التعليم وفرص التمويل.. نحو هيئة لتمويل التعليم
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
د. محمد العاصمي
منذ فجر النهضة المباركة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- اهتمت الحكومة الرشيدة بالتعليم وجعلته حقًا واجبًا عليها للشعب، ووضعته على سلم أولويات التنمية في هذا الوطن العزيز، واستمرارًا لهذا النهج سار عهد النهضة المتجددة بقيادة مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم –أعزه الله- حيث نصت المبادئ الثقافية في النظام الأساسي للدولة على أن "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف وأن التعليم إلزامي حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وتشجع الدولة إنشاء المدارس والمعاهد الخاصة بإشراف من الدولة، وفقاً لأحكام القانون.
وقد كفلت الدولة مجانية التعليم، ووضعت الموازنات التي تضمن تقديم تعليم يتناسب وطموحات الوطن والمواطن، وجاءت ميزانية التعليم كأكبر موازنات القطاعات المختلفة في الدولة، والتزمت الحكومة بهذه الموازنة ووضعتها في الموازنات غير القابلة للمساس، وهذا التوجه ينسجم مع الإعلان العالمي لأهداف التنمية المستدامة الهدف الرابع: التعليم الجيد، الذي شدد على إلزام الدول بدعم التعليم للمواطنين كأحد مستهدفات التنمية المستدامة في العالم 2030. ويأتي هذا الحرص من الحكومة الرشيدة؛ كون أن التعليم هو القاطرة التي تقود باقي القطاعات، وهو أساس التنمية ومحركها وموجهها، والقطاع الذي لا يقبل تقديمه إلا بالصورة المتكاملة، والحرص على جودته، وضمان مواكبته لمتطلبات التنمية، وتوافقه مع التطور العالمي في كافة المجالات.
إن قضية تمويل التعليم من القضايا التي تهتم بها الدول؛ حيث إن استمرار نمو التعليم وضمان جودته يتطلب الحرص على وجود مصادر وموارد مالية للدولة تعني بهذا الجزء من الموازنة، وقد حرصت دول العالم المتقدم على إيجاد مصادر تمويل للتعليم لا تتأثر بإيرادات الدولة الأساسية، الأمر الذي يضمن استمرار تقديم التعليم حتى في ظل الحالات الطارئة التي تتعرض لها الدول مثل الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية، كما إن هذا التوجه يساهم في تخفيف العبء عن موازنات الدول، حيث تستحوذ موازنات التعليم على الجزء الأكبر منها، وتعتبر هذه الموازنة في أهميتها وأولويتها أحد مسببات تقليص الموازنات الأخرى خاصة الإنمائية، التي تكون عرضة دائمة للتقليص والاختزال كونها يمكن من خلالها التأجيل أو الإلغاء.
وما تقدمه الحكومة من تمويل للتعليم يصل إلى ما يقارب 20% من الموازنة السنوية، وهذه النسبة مرتفعة جدًا، مقارنة بدول العالم؛ حيث تتراوح النسب المعتمدة في بعض دول العالم المتقدمة تعليميًا ما بين 6-10% من قيمة الدخل القومي، بينما تستكمل باقي الموازنة من مجموعة مختلفة من المصادر، وقد أوجدت الدول المتقدمة مجموعة من النماذج لتمويل التعليم مثل الضرائب الموجهة لتمويل التعليم، والاستثمارات التجارية وخصخصة الخدمات التعليمية التي ساهمت في تقليل المصروفات مع الاحتفاظ بضمان جودة التعليم من خلال نظام جودة عالي المستوى، كما جاءت الأوقاف والهبات وتمويل المنح الدراسية من الشركات الخاصة كأحد أبرز وسائل تمويل التعليم.
لقد جعلت الدول التعليم الأساسي في سلم أولويات التعليم التي تمولها الدولة، ومع تزايد قيمة التعليم وأهمية جودته لابد من الاهتمام بتوفير المال اللازم لتقديمه بجودته العالية، وعلى أثر ذلك لابد من التفكير في هذا الجانب بشكل جدي خاصة وإن مصادر الدخل لدينا وفي الوقت الحالي مازالت تعتمد على الإيرادات النفطية والغازية بشكل أساسي، وعلى القطاع الخاص أن يساهم بشكل أكبر في هذا الملف الهام أسوة بما يتم في الدول المتقدمة، وعدد من الدول القريبة منا والتي توجهت إلى تمويل التعليم وفق نماذج مختلفة تقلل من خطر فقدان القدرة على ضمان إستمرار مصادر التمويل الحالية.
