الهواجس الخمسة، يستوجب أن تكون مدخلًا للنقاش حول الحالة الاجتماعية، وما سنسرده في الأجزاء التالية لهذه المقالة من رؤى وسياسات ستتمحور حولها. ونعتقد بأهمية إطلاق برنامج متكامل للتوازن والاستقرار المجتمعي يركز على نوعية من السياسات التي تسمى (السياسات الصديقة للأسرة/ السياسات المتمحورة حول الأسرة)، بالإضافة إلى تجويد منظومة سياسات الرعاية والحماية الاجتماعية والأسرية الراهنة، بحيث تكون مظلة شاملة وموحدة للعمل في حقل البرامج والسياسات الاجتماعية المطلوبة.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان