جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-03@03:59:23 GMT

أمة في قلب رجل

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

أمة في قلب رجل

 

 

الطليعة الشحرية

 

تُختصر وتُختزل الأمم بالمواقف والأفعال الثابتة على مبادئ الحق والعدالة والمساواة، واختلت موازين القيم اليوم وتكشفت هشاشة وتعفن قلب هذه الأمة.  تمر الأمة الإسلامية بسنوات ضعف جديدة مُنذ انهيار الدولة العثمانية ودخول المستعمر الإمبريالي وتقسيم الشرق إلى دويلات وإنشاء كيانات وظيفية بعضها حديث النشأة وفق أنظمة وانتماءات منقوصة.

سنوات الضعف التي تعيشها الأمة الإسلامية لم تنته ولم يستفق أحد من غيبوبته وسكرة مخدرات القوميات والنزاعات المذهبية والطائفية. تشبه سنوات الضعف للأمة الإسلامية بحرب الأفيون الأولى والثانية والتي أشعلتها القوى الاستعمارية البريطانية مع الصين وانتهت بسقوط سلالة تشينغ الصينية وانتهاء الإمبراطورية الصينية. تُعتبر حرب الأفيون من أقذر الحروب في التاريخ.

حرب الأفيون والشرق الأدنى

نشب نزاع مُسلح بين بريطانيا الاستعمارية وسلالة تشينغ ومن ثم انضمت فرنسا إلى جانب بريطانيا في حرب الأفيون الثانية وتعرف أيضًا باسم "حرب السّهم" أو "الحرب الأنجلو-فرنسية في الصين".

أدّت الحروب والمعاهدات التي فُرضت تباعًا إلى إضعاف أسرة تشينغ والحكومة الإمبراطورية الصينية، وأجبرت الصين على فتح موانئها أمام حركة التجارة الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، أخذت بريطانيا حقّ السيادة على هونغ كونغ.

وبنفس الخطوات التي أسقطت سلالة تشينغ الصينية تم إسقاط الدولة العثمانية وأضعاف الشرق الأوسط؛ فتاريخيا الشرق هو قلب الصراعات مُنذ بزوغ فجر الإمبراطوريات، فلا تتحققت سيطرة لأي تكتل أو قوة إلّا ببسط السيطرة على الشرق سواء كان بتحالفات أو معاهدات أو تشكيل مُعسكرات ولاء. وهناك من يدين بالولاء للدولة الرومانية وهناك من يدين بالولاء للدولة الساسانية، بينما ينشغل تلك التكتلات الوظيفية الموالية بخلق نزاعات قبلية وقومية، ومذهبية، وطائفية وحزبية. اللعبة ذاتها لم تتغير وإن تطورت مسمياتها.

الرجل المريض لم يُشفَ بعد..

سمى الأوربيون الدولة العثمانية إبان أفولها بـ"الرجل المريض" وهو تشبيه صائب، لكن تلك الصورة لم تنته؛ بل اختُزلت في إطار ومساحة العثمانيين، والحقيقة أنَّها صفة أوسع وأشمل للعالم الإسلامي اليوم. عالمٌ لم يشف من الاستعمار وتآمره، يتعايش مع سنوات الضعف بكل أريحية، وقسمٌ منهم تتم إبادته وترتكب المجازر بشكل مُتكرر منذ 7 من أكتوبر 2023، والكل متفرج ويدعو لضبط النفس. وهناك قسم آخر يُقتل ويُغتصب وبصمت في السودان وسوريا، أليس من الغريب أن تجتمع على هذه الأقسام جميعها صفة التفرُّج بصمت وكأنَّه شريط سينمائي أنتج لشارلي شبلن بالأبيض والأسود، البطل فيه صامت والجمهور يشيح بوجهه ويدعو الله بريبة القلق.