وفي دولة مثل اليابان يتم تمويل ما نسبته من 50-60% من خلال برامج المنح والاوقاف والهبات ومساهمات القطاع الخاص، والحال لا يختلف في الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة اللتان أوجدتا مصادر تميل ونظام مستدام لضمان إستمرار تمويل التعليم عبر مجموعة برامج ، وقد حان الوقت لأخذ خطوة للأمام في هذا الملف حيث أن إيجاد نظام تمويل للتعليم بأنواعه هو ضمان لتقديم تعليم جيد ومحاسبة وحوكمة حقيقية لهذا القطاع، وأسوة بكثير من الدول فإن إنشاء هيئة تعنى بتنظيم وأيجاد مصادر تمويل التعليم بات ضروريًا في ظل المتغيرات العالمية في هذا القطاع، وسعى الدول للوصول إلى إستدامة تنموية وتحقيق معدلات نمو متسارعة في النظام التعليمي.
إنَّ وجود مثل هذه المؤسسة سوف يساهم في إيجاد قاعدة قانونية لمنظومة تمويل التعليم، والارتباط بآلية محددة في نظام تقييم أداء مؤسسات التعليم على أساس من جودة الأداء والمخرجات، كما إنه سوف يساهم في إيجاد برامج متعددة من برامج التمويل متعدد المصادر، يقوم بتحمل مسؤولية الدولة فقط كمصدر واحد من مصادر التمويل، وهذا التنظيم الإداري للتعليم موجود في أغلب الدول المتقدمة تعليميًا والتي قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال.. فهل نرى ذلك قريبًا؟!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التضخم يلتهم رواتب المعلمين في أوروبا.. ما هي الدول التي شهدت انخفاضات حادة؟
شهدت رواتب المعلمين في أوروبا تغيرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، مع تسجيل تراجع واضح في قيمتها بسبب التضخم. وأدى هذا الانخفاض إلى تصاعد القلق بشأن مستقبل مهنة التدريس ومدى قدرتها على جذب الكفاءات الجديدة.
اعلانفي المقابل، كشفت البيانات عن تفاوتات ملحوظة في رواتب المعلمين بين الدول الأوروبية. عوامل مثل المؤهلات الأكاديمية، سنوات الخبرة، ومستويات القوة الشرائية تظل المحدد الرئيسي لدخل المعلمين، مما يبرز الفجوة الكبيرة بين الاقتصادات المختلفة في القارة.
انخفاض كبير في الرواتبوفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "التعليم في لمحة 2024"، انخفضت الرواتب القانونية لمعلمي المرحلة الإعدادية بالقيمة الحقيقية في 10 من بين 22 دولة أوروبية بين عامي 2015 و2023.
تصدرت لوكسمبورغ قائمة الدول التي شهدت أكبر انخفاض، حيث تراجعت رواتب المعلمين بنسبة 11% خلال هذه الفترة. تبعتها اليونان بنسبة 9%، ثم أيرلندا وفنلندا وإيطاليا بنسبة 6% لكل منها.
وفي إنجلترا، التي تعاني من نقص حاد في المعلمين، انخفضت الرواتب بنسبة 5%، بينما شهدت البرتغال انخفاضًا بنسبة 4% والمجر بنسبة 3%.
وفي المقابل، ارتفعت الرواتب بمعدل 4% فقط في دول الاتحاد الأوروبي الـ25 مجتمعة، مع تسجيل زيادات متواضعة في بعض الاقتصادات الكبرى مثل إسبانيا (2%) وألمانيا (1%).
وعلى النقيض، سجلت تركيا أعلى زيادة في رواتب المعلمين، بنسبة 31%، تلتها التشيك بزيادة قدرها 16% واسكتلندا بنسبة 12%.
تغييرات طويلة الأمد وفجوة بين الدولأثرت جائحة كوفيد-19 بشكل كبير على القوة الشرائية للمعلمين، حيث سجلت العديد من الدول انخفاضات في الرواتب بالقيمة الحقيقية بعد الجائحة. في إنجلترا، انخفضت الرواتب إلى 95% من مستوياتها في عام 2015، مما يعكس تدهورًا واضحًا في القدرة الشرائية للمعلمين مقارنة بفترة الجائحة.
وتختلف رواتب المعلمين بشكل كبير عبر أوروبا. وفقًا لتقرير Eurydice، تراوحت الرواتب القانونية السنوية للمعلمين المبتدئين بين 9897 يورو في بولندا و84,589 يورو في لوكسمبورغ في عام 2022/2023. في ألمانيا، بلغ متوسط الرواتب 62,322 يورو، وهو ما يقارب ضعف ما يكسبه المعلمون في فرنسا (32,186 يورو).
ولإجراء مقارنة أكثر عدلاً، استخدمت بعض الدراسات معايير القوة الشرائية (PPS). وفقًا لهذه المعايير، تراوحت الرواتب السنوية للمعلمين المبتدئين داخل الاتحاد الأوروبي بين 11,826 في سلوفاكيا و49,015 في لوكسمبورغ. ورغم أن هذه المعايير تقلل الفجوة بين الدول، إلا أنها لا تلغيها.
الحاجة إلى حلول عاجلةأكد تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الرواتب ليست العامل الوحيد لجذب المعلمين إلى المهنة، مشددًا على أهمية توفير فرص التطوير المهني وضمان بيئة عمل محفزة.
من جانبه، دعا جاك وورث من مؤسسة NFER إلى اتخاذ إجراءات سياسية فعالة لمعالجة أزمة نقص المعلمين، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي يهدد جودة التعليم في القارة الأوروبية.
وبالنظر إلى التفاوتات الكبيرة في رواتب المعلمين بين الدول، فإن معالجة هذه الفجوة تمثل تحديًا كبيرًا، لكنها تظل ضرورية للحفاظ على استدامة وجودة التعليم في أوروبا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية إليكم الدولة الأكثر اكتئابًا في أوروبا.. هل بلدكم ضمن القائمة؟ رئيسة البنك المركزي الأوروبي تحذر: أوروبا بحاجة إلى استعداد شامل أمام التحولات التجارية الأمريكية هل تعود قناة السويس إلى دورها المحوري وتعوض الخسائر بعد وقف النار في غزة؟ مدارس مدرسةوظائفثقافةتعليمأوروباحد أدنى للأجوراعلاناخترنا لكيعرض الآنNextمباشر. عودة النازحين مستمرة لشمال غزة وإسرائيل تؤكد إصابة 15 ألف جندي في صفوفها وتعيد انتشارها بجنوب لبنان يعرض الآنNext ترامب: تحدثت مع الرئيس المصري وسيوافق كما سيوافق ملك الأردن على استقبال الفلسطينيين.. والسيسي ينفي يعرض الآنNextعاجل. بعد أشهر من الاحتجاجات.. استقالة رئيس وزراء صربيا ميلوس فوتشيفيتش يعرض الآنNext روسيا تهاجم خاركيف جوًا.. إصابات في صفوف المدنيين وخسائر مادية كبيرة يعرض الآنNext بين تعريفات ترامب وذكاء ديب سيك.. هل تتغير موازين أسواق العملات؟ اعلانالاكثر قراءة نحو 300 ألف نازح عادوا لشمال قطاع غزة وإسرائيل توسع عملياتها بالضفة وحزب الله يرفض أي تمديد للهدنة لصوص يستخدمون المتفجرات لسرقة قطع أثرية من متحف في هولندا الاتحاد الأوروبي نحو "تعليق" العقوبات عن سوريا.. وكايا تؤكد: "خطوة تتبعها خطوة" واشنطن تمدد الهدنة في لبنان لثلاثة أسابيع وقوافل الجنوبيين تستعد للدخول إلى القرى الحدودية عنوة إليكم الدولة الأكثر اكتئابًا في أوروبا.. هل بلدكم ضمن القائمة؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلدونالد ترامبقطاع غزةحركة حماسغزةمهرجانتقاليدضحاياروسياالاتحاد الأوروبيالحرب في أوكرانيا جنوب لبنانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025