"القرن الصيني.. الهيمنة بلا احتلال"
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
حسن صعب **
أراد مؤلف كتاب "القرن الصيني.. الهيمنة بلا احتلال"، أن لا يكون في مجرى مُعطياته تقليديًا في تناول مواطن القوة والضعف، أو بيان الكيفية التي ارتقت فيها التجربة الصينية في البناء والقوة؛ فهذا جزء يسير من الفكرة. إلا أن المحطة الكبرى في الكتاب تتمثل بالسعي الصيني نحو نظام عالمي جديد، وعولمة جديدة يُراد إلباسها لبوسًا صينيًا، مما يفتح النقاش والبحث في مآلات هذه العولمة واتجاهاتها ومضامينها.
والصين هي من أكثر الدول مُراجعة للتاريخ والتوقف عنده باستمرار. لقد سبق لها إبان الحرب الباردة أن اتهمت كلا القطبين (الولايات المتحدة الأميركية) و(الاتحاد السوفيتي)، بأن سياساتهما في العالم تُعبر عن سلوك إمبريالي، وأن الدولتين العظميين هما (إمبرياليتين) بامتياز. فهل ما تُمارسه الصين الآن يُعد (إمبريالية تجارية) في مقابل (إمبريالية مالية) للولايات المتحدة؟
هنا يرى المؤلف أن بعض التوجهات الصينية ليست بعيدة عن النزعة الإمبريالية، وبخاصةٍ في مجال التجارة الدولية والاستثمار والمساعدات. والمُفارقة أن بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية يُحذرون الدول الأفريقية التي تشهد تعاونًا ونفوذًا صينيًا واسعًا وعميقًا فيها، من أن الصين تعتمد أسلوبًا إمبرياليًا في التعامل معها!
ويضيف: الغريب أنه بعد أكثر من أربعة عقود تبشيرية بالعولمة، تأتي الدولة الأولى اقتصاديًا في العالم، والحاضنة الرئيسة للعولمة والليبرالية الاقتصادية الجديدة، لتبدأ سلسلة سياسات اقتصادية (الحمائية التجارية) تتعارض مع أُسُس العولمة، بحجة أن العولمة باتت تُلحِق ضررًا في اقتصادها. وفي الوقت الذي بدا واضحًا تخلي الولايات المتحدة عن العولمة والليبرالية، على الأقل في جوانبها التجارية، نلحظ تمسك الصين بها والحرص على ديمومتها، ورفض أي سياسات مُقيدة لحرية التجارة.
ويستنتج المؤلف أن الظروف التي أهلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة لاستعمار ونهب دول العالم، ودول الشرق بخاصة، لم تعُد قائمة، ولن يكون مُمكنًا الاستمرار في نزح الفوائض الاقتصادية نحو الغرب؛ بل حتى الثروة التي انتقلت من الشرق إلى أوروبا، ولاحقًا نحو الولايات المتحدة الأميركية، بدأت ملامح عودتها نحو الشرق. وعندما تكون الثروة في بلدان الشرق، فستصحبُها القوة أيضًا؛ وهذا ما بات يُقلِق الأوروبيين والأميركيين على حدٍ سواء. فالدول التي تتطلع إلى مكانة اقتصادية عالمية هي (الصين- الهند- اليابان- كوريا الجنوبية- إندونيسيا)؛ وهذه جميعًا آسيوية وفي مشرقها.
تحولات عالمية لصالح الصين
يلحظ المؤلف أن مشهد النظام الاقتصادي العالمي في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين يشهد هذا الزخم من التحولات الكبيرة. فالتفرد والقطبية من قِبل دولة واحدة للهيمنة على العالم، والتحكم بمسار نظامه، بات أمرًا غير واقعي نتيجة تزايد عدد الفاعلين الدوليين. وحتى العولمة الاقتصادية التي روجت لها الولايات المتحدة، والتي أرادت من خلالها ضبط التفاعلات الدولية لإبقاء هيمنتها، أخذت بالتنصل عن جوهر هذه العولمة، مُتمثلًا بحرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال، وهي الدولة الرأسمالية الكبرى (الولايات المتحدة) ونواة المنظومة (الرأسمالية والليبرالية)، فيما يتبنى النظام الاشتراكي (المركزي) غير الديمقراطي، الدفاع عن جوهر الليبرالية الاقتصادية في حرية انتقال السلع والخدمات والأفراد.
وعلى وقع هذه التحولات في الاتجاهات، والتحضير لانتقال الاقتصاد العالمي من اقتصاد (السلعة) إلى اقتصاد (المعرفة)، تُحاول الصين أن ترصف مُمكنات قوتها الاقتصادية، وتعمل بسعيٍ حثيثٍ لاغتنام الفرصة التي توافرت لها لكي تقود العالم اقتصاديًا، بالتوجهات والأدوات الرأسمالية نفسها.
ووفق ذلك، تُدرك الصين أن حجم التحديات التي تكتنف رغبتها بقيادة العالم مُستقبلًا، تُعد جد كبيرة؛ فما يُراد منها هو الآتي:
الأول: جُملة تدابير (لصد) / أو (لتقليل) منسوب العقوبات والإجراءات الاقتصادية الأميركية والأوروبية ضدها، والتي تستهدف إبطاء مُعدل النمو الاقتصادي فيها، بجانب التفلت من الآثار المالية والنقدية.
الثاني: تقديم أنموذج للعولمة (عولمة صينية)، يقوم على ضمان ربحية كل الشركاء (win-win)؛ أي توافر عدالة اقتصادية للاستفادة من تحرير التجارة والعولمة، بشكلٍ مختلف عما آلت إليه أوضاع البلدان النامية بفعل العولمة الأميركية.
وهذه ستظل برسم التوجهات والآليات الاقتصادية الصينية، لإثبات أن مسارات تقدم البشرية مُتعددة، ويمكن لثقافة الشرق وقِيمه ونماذجه الاقتصادية، أن توفر لكل المُجتمعات فُرص الانتفاع والتعاون المُتبادل فيما بينها، على قاعدة (حق الشعوب) في العيش المُشترك والتمتع بخيرات الأرض بعدالة وإنصاف؛ وهو ما يأذن بقيام نظام اقتصادي جديد (مُنصف) لمُجتمعات الجنوب، ولأول مرة منذ ظهور الرأسمالية.
ويعتقد المؤلف أن اتجاهات الاقتصاد العالمي عام 2020 نحو أزمة اقتصادية، وما عجل بها من انتشار جائحة كورونا، ابتداءً من الصين ونحو العالم كله، ربما وفرت فرصة سانحة للصين لكي تُقدم نفسها كدولة تمتلك مؤهلات القيادة، لا سيما المسؤولية الأخلاقية تجاه البشرية؛ وهو ما يُمثل قُدرتها على تحويل التحدي إلى فرصة، بهدوء وحنكة وتعاون وضبط.
