حكومة حرب في السودان.. هل يستجيب البرهان؟
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
تزايدت مؤخراً المطالبات من سياسيين ومواطنين وممثلين للمجتمع المدني في السودان، لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بضرروة الإسراع بإقالة الحكومة الحالية وتعويضها بحكومة كفاءات مستقلة جديدة، تكون فاعلة ومنتجة وإصلاحية، تأخد بعين الاعتبار التحديات الراهنة، وما يتعرض له الشعب السوداني من هجمات شرسة غير مسبوقة، وتهجير قسري وتجويع على يد مليشيات الدعم السريع، خاصة وأن الحكومة الحالية واجهت انتقادات واسعة على اعتبار أن أداءها ومردودها لم يكن في مستوى المتوقع ومتطلبات مرحلة الحرب، وأنها غير قادرة على مجابهة التحديات المطروحة اقتصاديا واجتماعيا.
حكومة حرب
وتجيئ دعوات تشكيل حكومة جديدة مع تزايد عدد الوزراء المقالين في حكومة ما بعد إجراءات 25 اكتوبر 2021م، إذا بلغ عددهم حتى الآن عشرة وزراء، آخرهم كان وزير الخارجية علي الصادق، وقبله بفترة قصيرة تم إنهاء تكليف أربعة وزراء وتعيين آخرين.
ودعا مراقبون إلى الإسراع بتعيين “حكومة حرب”، تكون لها مهام محدّدة عاجلة واستثنائية، تخاطب العالم الخارجي وتعكس الانتهاكات الكبيرة التي تعرضها لها المدنيون على يد مليشيات الدعم السريع، وتلبّي الاستحقاقات الاجتماعية، وتعمل على تشغيل المستشفيات في المناطق الآمنة، وتبتكر حلولا لاستنئاف الدراسة بالجامعات والمعاهد، وتكرّس استمرارية الدولة، وخاصّة على مستوى التزاماتها المالية بدفع رواتب الموظفين والعمال المتوقفة في بعض الولايات منذ اشهر ، وتجابه باقتدار اثار الحرب.
كما يبرز عامل آخر يدفع نحو الحاجة إلى تغيير جذري في تشكيلة الحكومة وتوجهاتها، وهو عامل الضغوطات المتزايدة المسلطة على الحكومة الحالية، وحاجة الرئيس البرهان إلى ضخ دماء جديدة والتعويل على شخصيات وطنية، تقود البلاد في هذه المرحلة الصعبة.
أبرز الترشيحات
وعلى الأغلب، فإن استجابة الرئيس البرهان لدعوات تغيير الحكومة وضخ كفاءات غير حزبية في هويتها وتوجهاتها، تظل ممكنة وحان توقيتها خاصة بعد الانتقادات الواسعة لأداء الحكومة الحالية، واستمرار الدعوات لتشكيل حكومة حرب تضطلع بمهامها وتواكب التطورات.
وكشفت مصادر صحفية لـ(الكرامة)، ابرز الخيارات المرشحة لتولي رئاسة الحكومة القادمة، ومن بينها ترفيع الاستاذ أحمد عثمان حمزة والي الخرطوم الحالي، والذي قدم اداءً تنفيذيا ممتازا في ظل الحرب، ليكون رئيساً للوزراء، ومن الأسماء المطروحة د. محمد حسين ابو صالح خبير العلاقات الخارجية، كما ظل معروضا بقوة أسم د. جبريل ابراهيم وزير المالية لشغل منصب رئيس الوزراء، وعدد من الشخصيات الوطنية الأخرى التي دفع بها لمكتب رئيس مجلس السيادة وفي انتظار الإعلان عنها لقيادة حكومة تصريف الأعمال المستقلة.
تعيينات وإقالات
ويقول د. عبد الرحمن فضيل رئيس حزب بناة المستقبل، إن الدعوات المتكررة لتشكيل حكومة حرب او حكومة تكنوقراط تتماشى مع ظروف الحرب كانت منذ الايام الأولى للحرب لكن لم تكن هنالك استجابة بل ان كثيرا من قادة المليشيا ظلوا وزراء واعضاء سيادة لشهور ولا يزال بعض منسوبيها في مواقع مهمة وكذلك اغلب تعيينات (قحت) في الصحة والخارجية هي التي تسيطر وتدير امر البلاد حتى هذه اللحظة وظلت وزارتا الإعلام والدفاع في حالة غياب كبير وكل ذلك مرده عدم تشكيل حكومة داعمة للجيش في حربه.
وأضاف لـ(الكرامة): لا اتوقع ان يستجيب البرهان بتشكيل حكومة الان لكن ربما تعيينات واقالات محدودة، ومن مهام حكومة الحرب التي يطالب بها الجميع هي حكومة رديفة للجيش معه في الميدان وفي كل مكان حرره الجيش تقيم الحياة وتذلل الصعاب وتسهل عودة المهجرين وغيرها من المهام التي تمكن الجيش من عودة الحياة الطبيعية.
قدر التحدي
من جانبها، تقول الكاتبة الصحفية أمل ابو القاسم لـ(الكرامة)، ان الحديث عن تشكيل حكومة تكنوقراط ليس حديث عهد، وتجدد عن تشكيل حكومة كفاءات مرتقبة قطع بها البرهان وهو يجهر بلاءت ثلاث تشي بأن القادم من واد ليس بذي زرع أو لون سياسي، وانها حكومة تكنوقراط صرفة، وكل ما يتمناه الشعب ان يصدق هذه المرة ويتروى في الاختيار وان يكون على رأسها رئيس وزراء وليس وزير مجلس وزراء يتلقى القرارات من السيادي ليتلوها نيابة عنهم.
وتضيف: على مجلس السيادة ان يعي تماما ويضع نصب عينيه ان هذه الفترة تحديدا لا تشبه اي فترة منذ العام 2019م عام التغيير الجذري والاحداث المتلاحقة التي افضت لحرب لم تبق او تذر، وان الحكومة المرتقبة لابد ان تكون على قدر التحدي سيما الوزارات المعنية بالاقتصاد والبلاد تشهد دمارا كاملا تحتاج معه لعقول ثاقبة وجدية منقطعة النظير وهي الأهم، ولا يستثى من ذلك الوزارات الاجتماعية والإنسانية بما فيها الشؤون الدينية الأوقاف التي ينبغي لها ان تكون فاعلة في كل ولايات السودان وهي تقدم النصح والارشاد وتحارب خطاب الكراهية الذي يمثل هذه الفترة احد اسلحة الحرب المدمرة لكيان المجتمعات ومفككة للحمته التي عرف بها دون سواه من بلاد العالم.
وتابعت أمل: ان الحكومة القادمة جميعها بلا استثناء يحتاجها وضع الإنسان والبلاد وعليه فلابد ان تكون بقدر التحدي فعليا، وليت رئيس مجلس السيادة يتحرى الدقة هذه المرة في الاختيار فالسودان مليئ بالاخيار الذين هجر بعضهم قسرا حتى من قبل الحرب وهم لا يجدون التقدير اللازم في بلادهم، يجب إعادة العقول المهاجرة التي استفاد منها الغير نحن أولى بها.
إعادة اعمار
من جهته، قال المحلل السياسي عمار العركي، إن الدعوة لتشكيل حكومة كفاءات هي دعوة سابقة ومُستمرة منذ عهد حكومة الشراكة والانتقال التي لم تراع المصلحة العامة، بقدر ما راعت المصلحة الحزبية والسياسية الضيقة عند التشكيل فكان لابد لها من الفشل والتلاشي وكانها لم تكن.
واضاف لـ(الكرامة): زادت وتيرة الدعوات والمطالبة بعد قرارات اكتوبر 2021م، ولكن نتيجة للضغوط والارادة الخارجية ذات الأطماع لم يتم تشكيل وتعيين حكومة وتم تسيير دولاب العمل في الدولة بالمكلفين والمديرين العامين حتى اندلاع الحرب، وتعالت الاصوات المطالبة بضرورة وجود حكومة حرب ومهام محددة.
واوضح أنه طيلة أمد الحرب التي تجاوزت العام لم يستجب البرهان، واعتقد أن ذلك بسبب التدخل الخارجي ومسايسة وساطة جدة التي ترى ان يكون التشكيل الحكومي بعد ايقاف الحرب، ومؤخرا- بعد بروز المقاومة الشعبية المساندة للجيش وتعالي الأصوات الداخلية وتنامي الراي العام الشعبي وحالة اليأس والإحباط من اي دور ايجابي للوساطة مع تنامي خطر و”مهدد عدم وجود حكومة”- تحرك البرهان ببطئه المعروف وابرته المعهودة في إحداث تغييرات وإحلال وإبدال حسب القرارات الأخيرة التي طالت الخارجية، القضارف، كسلا والشمالية، ونحسب أنها خطوة تحتاج لمزيد من الضغط والطرق عليها حتى تذهب في إتجاه تشكيل حكومي صريح وبحسب تصريحات سابقة للبرهان (حكومة كفأءات وطنية لا حزبية).
