عام على الحرب السودانية… أين نحن؟
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
د. أماني الطويل
نقلا عن اندبندنت عربية
يمر عام على الحرب السودانية التي اندلعت نتيجة خلافات سياسية وعسكرية داخلية مركبة ومعقدة، وتحت مظلة صراع إقليمي ودولي لا يقل تعقيداً، وخلال هذا العام تغير المشهد الديموغرافي والإنساني، ليس في السودان فحسب، بل أيضاً في الجوار السوداني المباشر والمتاخم، حيث رحل الناس عن بيوتهم مرغمين ومروعين بالملايين التي تحصى بالثمانية، كما يتهدد ربع السكان قريباً جوع ومجاعة قاسية.
على المستوى الاقتصادي فقد السودان 80 في المئة من مقدراته، معظم بنيته التحتية الضعيفة أصلاً باتت ركاماً، وربما يكون قد عاد قرناً ونيفاً إلى الوراء، إذ تتفكك حالياً مكوناته ويتهتك نسيجه الاجتماعي إلى مراحل ما قبل الدولة وتصعد العصبية العرقية والقبلية معاً لتتوج غالبية التفاعلات المحلية.
هذا المشهد المأسوي يتطلب منا رصد ماذا أنتجت هذه الحرب على نحو تفصيلي في جميع المجالات، ذلك أن التقديرات الكلية للمنظمات الدولية في شأن هذه المأساة لا ترسم فسيسفاء الدمار السوداني الذي لا بد من أن يكون مؤرقاً لهولاء الذين ما زالوا يمارسون فعل الصراع انتصاراً لطموحات في السلطة، أو انتصاراً لأيديولوجيا مقابل أخرى، في وقت يبدو أن هناك قصوراً عاماً في إدراك أن ما يتم الصراع عليه هو معرض للفناء الكلي ولن تستفيد منه أطراف محلية بقدر ما ستستفيد أطراف دولية يكون همها الأساس نهب الموارد السودانية.
في هذا السياق نرصد أنه في مراحل الصراع السياسي الداخلي، أي في مرحلة ما قبل الحرب، لم يتخطَّ معدل النمو الاقتصادي 0.3 في المئة بنهاية عام 2022 طبقاً لإحصاءات البنك المركزي، مما أسفر عن ارتفاع أسعار الأغذية والوقود والأسمدة بأكثر من 400 في المئة، وتراجعت قدرة الحكومة على دعم المدخلات الأساسية للإنتاج الزراعي، وقلّص المزارعون أيضاً المساحات المزروعة بصورة كبيرة، مما أسهم في تفاقم أزمة القدرة على تحمل الكلفة وإنتاج الغذاء.
قبل الحرب
أما على صعيد صادرات السودان، فتراجعت بنسبة 50 في المئة قبل الحرب، وغير مرصود حجم التقلص منذ أكثر من عام، إذ شكل الذهب أكثر من 50 في المئة من إجمالي الصادرات والبذور الزيتية 18 في المئة والوقود 10 في المئة والحيوانات الحية سبعة في المئة، فضلاً عن السمسم والصمغ العربي واللحوم المجمدة، وكلها صادرات مؤثرة في معدلات نمو الاقتصاد السوداني وكذلك بعض دول الجوار المباشر مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان اللتين تعتمدان في سلعهما الغذائية بنسبة 70 في المئة على ما ينتج في السودان مثل الدقيق والزيوت وصلصة الطماطم والسكر وغيرها، وتعتبر مصر من أهم الشركاء التجاريين للسودان سواء في التصدير أو الاستيراد، وبناءً على معطيات الصراع الذي يدور تأثرت التجارة بين مصر والسودان نتيجة تأثر المعابر والمنافذ الحدودية.
وكنتيجة مباشرة للصراع العسكري توقفت الاستثمارات الزراعية في السودان، خصوصاً الخليجية، إذ خرج ما يتجاوز الـ20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، منها بعض الاستثمارات للسعودية التي كانت وصلت إلى نحو 35 مليار دولار، بينما تخطت استثمارات دولة الإمارات 7 مليارات دولار، وفي ما يتعلق بالمشاريع المصرية في السودان فقد بلغت نحو 229 مشروعاً غالبيتها لقطاع الأعمال الخاص برأسمال نحو 10.8 مليار دولار أثناء الفترة من 2000 وحتى 2013، إضافة إلى مشاريع الدولة في الربط البحري والبري والكهربائي بين الجانبين.
أما الاستثمارات والمشاريع الصينية في السودان، فتخطت 5 مليارات دولار، والاستثمارات القطرية 4 مليارات، وكذلك الاستثمارات الكويتية بنحو 6 مليارات دولار.
إجمالاً، أسفر الصراع المسلح السوداني عن فقد الدولة السودانية كثيراً من مقدراتها، إذ تم تدمير 60 في المئة من البنية التحتية المتوافرة، منها نحو 2000 مبني حكومي بصورة كاملة أو جزئياً، شاملة المنظومتين الصحية والتعليمية، كما تم تدمير جسور ومصافٍ للنفط تدميراً جزئياً، فضلاً عن توقف 400 منشأة صناعية في مختلف المجالات، وتدمير 70 في المئة من المؤسسات التعليمية، مما أدى إلى خروج 10 ملايين طالب من العملية التعليمية في المدارس والجامعات.
في المحصلة، وطبقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن حجم انكماش الاقتصاد السوداني غير مسبوق تاريخياً، إذ وصل خلال عام 2023 إلى 18.3 في المئة، وقدّر حجم خسائره الكلية بنحو 100 مليار دولار نتيجة الحرب، وفقدت العملة السودانية 70 في المئة من قيمتها، فضلاً عن عجز الدولة عن تدبير مرتبات العاملين في جهازها الإداري.
في هذا السياق تشير تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية إلى حجم الكارثة الإنسانية في السودان، والمترتبة على الصراع العسكري من عدد من الزوايا، وربما يكون ما ورد ضمن أحد هذه التقارير دالاً على حجم الكارثة، إذ قال إن "السكان شهدوا مصرع أحبائهم بالرصاص، وتعرضت النساء والفتيات للاعتداء الجنسي، ورأت العائلات ممتلكاتها تتعرض للنهب ومنازلها تحرق بالكامل".
أما على صعيد المؤشرات الإحصائية، فنزح نحو 8 ملايين سوداني من مناطقهم، سواء داخلياً أو خارجياً، إذ استقبلت تشاد نحو نصف مليون نازح، ومصر استضافت عدداً مقارباً عبر المنافذ الحدودية بينما يصعب تقدير حجم الهجرة غير الشرعية إلى القاهرة، في وقت كان نصيب كل من جنوب السودان وإثيوبيا آلافاً عدة.
على صعيد النزوح الداخلي، فر السودانيون أكثر من مرة في أنحاء التراب الوطني السوداني، خصوصاً إلى مدن الفاشر وعطبرة ودنقلا وود مدني، بحثاً عن مناطق آمنة بعد توسع العمليات العسكرية لتصل إلى عواصم إقليم دارفور وولاية شمال كردفان وكذلك ولاية الجزيرة في وسط السودان.
حدود المأساة
وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة، تضاعفت حال انعدام الأمن الغذائي تقريباً، مما أثر في أكثر من 20.3 مليون شخص بمن فيهم 700 ألف طفل أصبحوا معرضين لخطر سوء التغذية الحاد والموت، وتفاقمت هذه الحال إلى حد كبير، إذ دعا برنامج الأغذية العالمي الأطراف المتحاربة في السودان إلى تقديم ضمانات فورية لإيصال المساعدات الإنسانية بصورة آمنة ومن دون عوائق إلى المناطق المتضررة من النزاع، بخاصة عبر خطوط النزاع، حيث يعاني النازحون المحاصرون الجوع من دون أن تتمكن المنظمات الإغاثية من الوصول إليهم بالمساعدات المنقذة للحياة.
وربما تكون آثار الصراع السوداني على نفوس البشر من الأمور المسكوت عنها، فشكلت الحرب المفاجئة ونزوح السكان تحت مظلة الهلع اضطرابات واسعة على المستوى النفسي، وتفيد بعض التقارير الصادرة عن جهات متخصصة بأن 60 في المئة من السكان السودانيين يحتاجون إلى عون نفسي متخصص نتيجة صدمة الحرب وما صاحبها من مظاهر عنف وابتزاز مارسها السودانيون ضد بعضهم بعضاً، ذلك أن الاضطرابات النفسية تهدد حياة المئات ومستقبل كثير من الأطفال في ظل الاستجابة المحدودة للمنظمات الدولية لهذا التهديد، باعتبار أنها تركز أنشطتها على معالجة الآثار الرئيسة للنزاع وتتجاهل المصابين بصدمات نفسية وحالات مشابهة، وعلى رغم هرب الآلاف من مسرح القتال فإن بعضهم يحتاج إلى الدعم النفسي.
وتشير الخبرات الميدانية الشخصية إلى أن غالبية اللاجئين السودانيين في القاهرة يعانون ظروفاً إنسانية واجتماعية صعبة تتدرج في صعوبتها طبقاً للملاءة المالية للأسر على الصعيدين الاقتصادي والإنساني، نتيجة خروجهم المفاجئ من بلادهم تحت صدمة الحرب، وتجلى تشتت الأسر وانقسامها طبقاً لظروف الحصول على تأشيرات الدخول، وكذلك في توقف العملية التعليمية لأطفال وشباب كثر نتيجة الكلفة الاقتصادية العالية لغالبية المدارس السودانية في القاهرة، وعدم وجود برامج محددة من جانب مفوضية اللاجئين أو الحكومة المصرية لاستيعابهم في منظومة التعليم الرسمي المصري، وربما ذلك ما يدفع فئات محدودة من بعض المراهقين والشباب إلى الدخول في أنشطة متعلقة بالمخدرات أو إدمانها نتيجة عدم تحمل الصدمة، أو عدم القدرة على الاستمرار في نمط الحياة وظروف المعيشة المعتادة، فضلاً عن ظواهر المرض أو الوفاة المفاجئة.
إجمالاً تبدو المحاولة الراهنة من جانب المجتمع الدولي لإنقاذ السودان عبر دعم متطلبات الأمن الإنساني في مؤتمر باريس غير كافية وربما تكون مهددة بالفشل، إذ تم استقبال جهود باريس على أرضية الاستقطاب السياسي والعسكري، وكذلك فإن مهمات توصيل الإغاثة الإنسانية ستكون مرهونة بإرادة الأطراف المتصارعة، من هنا فإنه لا مناص من حلول سياسية تفاوضية تتطلب جهوداً إقليمية ودولية متواصلة.
///////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی المئة من فی السودان
إقرأ أيضاً:
عثمان جلال: مالك عقار هذه مساهمتنا في مشروع النهضة السودانية
(١). تستمد بضاعة حركة الاسلام في السودان صلاحيتها من الالهام التاريخي لأدوارها في صناعة المواقف الوطنية الكبرى منذ المشاركة في التدافع ضد الاستعمار وهي زغب الحواصل في محاضن التعليم الحديث الثانوي وكلية غردون، وكذلك دور اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بقيادة الاسلامي دفع الله الحاج يوسف في انجاز عملية السودنة ، ودورها في التصدي لانقلاب عبود عبر اتحاد ج الخرطوم بقيادة الاسلامي جعفر شيخ ادريس (ان اقيموا الدنيا وارجعوا الجيش الى الثكنات).
ثم دورها في صناعة ثورة اكتوبر التي اطاحت بنظام عبود عام ١٩٦٤ حيث كان في طليعة اتحاد طلاب ج الخرطوم حافظ الشيخ الزاكي وربيع حسن احمد ، وكان الدكتور الترابي ايقونة الثورة وهو يشخص بنيويا جذور ازمة الجنوب ويردها لغياب النظام الدستوري الديمقراطي .وايضا دورها في منازلة دكتاتورية النميري عندما كانت حمراء فاقع لونها تسيء الناظرين عبر اتحاد طلاب ج الخرطوم بقيادة الاستاذ علي عثمان محمد طه وانتفاضة شعبان ١٩٧٣ بقيادة احمد عثمان مكي وكان شعارها (ود المكي بطل منا )، ثم دورها في انتفاضة ١٩٨٥ التي اطاحت بالرئيس نميري ، ثم دورها خلال الديمقراطية الثالثة ١٩٨٦ الى ١٩٨٩م في دعم واسناد القوات المسلحة بالمال والرجال والتعبئة المعنوية للوقوف في وجه مشروع الحركة الشعبية العنصري التصفوي بقيادة الدكتور قرنق وذلك عندما خذلها اليسار وثبطت عزائمها الاحزاب التقليدية
(٢).
تستمد بضاعة حركة الاسلام صلاحيتها بدورها في التلاحم مع الجيش الوطني وهزيمة المشروع العسكري والقومي للحركة الشعبية والذي كان ينزع لاختطاف وابتلاع السودان وعلمنته وإلغاء الهوية العربية والاسلامية .حيث قدمت اكثر من عشرين ألف شهيد من اصفياء شبابها وطلابها وشيوخها وعلمائها الافذاذ ،وقيادات الدولة
وتستمد بضاعة حركة الاسلام صلاحيتها من ملاحم وانجازات ثورة التعليم العام والعالي التي حررت الانسان السوداني من ولاءات الخرافة والصنمية الطائفية الى ولاءات الافكار والقيم والبرامج ، والنظام الفيدرالي حيث المجتمع كله من الحي حتى اعلى جهاز تشريعي وتنفيذي في الدولة له سهم في صناعة مشروع النهضة، وثورة الاتصالات ، والطرق القارية ، والكباري والمطارات وثورة النفط والبترول ، ومدينة جياد الصناعية ، ومنظومة الصناعات الدفاعية التي تصنع من الطلقة الى الدبابة ، وصافات لتصنيع الطائرلت ،وسد مروي.واذا كانت الموجات الحضارية الكبرى والتي احدثت تغييرا بنيويا في السودان بدأت بالحضارة الكوشية ثم المروية ، ثم الممالك المسيحية الثلاثة،ثم الممالك الاسلامية في السودان الشرقي القديم وفي طليعتها مملكة سنار ،ثم النهضة الحديثة في العهد الاستعماري، فان تجربة الانقاذ هي الموجة الحضارية المعاصرة في السودان.
(٣).
هذه حركة بدأت صفوية طلابية في قلاع الحداثة والاستنارة، ثم جماعة ضغط سياسي ، ثم تكثف انتشارها في كل قطاعات المجتمع، وجغرافية السودان حتى بلغت القوى السياسية الثالثة في انتخابات ١٩٨٦، وقفزت بعد مرحلة الدولة لتملك الان اكبر قاعدة مجتمعية في السودان ،وأمهر الخبراء والمهنيين في كل الحقول فهي حركة راسخة الوجود في كل الحواضر والبوادي والبيوت والقطاطي السودانية.
حركة الاسلام تستمد قوتها في تماهيها مع قضايا الامة السودانية المصيرية والوجودية فحيثما تجد مواقف العزة والكرامة والشرف الوطني تجد حركة الاسلام فهي من المجتمع والى المجتمع تحيا لحياة السودان ، وتغضب لغضب السودان، وتثأر لجرح السودان وتتصدى لغاشيات الاستلاب الثقافي والهوياتي ، وتقف مع الجيش والشعب في خندق واحد ضد الاستهداف الاجنبي حتى يتكسر، وتموت وتفنى ويبقى السودان حرا وعزيزا. ثم تنهض من جديد جيلا بعد جيل.ونحن اكفاء لما مر بنا بل اكبر ، تاجنا الابقى وتندك العروش ، ولمن ولى حديث يؤثر ولمن ولى حديث يذكر .
(٤).
القائد مالك عقار ،اذا كان ثبات الاشجار يقاس بمدى عمق جذورها فان حركة الاسلام في السودان هي الاكثر رسوخا في التربة السودانية، فهي حركة سودانية البضاعة والفكرة والثقافة والتدين والمزاج والدين ومن هذه العناصر الخلاقة والالهام التاريخي تستمد مشروعيتها واستمرارها المطلق في دورات الزمان والمكان.
والقصة الطريفة والتليدة عندما قدم اليهودي من الشام ورأى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم متلفحا بعمامته السوداء يسقي ويقري الحجيج الطعام ويعزم على ذلك بتصميم نبيل حتى انبهر اليهودي وسأل: أهذا نبيء اخر الزمان ؟ فقالوا له هذا هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، هاشم الذي هشم الثريد واطعم الحجيج واستدرك اليهودي قائلا: هذا هو الكرم وليس مثل كرم اهل الشام اهل الجفنة .
القائد مالك عقار هذه بعض انجازات وملاحم وبطولات وصنائع حركة الاسلام في السودان، ولنا ارث من الحكمة والحلم وحب الاخرين وولاء حينما يكذب اهليه الامين ولنا في خدمة الشعب عرق وهكذا نحن ففاخر بنا.
(٥).
القائد مالك عقار لن نجاريك في تمييز مدى ملائمة بضاعتكم السياسية مع المواصفات المعيارية للقضايا الوطنية حاليا لاننا في معركة وجودية تقتضي الاصطفاف والتراص الوطني والتحرر عن الانا الذاتية والحزبية والايديولوجية وبعد ازالة الخطر الوجودي والمتمثل في امبراطورية ال دقلو العسكرية والاقتصادية ، على كل الاحزاب السياسية تقديم بضاعتها القديمة والجديدة للمجتمع السوداني فهو قوام المشروعية في القضايا التأسيسية والمرجعية في البازار الانتخابي والديمقراطي .
مالك عقار اعرض عن هذا وتحلى بعقل وسلوك القادة الكبار عند المنحنيات الوطنية الكبرى ولك في مواقف ملوك الشمس والظل عمارة دونقس، وبادي ابوشلوخ، وابولكيلك ومحمد ود عدلان نماذج إلهام وعزة وفخار ،فكن حيث كانوا ومعاندة التاريخ حماقة وقلة عقل.
عثمان جلال
إنضم لقناة النيلين على واتساب