أبعاد مُتعددة للصعود الصيني: الأخلاق أولًا
في الفصول الثلاثة عشر يُعالج المؤلف خلفيات وأُسُس ومسارات هذه الرؤية الصينية الكونية، بأبعادها التاريخية والثقافية والاستراتيجية، والتي نقتبس منها الأفكار الآتية:
-يُجمع أغلب الباحثين على أن الفلسفة الصينية هي إحدى أهم مُرتكزات القوة لعودة الصعود الصيني، وإعادة انبعاث التاريخ البشري من الشرق؛ وهو ما عبر عنه الرئيس الصيني (ماو تسي تونج) مُبكرًا عندما أشار إلى أن (الشمس سوف تُشرق مُجددًا من الشرق، بعدما طال الوضع المقلوب الذي ظلت الشمس فيه تُشرق من الغرب). وقد اهتم فلاسفة الصين بموضوع (فهم الكون وتفسير العالم)، مثل غيرهم من الفلاسفة؛ لكنهم اختلفوا عن كثير من فلاسفة الشعوب الأخرى في أن فهم الوجود والشرح الفلسفي للعالم لم يكن في أولويات اهتماماتهم؛ بل كان الهدف الرئيس للفلسفة الصينية هو (الارتقاء بالإنسان) قبل أي شيء آخر.
وعليه، فالإنسان يُصبح عظيمًا بنظر الفلسفة الصينية حينما يعمل بقناعة تامة من أجل النهوض بالإنسانية، ومن خلال التمسك بمبادئ الأخلاق القويمة من ناحية، والعمل على دعوة الآخرين إليها.
-يرى باحثون أن أثمن ما تملكه الصين من قِيم أخلاقية يعود إلى تُراث فيلسوفها الأول والكبير، أو كما يحلو للصين بتسميته (المُعلم) كونفوشيوس، فيما يُطلِق عليه المُهتمون بتُراث الصين من غير الصينيين (نبي الصين)، لكونه على خلاف الفلاسفة الذين سبقوه، داخل الصين وخارجها؛ وهو قدم الأخلاق نهجًا ببُعد إنساني لحماية المجتمع والحفاظ عليه، إن كان الفرد حاكمًا أو محكومًا.
وجاء تضمين فلسفة كونفوشيوس للتقاليد الصينية، بأبعادها الروحية والاجتماعية والأخلاقية؛ وهذا يتوافق مع المزاج الصيني وخصوصيته، بجانب ما امتلكه كونفوشيوس من صفات شخصية، تمثلت بالصدق والإخلاص أولًا، فضلًا عن الواقعية والاعتدال والعملانية ثانيًا؛ فإنها ظلت مُتجذرة ومتأصلة في الوعي واللاوعي الصيني. فقد كُتِب لها الاستمرار والتحكم في الحياة الصينية لأكثر من واحد وعشرين قرنًا، أي من القرن الأول قبل الميلاد ولحين إعلان الصين الشيوعية على يد ماو تسي تونج عام 1949؛ ثم استعادت جذوتها وتأثيرها بعد وفاته عام 1978، وبدء مسيرة الإصلاح والانفتاح وبناء النهضة الحديثة للصين.
خطط الإصلاح الاقتصادي
-بدأ منذ عام 1979 تطبيق الخطة الاقتصادية المُتضمنة سياسات الإصلاح الاقتصادي، والتي ركزت عل تفكيك الجمعيات الزراعية (الكوميونات)، وإلغاء نظام الحصص والأسعار، والسماح للفلاحين ببيع جزء من إنتاجهم في الأسواق، ومنح الفلاحين حوافز إنتاجية. هذه الإجراءات التي ترافقت مع عودة الإنتاج والحيازة العائلية للأراضي، أثارت حماسة الفلاحين، بحيث لم يستغرق تفكيك النظام الزراعي القديم سوى سنتين إلى ثلاث سنوات، بدأ معها تحقيق نتائج ملموسة ومُشجعة للمضي في الإصلاح؛ وجل ما كان مُستهدفًا من عمليات التحول الواسعة هو مُضاعفة الإنتاج وزيادة الإنتاجية الزراعية، لكي يُمكن تخفيف مظاهر الجوع والفقر، على طريق حل مشكلة الغذاء للشعب الصيني.
وفي المجال الصناعي، كان الإصلاح أكثر صعوبة بسبب الملكية العامة لوسائل الإنتاج في هذا القطاع. لذلك جرى العمل على رفع الكفاءة الاقتصادية للمنشآت الصناعية عامة، وأعيد العمل بنظام الأرباح كمعيار لإدارة الشركات، وإطلاق الحوافز والمكافآت للعاملين، وجرى تخفيف القيود على الإدارات الصناعية في اتخاذ القرارات الإنتاجية والتسويق. وبالمقابل، شهدت الأسواق رفع القيود التجارية والسماح للأسعار بالتحرك.
هذه جميعًا كانت مجسات لبيان ردود الأفعال الاقتصادية، مع بقاء الدولة مُتحفزة لضمان عدم حدوث أزمات. لهذا كانت الفكرة الرئيسة للإصلاح مُحاولة مُضاعفة الإنتاج الصناعي، وتحقيق مُعدل نمو مستقر عند (5٪) سنويًا، بأهداف اشتراكية (تخطيطية)، وبوسائل رأسمالية من خلال (آليات اقتصاد السوق).
-لقد أدرك مُهندس الإصلاح في الصين (دينغ شياو بينغ) عام 1988، أن ما يُكمِل عملية الإصلاح ويُعظم نتائجها، هو إيلاء العلوم والتكنولوجيا الأهمية التي تستحقها، لا سيما وأن رياح العولمة والعوالم الرقمية بدأت تهب على العالم؛ وهذا يرتبط أشد الارتباط بالكيفية التي يتم فيها تحفيز التجارة الخارجية.
لذلك طرح (بينغ) مبدًا جديدًا ومُكملًا (العلوم والتكنولوجيا يمثلان قوة الإنتاج الأولي)، وهي مرحلة لتوسيع سوق التكنولوجيا وتحويل نتائج البحوث العلمية إلى سلعة، في محاولة لمُحاكاة السلع الغربية التي بدأ يرتفع فيها المُكون العلمي والتكنولوجي، والعمل على إعداد (5) ملايين مُتخصص من الدرجة العالية، وهو ضعف العدد الموجود؛ وهو ما دفع إلى زيادة أعداد المُبتعثين والدارسين في أكثر الجامعات رصانة في العالم، في حين جرى تعميم التعليم الإلزامي في عموم الصين للمرحلة التاسعة بشكل تدريجي.
مبادرة الحزام والطريق: التمدد الصيني
أُريد لاستلام (شي جين بينغ) زعامة الصين عام 2013، بأن تبدأ مرحلة جديدة، في ظل تزايد التحديات التي تواجهها، سواء على الصعيد الاستراتيجي أم الاقتصادي، بجانب تحديات أخرى؛ وهي تواجه مرحلة المُنافسة المُحتدمة مع الولايات المتحدة، لكونها المُرشحة بقوة لتولي القيادة الاقتصادية للعالم. وتتبدى الرؤية الصينية في الإبقاء على الصعود بهدوء، من دون الاحتكاك مع الولايات المتحدة، وتعظيم مفاعيل القوة الناعمة، وبناء منظومة علاقات إقليمية ودولية قائمة على الشراكة والاعتماد المتبادل.