وأشار العركي إلى أن اي حكومة تاتي في ظل الحرب او بعدها تكون معنية بتثبيت دعائم ةةركائز النصر والسلام، ثم إعادة إعمار ما دمرته الحرب، والعمل على تخفيف المعاناة والعبء على كاهل المواطن الذي ظل يعاني ويكابد قبل الحرب وفقد كل شئ بعدها.
تقرير: رحمة عبد المنعم
الكرامة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الحکومة الحالیة مجلس السیادة تشکیل حکومة لـ الکرامة حکومة حرب
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: آخر الدقائق.. هدية الأمريكان للبرهان!!
1 القرار الأمريكي الذي صدر بالأمس تجاه الرئيس البرهان كان بمثابة هدية، إذ أعلى من قدره وصعّد مكانته بين شعبه، وسرعان ما سرى هاشتاق (كلنا البرهان) في الأسافير فاشتعلت بعبارات النصرة والتأييد. وانهالت موجة كبيرة من المحبة حُظي بها الرئيس البرهان في أعقاب قرار أراد أن يهز مكانته، فثبّته في وجدان شعبه وصعّده إلى آفاق البطولة، وحصدوا هم رماد كيدهم. خرج الرئيس البرهان بالأمس محاطا بشعبه في عطبرة مستهزئًا بقراراتهم، قائلًا: “مهما تكالبت علينا الدول والأعداء، سننتصر في النهاية.” ما قصة هذا القرار وما هي عجائبه؟
2
في الدقائق الأخيرة من عمر الإدارة الأمريكية، أفلحت جنجويدات (مولى في، فيكتوريا نولاند) – واللّتان قال عنهما د. عشاري محمد أحمد: “هم الأقانيم الثلاثة المضخّمة، الأزوال، متصنّعو البراءة والنزاهة، الفالصو، جنجويد الإمبراطورية الأمريكية الذين يدّعون أنهم يتحكمون في قرار السودانيين في بلادهم السودان” – في نثر هباء كثيف في الأجواء وهنّ يغادرن إلى العدم.
الغثاء الذي أُثير ليس له مترتبات سياسية ولا قانونية ولا اقتصادية، لا على الرئيس البرهان، ولا أحمد عبد الله، ولا أي شخص آخر. إذن، لماذا سارعت الجنجويديات بهذا القرار وهن على باب الخروج؟
السبب أنهن إنما ينتقمن لأنفسهن بسبب الفشل المزمن الذي شهدته فترتهن في إدارة بايدن، من عجز عن إحداث أي تقدم أو نجاح في الملف السوداني. ثم إنهن يسعين لوضع العصي في دواليب الإدارة الجديدة لتعجز هي الأخرى عن تحقيق أي نجاح بسبب مثل العراقيل التي خلفتها وراءهن.
3
تُرى، ما هي الأسباب التي استندت إليها إدارة بايدن في فرض العقوبات على الرئيس البرهان؟ استند القرار إلى ثلاثة أسباب:
الأول: (الفظائع الموثقة التي ارتكبتها قواته في ذلك القصف العشوائي للمدنيين). أين وكيف وما هي الجهات التي وثّقت الفظائع؟ كل اللجان الدولية كانت تتحدث عن “انتهاكات” ، ووثقت جرائم المتمردين، وهي الجرائم التي عجزت أمريكا لزمن طويل عن إدانتها.
4
الثاني: (استخدام المجاعة كسلاح حرب). شوف جنس الكذب ده! عندما ادّعت جهات أن هناك مجاعة في السودان دون أن تقدم أي دليل، سارعت الحكومة بنفي المجاعة، وأقرّت بنقص في الغذاء نتيجة لممارسات المتمردين في تهجير المزارعين ونهب أدوات الإنتاج. ولكن، رغم ذلك، فتحت الحكومة كل المطارات والمعابر لكل منظمات الإغاثة، وأصدرت أكثر من 2000 تأشيرة لموظفي وكالات الإغاثة، وسمحت بتوزيع الإغاثة في كل أنحاء البلاد، حتى تلك التي يسيطر عليها المتمردون، رغم كل المخاطر التي تحيط بالعمليات الإغاثية المشبوهة في (أدري) وخلافها. إذن، كيف عرقل الرئيس البرهان الإغاثة؟ إنه كيدهن، وكيدهن عظيم.
