قِنْدِيلُ اَلدَّهْرِ زَيْتُه اَلصَّبْرِ
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
قِنْدِيلُ اَلدَّهْرِ زَيْتُه اَلصَّبْرِ
اَلْكَاتِبَةِ : هِبَةُ أَحْمَدْ اَلْحَجَّاجِ
ذَاتَ يَوْمٍ قَرَّرَتُ وَعَزَمَتُ أَنْ أَقُومَ بجَلْسَةِ اِسْتِرْخَاءٍ ذِهْنِيٍّ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ جَسَدِي ، بِسَبَبِ كُلِّ مَا حَلَّ بِي مِنْ عَوَاصِفَ رَعْدِيَّةٍ وَثَلْجِيَّةٍ وَأَيْضًا رَمْلِيَّةٍ ، أَقْصِدُ بِمَا مَرَّ بِي مِنْ ضُغُوطَاتِ وَظُرُوفِ اَلْحَيَاةِ اَلَّتِي قَدْ تَكُونُ مَزَّقَتْ أَوْ باَلْأَحْرَى مَزَّقَتْكَ ، وَلَكِنَّكَ لَا يُوجَدُ أَمَامَكَ خَيَارًا سِوَا أَنَّ تُحَارِبَ لِأَنَّهُا مَعْرَكَتُكَ أَنْتَ وَحْدَكَ .
وَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ أُحَاوِلُ أَنْ اِنْفَصَلَ عَنْ كِيَانِيٍّ وَ عنْ كُلِّ مَا مَرَّ بِي ، لَفْتُ مِسْمَعِي صَوْتَ طِفْلٍ صَغِيرٍ اِسْتَيْقَظَ فِي هَذَا الصَبَاحَ وَذَهَبَ لِلْبَحْثِ عَنْ صَدِيقِهِ فِي اَلْجِهَةِ اَلْأُخْرَى مِنْ اَلسُّورِ . لَكِنَّ اَلصَّدِيقَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ . وَحِينُ عَادَ قَالَتْ لَهُ اَلْأُمُّ : ” مَاتَ صَدِيقُكَ يَا وَلَدِي . دَعْكَ مِنْ اَلتَّفْكِيرِ فِيهِ وَابْحَثْ لَكَ عَنْ أَصْدِقَاءٍ آخَرِينَ تَلْعَبُ مَعَهُمْ ” . لِلَحْظَةٍ شَعَرَتْ بِالْوَلَهِ وَالدَّهْشَةِ ، وَنَظَرَتْ إِلَى الطِفْلٍ عَلَى اَلْفَوْرِ ، لِأَرَى كَيْفَ اِسْتَقْبَلَ هَذَا اَلطِّفْلِ خَبَرَ اَلْوَفَاةِ ، اَلَّذِي يَعْتَبِرُ قَلْبُهُ صَغِيرًا جِدًّا عَلَى تَحَمُّلِ مِثْلٍ هَذِهِ اَلصَّدْمَةِ جَلَسَ اَلطِّفْلُ عَلَى عَتَبَةِ اَلْبَابِ ، وَاضِعًا وَجْهُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ . فِكْرٌ : ” إِنَّهُ سَيَعُودُ ” ثُمَّ قَالَ بِصُوتٍ بِالْكَادِ كَدَّتْ أَسْمَعُهُ : لَا يُعْقَلُ أَنْ تَبْقَى اَلْبِلَى وَالشَّاحِنَةَ وَالْمُسَدَّسَ اَلصُّفَيْحِي وَالسَّاعَةُ اَلْمُعَطَّلَةُ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ صَدِيقِي لِلْبَحْثِ عَنْهَا . حَلُّ اَللَّيْلِ بِنَجْمَةٍ كَبِيرَةٍ جِدًّا ، وَلَمْ يَشَأْ اَلطِّفْلُ أَنْ يَدْخُلَ لِيَتَنَاوَلَ اَلْعَشَاءُ . قَالَتْ لَهُ أُمِّهِ : ” اُدْخُلْ يَا وَلَدِي ، فَقَدَ حَلُّ اَلْبَرْدِ ” . لَكِنَّ ، بَدَلُ أَنْ يَدْخُلَ ، نَهَضَ اَلطِّفْلُ مِنْ عَتَبَةِ اَلْبَابِ وَذَهَبَ لِلْبَحْثِ عَنْ اَلصَّدِيقِ ، حَامِلاً مَعَهُ اَلْبِلَى وَالشَّاحِنَةَ وَالْمُسَدَّسَ اَلصُّفَيْحِي وَالسَّاعَةُ اَلْمُعَطَّلَةُ . حِينُ وَصَلَ إِلَى اَلسُّورِ لَمْ يُنَادِهِ صَوْتُ اَلصَّدِيقِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لَا مِنْ عَلَى اَلشَّجَرَةِ وَلَا مِنْ اَلْبِئْرِ . قَضَى لَيْلَتَهُ كُلَّهَا فِي اَلْبَحْثِ عَنْهُ . وَكَانَتْ لَيْلَةٌ طَوِيلَةٌ ، تَكَاد تَكُونُ بَيْضَاءً مَلَأَتْ بَدْلَتُهُ وَحِذَاءَهُ غُبَارًا . حِينُ جَاءَتْ اَلشَّمْسُ تَمَطَّى اَلطِّفْلُ وَهُوَ يَشْعُرُ بِالنَّوْمِ وَالْعَطَشِ وَفِكْرِ قَائِلاً : ” كَمْ هِيَ غَبِيَّةٌ وَصَغِيرَةٌ هَذِهِ اَللِّعْبَةِ ، وَهَذِهِ اَلسَّاعَةُ اَلْمُعَطَّلَةُ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءِ ” . أَلْقَى كُلُّ شَيْءٍ فِي اَلْبِئْرِ وَعَادَ لِلْبَيْتِ يَتَضَوَّرُ جُوعًا . فَتَحَتْ اَلْأُمُّ اَلْبَابَ وَقَالَتْ : ” كَمُّ كِبَرِ هَذَا اَلطِّفْلِ ، يَا إِلَهِيٌّ ، كَمْ كِبَر ! ” .
مقالات ذات صلة من قال ان الفقر ليس عيباً ؟ 2024/04/20ذَكَّرَنِي مَشْهَدُ هَذَا اَلطِّفْلِ فِي مَقْطَعٍ لِلْكَاتِبِ أَدْهَمْ اَلشَّرْقَاوِي فِي كِتَابَةٍ ” إِلَى مُنْكَسِرَةٍ قُلُوبُهُمْ ” فِي رِوَايَةٍ « مَا تُخَبِّئُهُ لَنَا اَلنُّجُومُ » . لِلْكَاتِبِ اَلْأَمْرِيكِيِّ جُونْ غَرِينْ مَقْطَعَ يُفْطِرُ اَلْقَلْبُ تَقُولُ فِيهِ هَايْزِلْ غَرَايِسْ عَنْ مَوْتٍ « أُغُسْطُسَ » : ثُمَّ أَدْرَكَتْ أَنَّ لَا أَحَد أتَّصِلَ بِهِ لِأَبْكِي مَعَهُ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا أَحْزَنَنِي فَالشَّخْص اَلْوَحِيدُ اَلَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أَحْدَثَهُ عَنْ مَوْتٍ « أُغُسْطُسَ » هُوَ « أُغُسْطُس » نَفْسَهُ ! وَأَدْرَكْتُ حِينَهَا أَنَّ اَلْجِنَازَاتِ لَا تُقَامُ لِلْأَمْوَاتِ وَإِنَّمَا تُقَامُ لِلْأَحْيَاءِ .
ضَرْبُ هَذَا اَلْمُقَطَّعِ عِنْدِي عَلَى الوَتَرٍ ! وَيَبْدُو أَنَّنَا فِعْلاً لَا نَبْكِي مَوْتُ أَحْبَابِنَا بِقَدْرِ مَا نَبْكِي بَقَاءَنَا دُونَهُمْ إِنَّنَا بِهَذَا اَلْمَعْنَى نَبْكِينَا «لَا نَبْكِيهِمْ » ! نَحْنُ عِنْدَمَا نُقِيمُ أَيَّامُ اَلْعَزَاءِ ، أَشْعُرُ أَنَّنَا لَا نُقِيمُهَا لِلْمُتَوَفِّى نَفْسَهُ ، اَلْمُتَوَفَّى قَدْ يَكُونُ اِرْتَاحَ مِنْ كَدَرِ اَلدُّنْيَا وَعَذَابِهَا وَدَوَّنُوهَا . عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اَلدُّنْيَا سِجْنَ اَلْمُؤَمَّنِ ، وَجَنَّةُ اَلْكَافِرِ .
فَإِنَّ اَلْمُرَادَ بِكَوْنِ اَلدُّنْيَا سِجْن لِلْمُؤَمَّنِ ، إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَنْتَظِرُهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ اَلنَّعِيمِ – وَلَوْ كَانَ أَنْعَمَ اَلنَّاسُ فِي اَلدُّنْيَا – ، وَكَذَلِكَ اَلْكَافِرُ ؛ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا لَهُ جَنَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ اَلْعَذَابِ فِي اَلْآخِرَةِ – وَلَوْ كَانَ أَشَدَّ أَهْلِ اَلدُّنْيَا بُؤْسًا – .
لَيْتَهُمْ عِنْدَمَا يَمُوتُونَ ، يَعُدُّونَ لِلْحَيَاةِ فِي فَتْرَةِ عَزَائِهِمْ ، يُعَزُّونَنَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَيُحَاوِلُونَ هُمْ التَخْفِيفُ عَنَّا بِفِقْدَانِهِمْ ، لِأَنَّنَا فِي عَزَائِهِمْ نَبْحَثُ عَنْهُمْ ، هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَلَا أَحَدَ سِوَاهُمْ ، نُرِيدُهُمْ أن يَجْلِسُوا إِلَى جَنِبِنَا وَيَقُولُونَ لَنَا هُمْ عِبَارَاتُ اَلْعَزَاءِ ك لَا تُقْلِقُ أَنَا سَنَبْقَى مَعَكَ ، أَنَا حَاضِرٌ مَعَكَ ، أَنَا لَمْ أَذْهَبْ أَنَا هُنَا مَا زَلَّتْ وَسَأَبْقَى إِلَى اَلْأَبَدِ ، مَا زِلْتُ مُتَوَاجِدًا وَمِنْ هَذَا اَلْقَبِيلِ . . . وَلَكِنَّ هَذَا اَلْأَمْرِ مُسْتَحِيلٍ ، مُسْتَحِيل جِدًّا جِدًّا .
وَفِي ظِلِّ هَذِهِ اَلْكَآبَةِ وَالْبُؤُسْ وَفِقْدَانِ اَلشَّغَفِ فِي اَلْحَيَاةِ وَالْإِحْسَاسِ بِشُّعُورِ اَلْفَقْدِ اَلْمُوجِعِ وَ الأَلِيمْ وَتَشْعُرُ كَأَنَ اَلْعَالَمُ بِأَسْرِهِ ضَاقَ عَلَيْكَ وَكَأَنَّهُ وَحْشٌ كَبِيرٌ اُحْكُمْ عَلَيْكَ بِقَبْضَتِهِ وَحَبْسِ أَنْفَاسِكَ ، تَنْبَعِثَ إِلَيْكَ نَسَمَةٌ مِنْ اَلْهَوَاءِ وَكَأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ أُسْطُوَانَةِ أُكْسُجِينٍ كَامِلَةٍ أَوْ بِالأحْرَى نَسَائِمِ اَلْهَوَاءِ اَلْعَلِيلِ هَبَّتْ عَلَيْكَ وَكَأَنَّهَا جَيْشٌ كَبِيرٌ هَبَّ لَمسَّانْتَدَكْ عَنْ طَرِيقِ اَلْآيَةِ اَلْكَرِيمَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ : ( وَلْنَبْلَوْنَكَمْ بِشَيْءٍ مِنْ اَلْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ اَلْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ اَلْمُهْتَدُونَ ) اَلْبَقَرَةَ / 155 – 157 .
فَيُخْبِر سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادُهُ بِالْمِحَنِ ، لِيَتَبَيَّن اَلصَّادِقْ مِنْ اَلْكَاذِبِ ، وَالْجَازِعْ مِنْ اَلصَّابِرِ ، وَهَذِهِ سَنَتهَ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) مُحَمَّدْ / 31 .
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ( اَلَّذِي خَلَقَ اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) [ اَلْمَلِكِ / 2 .
فَتَارَةٌ بِالسَّرَّاءِ ، وَتَارَةٌ بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ وَجُوعٍ ؛ فَإِنَّ اَلْجَائِعَ وَالْخَائِفَ كُلٌ مِنْهُمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، قَالَ تَعَالَى : ( بِشَيْءٍ مِنْ اَلْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) أَيْ : بِقَلِيلٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اِبْتَلَاهُمْ بِالْخَوْفِ كُلِّهِ ، أَوْ اَلْجُوعِ ، لَهْلِكْوَا ، وَالْمِحَنُ تُمَحِّصُ لَا تَهْلَكْ . ( وَنَقْص مِنْ اَلْأَمْوَالِ ) أَي : وَيَبْتَلِيهِمْ أَيْضًا بِذَهَابِ بَعْضِ أَمْوَالِهِمْ ، وَهَذَا يَشْمَلُ جَمِيعُ اَلنَّقْصِ اَلْمُعْتَرِي لِلْأَمْوَالِ مِنْ جَوَائِحَ سَمَاوِيَّةٍ ، وَغَرَق ، وَضَيَاع ، وَأَخْذَ اَلظَّلْمَةِ لِلْأَمْوَالِ مِنْ اَلْمُلُوكِ اَلظَّلْمَةِ ، وَقُطَّاعِ اَلطَّرِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . ( وَالْأَنْفُسُ ) أَيْ : ذَهَابُ اَلْأَحْبَابِ مِنْ اَلْأَوْلَادِ ، وَالْأَقَارِبُ ، وَالْأَصْحَابُ ، وَمِنْ أَنْوَاع اَلْأَمْرَاضِ فِي بَدَنِ اَلْعَبْدِ ، أَوْ بَدَنِ مِنْ يُحِبُّهُ ، ( وَالثَّمَرَاتُ ) أَيْ : اَلْحُبُوبُ وَثِمَارُ اَلنَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ كُلُّهَا وَالْخُضَرُ ، بِبَرْدٍ ، أَوْ حَرْقٍ ، أَوْ آفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ مِنْ جَرَادْ وَنَحْوُهُ . فَهَذِهِ اَلْأُمُورُ ، لَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ ، لِأَنَّ اَلْعَلِيمَ اَلْخَبِيرَ أَخْبَرَ بِهَا ، فَإِذَا وَقَعَتْ اِنْقَسَمَ اَلنَّاسُ قِسْمَيْنِ : جَازْعِينْ وَصَابِرِينَ ، فَالْجَازِعْ : حَصَلَتْ لَهُ اَلْمُصِيبَتَانِ ، فَوَاتُ اَلْمَحْبُوبِ بِحُصُولِ هَذِهِ اَلْمُصِيبَةِ ، وَفَوَاتَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا ، وَهُوَ اَلْأَجْرُ بِامْتِثَالِ أَمْرِ اَللَّهِ بِالصَّبْرِ ، فَرَجَعَ بِالْخَسَارَةِ وَالْحِرْمَانِ ، وَنَقْصَ مَا مَعَهُ مِنْ اَلْإِيمَانِ ، وَفَاتُهُ اَلصَّبْرَ وَالرِّضَا وَالشُّكْرَانَ ، وَحَصَلَ لَهُ اَلسُّخْطُ اَلدَّالَ عَلَى شِدَّةِ اَلنُّقْصَانِ . وَأَمَّا مِنْ – وَفَّقَهُ اَللَّهُ – لِلصَّبْرِ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ اَلْمَصَائِبِ ، فَحَبَسَ نَفْسُهُ عَنْ التَسْخُطِ قَوْلاً وَفِعْلاً ، وَاحْتَسَبَ أَجْرُهَا عِنْدَ اَللَّهِ ، وَعَلِمَ أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ مِنْ اَلْأَجْرِ بِصَبْرِهِ أَعْظَمَ مِنْ اَلْمُصِيبَةِ اَلَّتِي حَصَلَتْ لَهُ ، فَهَذَا قَدْ صَارَتْ اَلْمُصِيبَةُ نِعْمَةً فِي حَقِّهِ ، فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) أَيْ : بَشَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ يُوفُونَ أَجْرِهِمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ .
ثُمَّ وَصَفَ اَللَّهُ اَلصَّابِرِينَ بِقَوْلِهِ : ( اَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) وَهِيَ كُلُّ مَا يُؤْلِمُ اَلْقَلْبُ أَوْ اَلْبَدَنِ أَوْ كِلَيْهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ . اَللَّهُ أَرْحَمَ بِعَبْدِهِ مِنْ نَفْسِهِ ، فَيُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ اَلرِّضَا عَنْ اَللَّهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَدْبِيرِهِ ، لِمَا هُوَ خَيْرٌ لِعَبْدُهْ ، وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ . وَدَلَّتْ هَذِهِ اَلْآيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَصْبِرْ فَلَهُ ضِدُّ مَا لَهُمْ ، فَحَصَلَ لَهُ اَلذَّمُّ مِنْ اَللَّهِ وَالْعُقُوبَةِ وَالضَّلَالِ وَالْجسَارْ .
فَمًا أَعْظَمَ اَلْفَرْقُ بَيْنَ اَلْفَرِيقَيْنِ وَمَا أَقَلَّ تَعَبَ اَلصَّابِرِينَ ، وَأَعْظَمُ عَنَاءَ اَلْجَامِعِينَ ، فَقَدْ اِشْتَمَلَتْ هَاتَانِ اَلْآيَتَانِ عَلَى تَوْطِينِ اَلنُّفُوسِ عَلَى اَلْمَصَائِبِ قَبْلَ وُقُوعِهَا ، لِتَخِفّ وَتَسّهُل إِذَا وَقَعَتْ ، وَبَيَانُ مَا تُقَابِلُ بِهِ إِذَا وَقَعَتْ ، وَهُوَ اَلصَّبْرُ ، وَبَيَانُ مَا يُعَيِّنُ عَلَى اَلصَّبْرِ ، وَمَا لِلصَّابِرِ مِنْ اَلْأَجْرِ ، وَيُعْلَمَ حَالُ غَيْرِ اَلصَّابِرِ بِضِدِّ حَال اَلصَّابِرِ . وَأَنَّ هَذَا اَلِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ سُنَةُ اَللَّهِ اَلَّتِي قَدْ خَلَتْ ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَةِ اَللَّهِ تَبْدِيلاً . وَقَالَ عِكْرِمَة : ” لَيْسَ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَفْرَحُ وَيَحْزَنُ ، وَلَكِنْ اِجْعَلُوا اَلْفَرَحَ شُكْرًا وَالْحُزْنُ صَبْرًا “.
وَتَطَيُّبَ اَلْحَيَاةُ لَمِنْ يَسْعَى ، فَيَنْجَحُ ، فَيَحْمَدُ ، ثُمَّ يَسْعَى ، فَيَفْشَلُ ، فَيَحْمَدُ ، ثُمَّ يُبْتَلَى ، فَيَصْبِرُ ، فَيَحْمَدُ ، ثُمَّ يُنَازِعُهُ اَلْقَدَرُ ، فَيَفْهَمُ ، فَيَحْمَدُ ، ثُمَّ يَسْتَسْلِمُ لِمَنْ بِيَدِهِ وَآلَاتُ اَلْأُمُورِ ، فَيُطَمْئِنُ ، فَيَحْمَدُ ، فَلَكُ اَلْحَمْدِ دَائِمًا وَأَبَدًا يَا اَللَّهُ . . . “
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: ل أ م و ال ت ع ال ى ل ح ی اة
إقرأ أيضاً:
معتصم النهار في “نفس”: أداء استثنائي يجذب الأنظار
إيلي أبو نجم – بتجــرد: بعد عرض ثلاث حلقات فقط من المسلسل الرمضاني “نفس”، يتأكد للجمهور والنقاد أن معتصم النهار يعيش واحدة من أنجح تجاربه الدرامية وأكثرها نضجًا على المستوى الفني. بشخصية غيث، الشاب السوري الذي يحمل في داخله إحساسًا إنسانيًا نادرًا، يقدّم النهار أداءً متكاملًا يجمع بين العمق العاطفي والقوة التعبيرية، ما يجعله واحدًا من أكثر عناصر العمل تأثيرًا.
حضور طاغٍ وبناء شخصية متقن
منذ ظهوره الأول، استطاع معتصم النهار أن يلفت الأنظار بأداء مفعم بالمشاعر الصادقة، حيث تناغمت لغته الجسدية مع تعابير وجهه ونبرة صوته ليقدّم شخصية غيث بواقعية لافتة. فليس مجرد بطل رومانسي، بل هو شخصية تحمل بُعدًا إنسانيًا قويًا، يتعامل مع الحياة بعفوية وإحساس مرهف، مما جعله نقطة الأمل في حياة البطلة روح، التي وجدت فيه ملاذًا من معاناتها.
تحدٍّ آخر يواجهه النهار في “نفس” هو كيفية نقل الصراعات الداخلية لغيث، فهو ليس مجرد رجل عاشق، بل شخص يواجه رفضًا مجتمعيًا، وعراقيل تضعه أمام معركة حقيقية لإثبات ذاته وحماية مشاعره. هذا التوازن بين القوة والضعف، وبين الثبات والانكسار، هو ما جعل شخصية غيث تحمل طابعًا مميزًا، لا يقتصر على كونه بطلًا تقليديًا، بل إنسانًا يعيش صراعاته بجاذبية تُبقي الجمهور متعلّقًا بتطورات قصته.
تناغم رائع مع فريق العمل
إلى جانب قوة الأداء الفردي، يتميّز معتصم النهار في هذا العمل بتقديم مشاهد تفاعلية مؤثرة، خاصة في مشاهده مع البطلة، حيث ينعكس بينهما تناغم درامي عالٍ، جعل العلاقة بين غيث وروح تبدو واقعية وحقيقية بعيدًا عن الابتذال أو المبالغة. الكيمياء الحاضرة بينهما أضفت على القصة بُعدًا أكثر عمقًا، ما ساهم في تعزيز الأثر العاطفي للمسلسل.
“نفس”: دراما مشوّقة تعزّز مكانة معتصم النهار كنجم أول
يقدّم مسلسل “نفس” تجربة درامية غنية بالأحداث والصراعات، مما جعله واحدًا من أكثر الأعمال الرمضانية جذبًا للأنظار هذا العام. ومع تصاعد التوتر في الحلقات المقبلة، يترقّب الجمهور كيف سيتعامل غيث مع التحديات التي تواجهه، وما إذا كان سيتمكن من تحقيق حلمه العاطفي رغم كل العوائق.
ومع كل حلقة، يرسّخ معتصم النهار مكانته كنجم درامي من الطراز الأول، حيث يواصل تقديم أداء استثنائي يضيف إلى رصيده الفني، ويؤكد أنه لم يعد مجرد وجه وسيم على الشاشة، بل ممثل قادر على تقديم شخصيات معقّدة وعميقة تترك بصمتها في ذاكرة المشاهدين.
View this post on InstagramA post shared by معتصم (@moatasemalnahar)
View this post on InstagramA post shared by معتصم (@moatasemalnahar)
View this post on InstagramA post shared by CAP – Sabbah Brothers (@cedarsart)
View this post on InstagramA post shared by CAP – Sabbah Brothers (@cedarsart)
main 2025-03-03Bitajarod