وفي الجانب الاقتصادي، فإن بلوغ الاقتصاد الصيني مستوى المنافسة مع القوى الاقتصادية الكبيرة في العالم، واستمرار مُعدلات النمو الاقتصادي بما لا يقل عن (6٪)، بحيث أضحى قاطرة النمو الاقتصادي في العالم، وحل إشكالية التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، والعمل على توفير الضمان الاجتماعي للشعب، بُغية خفض الادخار وتحريك الطلب المحلي (الاستهلاك)، والولوج الواسع لميدان التكنولوجيات الفائقة وإنتاج السلع ذات المحتوى التكنولوجي العالي.
أما عن الموقف الأميركي من مبادرة الحزام والطريق، فيُقدر المؤلف أنه ربما كان الباحثون الأميركيون هم أكثر من يشعر بالقلق من أن الصين تستخدم هذه المبادرة لتوسيع نفوذها، مع وصفهم المبادرة بأنها (خطة مارشال الصينية). ويرى هؤلاء أن إعلان الصين عن مبادرتها تلك بمثابة خطة لمواجهة (استراتيجية إعادة التوازن الآسيوي)، التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2011.
إن مبعث القلق الأميركي المتزايد هو التأييد والدعم الكبير الذي حظِيت به المبادرة الصينية، إذ وقعت الصين (174) وثيقة تعاون حول مبادرة (BRI)، حتى نهاية مارس عام (2019)، مع (126) دولة و(29) منظمة دولية، منها (17) دولة عربية. وهذا ما تراه الولايات المتحدة دخولًا صينيًا إضافيًا على خط التنافس الاقتصادي معها، على الرغم من أن الصين تؤكد باستمرار أن التوسع الاقتصادي والجيو استراتيجي من خلال المبادرة لا يُشكل تحديًا للولايات المتحدة الأميركية؛ إلا أن هذا لا يُطمئن الأميركيين. فأغلب التحليلات والدراسات تخلص إلى أن المبادرة تمثل تهديدًا وتحديًا مُباشرًا لمصالح الولايات المتحدة ومكانتها العالمية مُستقبلًا.
من جهتهم، بات الاستراتيجيون الأميركيون يُعطون اهتمامًا متزايدًا لآسيا وأوراسيا، بِعدها منطقة الخطر الأعظم. لهذا هم يرون أن الكثير من مستقبل أميركا سوف يرتبط بالقوى الراسخة بالفعل في هذه المناطق، وهي (الصين وروسيا)، ويعدون هذه القوى آخذة في الصعود؛ وهي تقتسم معنا الالتزام الواضح بأهمية الحفاظ على استدامة النمو الاقتصادي، مما ينبغي على الولايات المتحدة أن تُعطيها على الأقل اهتمامًا مساويًا للاهتمام بأوروبا.
هذا فيما قطعت دوائر صنع القرار الأميركية ومراكز التفكير الشك باليقين، بأن الصين بدأت عملية الإزاحة المُنتظمة للكثير من القوى الاقتصادية، بما فيها الولايات المتحدة، لتُمسِك بصدارة مُعدلات النمو الاقتصادي وحجم الإنتاج والتصدير وكتلة الاحتياطي النقدي؛ فضلًا عن أنها باتت الشريك التجاري الأول للعديد من حلفاء الولايات المتحدة. وهذه المؤشرات جميعًا، بجانب الإمكانات الهائلة، والقدرات المادية والبشرية التي تمتلكها، وسعيها الذي لا يفتر صوب التقدم، وضعها في موقع (المُنافِس الفعلي) وليس (المُحتمل)، والذي بمقدوره تحدي الولايات المتحدة في القرن الجديد (التحدي الصيني)؛ وبجانبها، تستعيد روسيا شيئًا فشيئًا بريقها كقوة عظمى، وهي وريثة الإمبراطورية الروسية المتوسعة وقطبية الاتحاد السوفيتي العنيدة.
والصين، بحجمها الهائل وديناميتها الاقتصادية وحنكة زعمائها السياسية، تُعد من أكثر البلدان منافسة على القيادة العالمية. فهي تواجه مع الولايات المتحدة من مواقع مختلفة تمامًا. فالولايات المتحدة ترتكز على فكرة (القوة وصناعة العدو)، فيما تستند الصين إلى مركزية فكرتي (التاريخ والمكانة). تهرب الولايات المتحدة دومًا إلى الأمام من تاريخها، بكل ما حمله من إبادة للسكان الأصليين للجغرافية الحالية للولايات المتحدة، وقهرهم واغتصاب أراضيهم. في حين كثيرًا ما تلتفت الصين إلى تاريخ إمبراطوري، بكل ما يحمله من مواريث الفكر والفلسفة، ومن دون إرث استعماري. فالأنموذج الصيني يقف بالضد تمامًا من الأنموذج الأميركي، ومن مواقع عدة هي:
-1أنه أنموذج يتسامى إلى حد القبول الذاتي بالمتضادات، بمقابل أنموذج يقوم على الأنانية المفرطة، التي ظل يتسم بها طوال تاريخه، والقائمة على أعلوية الجنس الأبيض والإنجلوسكسونية، مُقابل دونية الأجناس الأخرى. لهذا شرعت الصين مع القرن الحادي والعشرين بمحاولة إعادة تعريف الذات الصينية، من قوة ثورية إلى (قائد مُفترض) في آسيا، ومُتطلع نحو العالمية بزهو ما حققه من ثمار في الجوانب التجارية والحضور الاقتصادي.
-2يصر الأنموذج الصيني على حق الشعوب والبلدان في اختيار ما يُناسبها من النظم الاقتصادية والسياسية؛ وهذا على العكس تمامًا من الأنموذج الأميركي، الذي يصر على أن تقدم أي مجتمع يظل مرهونًا بقُدرته على نسخ الأنموذج الأميركي..
-3تعتمد الرؤية الصينية القوة الناعمة بشكل مُكثف، وتُعطي لها معنىً أكثر واقعية ومرونة. فالتقدم لا يحدث عن طريق النسخ لأنموذج مُعين في سياق مختلف، ولكن أن تستلهم بعض عناصر هذا الأنموذج وتُكيفه، لكي يتماشى مع الواقع المُختلِف المُراد تطبيقه فيه.
الصين..الهيمنة أم المكانة؟
استراتيجيًا، تُدرك الولايات المتحدة الأميركية جيدًا بأن السعي الصيني المُحفز من روسيا ودول (البريكس)، فضلًا عن تطلع روسيا لاستعادة مكانتها من ناحية أخرى، يهدف إلى تغيير موازين القوى في النظام الدولي، من نظام آحادي القطبية إلى مُتعدد القطبية، ولسوف تحتل الصين فيه القطب الرئيس المُستند إلى القوة الاقتصادية، مما يُوفر لها فرصة قيادة (الاقتصاد والتنمية) العالمية؛ وهو ما يُمكنها من صوغ التوجهات في فضاءات عالمية عدة، وأبرزها على الإطلاق الفضاء(الأورآسيوي)؛ وإن حدث ذلك، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى التخلي عن الهيمنة الليبرالية، وتتبنى النهج الواقعي تخوفًا من أي تهديدات مُحتملة من خصومها..