5
الثالث: (عرقلة جهود السلام). ويلٌ للكاذبين! كيف عرقل الرئيس البرهان جهود السلام وهو الذي سارع في أول ثلاثة أسابيع للتفاوض في منبر جدة، ووصل لاتفاق بإعلان جدة، ورفض المتمردون تنفيذه؟ وللعجب، منبر جدة من دعت له أمريكا، ومن رعته أمريكا، ومن تخاذلت عن فرض تنفيذ مقرراته أمريكا! مشكلة الرئيس البرهان أنه رفض الإذعان للأوامر الأمريكية بالذهاب فورًا إلى جنيف، وهذا ما جر عليه غضب الأمريكان وأوقعه في مكائد الجنجويديات وتابعهن وزير الخارجية بلينكن.
6
ثم انظر إلى ما قاله نائب وزير الخزانة، والي أديموا: “ستواصل الولايات المتحدة استخدام أدواتنا لتعطيل تدفق الأسلحة إلى السودان وتحميل هؤلاء القادة المسؤولية عن تجاهلهم الصارخ لأرواح المدنيين.” عجيب أمر الأمريكان، لا يتوقفون عن الكذب! كم من الأدلة قدمتها اللجان الدولية على أن الإمارات تزوّد الجنجويد بالسلاح، فلم تأبه لها أمريكا ولم تقم بأي خطوة لمنع الإمارات أو حتى تحذيرها من مواصلة دعمها للمتمردين بالسلاح!
أمس، قدمت الإدارة الأمريكية إجابتها على تساؤلات الكونغرس الأمريكي حول مواصلة الإمارات دعم الجنجويد، وللأسف كذبت على الكونغرس وقالت إن الإمارات توقفت عن إمداد المليشيا بالسلاح! ولسوء حظها، صدر التقرير الخاص16 يناير 2025 عن مختبر الأبحاث الإنسانية التابع لمدرسة ييل للصحة العامة، وهي واحدة من المؤسسات الأكاديمية الرائدة عالميًا والمعروفة بدورها في تقديم تحليلات دقيقة ومستقلة حول القضايا الإنسانية والصراعات المسلحة كشف التقرير (عن وجود طائرات مسيّرة (UAVs) متقدمة في مطار نيالا بجنوب دارفور، الذي تسيطر عليه مليشيا قوات الدعم السريع (RSF)، قامت الإمارات العربية المتحدة بتوفيرها لصالح المليشيا في الفترة بين بين 9 ديسمبر 2024 الي 14 يناير 2025.
تقرير مدرسة بيل أثبت أن الإمارات لا تزال حتى نهاية الشهر الماضي تواصل دعمها للجنجويد، ونشرت صورًا لطائرات وحاويات تحمل أسلحة بمطار نيالا!.( راجع تفاصيل التقرير فيما كتبه د. أمجد فريد في موقع الصحيفة أو أدنى هذا المقال).
هكذا ستغادر إدارة بايدن البيت الأبيض، وكل سيرتها موشّحة بالسواد وملطخة بالأكاذيب بسبب مكر الجنجويديات الفاشلات وتابعهن بلينكن.
7
ما هي النتيجة السلبية التي تمخضت عن كل تلك الاتهامات؟ مجرد هباء.. أي والله! فبحسب قرار الخزانة الأمريكية: (تجميد الأصول المملوكة لهؤلاء الأفراد والكيانات داخل الولايات المتحدة، بالإضافة إلى منع أي تعاملات مالية أو تجارية معهم من قبل أشخاص أو شركات أمريكية). بما أن الرئيس البرهان ليس له أصول أو ممتلكات أو أموال أو معاملات تجارية في أمريكا أو في أي حتة، فهذه عقوبة عبثية لن تضره بشيء. (لن يضروكم إلا أذى).
8
ما هي النتيجة الإيجابية التي حصل عليها السودان من إعلان عقوبات على الرئيس البرهان؟ سيجعل القرار التدخل الأمريكي في ملف السودان صعبًا أو له ثمن، وهو أن تنظف الإدارة الجديدة (إدارة ترمب) ملف السودان وتلغي سخف جنجويديات إدارة بايدن. إذ يصعب أن تضع السودان في قفص الاتهام ثم تدّعي أنك وسيط نزيه.ثم لابد للإدارة الجديدة من التفريق بين التعامل مع المليشيا وتعاملها مع الدولة، إذا قدّرت أن تنشط في الملف السوداني مرة أخرى.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب