تمضي المواجهة العسكرية في المياه البحرية لليمن بوتيرة بطيئة نوعاً ما، لكن إيقاعها غير المتسارع، ينذر بتحوّلات جذرية لصراع القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على النفوذ في مضيق باب المندب، الذي يتوسط قناة السويس ومضيق هرمز. ومع إضافة السعودية، الإمارات، مصر، عُمان، الهند، وإسرائيل ضمن اللاعبين الفاعلين والمتفاعلين في المشهد الملتهب في اليمن، تغدو صورة الصراع متعدد الأقطاب أكثر قتامة من ليالي الأعاصير التي تضرب أرخبيل جزيرة سقطرى كل سنة.

 

عادت جزيرة سقطرى منذ 22 آذار/ مارس 2024 إلى واجهة الجدل الإعلامي حول التدخلات الخارجية في اليمن وانتهاك سيادته. ما أثار الجدل هذه المرة هو تصريح لمسؤول عسكري أمريكي، إذ نقلت عنه قناة "سكاي نيوز عربية" قوله إن الولايات المتحدة "تعمل على تعزيز وجودها في جزيرة سقطرى اليمنية ونصبِ دفاعات جوية، في خطة تستهدف الرد على هجمات حوثية محتملة".

 

تداعت وسائل إعلام عربية ودولية لتناقل الخبر ورصد التعليقات عليه، وبدا واضحاً أن التوقيت الحساس لتصريح المسؤول الأمريكي، الذي لم تذكر القناة اسمه، ضاعف من نسبة انتشاره وحدة ردود الفعل إزاءه. فما زالت الولايات المتحدة تدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي للشهر السابع على التوالي، في تدمير قطاع غزة والإمعان في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني. وبالتزامن مع ذلك، تواصل حركة أنصار الله/ الحوثيين، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إليها عبر البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي. وفي هذا التوقيت أيضاً، تتصاعد المواجهة بين الحوثيين من جهة، وبين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة مقابلة، بعد إقدام الأخيرتين على قصف المواقع العسكرية للجماعة منذ 12 كانون الثاني/ يناير الفائت.

 

بدأت الغارات الجوية الأمريكية-البريطانية بعد ساعات من إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً يمنح الدول المتضررة من هجمات الحوثيين حق "الدفاع عن النفس"، وتكررت تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين عن أن هجماتهم المضادة، وأحياناً الاستباقية، هدفها "تحجيم" و"إضعاف" القدرات العسكرية للحوثيين وحملهم على إيقاف مهاجمة السفن. غير أن سبعين يوماً من القصف لم توقف هجمات الجماعة التي تربط إيقاف عملياتها العسكرية البحرية بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة، وإدخال المساعدات إلى القطاع بلا شروط. وأبعد من ذلك، أعلن زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، عن توسيع نطاق هجماتها إلى المحيط الهندي.

 

"جزيرة الحظ السيء"؟

 

السياق التاريخي للتنافس الدولي والإقليمي في السيطرة على البحار، يفسّر اهتمام الولايات المتحدة بثبيت أقدامها في أرخبيل سقطرى. فمنذ الحملة البرتغالية في القرن السادس عشر الميلادي، ما زالت أهمية هذا الأرخبيل تتعاظم في عيون المستعمِرين، لكن ليس في عيون قادة اليمن.

 

على الرغم من نفي البنتاغون ــ بعد أربعة أيام من التصريح المثير للجدل ــ وجود قوات أمريكية في سقطرى، استمرت ردود الفعل الغاضبة من قبل عدد من زعماء القبائل في الأرخبيل ومحافظة المهرة، شرق اليمن. وتداولت وسائل إعلام يمنية وعربية بياناً منسوباً إلى لجنة الاعتصام السلمي في محافظة المهرة، اعتبر فيه وجود قوات أمريكية في الأرخبيل "احتلالاً أجنبياً" يجب مقاومته. الموقف نفسه تبنته جماعة أنصار الله/ الحوثيين، عبر قيادات بارزة فيها، ونقل موقع صحيفة "سبتمبر نت" التي يرأس تحريرها الناطق العسكري للجماعة، عن "مصدر محلي مطلع" و"مصادر إعلامية"، أن "قبائل سقطرى" "ستمنح" القوات الأمريكية مهلة مدتها شهر لمغادرة الأرخبيل، ثم ستكون "المقاومة الشعبية المسلحة" خيارها الأخير لطرد "القوات الأجنبية من الجزيرة".

 

هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول تواجد "قوات أجنبية" في سقطرى. إذ بدأ الأمر في منتصف سنة 2018، بخروج خلاف إلى العلن بين الرئيس السابق للحكومة المعترف بها دولياً، أحمد عبيد بن دغر، وبين ضباط إماراتيين في ميناء ومطار سقطرى، وتدخلت السعودية حينها لاحتواء تفاقم ذلك الخلاف. على إثر ذلك سحبت الإمارات قواتها التي اتهمتها الحكومة بإرسالها إلى الجزيرة من دون علمها، بينما أرسلت السعودية قوة بديلة، "لغرض التدريب والمساندة للقوات اليمنية" وبتنسيق مع الحكومة، بحسب ما أعلن عنه "التحالف العربي" آنذاك. في تموز/ يوليو 2019، أعلنت الإمارات عن خفض عدد قواتها في اليمن، ضمن خطة "إعادة انتشار"، ولأسباب "استراتيجية وتكتيكية".

 

بدأت الغارات الجوية الأمريكية-البريطانية، بعد ساعات من إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً يمنح الدول المتضرِّرة من هجمات الحوثيين حق "الدفاع عن النفس". وتكررت تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين عن أن هجماتهم المضادة، وأحياناً الاستباقية، هدفها "تحجيم" و"إضعاف" القدرات العسكرية للحوثيين وحملهم على إيقاف مهاجمة السفن.

 

لا يتحدث المسؤولون الإماراتيون إلى الإعلام كثيراً، لكن الأكاديمي الموصوف بقربه من دوائر الحكم في أبوظبي، عبد الخالق عبد الله، حدّد في تدوينة له على موقع "تويتر" سابقاً (X حالياً)، ثلاثة أسباب لقرار خفض القوات الإماراتية: "1- استمرار هدنة الحديدة (في إشارة إلى اتفاق ستوكهولم 2018)، 2- ارتفاع ملحوظ في كفاءات وجاهزية القوات المساندة للشرعية، 3- تراجع في العلميات العسكرية خلال 2019". وأشار عبد الله إلى أن بلاده قد أدّت مهامها في اليمن "على أكمل وجه، ويمكنها العودة في أي وقت".

 

منذ ذلك الحين، بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن تباين بين سياسة السعودية وسياسة الإمارات في اليمن، وحتى عن خلافات بين الدولتين اللتين تقودان "التحالف العربي" المساند للحكومة المعترف بها دولياً ضد جماعة أنصار الله/ الحوثيين. في الواقع، كان الخلاف بين الحكومة ودولة الإمارات ممتداً إلى عمق العملية السياسية، حيث ظل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات، وعلى مدى سنتين منذ تأسيسه، خارج التمثيل في الحكومة وفي المفاوضات السياسية، التي ترعاها الأمم المتحدة بين طرفي الحرب الرئيسيين. في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وبعد المعارك الطاحنة في آب/ أغسطس، بين قوات الحكومة وقوات المجلس الانتقالي في عدن، رعت السعودية والإمارات مفاوضات بين الطرفين، أسفرت عن توقيع "اتفاق الرياض". نصّ هذا الاتفاق على تشكيل حكومة "مناصفة" بين القوى الشمالية والقوى الجنوبية، إضافة إلى ترتيبات عسكرية وأمنية بين الطرفين، لكن التنفيذ تعثر، لأسباب متصلة بتعقيدات النزاع في اليمن، وتشعب أبعاده بين المحلي والإقليمي والدولي.

 

في المواجهات المسلحة سنة 2019، كانت الغلبة للمجلس الانتقالي، الذي لا يزال مستمراً حتى الآن في حمل راية "القضية الجنوبية"، ولا يزال يبدي عدم رضاه عن استئثار "حزب الإصلاح" ( الإخوان المسلمين)، بحصة وافرة من الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية والعسكرية. يأخذ المجلس الانتقالي على حزب الإصلاح، أنه كان إحدى القوى المشاركة في حرب 1994 ضد القوى الجنوبية، التي أعلنت "فك الارتباط" بالشمال والتراجع عن الوحدة. ومع تنامي قوة المجلس الانتقالي، استطاع فرض سيطرته على أرخبيل سقطرى في 2020، ضمن مناطق أخرى من المحافظات الجنوبية، وصار اليوم ممثلاً في مجلس القيادة الرئاسي بثلاثة أعضاء من إجمالي ثمانية، وفقاً لاتفاق نقل السلطة من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الذي يرأسه رشاد العليمي.

 

لا يمكن القول إن التوافق بين الأطراف الجنوبية والشمالية في مجلس القيادة الرئاسي قد صار ملائماً لإدارة البلاد، لكن في طيات انعدام التوافق وضعفه تضيع حقوق سيادية لليمن، ومنها السيادة الكاملة على أرخبيل سقطرى.

 

المال السائب...

 

لم تعتد الحكومات المتعاقبة على حكم اليمن على الاهتمام بالجزُر. تشير المصادر التاريخية إلى أن آخر دولة في اليمن اهتمت بالجزر كانت الدولة الرسولية (626- 858 هـ/ 1229- 1454م)، حيث امتدت سيطرة اليمن إلى جزُر "دَهْلَك" التابعة حالياً لإثيوبيا. ولاستعادة جزر "حنيش" التي احتلتها إريتريا سنة 1995، خاضت الحكومة اليمنية مساراً طويلاً من التحكيم الدولي حتى عادت ملكيتها إليها.

 

على الرغم من نفي البنتاغون وجود قوات أمريكية في سقطرى، استمرت ردود الفعل الغاضبة من قبل عدد من زعماء القبائل في الأرخبيل ومحافظة المهرة، شرق اليمن. وتداولت وسائل إعلام يمنية وعربية بياناً منسوباً إلى لجنة الاعتصام السلمي في محافظة المهرة، اعتبر فيه وجود قوات أمريكية في الأرخبيل "احتلالاً أجنبياً" يجب مقاومته.

 

هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول تواجد "قوات أجنبية" في سقطرى. إذ بدأ الأمر في منتصف سنة 2018، بخروج خلاف إلى العلن بين الرئيس السابق للحكومة المعترف بها دولياً، أحمد عبيد بن دغر، وبين ضباط إماراتيين في ميناء ومطار سقطرى، وتدخلت السعودية حينها لاحتواء تفاقم ذلك الخلاف.

 

في أواخر سنة 2023، تسربت شائعات غير بريئة في وسائل التواصل الاجتماعي، عن حق الصومال في جزيرة سقطرى نظراً لقربها من القرن الأفريقي. لكن الشائعات اصطدمت بسقف عالٍ من الوعي لدى النخب اليمنية والعربية بتاريخ الجزيرة، وجذور لغتها التي تشير مفرداتها المنطوقة ونقوشها المكتوبة إلى المسند اليمني القديم. غير أن الإهمال التاريخي لهذا الأرخبيل الفريد في طبيعته، وأهميته العالية في الملاحة الدولية، جعله متاحاً أمام الدول العربية والأجنبية.

 

لم تغادر الإمارات سقطرى نهائياً، بل كثفت مشاريعها الاستثمارية فيها. تقدم المساعدات للسكان، وتنظم شركات السياحة في الإمارات رحلات سفاري إلى الجزيرة مباشرة من أبوظبي. وبالتزامن مع تصريح المسؤول الأمريكي عن "تعزيز" قوات بلاده في سقطرى، تداولت وسائل إعلام دولية صورة جوية، قالت إنها لمطار عسكري قيد الإنشاء في جزيرة عبد الكوري- إحدى جزر أرخبيل سقطرى، وتبعد عنها بحوالي 80 كيلو متراً. تظهر الصورة عبارة إنجليزية مكتوبة بالرمل جوار المطار تقول: "نحن نحب الإمارات". قبل هذه الأنباء بعشرة أيام، نشر "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية" ترجمة لمحتوى صحف عبرية، معنوناً ترجمته بـ"الإمارات وإسرائيل تبنيان قاعدة عسكرية قرب مضيق باب المندب". في تفاصيل الترجمة ورد أن الدولتين "تعتزمان [منذ 2020] إقامة منشآت عسكرية واستخباراتية جديدة في جزيرة سقطرى"، بينما نشر مركز "سوث24" للأخبار والدراسات منتصف 2021، ترجمة عن صحيفة "إندبندنت" البريطانية، تفيد بأنه "لا وجود لقواعد عسكرية إماراتية في سقطرى". وفي الردّ على أسئلة وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية عن بناء المطار في جزيرة عبد الكوري، قالت الإمارات إن "أي وجود" لها "في جزيرة سقطرى، يستند إلى أسباب إنسانية، ويتم تنفيذه بالتعاون مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية".

 

في جميع الأحوال، لم يعد خافياً وجود الإمارات في جزيرة سقطرى ولا تطبيعها مع إسرائيل، لكن المستجِد في الوقت الراهن، هو الوجود العسكري الأمريكي في "جزيرة الحظ السيء"، كما تصفها صحيفة إزفيستيا الروسية.

 

أبعاد التنافس الإقليمي والدولي؟

 

أصبح معلوماً كيف تأثر الاقتصاد العالمي بسبب هجمات جماعة أنصار الله/ الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية. وعلى الرغم من تحديد أهداف هذه الهجمات، فقد أربكت حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر وبحر العرب. وفي ظل توسّع صراع الأقطاب في المنطقة، صار تنافس الهيمنة على هذا الممر المزدحم أكثر سفوراً. التواجد العسكري للولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وإيران والصين ودول الاتحاد الأوروبي في المياه البحرية اليمنية، يفوق ما كان عليه في ذروة انتشار القراصنة خلال العقد الأول من الألفية الثالثة. بحسب الصحيفة الروسية، فإن نفي البنتاغون وجود خطط أمريكية لنشر قوات في سقطرى، "قد لا يكون" فيه "سوى بعض الحقيقة"، وأن "واشنطن لا تستطيع التقليل من الأهمية الاستراتيجية لهذا الأرخبيل".

 

في أواخر سنة 2023، تسربت شائعات غير بريئة في وسائل التواصل الاجتماعي عن حق الصومال في جزيرة سقطرى، نظراً لقربها من القرن الأفريقي. لكن تلك الشائعات اصطدمت بسقف عالٍ من الوعي لدى النخب اليمنية والعربية بتاريخ الجزيرة وجذور لغتها التي تشير مفرداتها المنطوقة ونقوشها المكتوبة إلى المسند اليمني القديم. غير أن الإهمال التاريخي لهذا الأرخبيل الفريد في طبيعته، وأهميته العالية في الملاحة الدولية، جعله متاحاً أمام الدول العربية والأجنبية.

 

تدرك روسيا أهمية سقطرى منذ كانت تتواجد فيها قواتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين الفائت، عندما كان الاتحاد السوفيتي الداعم الوحيد للجمهورية الاشتراكية في جنوب اليمن. هذا الإدراك يشمل أيضاً بريطانيا التي استعمرت جنوب اليمن قرابة 130 سنة. كما تفهم إيران أهمية سقطرى جيداً، لا سيما إذا ما عرفنا أن المسافة بينها وبين الساحل الإيراني لا تزيد عن 1600 كلم، بينما تبعد عن عدن 900 كلم، وعن باب المندب 1100 كلم. طهران هي الأخرى لا تتحدث كثيراً عن خططها، لكن في أواخر 2023، وبينما كانت الولايات المتحدة تحث حكومات العالم على الانضمام إلى تحالف "حارس الازدهار"، لتأمين السفن في البحر الأحمر، قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني إن لدى طهران سيطرة في هذه المنطقة البحرية، وإن "كل الدول حاضرة فيها ولا يمكن لأحد المناورة هناك". وفي حزيران/ يونيو من السنة نفسها، أعلن وزير الطرق وتطوير المدن الإيراني، عن الانتهاء من تصميم 27 مدينة ساحلية جديدة للبلاد، سيتم إنشاؤها على سواحل الخليج وبحر عُمان.

 

من ناحية أخرى، تستمر الصين في تنفيذ مشروع "مبادرة الحزام والطريق"، وتتنافس تركيا مع الإمارات في الموانئ الصومالية والسودانية. وإذا ما تتبّعنا النشاط الإقليمي والدولي في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي، فسوف تبدو خطوط التنافس أشبه بمتاهة يتداخل فيها السياسي مع العسكري والاقتصادي. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى إلى حيازة موطئ قدم لها في سقطرى منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين. حينها ثار جدل في اليمن حول تأجير الحكومة اليمنية جزيرة سقطرى للولايات المتحدة لمدة خمسين سنة، لكن الحكومة نفت ذلك. وبعد الهجوم على مدمرتها (يو إس إس كول) في عدن سنة 2002، أنشأت الولايات المتحدة في العام التالي مستشفى على أراضي سقطرى لمعالجة جنودها، بحسب ما أفاد مراقبون مطلعون، تعليقاً على تجدد الجدل بشأن التواجد الأمريكي في الجزيرة سنة 2010.

 

حلقة في سلسلة

 

اهتمام الولايات المتحدة بـ"تعزيز" وجودها في أرخبيل سقطرى، يرتبط بما تسميه استراتيجيتها لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة بايدن-هاريس اتخذت "خطوات تاريخية لاستعادة الريادة الأمريكية في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ"، و"تكييف دورها مع القرن الحادي والعشرين". من تلك الخطوات تحديث تحالفات الولايات المتحدة طويلة الأمد، وتعزيز "الشراكات الناشئة"، وإقامة "روابط مبتكرة فيما بينها لمواجهة التحديات الملحة، من المنافسة مع الصين إلى تغيير المناخ وإلى الوباء" (كوفيد19).

 

لدى الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وهي إحدى جزر أرخبيل استراتيجي، حصلت عليه المملكة المتحدة من فرنسا في القرن التاسع عشر، وأجّرته للولايات المتحدة باتفاق سرّي سنة 1966، أي خلال العقد الثاني من الحرب الباردة. إنهم يعطون ما لا يملكون، لمن لا يستحق في كل زمان ومكان، وليس فقط في فلسطين.

 

أصبح معلوماً كيف تأثر الاقتصاد العالمي بسبب هجمات جماعة أنصار الله/ الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها، وكذلك السفن الأمريكية والبريطانية. وعلى الرغم من تحديد أهداف هذه الهجمات، فقد أربكت حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر وبحر العرب. وفي ظل توسّع صراع الأقطاب في المنطقة، أصبح تنافس الهيمنة على هذا الممر المزدحم أكثر سفوراً.

 

إذا ما تتبّعنا النشاط الإقليمي والدولي في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي، فسوف تبدو خطوط التنافس أشبه بمتاهة يتداخل فيها السياسي مع العسكري والاقتصادي. أما الولايات المتحدة، فهي تسعى إلى حيازة موطئ قدم لها في سقطرى منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين.

 

دييغو غارسيا هي أكبر جزيرة في أرخبيل تشاغوس المكون من حوالي 60 جزيرة استوائية، وهي تابعة لموريشوس، التي نالت استقلالها عن بريطانيا سنة 1968 مقابل التخلي عن المطالبة بهذا الأرخبيل الاستراتيجي. خلال تأسيس القاعدة العسكرية الأمريكية أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن العشرين، تم تهجير أكثر من ألفي شخص من سكان الأرخبيل، وينص اتفاق تأجيرها لواشنطن على أن مدته خمسون سنة، تم تجديدها في 2016 لعشرين سنة إضافية. على الرغم من أن قرار المحكمة الدائمة للتحكيم المعنية بتسوية النزاعات بين الدول في 2015، قضى ببطلان ملكية بريطانيا لأرخبيل تشاغوس، ثم مطالبتها من قبل محكمة العدل الدولية مطلع 2019، بإنهاء "الاحتلال غير القانوني" لهذا الأرخبيل، وتصويت الجمعية العامة بأغلبية 116 دولة، على قرار يطالب بإعادة الأرخبيل لموريشوس، بدون قيد أو شرط في غضون فترة لا تزيد عن ستة أشهر، رفضت بريطانيا الامتثال لهذه القرارات. يطلق العسكريون الأمريكيون على هذه القاعدة اسم "موطئ الحرية"، وتعتبرها وزارة الخارجية ضمن ما تسميه "منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ"، وهي حلقة في سلسلة الجزر، التي تستضيف قواعد واشنطن العسكرية، فلما لا ترغب في إضافة سقطرى إلى هذه السلسلة النارية!

 

وتيرة بطيئة للصراع

 

تمضي المواجهة العسكرية في المياه البحرية لليمن بوتيرة بطيئة نوعاً ما، لكن إيقاعها غير المتسارع، ينذر بتحوّلات جذرية لصراع القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على النفوذ في مضيق باب المندب، الذي يتوسط قناة السويس ومضيق هرمز.

 

تدرك روسيا أهمية سقطرى منذ أن كانت تتواجد فيها قواتها خلال النصف الثاني من القرن العشرين الفائت، عندما كان الاتحاد السوفيتي الداعم الوحيد للجمهورية الاشتراكية في جنوب اليمن. هذا الإدراك يشمل أيضاً بريطانيا التي استعمرت جنوب اليمن قرابة 130 سنة. كما تفهم إيران أهمية سقطرى جيداً، لا سيما إذا ما عرفنا أن المسافة بينها وبين الساحل الإيراني لا تزيد عن 1600 كلم.

 

اهتمام الولايات المتحدة بـ"تعزيز" وجودها في أرخبيل سقطرى، يرتبط بما تسميه استراتيجيتها لمنطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة بايدن-هاريس اتخذت "خطوات تاريخية لاستعادة الريادة الأمريكية في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ"، و"تكييف دورها مع القرن الحادي والعشرين".

 

قبل شنّ هجماتها المضادة على مواقع الحوثيين، حاولت الولايات المتحدة استخدام الدبلوماسية، لوقف عملياتهم العسكرية ضد السفن الإسرائيلية. توافقت هذه الطريقة مع توجّه السعودية إلى الانسحاب من الحرب في اليمن، إذ عملت على تنشيط مفاوضات الحلّ السياسي للصراع بين جماعة أنصار الله والحكومة المعترف بها دولياً. وفي الوقت الذي تستمر فيه الرياض في دعم هذا المسعى، تعمل الولايات المتحدة على "تعزيز" خياراتها العسكرية، تحسّباً للسيناريوهات الأكثر سوءاً.

 

من جانب آخر، لا تنحصر خيارات واشنطن العسكرية في مواجهة إيران وحدها، فقائمة منافسيها تتضمن ألدّ خصومها الدوليين، روسيا والصين، ناهيك عن التنافس غير المحتدم بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها تركيا ذات الإرث الاستعماري الكبير في المنطقة. كما أن الانسجام القوي بين أمريكا وبريطانيا، بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، قد لا يكون كذلك حين يتعلق الأمر بتقاسم النفوذ والمصالح، في منطقة كانت شمس الإمبراطورية البريطانية مشرقة فيها قبل 57 سنة فقط. ومع إضافة السعودية، الإمارات، مصر، عُمان، الهند، وإسرائيل ضمن اللاعبين الفاعلين والمتفاعلين في المشهد الملتهب في اليمن، تغدو صورة الصراع متعدد الأقطاب في اليمن أكثر قتامة من ليالي الأعاصير التي تضرب سقطرى كل سنة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن سقطرى أمريكا اسرائيل قواعد عسكرية وجود قوات أمریکیة فی المعترف بها دولیا المجلس الانتقالی الولایات المتحدة جماعة أنصار الله فی جزیرة سقطرى القرن العشرین أرخبیل سقطرى البحر الأحمر على الرغم من وسائل إعلام فی الأرخبیل باب المندب جنوب الیمن فی أرخبیل عسکریة فی سقطرى منذ فی سقطرى سقطرى من من القرن فی منطقة فی الیمن ما کان

إقرأ أيضاً:

على خطى السعودية.. أمريكا في اليمن إجرام وتخبط وهزيمة [الحقيقة لا غير]

يمانيون../
تتزايد البراهين والأدلة يومًا بعد يوم على مدى الارتباك والعجز الذي يعيشه العدو الأمريكي في مواجهته للشعب اليمني العظيم، الذي يتميز بقوة إيمانه وثباته وإرادته القوية.

العدوان الأمريكي المستمر على العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية لا يعكس سوى حقيقة واحدة، هي الفشل الكبير الذي يدفع العدو الأمريكي إلى الوقوع في مأزق حقيقي أمام هذا الشعب، الذي يجسد من خلال موقفه الديني والأخلاقي والإنساني تجاه غزة موقفًا ومثالًا فريدًا في تاريخ الإنسانية.

وبسبب جهل العدو الأمريكي لطبيعة الشعب اليمني وقوة عزيمته وصمود أبنائه، يواصل شن غاراته العدوانية على الأحياء السكنية في صنعاء، مستهدفًا منازل المدنيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالأهداف الأمريكية المعلنة في اليمن.

لذا، فإن العدوان الأمريكي، خاصة في ظل إدارة المجرم ترامب، يمر بنفس الظروف التي واجهها العدو السعودي في عام 2015، عندما شن عدوانًا غاشماً جائرًا على الشعب اليمني، متجاهلًا صمود اليمنيين ومطمئنًا إلى تفوقه العسكري وقدرته الاقتصادية وعلاقاته الدولية.

وفي الوقت الحالي، يرتكب العدو الأمريكي نفس الخطأ الذي ارتكبه العدو السعودي سابقًا، والذي سيؤدي إلى عواقب وخيمة، وهو الخطأ المتمثل في التقليل من شأن الشعب اليمني وتضحيات أبنائه، والاعتقاد الخاطئ بأن طرق القوة والتصلب والوحشية، إلى جانب الغارات العدوانية والتدمير، ستكسر إرادة الشعب اليمني وتجبر أبنائه على الخضوع ورفع راية الاستسلام أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي.

تشكل الجرائم التي يرتكبها العدوان الأمريكي في العاصمة صنعاء وكافة المحافظات اليمنية جانبًا آخر من مظاهر الإجرام الوحشي الأمريكي، وتعكس حالة الفوضى والتخبط التي تعاني منها الولايات المتحدة، والتي لا تؤدي إلا إلى المزيد من الفضائح والانكسارات. ولا شك أن دماء الشهداء لن تذهب سدى، حيث تواصل قواتنا المسلحة تقويض هيبة هذه الإمبراطورية الظالمة، وتعليمها دروسًا قاسية في البحر وفي جميع الاشتباكات مع قطعها البحرية والعسكرية، حتى بلغت مرحلة الانهيار والفشل، وهو ما يؤكده الواقع على أرض الميدان. وهذا ما يشهد به جميع الخبراء المهنيين في العالم، بما فيها تقييمات العدو الأمريكي نفسه، حول نتائج العدوان الأمريكي على اليمن.

هذا وزير خارجية المجرم ترامب، الذي يعاني من خيبة أمل وإحباط مماثل لرئيسه، أشار إلى أن العدوان على اليمن يُعتبر خدمةً للعالم. هذا التصريح يعكس محاولة ليّ ذرائع المجتمع الدولي واستعطافه للوقوف بجانب العدو الأمريكي، ويُذكرنا ذلك بخطاب العدو السعودي الذي كان يبرر عدوانه على اليمن بحجة الدفاع عن العالم.

لقد كشفت دولة العدوان أمريكا من خلال عدوانها على الشعب اليمني للعالم فشلاً ذريعًا يفوق توقعات الكثيرين. فكلما ارتكب العدو الأمريكي جريمةً ضد المدنيين أو استهدف منشأةً مدنيةً أو مؤسسةً حكوميةً في اليمن، انكشفت حقائقه أكثر وتهاوت مكانته، ليس فقط من الناحية الأخلاقية، بل أيضًا من الناحية العسكرية والأمنية. وبفضل الله تعالى، فإن تصرفات هؤلاء المجرمين والإرهابيين الأمريكيين تدل على أنهم لا قيمة لهم، وهي حقًا كما وصفها الشهيد القائد -رضوان الله عليه– “أن أمريكا قشة”.

لكن عندما يقف أصحاب الحق بثباتٍ وإيمانٍ وقرارٍ حازم، يصبح الباطل ضعيفًا أمامهم، كما هو حال أمريكا اليوم في مواجهة الشعب اليمني. فالباطل لا يستمر ولا يثبت، على عكس أصحاب الحق والقضايا العادلة الذين هم سند القوة والديمومة.

كان المجرم ترامب، الذي يُعتبر مجرمًا، يسخر من إدارة بايدن وينعتها بالفشل، أما اليوم فقد أصبح المجرم ترامب نفسه موضوع سخرية أكثر منه، وذلك بسبب كثرة تهديداته. إذ تحول المجرم ترامب إلى مجرم وقاتل وفاشل في نظر العالم، الذي يشاهد يوميًا جرائمه ضد النساء والأطفال في غزة واليمن.

وكان يُقال إن المجرم ترامب كان يطمح للفوز بجائزة نوبل للسلام، راغبًا في جعل ولايته الأخيرة، أو ولايته هذه، رمزًا للحضارة الغربية والإنسانية، متعهدًا بإنهاء النزاعات والحروب. لكنه سقط في بداية ولايته الرئاسية الثانية، التي لم تمضِ عليها إلا بضعة أشهر قليلة، حيث يعيش حالة من الارتباك واليأس، ما دفعه إلى استهداف المنازل والأسواق والموانئ، وحتى السفينة “جلاكسي” في عرض البحر.

تشير الجرائم التي ارتكبها العدوان الأمريكي في العاصمة صنعاء بحق المدنيين إلى فشل العدوان الأمريكي المستمر وتخبطه المتواصل، كما تُبرز حجم الحقد الذي يكنّه العدو الأمريكي الذي يسعى للانتقام من الشعب اليمني، الذي لا تزيده هذه الجرائم إلا صلابة وعزيمة وإصرارًا على المواجهة والثبات والصمود. ولن يثنيه ذلك عن مواقفه الإنسانية والدينية والتاريخية تجاه غزة.

إن تضحيات وصبر الشعب اليمني في هذه المرحلة الحاسمة سيكون لهما أثر يعود بالنصر على المظلومين، وبالهزيمة والخسران على الظالمين. وتداعيات وأثر العدوان الأمريكي على اليمنيين تظهر كيف أن هذه الجرائم تعود بالسوء والخسارة على من يقترفها، كما حدث مع العدوان السعودي في جولة العدوان الأمريكية السابقة التي لم تحقق أي هدف، رغم ما ارتكبه من قتل النساء والأطفال وتدمير المنازل والمنشآت المدنية والحكومية.

وعلى الرغم من ذلك العدوان، تحوّل اليمنيون إلى بركان من الغضب في صدورهم، وزاد من وعيهم وحماسهم ونشاطهم للبحث عن وسائل القوة والمواجهة مع أولئك الأعداء والمجرمين، الذين لا يردعهم إلا الشجاعة والقوة والثبات والحضور الدائم في ساحات وميادين الجهاد في سبيل الله.

هناك فرق جوهري بين أن تتلقى الأذى من عدوك، وبين أن تضحّي وتواجه الألم بينما يُدمّر بيتك أو مصدر رزقك وأنت في موقع الجهاد ومواجهة العدو، تهاجمه بكل قوتك وتُعلّمه دروساً في الشجاعة والكرامة، تسقط هيبته أمام الأنظار، وتُلحِق به خسائر كبيرة على الأصعدة العسكرية والمادية والمعنوية.

بينما الاستسلام والخنوع لا يضمنان لك الحماية من العدو، فالتضحية في سبيل الجهاد هي فترة تكون مليئة بالصبر والكفاح، يتبعها النصر المؤزر، حينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. أما إذا رضيت بالهروب من تحمل المسؤولية، فستخسر بلا نهاية، وضحاياك ستكون دون فائدة أو تحقيق أهداف.

كيف تؤثر مشاهد الطفولة والشهداء والجرحى على شعوب العالم كله، وهم يدركون أن اليمني يقدم هذه التضحيات نتيجة مواقفه الداعمة لغزة، ونتيجة إصرار شعب اليمن على تثبيت هذا الموقف مهما بلغت التضحيات وقسوة العدوان الأمريكي؟.

هذا الموقف له أثر عميق في نفس ووجدان الملايين من شعوب العالم، ولذلك تنطبق على جرائم العدوان الأمريكي بحق الشعب اليمني الآية الكريمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

المجرم ترامب ومن يقف خلفه من المنافقين من أبناء الأمة يعتقدون أن جرائم العدوان الأمريكي بحق المدنيين ستعوض إخفاقاتهم العسكرية، وأن هذه الجرائم ستساعدهم في تحقيق أهدافهم، من بينها إرهاب الشعب اليمني وإجباره على الاستسلام ورفع راية الهزيمة أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي وعملائهم وأدواتهم ومرتزقتهم، وهذا تصور خاطئ تمامًا.

ومن لا يعرف طبيعة الشعب اليمني، عليه أن يعود للدراسة الدقيقة لتجربة العدوان السعودي على اليمن التي دامت تسع سنوات، والتي لا تزال حية في الذاكرة وقريبة الوقت، كما بيّن ذلك الشهيد القائد ـــ رضوان الله عليه ـــ إذا كنت تسير في طريق الحق، حتى عدوك حين يتصرف ضدك بأي فعل، رغبةً في إيذائك، قد ينتهي به الأمر إلى إفادتك من حيث يعتقد أنه يضرك، وبطريقة غير مقصودة.

لذلك، لنتأمل حجم الدعم والوقوف الشعبي العربي، الإسلامي والدولي تجاه اليمن في المراحل السابقة، حيث لم يكن موقف اليمن إلى جانب غزة آنذاك قد بلغ هذه الدرجة من التضحية والعطاء. فقد كان الشعب اليمني حينها لا يزال في طور المشاركة بالمظاهرات والمواكب الجماهيرية الكبيرة، إضافة إلى العمليات العسكرية التي تشكل الركيزة الأساسية لهذا الموقف.

أما الآن، فإن العالم بأجمعه، شعوبًا وأممًا، يراقب اليمنيين الذين تطوروا في عطائهم وإخلاصهم وجديتهم بشكل واضح في موقفهم الراهن. بالرغم من تعرض منازلهم للقصف واستشهاد أطفالهم ونسائهم، يؤكدون تمسكهم بفداء غزة ولن يتراجعوا عن مواقفهم الثابتة.

قال تعالى: [وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]، إنَّ التضحيات التي يقدمها الشعب اليمني، والتي عبر عنها الجرحى المتأثرون بالعدوان الأمريكي، ترتقي بمكانتهم عند الله فوق مكانة الذين يقتصر عطاءهم على مجرد مشاركة الطعام والشراب، وفق ما جاء في كتاب الله العزيز عن عظمة المُنفقين.

على مدار عام ونصف من الدعم والإسناد اليمني لغزة، حاول البعض التشكيك والتشويش، بل وتعمد بعضهم السخرية بالقول إن ما قدمه اليمن لغزة هو مجرد استغلال. هذا هو سلوك العملاء والمرتزقة الذين يسعون إلى تشويه الموقف اليمني الحقيقي.

لكن الجرائم الأمريكية، والمشاهد المروعة لقصف المنازل والأسواق والمقابر، وألم الضحايا والشهداء، قد صنعت صورة أوضح وأصدق عن الشعب اليمني في وعي الشعوب حول العالم، أكثر مما كان عليه قبل العدوان الأمريكي.

إن دولة العدوان أمريكا من خلال جرائمها تُثبت للعالم أن الشعب اليمني يتميز بالإخلاص والثبات والصدق والكرامة والنقاء، وأنه لا نظير له عبر التاريخ البشري. كما تؤكد أن اليمن لا يتاجر بمعاناة غزة كما يزعم العملاء والمنافقون.

لقد زاد احترام العالم وتقديره للموقف اليمني خلال عام ونصف، واليوم في خضم الجرائم الأمريكية، بات الناس أكثر إيماناً ومحبةً للشعب اليمني. ولهذا، فإن التضحيات التي يقدمها الشعب اليمني لها أثر كبير يتجاوز مجرد التعاطف، إذ أصبحت اليوم سبباً في إيقاظ واستنهاض أحرار الأمة وكافة شعوب العالم، وتوحيد صفوفهم حول اليمن وموقفه وقيادته، وأضحى الشعب اليمني، بصموده ودعمه لغزة، مصدر إلهام وحافز لمن لا يزال يملك نبض الحياة في جميع أنحاء العالم.

بعون الله تعالى وإرادته، يكون المذنب والمجرم قد أتم كامل ذنوبه وتراكمت عليه الذنوب، ونضجت جرائمه التي تؤدي إلى سقوطه، فلا يبقى سوى السبب الذي يهيئه الله لإسقاطه والقضاء عليه. لذا فإن الأبطال المؤمنين الثابتين الشجعان هم الذين يتحقق على أيديهم تنفيذ الوعد الإلهي بسقوط الطغاة والمجرمين، وهذا من السنن الإلهية الثابتة في هذا الكون.

لقد تصاعد ظلم أمريكا وارتكبت المزيد من الجرائم، وأصبحت مكروهة في نظر العالم، ولهذا فإن العدوان والجرائم الأمريكية بحاجة إلى موقف أبر هيمي مستوحى من موقف نبي الله إبراهيم عليه السلام، إذ قال لأبيه وقومه: “ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟” فقد كان قومه يعبدون الأصنام كما يعبد البعض أمريكا في يومنا هذا.

فأجاب قوم إبراهيم: (جَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)، لم يكن هناك مجال لتغيير النظام العالمي في ذلك الزمان، فأجابهم إبراهيم: (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاوْكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). وفي هذه الأيام، أيّ ضلال أعظم من طاعة أمريكا والولاء لها ولليهود، الذين يرتكبون أبشع الجرائم في غزة وغيرها.

كان موقف سيدنا إبراهيم حازماً وقوياً بلا تردد، حيث أعلن قاطعاً: (وَتَاللّٰهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أي: سأقضي على أصنامكم. وهذا هو الموقف الإبراهيمي الذي يجسده شعب اليمن في وجه إمبراطورية الظلم والجرائم واستعباد البشر، أمريكا التي ورثت تاريخاً طويلاً من الإجرام والظلم.

لذا، فإن من يواجه دولة العدوان أمريكا في هذا العصر يحمل راية الحق التي تعتبر امتداداً لرسالات الأنبياء عبر التاريخ، وهذا ما يجسده الشعب اليمني كحامل لهذه الراية.

لا بد للشعوب العربية والإسلامية من اتخاذ موقف واضح تجاه جرائم ومجازر العدو في غزة، وإذا تأخرت في ذلك فإنها معرضة للخزي في الدنيا والعقاب في الآخرة. ولهذا، فإن هناك بعض التفسيرات الدينية المغلوطة التي ساهمت في ترسيخ موقف الضعف والهوان بين المسلمين، معتبرةً ذلك زهدًا في الدنيا وطاعةً لله، وهو فهم يرفضه القرآن الكريم.

والأمر نفسه كما قال الشهيد القائد -رضوان الله عليه- إن الذل والهوان في الدنيا الناتج عن التقصير يؤدي إلى عذاب في الآخرة، لأن المؤمن يجب أن يكون قويًا وكريمًا، فهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وعلى المؤمن أن يجسد في حياته قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

في ظل ما نشهده حالياً من تخاذل عربي تجاه قضية غزة وفلسطين، يتضح حجم الأزمة الخطيرة التي تواجهها أمتنا، والتي قد تكون قد وصلت إلى نقطة نهايتها، وقد يُستبدل الله بها بأمة أخرى. وبناءً عليه، دخلت الأمة في مرحلة من العقاب الإلهي، حيث تُسَلَّط عليها أعداؤها ليعذبوها أشد العذاب.

لذا فإن ما يحدث في واقع المسلمين اليوم أمر غير طبيعي، فالشعوب التي تفتقر إلى الدين تعيش في حياتها بحرية، تدافع عن نفسها، وتبني اقتصادها ومستقبلها، بينما واقع المسلمين والعرب مخزٍ ومزرٍ إلى أقصى الحدود.

عباس القاعدي| المسيرة

مقالات مشابهة

  • أمريكا فشلت في ردع اليمن
  • أمريكا تكشف عن خسائرها في اليمن
  • شاهد | أمريكا تبرر لهمجيتها في اليمن: “إسناد إسرائيل أولويتنا”
  • بلغة الأرقام والميدان: أمريكا فشلت في ردع اليمن خلال 6 أسابيع من العدوان
  • بين فشل أمريكا المُدوِّي وصمود اليمن.. قصة الضمير العربي الوحيد المدافع عن فلسطين
  • على خطى السعودية.. أمريكا في اليمن إجرام وتخبط وهزيمة [الحقيقة لا غير]
  • أمريكا تفرض عقوبات جديدة على "أنصار الله" في اليمن
  • أمريكا في مأزق: تعديل استراتيجي مفاجئ في اليمن يُغير مجرى الحرب
  • حرب أمريكا الثانية على اليمن!!
  • أمنيات أمريكا لا تتحقق في اليمن