ولهذا تتمهل الصين قليلًا إزاء الصعود المفاجئ والسريع نحو امتلاك القوة وتوظيفها، لكونه يُمثل خطرًا استراتيجيًا، وبأن الطريق الآمن هو التراكم الجزئي لمُفردات القوة، وصولًا إلى القوة الشاملة، وانطلاقًا من تسلسل استراتيجي يكون مهمازه مُفردة رئيسة تُمثل (بؤرة أو قطب)، للنهوض بباقي المُفردات الاستراتيجية للقوة.
أخيرًا، يخلص المؤلف، وبعد مناقشات مُسهبة للاستراتيجيات الصينية تجاه العالم عمومًا، وتجاه الهيمنة الأميركية خصوصًا، بموازاة تحليله المُعمق لسياسات الصين الداخلية على كل الأصعدة، إلى أن الصين لا تُجاهر بأحقية الهيمنة أو السيطرة في العالم؛ إلا أنها تُلمح بشكلٍ دائمٍ إلى المكانة التي تستحقها. وتبقى المكانة شأنها شأن (الحلم الصيني) أو (السلام الصيني)، ليس لها ضفاف؛ فهي مفتوحة على العالم كله وفقًا لطبوغرافية المصالح، مثلها مثل مُستودع المصالح الأميركية!
***************
المؤلف: أ.د. عبد علي كاظم المعموري.
الناشر: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع.
الطبعة الأولى: 2020.
توزيع: دار المحجة البيضاء.
********************
** باحث لبناني
** ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعلموا من الصين كيف تديروا ظهوركم لأوروبا وأميركا
لتجربة الصين مثالبُها لا شك، ورؤيتها للعالم قد لا تصلح لغيرها، لكن ما نحاول استكشافه في هذا المقال هو كيف ترى الدولة نفسَها؟ وكيف صمدت بعد عقود من الاستعمار وقرون من مواجهة الغرب؟ وكيف يرى الصينيون موقعهم في العالم؟ وأين يقع التاريخ في هذه الرؤية؟ وكيف يمكن أن يفيد الصين في المستقبل؟
ويظل السؤال الأهم، هل يمكن إعادة الاعتبار لرؤى محلية بديلة، نابعة من الثقافة والاجتماع والدين، لمواجهة حالة الاستعلاء والمركزية الغربية التي لن يكون آخر تمظهراتها تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين قال إن خطته لتهجير الفلسطينيين تستمد قوتها "من السلطة الأميركية".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فتح المخطوفة.. هل ينجح العالول ورفاقه في تحريرها؟list 2 of 2شابه أباه فظلم.. من أين جاء سموتريتش وماذا يريد؟end of listللإجابة على هذه الأسئلة، تظهر آراء وأعمال أحد أبرز المؤرخين والمنظرين السياسيين الآسيويين، وانغ غانغوو (Wang Gungwu)، الذي وُلد عام 1930 في إندونيسيا لأبوين صينيين، قبل أن ينتقل إلى ماليزيا حيث عاش سنوات طفولته ودراسته الأولى.
لاحقًا درس وانغ الدكتوراه في لندن، قبل أن يعود للتدريس في سنغافورة وماليزيا وأخيرًا في أستراليا. وبعد 18 عامًا من عمله في أستراليا، حصل وانغ على الجنسية الأسترالية، إلا أنه لا يعتبر نفسه أستراليًّا لأن معرفته بهذه البلاد ومعرفة الأستراليين به "سطحية" كما يصفها.
إعلانعمل وانغ طيلة حياته على دراسة تاريخ الصين، والنظام الاجتماعي للبلاد وللصينيين في المهجر، وقدمت أطروحاته عن الهوية الصينية والهجرة وعلاقة الصين بالعالم تصورات متماسكة للساسة الصينيين، وحتى لغيرهم، لفهم الصين، إلى الحد الذي جعل جامعة كامبريدج العريقة تمنحه درجة الدكتوراه الفخرية ضمن 10 من أهم علماء العالم في احتفاليتها بمئويتها الثامنة عام 2009، ويعتبره رئيس سنغافورة أهم عالم في الإنسانيات خرج من جنوب شرق آسيا عبر تاريخها.
ويبلغ وانغ 95 عامًا من عمره، لكن ذهنه لا يزال شديد الحضور في محاضراته التي يستمر في إلقائها عبر جامعات العالم.
التاريخ وحضارات العالم الثلاث
يبني وانغ تحليلاته على أساس مختلف عن التصور السائد، وهو أن هناك ثلاث حضارات استطاعت أن تجتاز اختبار التاريخ وتظل حية ومؤثرة في العالم حتى الآن. هذه الحضارات الثلاث هي: الحضارة المتوسطية، والحضارة الهندية (الجنوب آسيوية)، والحضارة الصينية.
أولا- الحضارة المتوسطية، وتشمل فئة عريضة من الثقافات التي تشكلت حول البحر المتوسط، إذ يجمع وانغ هنا بين الغرب المسيحي، والشرق الإسلامي. يرى وانغ أن الحضارات القديمة، الفرعونية والفينيقية والبابلية، وكذلك حضارات الرومان واليونان، والحضارة الإسلامية، والمسيحية الغربية، التي انتقل مركزها إلى الولايات المتحدة لاحقًا، كلها حضارات متوسطية.
لكن الحضارة الحية الآن تستمد تميزها من كونها حضارات توحيدية، ضمت الأديان السماوية الثلاثة، وهي الآن تقود الخطاب العالمي في العصر الحالي منذ بدء عصر التنوير ثم الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية.
تتصارع مكونات هذه الحضارة فيما بينها منذ 1500 عام تقريبًا، وتتداول مكوناتها الصدارة عبر الزمن، فلمئات السنين هيمن مكونها الإسلامي، غير أنه منذ القرن 16 بدأت الحضارة الغربية المسيحية في الصعود، بينما لم يتوقف مكونها الإسلامي عن المقاومة.
ثانيًا- حضارة جنوب آسيا (الهند)، فقد تكيفت الحضارة الهندية باستمرار مع التأثيرات الخارجية، الفارسية والإسلامية والهندوسية، وهي كذلك تضم تنويعات كثيرة داخلها، دينية وعرقية.
وهذه الحضارة تتجاوز شبه القارة الهندية إلى ما هو أبعد منها. ويسلط وانغ الضوء على تنوعها الداخلي، وخاصة داخل التقاليد الهندوسية، فضلاً عن الصراعات التاريخية التي واجهتها في دمج القوى السياسية والثقافية المختلفة.
إعلانثالثا- الحضارة الصينية، وهي على عكس الحضارتين الأخريين، حافظت على كيان سياسي مستمر. فقد استوعبت الصين التأثيرات الأجنبية والخارجية، مع حفاظها لوقت طويل على نظام ثقافي وإداري متميز.
اليوم، تقف الصين في طليعة تحدي النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي، ليس من خلال رفضها للحداثة، بل من خلال إعادة تعريف الحداثة والتنوير وفقًا لمعاييرها الخاصة.
لكن هذه الرؤية لا يمكن استيعابها من غير قراءة عميقة للتاريخ، فالطريقة التي يُكتب ويُستدعى بها التاريخ، هي التي تحدد كيف يمكن أن نرى العالم. يميز وانغ هنا، بين محاولة المؤرخ فهم الماضي بدقة وعمق، وبين استدعاء الساسة لأحداث التاريخ من أجل خدمة أجندات محددة.
وهذا أحد أهم مواضيع وانغ، فإذا كان المنتصرون يكتبون التاريخ، ويشكلون الروايات التي تبرر قوتهم وتضعف من شأن أعدائهم، فعلى الساسة والمؤرخين أن يُسائلوا هذه الروايات.
فمنذ القرن 19، سيطر الغرب على الخطاب التاريخي في كل العالم، وقدم مُثله وقيمه باعتبارها قيمًا عالمية لا تُمارى. ولهذا فقد هُمشت كل الروايات البديلة، ووجهات النظر التي كان يتبناها أهل البلاد الأصليون قبل أن يأتي الغرب إليهم، لكن المقاومة لم تتوقف.
ومع ثقة الصين والهند والعالم الإسلامي بالتقاليد التي تتبناها كل حضارة منهم، واعتماد بعضها على روايات مثبتة توثق ماضيها وحاضرها، تصبح الهيمنة الغربية على التاريخ محل نزاع، ويصبح الصراع عليه، ليس صراعًا حول الماضي فحسب، بل معركة من أجل المستقبل، من ينتصر فيها سيحدد القيم والمعايير التي سيسير عليها العالم لوقت طويل.
يقول وانغ إن التاريخ لا يكرر نفسه، لكنه كذلك ليس مجرد تسجيل للماضي، وعلى العاملين من أجل المستقبل أن يتعلموا التاريخ على حقيقته، لأن من لا يتعلم التاريخ يخسر كثيرًا!
إعلان كيف يرى الصينيون بلادهم والتاريخ؟يمتلك الصينيون سجلات متواصلة لتاريخ بلادهم والأسر التي حكمتها منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وهم في ذلك لا يرون دولًا متفرقة حكمت بلادهم بحُكام مختلفين، بل دومًا ما كانت الصين حضارة واحدة بلا انقطاع. ولهذا لا توصف البلاد في الخيال الصيني باعتبارها دولة قومية، بل حضارة ممتدة.
يؤكد وانغ أن الوعي التاريخي الصيني متجذر في فكرة الحضارة، لا الدولة، فعلى عكس المفاهيم الغربية للدولة القومية، يرى الصينيون تاريخهم باعتباره تطورًا للحضارة الثقافية والأخلاقية، لا الكيانات السياسية. وتتعزز تلك الرؤية من خلال مفهوم "هواشيا" الذي يعني الانتماء لعالم ثقافي تجمعه القيم الكونفوشيوسية والنصوص المشتركة، لا الحدود الإقليمية الجامدة.
ويؤمن الصينيون كذلك بدورات التاريخ، فغالبًا ما يتتبع المؤرخون الأسر الحاكمة في الصين، ويرون دورانها بين صعود واستقرار وانهيار ثم تجديد أو إحياء في صورة جديدة، وهو ما لا يبتعد كثيرًا عن تصور المسلمين لدورات التاريخ وتداول الأيام، والتي عبر عنها ابن خلدون في شرح فلسفته التاريخية والاجتماعية في كتابيه المقدمة والعِبر.
كذلك، وعلى عكس النظرة الغربية للتاريخ، التي تنظر إليه باعتباره سُلمًا صاعدًا، ينتهي بالتقدم المطلق والعلم النهائي، يرى الفكر الصيني أن مدار التاريخ هو استعادة النظام بعد الفوضى، وأن التحولات الجذرية ليست هي ما يُبنى عليه التاريخ. وعززت الكونفوشيوسية من هذه النظرية لتداول الأيام، إذ علّمت الصينيين أن التميز الأخلاقي هو مفتاح الاستقرار، وأن الانحدار الاجتماعي والسياسي نتيجة للانحلال الأخلاقي.
أما حكام الصين، فقد مُنحوا تفويضًا من السماء للحكم، ومنه تُستمد شرعيتهم. ومع سقوط الحكام أو الأسر الحاكمة، لا تنتهي الصين أو تضمحل، بل كانت الحضارة تستمر تحت تفويض سماوي جديد. وهذه النظرة تنطوي على اعتقاد بأن الصينيين، وهذه البلاد، مقدر لها أن تكون مركز العالم، وأن تحافظ على النظام والوئام في ربوع الأرض، وهو الاعتقاد الذي شكّل رؤية الصينيين لأنفسهم.
إعلانتقليديًا، رأى الصينيون أنفسهم مركز الحضارة، وهم دومًا محاطون بمجموعات من البشر أقل تحضرًا وثقافة، وحاكم الصين هو حاكم العالم أو كل ما هو تحت السماء، "تيانشيا" (Tianxia). ولم يعن ذلك المصطلح للصينيين إلا بلادهم والبلاد المحيطة بها، وتعزز ذلك مع نظام التبعية الذي كان يقتضي اعتراف الدول المحيطة بمركزية الصين وتفوقها، وإيمان تلك الدول بالقيم الكونفوشيوسية الحاكمة. بسبب هذا الشعور الراسخ بالمركزية، انصب اهتمام الحكام الصينيين على الداخل، وتنمية الذات، بدلًا من التوسع الخارجي وغزو العالم.
لم تتغير هذه الصورة للصين عبر معظم تاريخها، ودائمًا ما كان الحكام والمثقفون الصينيون ينظرون إلى تاريخ بلادهم باعتباره مستودعًا للدروس والحكم، ولعل ذلك يفسر براغماتية السياسة الصينية الحالية واعتمادها على خطط طويلة الأمد في تشكيل سياساتها وتحالفاتها. وفي هذا يقول وانغ إن تلك الذاكرة التاريخية العميقة تجعل الصين حذرة دومًا بشأن أي تغييرات جذرية في النظام العالمي، لكنها تجعلها أيضًا شديدة الحساسية تجاه الدورات التاريخية وصعود الدول وانهيارها.
قرن الإذلال.. أو ما فعله الغرب بالصينشهدت الصين في ثلاثينيات القرن 19 بداية ما يطلق عليه المعاصرون "قرن الإذلال". بداية الأمر كان عندما شهدت الصين صراعا داميا عرف باسم حروب الأفيون، ووصفها مؤرخون بأنها "أقذر حرب في التاريخ" حين استخدمت بريطانيا مخدر الأفيون سلاحا ضد الصين. واتخذت هذه الحرب شكل نزاعيْن مسلحين بين الإمبراطورية البريطانية وسلالة تشينغ الحاكمة في الصين.