تفوقنا على أنفسنا اليوم بالقدرة على الحديث والانتقاد وللأسف نحو الاتجاه المعاكس. وعندما تُختزل قضية الأمة وتُقزّم وتُؤطر في نطاق قومي طائفي ضيق فما ذلك سوى عملية تهميش، وما يحصل اليوم في سوريا وغزة والسودان سيطال الجميع بلا استثناء إن لم ينبض القلب الضعيف للرجل المريض.

قلب الأمة في رجل

لا يتطاول التائهون في الأرض إلّا على العظماء، وموقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي والتزامه وثباته على الحق تجاه القضية الفلسطينية رغم أنوف المتصهينين العرب والكيانات الوظيفية المتصهينة الذين يحاولون التشويش على صوته، بإطلاق حملات وحرب إلكترونية شعواء وإن حاولت التشويه وتحريف الكلام أحيانا بأهمية ما يصرح به سماحته وخصوصًا في مثل هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها الأمة الإسلامية. سماحة الشيخ لا يتحدث من منطلق مذهبي أو من رؤية مقتصرة على منظورات أٌحادية، وإنما يتحدث بلسان وقلب الأمة الإسلامية ذات الإرث التاريخي الضخم والمتعدد الأقطاب، ولا يقبل المركزية والمقتصرة على قومية وعرقية وحزبية وطائفية لا تسمح بالشمولية. ولا ينسى كل من يحرك لجانه الإلكترونية بتخبط وعشوائية اعتدنا عليها من طُعم تائهة. مقولة سماحة الشيخ في أحد اللقاءات المتلفزة عند التطرق إلى المذهب مقولته الشهيرة "كلها ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسدِ".

الاصطفاف استراتيجي

في لحظات الانفلات والتحرر من الأطر العبثية المفروضة، نهرب أحيانًا من ضجيج وصخب هذا العالم المكتظ بالمسميات والألقاب، عالم يتقيأ فيه التائهون والمشوهون باحثين عن سلام التطبيع مع كيان لقيط، ويتحايلون على الأمة المريضة بعقلها الجمعي المُغيّب مؤقتًا، خشية الاستيقاظ القادم بعد أن تستفحل فوضى ربيعية أخرى.

بلاء هذه الأمة النائمة وجود كيانات وظيفية تائهة تقتات في غيها وطغيانها على البترودولار وتستمد وجودها من حداثة بلا أصالة، تعلم يقينًا أن مجرد فكرة اصطفاف استراتيجي شرق أوسطي إسلامي، يشمل كل الأقطاب- وإن تنوعت القوميات واختلفت المذاهب والطوائف- يقوِّض وجودها ككيان وظيفي يخدم مصالح المشروع الاستعماري الإمبريالي الصليبي الصهيوني. فيتضخ الدعم المنقطع النظير لتشكيل خلايا وذباب إلكتروني يُقلِّب ويُوجِّه الرأي العام.

ولذا يتوجب على العلماء والمفكرين والمثقفين والمنظرين والمشاهير في هذه الأمة إخراج رؤوسهم من جحر النعامة الذي دُفنوا فيه، فحق الكلمة واجب، والأخلاق الإنسانية تُحتم عليهم فض غبار الاستعمار الطوعي، والسعي لوضع مشروع استراتيجي تصطف حوله كل الأطياف والقوميات تحت لواء أممي.

ماذا لو- تخيل فقط- تجمعت القوميات والطوائف والمذاهب تحت تحالف استراتيجي شرق- أوسطي يشمل إيران وتركيا ودول الشرق الأوسط والتي هي نقطة التقاء للتدافع والصراع الحضاري تاريخيًا، فإذا تشكَّل هذا التحالف والتكتل بثقله السكاني المالي وثرواته  وارتحل به بحرية  الأفراد  والأفكار، فمن ستسوِّل له نفسه إعادة تشكيل الخريطة وإعادة التقسيم والتهجير والإبادة؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة واغتيال الدولة تحت غطاء الحرب (1-3)!!

Mohammedabdalluh2000@gmail.com

اليوم يدخل السودان يومه الـ745 في أتون حرب عبثية مزقت أوصاله ودفع فيها المدنيون كلفة لا تحتمل من القتل والدمار والتشريد، ولم تعد هذه الحرب مجرد صراع بين طرفين، بل حرب شاملة تستهدف الإنسان والذاكرة والمستقبل، وتحولت إلى مشروع منظم لتدمير حلم السودانيين في الحرية والسلام والعدالة، واختلطت فيها أدوات القمع بوسائل التصفية العرقية، وغلفت الجرائم ضد الإنسانية بخطابات زائفة عن الوطنية والسيادة.

هذه الحرب لم تكن صدفة، وإنما مخطط طويل الأمد تقوده الحركة الإسلامية، التي عادت إلى المشهد من الظلال مستندة إلى إرثها في تفكيك الدولة وسحق إرادة الشعب، فمنذ سقوط نظام البشير في 2019، تلقت قوى الإسلام السياسي صفعة لم تتوقعها، فالثورة السودانية المجيدة باغتتهم وأطاحت بمشروعهم السلطوي المتجذر في مفاصل الدولة، ولأنهم لم يتقبلوا الهزيمة، اختاروا طريق الحرب والتآمر والتخريب والانتقام، ولم تهدأ مخططات الحركة الإسلامية التي رأت في الثورة الشعبية تهديداً وجودياً لمشروعها الإسلامي، فبينما كان أنصار النظام يراهنون على وأد ثورة ديسمبر المجيدة في 2019، كما فعلوا في سبتمبر 2013، باغتتهم الإرادة الشعبية، وأطاحت بعرشهم، ودفعتهم صدمة السقوط إلى التواري والاختفاء مؤقتاً، خاصة بعد اعتقال قياداتهم، الا انهم لم يغادروا المشهد، وبدأوا في إعادة تنظيم صفوفهم، وشنوا حرباً باردة ومؤامرات ضد الحكومة الانتقالية، عبر حملات إعلامية ممنهجة لتشويه قوى الثورة، وخلق تشويش وتأجيج خلافاتها، واخترقوا مؤسسات الدولة، وحركوا خلاياهم في الجيش والشرطة وجهاز الأمن، استعداداً لساعة العودة.

كانت الحركة الإسلامية تعرف جيداً أن معركتها لن تخاض في الشوارع وحدها، بل داخل أجهزة الدولة نفسها، حيث تنام خلاياها النشطة بدعم خفي من ضباط المجلس العسكري، الذين تبنوا أجندتها، وشرعت في تفكيك الشراكة بين المكونين المدني العسكري الذي قام عليه الانتقال، وحاكت المؤامرات وصنعت الأزمات الاقتصادية والأمنية في البلاد، وفي قلب هذا المخطط، كان انقلاب 25 أكتوبر 2021 النقطة الفاصلة، ولم يكن مجرد انقلاب "كلاسيكي"، بل كان تحرك مخطط ومدعوم من الإسلاميين، لإستهدف وتفكيك الفترة الانتقالية، وضرب وحدة قوى الثورة، وتمهيد الأرضية لإعادة النظام القديم بثوب جديد، وعلى الرغم من فشل الانقلاب في تحقيق أهدافه، الا انهم نجحوا في شيء واحد فقط، وهو إدخال البلاد في نفق مظلم من الأزمات والانقسامات.
ومع فشل الانقلاب في تحقيق أهدافه وتشكيل الحكومة، ومع اشتداد الحراك الشعبي الرافض له، تحركت الحركة الإسلامية خطوة أخرى إلى الأمام، لـ “تعطيل الاتفاق الإطاري"، الذي كان يمثل تهديداً حقيقياً لطموحاتهم، كونه يفتح الباب مجدداً لعودة قوى الثورة، فكان لا بد من قطع الطريق عليه، لذلك دفعوا نحو المواجهة العسكرية بين "الجيش والدعم السريع"، وأشعلوا فتيل الحرب في 15 ابريل 2023، وكانوا حسب مخططاتهم، ظنوا أن الجيش سيحسمها خلال اربعة او خمسة أيام، وهم يدعمونه بتوفير الغطاء السياسي والشعبي، وكتائب إسلامية مدربة، ولم تكن تقديراتهم وليدة لحظتها، بل امتداداً لعقود من التمكين العقائدي داخل المؤسسة العسكرية، ولكن حساباتهم كانت خاطئة ولم تصب، وحولت البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة تحول فيها المدنيون إلى ضحايا في معركة ليست لهم.

إن جذور مشروعهم الاسلامي يعود لانقلاب 1989، حين استولى عمر البشير على الحكم بدعم مباشر من الحركة الإسلامية، التي حولت السودان إلى مختبر لأفكارها المتشددة، وفرضت رؤيتها على التعليم والقضاء والمجتمع واخترقت المؤسسة العسكرية بالكامل، وخضعت القوات النظامية من "الجيش والأمن والشرطة"، لعملية "أسلمة وأدلجه" ممنهجة، وتحول الولاء العقائدي إلى شرط للترقي، ولم يعد الالتحاق بالكليات العسكرية مسألة كفاءة، بل ولاء مطلق للمشروع الإسلامي، وأصبحت بوابة لتخريج ضباط يعتنقون أيديولوجيا الإسلام السياسي، وما تزال قيادة المؤسسة العسكرية الى اليوم تحت قبضة الحركة الإسلامية، وإن حالوا التبرؤ منها.

ان أدلجة الدولة لم تتوقف عند المؤسسات الرسمية فقد امتد تأثير الحركة الإسلامية إلى النسيج الاجتماعي والثقافي، حيث أُعيد تشكيل التعليم والإعلام والثقافة لتكون انعكاساً لرؤية أيديولوجية ضيقة أفرزت أجيالاً مشوهة، وتم تسليحهم ليكونوا أدوات قتل في الحروب السودانية، وادلجت الحركة الإسلامية مجتمع بكامله وأعاده تشكيله ليخدم مشروعاً أيديولوجياً مغلقاً لا يقبل التعدد ولا يعترف بالآخر.

ومع اندلاع الحرب الحالية، سقط القناع تماماً، ولم تعد الحرب صراعاً على نفوذ أو موارد، بل تحولت إلى أداة انتقام شامل ضد الشعب السوداني، لا سيما هنالك عشرات الفيديوهات المتداولة توثق جرائم تقشعر لها الأبدان، "قتل على الهوية واغتصاب وتعذيب وإعدامات ميدانية وانتهاكات لا تحصى"، وتقف البلاد على حافة الهاوية تحاصرها كتائب الارهاب، التي لا تسعى فقط إلى إسكات صوت الثورة، بل إلى اقتلاع جذورها من الوعي الجمعي، وتحويل السودان إلى مسلخ مفتوح لكل من يجرؤ على المطالبة بوقف الحرب، او عودة الحكم المدني الديمقراطي.

يتبع ..  

مقالات مشابهة

  • المنافقون.. الوجه الآخر للعدوان على الأمة الإسلامية
  • الأمين المساعد للبحوث الإسلامية: "كل جرم بحق طفل هو جرم لحق المجتمع بأكمله"
  • استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة وتفكيك الدولة تحت غطاء الحرب (2-3)
  • عضو الشئون الإسلامية: أنا بشتغل على قد فلوسهم انعدام ضمير
  • بدء الاختبارات التكوينية في الدراسات الاجتماعية و«الإسلامية»
  • الحوثي يحذر من مخطط أمريكي إسرائيلي لطمس الهوية الإسلامية.. صمت الأمة خيانة
  • يشاهد بالعين المجردة.. رصد اقتران القمر بكوكب المشتري اليوم
  • إحياء اليوم العالمي للشغل: مجلس الأمة يثمن الانجازات المحققة
  • استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة واغتيال الدولة تحت غطاء الحرب (1-3)!!
  • هل جامعتك ضمنها؟.. تعرف على الجامعات التي عطلت الدراسة اليوم بسبب العاصفة