راشد بن حميد الراشدي
سحق وإبادة وبلا هوادة صريخ وعويل واستغاثة بلا نصير أو ضمير مشاهد وصور وحقائق على العلن تقشعر لها الأبدان وشهود وبث مُباشر لمجازر ترتكب في حق شعب أعزل من أطفال ونساء وشيوخ وخُدج تقتلع من الأرض بقوة قنابل محرمة وعناقيد غضب تُصَب عليهم، تبيدهم ليل نهار بلا رحمة أو هوادة، وكأنهم يحصدون زرعاً في يوم حصاده عشرات ألوف الضحايا أمام مرأى ومسمع الجميع والكل في صمت وكأنَّه يشاهد مسرحية الذئب وهو يأكل الحمل.
صمت عالمي مطبق على الأفواه وعلى حُكم بالإعدام صدر بحق شعب غزة الأعزل بلا تمييز بين الجميع، خبث وانحلال أخلاقي لم تشهده الأرض من قبل حلَّ ببلدان العالم أجمع، فقد تُركوا للضباع تنهشهم ليفنوا في أماكنهم. تُرِكوا عراةً جياعًا، فلا منقذ لهم إلا الله، والله قريب منهم.
إنها خساسة الأمم في السكوت عن الحق ونصرة الظلم وقمع العدل والكرامة التي تنشدها البشرية، إنها قمة الطغيان الذي لم نسمع أو نقرأ له مثيلا من قبل؛ فالعالم أصبح يعيش بلا روح وإنما أجساد تُعلف بالطعام وتمشي كالأخشاب المسندة التي لا هم لها إلا شهواتها الفانية.
اليوم نقول وبصراحة إنَّ غزة حُكِم على أهلها جميعًا بالإعدام برضا ما يسمى بالمجتمع الدولي، فهل سيستمر مسلسل فناء أهلها حتى يفنى الجميع؟ أم ستكون إرادة الله فوق إرادتهم وتنقلب الدائرة على اليهود وأشياعهم قريبًا؟!
اليوم نجد أن دول العالم تستمع وتصدق مسرحية الغدر التي يرفعها أنصار العدو عبر ما يسمى بالفيتو لدول اشتهرت منذ نشأتها بالطغيان وخاضت حروبًا لإبادة الملايين لتقوم على أنقاضها وصنّعت أبشع الأسلحة فتكًا بالبشر والحجر، وهي تمضي في نهجها الغاشم نحو أهالي غزة الأحرار.
حكموا بالإعدام على غزة، لكن الله غالب على أمره وغدًا سيشرق فجر جديد قريب بإذن الله، وستنقلب الدائرة على الجلاد، وستعود الكرَّة على اليهود ومن شايعهم، وسيبعث الله رجالًا يحبهم ويحبونه يجتثون كل شجرة خبيثةً نتنه من آل صهيون حتى ينطق الحجر بهم، ليُقتَلوا شر قتلة، ويُشرَّدوا في العالم أجمع، بما جنته أيديهم، وليعُم حكم الله على جميع أعوانهم ومن شايعهم ولتعود فلسطين لأيدي عباد الله المخلصين من صفوة وخيرة خلقه بإذن الله.
أما ما نشاهده اليوم فهو حكم دولي بإعدام أهل غزة وافق عليه الجميع بمنطق الخوف من قوة الظالم، فإننا نقول إنَّ الله على كل شيء قدير، وإن نصر الله لآتٍ ونحن موقنون به بإذن الله؛ فصبرًا يا أهل غزة الأحرار.
اللهم انصر عبادك المؤمنين، وأخزِ اليهود والكافرين ومن شايعهم، واكسر شوكتهم، ولا تبقِ لهم من باقية، برحمتك يا أرحم الراحمين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ثنائيات في أمثال السيد المسيح .. بعظة الأربعاء للبابا تواضروس
ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء اليوم، من كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بالمقر البابوي بالكاتدرائية العباسية.