وكان السبب الرئيسي لاندلاع الحرب عندما واجهت الصين أزمة أخلاقية واقتصادية خانقة، تمثلت في انتشار تجارة الأفيون التي مارسها التجار الإنجليز عبر "شركة الهند الشرقية". ومع تزايد تعاطي الأفيون تفاقمت المشكلات الصحية وانهارت القوى العاملة وازدادت الفوضى، مما هدد استقرار الدولة.
إعلانعام 1839 قررت الحكومة الصينية مواجهة هذه الكارثة، فأحرقت مخزونا ضخما من الأفيون للتجار الإنجليز في إقليم غوانغزو، وصادرت 1400 طن من هذه المادة. لكن البريطانيين بدؤوا الحرب التي خسرتها الصين، ثم انضمت إليهم فرنسا في حرب ثانية ليستمر قرن الإذلال الصيني.
قبل ذلك، كانت الإمبراطوريات القومية الغربية مثل هولندا وبريطانيا وفرنسا، تبدي نوعًا من التفاهم مع المكونات المحلية في الدول التي تستعمرها، لكن مع الوقت، ومع السيطرة على موانئ تلك الدول، وجلب المواد الخام لتشغيل مصانع أوروبا، والقوة التي بلغتها تلك الإمبراطوريات، تحول الأمر إلى صراع دموي شامل، وهو ما حدث بالهند في الوقت نفسه تقريبًا.
لم تهاجم الدول الأوروبية الصين مباشرة، فقد كانت بحاجة إلى تفكيك عالمها "ما تحت السماء"، فبدأت في استعمار الدول المحيطة بها، وقسّمتها اعتمادًا على مصالحها التجارية، وهي التي نشأت كشركات تجارية لا كيانات سياسية، مثلما فعلت الاتفاقات بين هولندا وبريطانيا عام 1824 والتي بموجبها رُسمت حدود إندونيسيا وماليزيا في شكل مشابه لما حدث في المنطقة العربية فيما نعرفه باتفاقية "سايكس بيكو" بعد ذلك بنحو 100 عام.
كانت المعادلة واضحة من قبل المستعمر، إما أن تتحول هذه الدول إلى دول "وطنية حديثة" أو تفقد الحق في اعتبارها حضارة، بغض النظر عن تاريخها الممتد لآلاف السنين. ولأن الصين رفضت التحول الذي أراده الاستعمار، فقد كان الرد شديدًا!
شكلت حرب الأفيون نقطة تحول درامية في تاريخ الصين، فلأول مرة تحدّت الإمبريالية الغربية الرؤية التقليدية للصين التي تنظر لنفسها باعتبارها المركز الحضاري للعالم، ومع فقدان القوة والهيبة، ولأن المغلوب مولع أبدًا بتقليد الغالب، فقد شرع العديد من المثقفين الصينيين في إعادة تعريف هويتهم التاريخية وفقًا لما يراه المنتصر.
إعلانوقعت الصين معاهدات مذلة، مثل معادة نانكينغ عام 1842 التي تخلت بموجبها عن هونغ كونغ لبريطانيا. حينها كان البريطانيون والأوروبيون ينظرون إلى الصين باعتبارها إمبراطورية قومية، تحكمها أسرة المانشو الحاكمة.
وكما ذكرنا، لم يكن الصينيون يرون تاريخهم باعتباره دولًا منفصلة، بل باعتباره سيرورة ممتدة في حضارة واحدة. وعبر التاريخ، لم يفرق الصينيون بين حكامهم، سواء أكانوا من المزارعين أو من محاربي الصحراء أو سكان الجبال، فكلهم ينتمون إلى ذات الحضارة.
لذلك، عندما بدأ البريطانيون في التفاهم مع المانشو، شعرت المجموعات العرقية الصينية بالتهديد، ورأوا أنفسهم تحت احتلال أجنبي مقنّع، فقامت ثورات داخلية بهدف التخلص من حكم الإمبراطور وبناء الجمهورية.
رأى المنتصر أيضًا أن حضارة الصين متخلفة وهمجية، وأن شعبها جاهل يؤمن بالخرافات، وشهدت هذه السنوات هزائم عسكرية صينية متلاحقة أمام الغرب وأمام اليابان. كانت الهزيمة أمام اليابان محفزًا آخر لتبنّي نهجها، فقد كانت اليابان قد قررت تبني نمط تحديث غربي لتبتعد عن عالم الصين، كما أن صعود الرأسمالية وتمكن الاستعمار أدى إلى إعادة توزيع الثروات بشكل شديد الظلم. ففي عام 1820، كانت الصين تتمتع بما يقارب 30% من الناتج الإجمالي العالمي، وفي عام 1970 اضمحلت تلك النسبة لتصل إلى 5% فقط.
لذلك، فمع نهاية القرن 19، بدأ الصينيون يفكرون في أنفسهم باعتبارهم دولة قومية، لا دولة حضارية متنوعة، وتوقفوا عن رؤية التاريخ باعتباره دورات ممتدة، وصاروا يعتبرونه تقدمًا ونضالًا صاعدًا، وتأثر هذا التحول أيضًا بالأفكار الغربية عن القومية والمادية التاريخية والماركسية.
بعد ذلك، أعاد ماو تسي تونغ صياغة التاريخ الصيني باعتباره صراعًا ضد الإقطاع والإمبريالية، معتمدًا على النظرية الماركسية. وقدم الحزب الشيوعي الصيني التاريخ باعتباره مسارًا للمقاومة والثورة والتجديد، وخدم هذا الوعي التاريخي الجديد النخبة الحاكمة في الصين، حيث وفر لها شرعية لم تكن لتحصل عليها من قبل.
إعلان الاستعمار قد يسمح لدولة أن تنشأ، لا لحضارة!يفرق وانغ بين مفهومين مركزيين في دراساته، وهما مفهوم "الثقافة" في مقابل مفهوم "الحضارة". كما يفرق بين صعود الثقافات ومرونة الحضارات، حيث يؤكد أنه بينما تنشأ الثقافات وتتحول وغالباً ما تتدهور، تمتلك الحضارات قدرة فريدة على التحمل وإعادة تعريف نفسها مع مرور الوقت.
ويتعلق جزء أساسي من تحليله بدور الاستعمار في تشكيل العالم الحديث، وخلق المظالم طويلة الأمد داخل الحضارات غير الغربية. يؤكد وانغ أن الاستعمار لم يهيمن على الأرض فحسب، بل عطل المسارات التاريخية للحضارات الحية، مما خلق استياءً عميق الجذور وغضبًا لم يخفت أبدًا، وما فتئ يحفز مقاومة لا تزال حاضرة في الجغرافيا السياسية للعالم اليوم.
يفرق وانغ بين الحضارة والثقافة بالقول إن الثقافة سائلة ومتنوعة ومتطورة باستمرار، تتشكل من خلال التفاعلات بين المجموعات، والتقدم التكنولوجي، والتغيرات الأيديولوجية. وتمثل له الثقافة الطريقة التي يعيش بها الناس، ومن خلالها يعبرون عن أنفسهم، وينتجون إبداعاتهم في فترة زمنية معينة.
أما الحضارة في المقابل، فهي تشكيلات تاريخية أعمق، تعززها هياكل فلسفية ومؤسسية وسياسية دائمة. كما أن الحضارة متجذرة في التقاليد الراسخة عبر الأجيال، وفي الدين، وفي التاريخ المكتوب، وفي الرؤية المشتركة للعالم، التي لا يبليها الزمن.
ويقول وانغ إنه في الوقت الذي قد تصعد فيه الثقافات أو تنهار بسرعة نسبية، فإن الحضارات تتمتع بقدرة هائلة على التكيف والصمود، إذ بينما تبدو الحضارة في حالة انحدار، تستطيع أن تعود إلى القمة من جديد عبر إعادة صياغة قيمها واستراتيجياتها استجابة للضغوط الخارجية.
ومن بين الأفكار الرئيسية التي توصل إليها وانغ، أن الحضارات، مثل الصين والهند والعالم الإسلامي، نجت من هجوم الحداثة والاستعمار بسبب جذورها التاريخية العميقة. وبينما حاولت القوى الاستعمارية إعادة تشكيل هذه المجتمعات وفقاً للنماذج الغربية، احتفظت هذه الحضارات بأسسها الفكرية والأخلاقية الأساسية، مما سمح لها بالتعافي وإعادة تعريف هوياتها في عصر ما بعد الاستعمار.
إعلانلكن هذا لا يعجب الاستعمار! فمن بين المخاوف الرئيسية التي يناقشها وانغ هي الطريقة التي عادت بها الهيمنة الغربية، وخاصة من خلال الاستعمار، وتشكيل مسارات الحضارات غير الغربية. وعلى النقيض من الصعود والسقوط الطبيعي للإمبراطوريات عبر التاريخ، فرضَ توسعُ الغرب بعد عصر التنوير والثورة الصناعية تسلسلاً هرمياً عالمياً غير مسبوق، مما أدى إلى تهميش الحضارات الأخرى أو إقصائها عن مكانتها بشكل غير طبيعي.
فقد سعت الإمبريالية الغربية إلى تفكيك المؤسسات التقليدية في المجتمعات المستعمرة، واستبدالها بالهياكل القانونية والسياسية والاقتصادية الأوروبية. واستهانت المؤسسات العلمية الغربية وقللت من قيمة المعرفة الأصيلة والتقاليد الفلسفية العميقة التي تمثلها هذه الحضارات، ورفضتها باعتبارها خرافات، وهو ما عزز من الوهم بأن الحضارة الغربية هي قمة التقدم البشري.
والأمر تأكد مع الجهود التنصيرية والتعليمية التي قام بها المنصّرون الذين أسسوا المدارس والجامعات في البلاد المستعمرة لتقديم القيم الليبرالية الغربية باعتبارها قيمًا عالمية، في الوقت الذي اعتبرت فيه أن الفقه والشريعة وطرق الحكم والممارسات الثقافية غير الغربية قد عفا عليها الزمن.
كذلك، يحدد وانغ ثلاث مشكلات كبرى في الدول التي نشأت بعد الاستعمار، خاصة إذا أرادت بناء هويات قومية قوية. المشكلة الأولى هي الحدود الاصطناعية والفصل العرقي، فقد تم تأسيس معظم الدول غير الغربية دون مراعاة للظروف التاريخية أو الفوارق الثقافية، وهو ما قاد إلى صراعات وحروب مستمرة حتى الآن، مثلما حدث بين الهند وباكستان، ومثل تأسيس إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي وما نتج عنه مما نعرفه وتعانيه شعوبنا.
المشكلة الثانية هي ضعف المؤسسات وصراعات الحكام، فقد ترك الحكام الاستعماريون هياكل أشباه دول لم تكن مؤهلة للتعامل مع احتياجات الناس أو مناسبة لحل إشكالات الواقع المحلي، وهو ما تسبب في خلافات حكم وانقلابات عسكرية وثورات وتوترات داخلية، مثلما شهدت الكثير من دول أفريقيا وجنوب شرق آسيا وكذلك العالم العربي والإسلامي.
إعلانوتتمثل المشكلة الثالثة في استمرار النفوذ الغربي والتبعية للدول الاستعمارية القديمة في صورة جديدة، فلا تزال المستعمرات السابقة مرتبطة أو معتمدة اقتصاديا وسياسيا على القوى الغربية، وهو ما شكل سياساتها وتطورها، كما عزز من المظالم بين النخب الحاكمة وبين الشعوب في تلك الدول.
إذن، ولّدت إعادة الهيكلة القسرية لتلك الحضارات غضبًا عميقًا في مناطق عدة، خاصة في العالم الإسلامي والهند والصين. فمن ناحية، شعرت نخب تلك البلاد بالدونية مع اقتناعها بالرؤية الحداثية الغربية، لكن من ناحية أخرى، تعززت المقاومة وتصاعدت حركات مثل حركات الإحياء الهندوسي والصيني والإسلامي. فكما يقول وانغ، لا يمكن للحضارات أن تُمحى تمامًا، قد تتراجع، لكنها تعود وتتكيف مع الظروف، وتظل قواها كامنة تنتظر الوقت المناسب لإعادة تقديم نفسها للعالم.
كيف يمكن مواجهة الهيمنة الغربية؟يرى وانغ أن عصر ما بعد الاستعمار هو العصر الذي تستعيد فيه الحضارات التي أُخضعت لفترة طويلة أهميتها التاريخية، وغالبًا ما سيكون ذلك استجابة للمظالم المتجذرة في تجاربها الاستعمارية.
فقد سمح انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية للعديد من المستعمرات السابقة باستعادة السيادة. ومع ذلك، غالبًا ما خلفت الهياكل السياسية التي فرضها المستعمرون انقسامات عميقة داخل هذه المجتمعات، مما أدى إلى عدم الاستقرار وصعود الحركات القومية قصيرة النظر.
يمكن للصين أن تكون مثالًا حيًا على مقاومة الهيمنة الغربية حتى لو لم تكن مثالًا نموذجيًا في كل النواحي. فمثلًا، في محاولتها إعادةَ الاعتبار لصورتها، قدمت الصين صعود الحزب الشيوعي الصيني لا باعتباره تحولًا سياسيًا بل باعتباره إحياء حضاريًا. وفي الإطار ذاته يرى وانغ الأحزاب الإسلامية التي تهدف إلى استعادة النظام الحضاري للمسلمين، والذي تعطلت مسيرته بسبب الحكم الاستعماري، ومثل ذلك يرى الصحوة القومية في الهند، التي تعتمد على التقاليد الفلسفية والسياسية الهندوسية.
إعلانكذلك، يرى وانغ أن الاستعمار الاقتصادي عامل رئيسي آخر يغذي المظالم في عالم ما بعد الاستعمار السياسي. فقد هيكلت الاقتصادات لصالح القوى الغربية، واستُخرجت المواد الخام من المستعمرات وشحنت إلى الدول الصناعية على حساب الصناعات المحلية.
حاول الصينيون مواجهة ذلك، فبعد عام 1949، ركز قادة الصين على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي كوسيلة للتغلب على التبعية الاقتصادية المفروضة من الغرب. والحل قد يكمن أيضًا في أن تبدأ دول العالم التي عانت من الركود الاقتصادي في ظل المؤسسات المالية التي يقودها الغرب (مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، في تحدي الهيمنة الاقتصادية الغربية، والتحول إلى نماذج بديلة للتنمية.
وتتمثل إحدى النقاط الرئيسية التي طرحها وانغ في أن الحضارات تستعيد قوتها ليس فقط من خلال الوسائل السياسية أو الاقتصادية، ولكن أيضًا من خلال الإحياء الثقافي والفكري. فقد فرض الاستعمار المعارف الغربية باعتبارها الأشكال الوحيدة الصالحة للمعرفة، ولكن اليوم، تحيي العديد من الحضارات أنظمة المعرفة الأصلية الخاصة بها.
تشكل عودة الفكر الكونفوشيوسي إلى الظهور في الصين مثالاً على هذا البعد الثقافي. فبعد عقود من التهميش على يد الأيديولوجيات الغربية وحتى الثورة الشيوعية، أعيد تقديم الكونفوشيوسية باعتبارها عنصراً أساسياً من عناصر الهوية الصينية.
لم تتبن الصين الديمقراطية الليبرالية الغربية، بل استوعبتها بشكل انتقائي قد يجعلها أقوى وأغنى وأكثر أمانا، في حين رفضت النماذجَ السياسية التي قد تضعف سلطتها المركزية. وقد عمل الحزب الشيوعي الصيني، بصفته "إمبراطورا" يحكم "ما تحت السماء"، على ضمان عمل الرأسمالية تحت سيطرة الدولة، والحفاظ على الاستقرار والتماسك الوطني.
إعلانويمثل هذا النهج تحديا مباشرا للخطاب الغربي المهيمن، الذي يؤكد أن الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان والفردانية هي قيم عالمية. إن نجاح الصين في التحديث دون تبني هذه القيم يهدد شرعية النموذج الغربي. ويشير وانغ إلى أن هذا التناقض الأيديولوجي أجّج التوترات الجيوسياسية، في حين يكافح الغرب محاولًا التوفيق بين سرديته العالمية عن الارتباط الشرطي بين الليبرالية الديمقراطية والتحديث والتقدم الاقتصادي، وبين صعود الصين الذي لا يمكن تفسيره في ظل النموذج الغربي.
ماذا يعني وانغ لنا؟التخطيط الحضاري للعالم وتقسيمه على نحو تعددي ليس بالأمر الجديد، حيث تشرع كل حضارة في قولبة أخواتها في نماذج تفسيرية، يسودها التباين أو حتى الصدام، ووانغ غانغوو جزء من هذا التيار الثقافي الحضاري، الذي يحاول مقاومة مشروع النمذجة الغربية، التي تريد تبسيط العالم واختزاله حتى يناسب جشعها التمددي.
بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، بزغ تيار مهموم بالرؤية الحضارية اعتمد في أفكاره على الحضارة المتوسطية الإسلامية، كان من بين رموزه مفكرون مثل إدوارد سعيد وعلي عزت بيغوفيتش، وإسماعيل الفاروقي وعبد الوهاب المسيري.
وعماد هذه الرؤية مبني على أن العالم عاش عقودًا يتعاطى مع المنتوجات الفكرية التي طورها الأوروبيون باعتبارها مصدر الحقيقة ومركز العالم، فوفقًا لهذا التصور، كان العالم بأكمله يعيش عصور الظلام حين عاش فيها الأوروبيون، رغم الازدهار الحضاري بمعزل عن أوروبا.
والعالم الجديد هو الجديد بالنسبة للأوروبيين، حتى لو سكنه ملايين الناس منذ آلاف السنين، والشرق هو ما يتصور الأوروبيون أنه الشرق، بغضّ النظر عما يقوله أهل البلاد وهم أعرف بأنفسهم من المستعمرين الذين يفرضون تصوراتهم الاستشراقية. ويظهر ذلك في جغرافيا عالم اليوم، فكلما ابتعدنا عن أوروبا، ازددنا بُعدًا عن “المركز”. وينعكس ذلك على أسماء مناطق العالم التي نعرف بها بلادنا، فالأدنى من الغرب هو الشرق الأدنى فالأوسط ثم الأقصى.
تلك الرؤية، وموقع الغرب منها، والتي تبدو كما لو كانت الحقيقة المطلقة لم تغز عقول الناس إلا جرّاء قرون من العذاب والعبودية والاستعمار، فلم يفهم الإنسان العالم دومًا كذلك.
إعلانغير أن الإشكال ظل لوقت طويل في تصوراتنا المحصورة في تلك الرؤية، حيث نُقلت علوم العالم مفلترة بالغربال الغربي، لذا لم يعرف الناس عن اليابان إلا ما يُكتب بالإنجليزية، ولم يروا روسيا إلا في صراعها مع الولايات المتحدة، ولا يدرون عن الصين إلا ما يريد الأوروبيون نقله عنها، فازداد الناس يقينًا أن آلاف السنين من الحضارة البشرية لم تكن سوى مقدمة أو تمهيدٍ للحظة صعود الحضارة الغربية في أوروبا ولاحقًا أميركا.
لم تكن مسيرة الاستعمار في قسر العالم على تبني رؤيته سلسة على الإطلاق، فلم تتوقف مقاومة المستضعفين أبدًا، وتأتي في مقدمة ذلك التنظيرات والخلاصات المعرفية التي قدمها أمثال وانغ. لكن لحظة الانتصار الرأسمالي الغربي التي تُوجت بسقوط جدار برلين، ومعه الاتحاد السوفياتي قبل 35 عامًا، قدمت للبشر ولأول مرة عالمًا تقوده قوة واحدة لا رادّ لقضائها.
كان سقوط الاتحاد السوفياتي نصرًا لم تتوقعه الولايات المتحدة، ولعل كثيرًا من المنظرين الأميركيين والأوروبيين، في ذروة انتشائهم بالفرصة التي لم يسبقهم إليها أحد، لم يدركوا طبيعة التحدي الذي شكلته هذه اللحظة أمامهم.
لكن السنين التي تلت، والمآسي التي تسببت فيها الرؤية الغربية والفاعلون الذين يتبنونها، من انعدام المساواة، وتغلغل العنف، وصعود السلطوية، وتفكك الأسرة، والنفور من كل قيمة ومعنى، وانهيار الإنسان تحت وطأة الفردانية، ولهاثه وراء ما لن يستطيع بلوغه، تخبرنا كيف أن علينا التفتيش عن الرؤى التي لا تؤمن بالمركزية الأوروبية، خاصة تلك التي ساعدت معتنقيها على مواجهة النموذج المهيمن بنموذج آخر مقاوم. ولعل أهم نموذج في الوقت الحالي لصعود قوة مجابهة للمركزية الأوروبية هو النموذج الذي يمثله صعود الصين