عظة الأربعاء الأسبوعيةواستكمل قداسته سلسلة "ثنائيات في أمثال السيد المسيح"، وقرأ جزءًا من الأصحاح الثالث عشر من إنجيل معلمنا متى والأعداد (٢٤ - ٣٠)، وتناول مَثَل الحنطة والزوان وتفسيره في الأصحاح ذاته في الأعداد (٣٧ - ٤٣)، وربط بين المَثَل وأحد التجربة، وأوضح أن الأصحاح بكامله يتحدث عن أمثال الملكوت.
وشرح قداسة البابا أن الربط بين المَثَل والتجربة على الجبل لأن النَصين يوجد فيهما عدو الخير وأيضًا عمل الملائكة.
وأشار قداسته إلى العناصر المشتركة بين النَصين، وهي:
١- حياة الإنسان لا تخلو من التجارب، والتي ربما تأتي كالزوان لكي تُفسد الحنطة، حيث يرمز الزوان إلى الشر والحنطة ترمز إلى الصديقين.
٢- عدو البشر (الشيطان نفسه)، "رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ" (أف ٢: ٢)، والذي يفسد طريق الأبرار في العالم.
٣- كلمة الله وهي مفتاح النصرة، والتي تقف أمام الشر، "وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ" (٢كو ٤: ٣، ٤)، لذلك من المهم قراءة كلمة الله يوميًّا حتى لا نقع في فخ الإنجيل المكتوم والذي يُشير إلى الزوان.
٤- الملائكة التي جاءت لتخدم في التجربة على الجبل هي التي قامت بعملية الفرز بين الزوان والحنطة في يوم الدينونة (الحصاد) في المَثَل.
وأكّد قداسة البابا على أن الشر يوجد في العالم، وأنه في يوم الدينونة سيقف كل إنسان أمام الله ويقدم حسابًا، وذلك من خلال المَثَل، كالتالي:
- الحقل والذي يُمثل العالم، فالزارع (السيد المسيح) يزرع نفوسًا ممتلئة بالمحبة رغم شر العالم، كزرع الحنطة والتي يخرج منها القمح وهو غذاء لكل البشر دون استثناء، "فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ" (١كو ٣: ٩).
- العبيد في المَثَل هم خدام المسيح، وأشكال الخدمة متنوعة وكثيرة.
- الحصاد والذي يُشكل يوم الدينونة، وفيه يتم الفرز بين الحنطة والزوان، "تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ" (مت ٢٥: ٣٤)، "اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ" (مت ٢٥: ٤١).
وأشار قداسته إلى الدروس المستفادة من المَثَل في رحلة الصوم، وهي:
١- عدم إدانة أحد لأنه يوجد ديّان في يوم الحصاد، "مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ، لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ" (رو ١٤: ٤).
٢- مراجعة الإنسان لنفسه يوميًّا في الصلاة، وسؤالها: هل أنت قمحًا حقيقيًّا يقصده الزارع؟ لئلا يكون زوانًا، والذي يشغل الأرض لسنوات كثيرة ويأكل غذائها، "وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني" (مت ١٣: ٣٠).
٣- تنمية الإنسان لقمحه في قلبه، بمعنى تنمية الحياة للأفضل والبر والصلاح الذي في داخله.
٤- عدم التعجب من وجود الشر في العالم، فالله أعطى الإنسان الحرية للاختيار، وعليه أن يكون ثابتًا وسط التجارب، ويلجأ إلى كلمة الله التي تعيش داخله، والبعد عن كل ما يسرق الوقت وليس له علاقة بالمكانة في السماء، "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي" (أي ٤٢: ٥).
واختتم قداسة البابا أن المَثَل يضع أمامنا فرصًا لفهم الحياة وفهم وجود الشر وفهم الحرية التي أعطاها الله لنا لنختار، فيجب ألا نعطي مساحة للزوان في قلوبنا، بل ننقيها، "حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ" (مت ١٣: ٤٣).