الجزيرة:
2025-04-05@23:34:55 GMT

طوفان الأقصى حالة سننية

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

طوفان الأقصى حالة سننية

يؤكد الأستاذ مالك بن نبي -رحمه الله – على النقطة التي ينطلق منها التاريخ نحو تشييد الحضارة، ويعتبر أنّ من شروط النهضة أن يعرف الإنسان هذه اللحظة التاريخية فيجعلها هي التحول الأساسي في حياته وحياةِ أمته لتغيير أوضاعه والخروج من عقدة النقص والانطلاق نحو صناعة التاريخ.

وإني لأجزم أن "طوفان الأقصى" لحظةٌ تاريخية حاسمة في تاريخ القضية الفلسطينية، ومصيرِ الأمة الإسلامية، بل سيكون له تأثيرٌ كبير في تغيير العالم.

لقد كانت الأوضاع في الأمة الإسلامية، والقضية الفلسطينية بالذات في أسوأ حالها، يمكن أن نصفها بقولنا "لم يبقَ شيء نخسره" وأي تحول جذري سيكون في مصلحتنا بعد أن فشلت كل محاولات الإصلاح السياسي والاجتماعي – خصوصًا بعد الثورات المضادة – في جعل بلداننا متطورة ومزدهرة يعمّها العدل والحرية وكرامة الإنسان ورفاه العيش والمكانة بين الأمم، وباتت القضية الفلسطينية تراوح مكانها من حيث حصار غزة وتحول المقاومة فيها إلى جيش خاص بها لا يقدر على تحرير شبر آخر من فلسطين، ومن حيث أن توسع الاستيطان كان قد أنهى أي فرصة لإقامة حل الدولتين المزعوم.

وكان التقسيم الزماني في المسجد الأقصى قد نجح، وذلك في انتظار الانتقال إلى مرحلة التقسيم المكاني، ثم تدميره لاحقًا – لا قدر الله – لو استمر الانهيار. كما ظل الفلسطينيون في داخل الخط الأخضر يعيشون تحت نظام الفصل العنصري، وتسارعت وتيرة التطبيع والتخلي الجماعي العربي عن القضية، وكان التخطيط جاريًا لضمّ السعودية إلى اتفاقات التطبيع؛ لتكون هذه الخطوة بمثابة "رصاصة الرحمة" للحق الفلسطيني في زعمهم، والانتصار التاريخي الأعظم للمجرم نتنياهو.

فهل بقي أمام كل هذه الخسائر الخطيرة الجارية من شيء نخاف عليه، ويجعلنا نتهيّب من تبعات تصعيد المقاومة؟

سُنة الله في الظالمين والمظلومين

لو نعدد المكاسب الإستراتيجية التي حققها "طوفان الأقصى" إلى الآن، لتأكد لدينا أنه حالة سننية مباركة جرَت على عين الله تتجاوز إرادة البشر، كتلك التحولات الكونية الاجتماعية التي يمضيها الله – تعالى- حين يُطبِق الظلمُ على الأرض، ويصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، لكي يعذِّب الظالمين ويرحم المظلومين ويبتليهم.

أما الظالمون فقد عذبهم الله – تعالى – بـ"طوفان الأقصى"، قبل أن تنتهي المعركة، عذابًا لم يعرفوه من قبلُ، ومن ذلك:

سقوط الرواية الصهيونية الكاذبة وانتباه شرائح واسعة في العالم، وخصوصًا في العالم الغربي، إلى الحق الفلسطيني وعدالة قضيته. انقلاب صورة الكيان الإسرائيلي في الرأي العام الدولي من كيان أُهدِي لشعب مظلوم، تعرض للإبادة من قبلُ، ومحاصرٍ من جيرانه العرب اليوم، إلى كيان ظالم ومجرم مُتَابع من محكمة العدل الدولية، والضمير الإنساني بجرائم الإبادة الجماعية، ومنبوذٍ عند كثير من الدول، بعضها حكومات غربية. انتباه أعدادٍ هائلة من سكان الدول الغربية، خصوصًا الشباب، إلى نفاق حكامهم والخداع الكبير الذي كانوا واقعين فيه، في فهم العالم تحت تأثير وسائل الإعلام المتحكم فيها من اللوبيات الصهيونية والمساندة لها والمتعاونة معها. سقوطُ أسطورة تفوق الاستخبارات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإذلال الجيش الصهيوني الذي اعتُقد بأنه لا يقهر، وذلك من خلال عجزه التام عن تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة في عدوانه على غزة، سوى قتل المدنيين الأطفال والنساء. تعمق انقسام المجتمع الإسرائيلي وتجلي تناقضات طبقته السياسية بشكل مدهش وفق قوله تعالى عن بني إسرائيل : "تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى"، ودخول قادة البيت الأبيض على خط هذه الاختلافات؛ لمحاولة ترجيح كفة التيار العلماني القريب منهم، المؤسس للدولة الصهيونية بعد تعاظم الاختلاف مع نتنياهو وحلفائه في التيار الديني الحكومي. رجوع الاهتمام بحل الدولتين المزعوم في الساحة الدولية، بعدما كاد يُعدم نهائيًا في العالم كله، ومن العرب أنفسهم، وهو الحل الذي عجز مسار المفاوضات عن تحقيقه عبر سنوات طويلة. إفساد خطة القادة الأميركيين في تغيير أولويات السياسة الخارجية، بعدما ساد الاعتقاد أن الشعوب العربية في نوم عميق، وأن القضية الفلسطينية قد تم التخلي عنها من قبل الحكام العرب أنفسهم، وأن مصير إسرائيل مضمون في المنطقة من خلال موجة التطبيع الكبيرة قبل "الطوفان"، وعلى هذا الأساس اعتقد الأميركيون أنه يمكن التفرغ للخطر الصيني والروسي والدول الصاعدة الأخرى المتفلتة من القبضة الأميركية، فإذا بهم يجدون أنفسهم يعودون إلى المنطقة مكرهين، تاركين خصومهم الدوليين يرتّبون لمستقبل تنتهي فيه الهيمنة الأميركية. تسبب "طوفان الأقصى" في إنشاء حالة وعي شعبي كبير في الولايات المتحدة الأميركية ضغَط على الحزب الديمقراطي الحاكم، وأدّى إلى بروز خلافات شديدة في داخله وفي مؤسسات الدولة، كما أدى إلى مزيد من اللااستقرار الذي كان يتجه إليه المجتمع الأميركي، بسبب حالة اللايقين في الحياة السياسية أمام صعود ترامب من جديد، وتراجع شعبية بايدن جراء مواقفه في الحرب على غزة. وسواء فاز ترامب أم بايدن ستعرف الحياة السياسية تطورات كبيرة تزيد في تراجع الولايات المتحدة الأميركية في الساحة الدولية. صنفان من المظلومين

أمّا المظلومون فقد انقسموا أمام هذه الظاهرة السننية إلى صنفين:

الصنف الأول: هم الذين انسجموا مع التحول السنني لـ"طوفان الأقصى"، وكانوا ممن صنعوه وأيّدوه وساروا فعليًا معه، وعلى رأسهم أبطال المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة الذين أعدوا واستعدوا ووضعوا أنفسهم في المكان المناسب للالتقاء مع سنة الله في خلقه التي لا تتغير ولا تتبدل، فأعطوا الدليل الواضح البين بأنه يمكن قهر الجيش الإسرائيلي وإذلاله وإرباك دولة الكيان بأبسط الوسائل، حين يتم إعداد الإنسان المؤمن الذي لا يخشى الموت، وقد انتصروا في اثنتي عشرة معركة على الأقل إلى الآن، هي:

 نجحوا في العملية التاريخية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول التي دوخت العالم، ولم يستوعب العدو حقيقتها إلى الآن، وباتت نموذجًا في الحروب تدرسها المعاهد العسكرية. نجحوا في المواجهة البرية، فأعجزوا جيش الاحتلال عن أن يحقق أي هدف، وأوقعوا القتل في جنوده وضباطه والتدمير لآلياته بما لم يرَه طيلة وجوده منذ بداية الاحتلال. نجحوا في إفساد خطة التهجير؛ بسبب ثبات أهل غزة، رغم المأساة التي تجاوزت كل حدود التحمل البشري. نجحوا في المحافظة على الأسرى وطريقة التعامل معهم وفق الأخلاق الإسلامية والقوانين الدولية، بما أفسد مخططات التشويه التي دحضها الأسرى الإسرائيليون أنفسهم، بعد إطلاق سراحهم في الهدنة التي تم التوصل إليها. نجحوا في إدارة المفاوضات وعدم التأثر بالضغوطات الإجرامية الإسرائيلية والأميركية وضغوطات بعض الدول العربية. نجحوا في المحافظة على وحدة صف الفصائل المشاركة في "الطوفان"، وفي إدارة الجبهة الداخلية في غزة. نجحوا في إدارة العلاقة وعدم التورط فيما يريده الإسرائيليون من صراع ـ يكون في صالحهم أثناء الحرب ـ مع الجهات الفلسطينية المتربصة والمتعاونة مع الدول العربية والغربية لتصفية المقاومة. نجحوا في إبطال مخططات الإسرائيليين والأميركيين لما بعد الحرب، ومحاولة تعويض الحكومة في غزة بالعشائر، وبعض العملاء الذين اشتغلت عليهم المخابرات الإسرائيلية ومخابرات السلطة الفلسطينية. نجحوا في المحافظة على العلاقة مع الأنظمة العربية وحكامها، رغم علمهم بالنيّات السيئة للعديد منهم، ومساهمة بعضهم في محاولات تصفية المقاومة نهائيًا. نجحوا في الأداء الإعلامي من خلال تدخلات "أبو عبيدة" الذي تحوّل إلى رمز عالمي، وعبر تدخلات مختلف المتحدثين الإعلاميين، وبواسطة المجهودات الكبيرة القائمة على مستوى الوسائط الاجتماعية للتأثير في الرأي العام العالمي. نجحوا في إدارة التحالفات مع محور المقاومة من الناحية العملياتية وفي المواقف والخطاب. نجحوا في العمل الدبلوماسي والاستفادة من التناقضات وصراعات المصالح وفي التعامل مع المواقف الدولية والقرارات الإيجابية أو المخففة. شبهات المرجفين

وعن الشبهات التي يطرحها الضعفاء والمرجفون فإنها كلها مردودة، ومنها أربع شبهات أساسية:

أما الخسائر البشرية، فهل يوجد احتلال في التاريخ لم يقتل بالجملة من يقاومونه، ففي الجزائر مثلا قَتل الاستعمار الفرنسي مليونًا ونصف المليون جزائري في سبع سنوات بمعدل أكثر من مائتي ألف كل سنة، وحين استقلت الجزائر بقيت تلك التضحيات تصنع شرف البلاد وأهلها بين الأمم عقودًا من الزمن، وكل أولئك الشهداء سيكونون شفعاء لأهلهم بحول الله، وسيعوّض اللهُ الجرحى ومن فقدوا ذويهم وأحباءهم وأملاكهم بالأجر الوفير يوم القيامة، وفي الدنيا حين تستقل فلسطين على نحو ما تقومه به وزارة المجاهدين في الجزائر إلى الآن لصالح المجاهدين والمعطوبين والأسر الثورية الذين يسمون: "ذوو الحقوق". أما تدمير غزة كلية، فإن دولًا خرجت من الحروب لا يوجد فيها حجر قائم على حجر، فكان ذلك تحديًا لها لبلوغ نهضتها، مثل: ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ولو أنفق العرب شيئًا زهيدًا من كنوز الأرض التي وهببها الله لهم، مما يبذرونه ويمنحونه للأجانب بسخاء، لبُنيت به بلدان، وليس مدينة غزة فقط، ولتم تعويض كل المتضررين. وإن أحجم الحكام فليتركوا الشعوب المسلمة تتكفل بالأشقاء الفلسطينيين، فهي قادرة على جمع ما يلزم لإعادة إعمار غزة وتعويض كل من تضرر. كما أن بقاء أهل غزة على أرضهم هو مجدهم. وحياة الشرف في الخيام فوق الأنقاض أدعى لاستمرار المقاومة، وأفضل من الحياة في مدن راقية تُبنى كرشوة للفلسطينيين لكي يتنازلوا عن قضيتهم ومقدساتهم، على نحو ما بات يروق لبعض الفلسطينيين الذين انخرطوا في مشاريع الاستسلام. وأما قولهم إن "طوفان الأقصى" أعطى ذريعة للإسرائيليين لاحتلال غزة من جديد، فإن المعركة لم تنتهِ بعد وغزة كانت في وضع لا فرق بينه وبين الاحتلال سِوى أن دولة الكيان تخففت من التزاماتها تجاه السكان كدولة احتلال وفق القانون الدولي، إذ جعلت العالم والدول العربية هم مَن ينفقون على احتياجات الغزيين بدلها. وأما قولهم؛ إن "طوفان الأقصى" سيُنهي سلطة حماس على غزة، فإن اليوم الموالي بعد الحرب لم يصل بعد، وحتى ولو حدث هذا فقد يكون في ذلك خيرٌ بأن تتخفف حماس من التزاماتها المعيشية تجاه السكان وتتفرغ كلية للمقاومة ضمن منطق حرب العصابات الشاملة في كل فلسطين، مع الأخذ بعين الاعتبار الدروس من الحرب القائمة من حيث بطولات المقاومة وإنجازاتها وخسائرها وتجاه من ساندها ووقف معها، وتجاه من خذلها، وتجاه من تآمر عليها وغدرَها. الصنف الثاني من المظلومين

أما الصنف الثاني من المظلومين: فهم الذين وجدتهم هذه الحالة السننية الطوفانية وهم على هامش التاريخ، وبعضهم كره الله انبعاثهم، ومن ذلك:

بيّن طوفان الأقصى حقيقة تخاذل الأنظمة العربية والإسلامية وعمالة بعضها بدون أي قدرة على إخفاء ذلك، وسيزيد هذا التقاعس والخيانة في انهيار شرعية هؤلاء الحكام الذين لم ينجحوا أبدًا في توفير الكرامة لشعوبهم من ناحية الظروف المعيشية، أو على مستوى الحريات والديمقراطية، أو فيما يتعلق بهويتهم وانتمائهم ومقدساتهم.

ولا شك أن الانحصار الشعبي لهذه الأنظمة – الذي زاد مع "طوفان الأقصى" وهشاشة الجبهة الداخلية والاحتقان المتصاعد ضدهم – سيزيد في ضعفهم وعدم قدرتهم على الصمود أمام الأزمات المتوقعة في هذا العالم الذي يتسم بالاضطراب والتقلبات.

كما كشف "طوفان الأقصى" حالة الفراغ المجتمعي وغياب المؤسسات والمنظمات والقيادات القادرة على الضغط على السلطات الحاكمة لصالح القضية الفلسطينية أو لتعبئة الشعوب المحتقنة، خارج سقوف الأنظمة بما يتناسب مع التحول التاريخي الجاري في فلسطين. وسيُحدث ذلك ولا شك هزةً فكرية ووجدانية كبيرة، وستُطرح تساؤلات كبيرة عن جدوى السياسات والمناهج المهادنة والفاشلة التي اتبعتها الحركات الإحيائية من أجل الإصلاح والتغيير حين انتقلت من الدعوة إلى السياسة، وكذلك عن عدم قدرتها ـ في المجمل ـ على المساهمة الفاعلة في مجهودات تحرير فلسطين ونهضة الأمة وأوطانها. وستكون هذه الحالة، بادرة حضارية تفرز أفكارًا وتوجهات وأنماطًا قيادية جديدة لصالح فلسطين وقومة المسلمين.

وفي المحصلة، إن "طوفان الأقصى" رسم مرحلة جديدة صار فيها الكيان الصهيوني مكشوفًا عالميًا، وبات النفاق الأميركي بيّن لا يمكن إخفاؤه، كما ساهم في تغيّر الموازين الدولية نحو التعددية القطبية الدولية التي ستمنح هوامش معتبرة للمسلمين، وزاد انكشاف عجز الأنظمة العربية، وزاد في تعميق لا شرعيتها وفضح بشكل جلي تآمر بعضها على القضية الفلسطينية

رفع "طوفان الأقصى" كذلك من قيمة المقاومة والجهاد والاستشهاد والتضحيات الجسام في الأمة كسبب لمجدها وعزها، وصنع من سكان غزة بمجاهديها وسكانها الأبطال الأشاوس نموذجًا عمليًا لذلك، ونبّه إلى أن وحدة الأمة بكل طوائفها ومذاهبها واتجاهاتها إنما هو حول قضية مركزية أساسية هي القضية الفلسطينية، وفي ظل الجهاد والتضحيات من أجلها، وكشف بشكل بين ما من شأنه أن يُنهي الجدال حول المناهج السياسية داخل حركات الإحياء الإسلامي بأن مهادنة الأنظمة الفاشلة والظالمة سبب في إدامة الاحتلال الصهيوني وديمومة تخلف الأوطان، وأعطى الفرص الكبيرة لظهور أفكار ومناهج ومنظومات قيادية أفضل لتحقيق النهضة والاستئناف الحضاري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات القضیة الفلسطینیة طوفان الأقصى فی إدارة إلى الآن نجحوا فی

إقرأ أيضاً:

لبنان بين الضغوط الأميركية وثوابت المقاومة: صراع الإرادات على مشارف الانفجار

زيارة نائبة المبعوث الاميركي مورغان أورتاغوس إلى بيروت ليست زيارة بروتوكولية عابرة، بل تحمل في طياتها رسائل حادة ومطالب أميركية تتجاوز حدود النصائح السياسية إلى ما يشبه الإملاءات. وعلى رأس تلك المطالب، يأتي نزع سلاح "حزب الله"، وهي القضية الأكثر حساسية وتعقيداً في المشهد اللبناني، لا سيّما في ظل الاصطفافات الداخلية والانقسام الإقليمي والدولي الحاد.

تسعى الإدارة الأميركية مجدداً لفرض معادلة جديدة في لبنان تقوم على تفكيك عناصر القوة التي تشكّل، في نظرها، تهديداً لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. لكنّ واشنطن في كل مرة تصطدم بجدار الواقع اللبناني؛ توازنات دقيقة، تعقيدات طائفية ومقاومة متجذّرة لم تعد مجرّد سلاح، بل تحوّلت إلى جزء من الوعي الجماعي لشريحة واسعة من اللبنانيين.

ولعلّ الموقف اللبناني الرسمي يتأرجح ما بين الرغبة والعجز تجاه مسألة نزع سلاح "حزب الله"؛ الرغبة في إرضاء المجتمع الدولي والحفاظ على الاستقرار الداخلي في آنٍ معاً. فالحكومة، مهما كان موقفها الحقيقي، تدرك أن فرض هذا الواقع في هذا التوقيت يعني فتح أبواب جهنم على الداخل اللبناني. في المقابل، تطرح "بعبدا" فكرة الاستراتيجية الدفاعية كمدخل للحوار، لكن هذا الطرح يبقى حتى اللحظة مجرّد عنوان فضفاض دون مضمون حقيقي وذلك لأسباب تتعلّق بشكل خاص بالسياق اللبناني الداخلي، إذ إنّ غياب التوافق الوطني الشامل حول دور المقاومة وسلاحها في لبنان والانقسام الجذري بين القوى السياسية التي يعتبر بعضها أنّ سلاح "حزب الله" هو مصدر قوّة وردع، ويرى بعضها الآخر أنه يشكّل تهديداً لسيادة الدولة، يجعل من طرح ملف الاستراتيجية الدفاعية أقرب الى الترف السياسي أو هروب الى الأمام.     

من جانبه، يدرك "حزب الله" أن ما يُطلب منه اليوم ليس مجرّد التخلي عن سلاحه، بل التخلي أيضاً عن دوره وموقعه في المعادلة اللبنانية والإقليمية. لذلك، فإن موقفه محسوم وواضح؛ لا تفريط بالسلاح ولا مساومة على موقع المقاومة. إذ يعتبر "الحزب" أن الحديث عن نزع السلاح في ظل استمرار الاحتلال لأراضٍ لبنانية والانتهاكات الإسرائيلية اليومية هو طرح لا يتماشى مع الواقع، بل هو أقرب إلى الاستسلام السياسي. وبالتالي، فإن أي محاولة لفرض هذا الخيار بالقوة ستُواجَه برفض قاطع، وربما بمقاومة جديّة إذا لزم الأمر، وهو ما ينذر بتحوّل لبنان إلى ساحة صراع داخلية.

اليوم، ثمة هواجس لدى بعض القوى المحليّة من أن تتحوّل الضغوط السياسية إلى اشتباك داخلي يُراد منه خلق واقع جديد بالقوة. ولكنّ هذا الاحتمال، على خطورته، لا يبدو وشيكاً في المدى القريب، فلا البيئة الداخلية جاهزة لمعركة أهلية، ولا المجتمع الدولي مستعد لهذه المغامرة في لبنان في ظل انشغاله بملفات كبرى. لذلك من المرجّح استمرار الضغوط السياسية والمالية، وربما محاولات التضييق أكثر على المقاومة وخنقها اقتصادياً وشعبياً، لكن من دون الذهاب إلى خيار المواجهة المباشرة أقلّه في هذه المرحلة.

وفي ظلّ ارتفاع وتيرة الحديث عن نزع سلاح "حزب الله" بالقوة، يُطرح سؤال أساسيّ حول موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية من هذه الضغوط، وما إذا كانت ستُسلّم ببساطة بقرار تجريد "حزب الله" من قوّته بالكامل. تجيب مصادر عسكرية مطّلعة عن هذا السؤال بأن إيران ترى في "الحزب" حليفاً استراتيجياً متقدّماً في ساحات المواجهة، لذلك فمن غير المتوقع أن تتخلّى طهران عن دعمها للحزب، لأن ذلك يعني تفكيك أحد أهم أركان قوّتها وهي، وفق تجارب سابقة، أثبتت استعدادها لكلّ الأثمان طالما أنها لا تمسّ جوهر مشروعها الإقليمي.

لبنان اليوم يقف عند مفترق خطير بين إرادة الخارج التي تطرق أبوابه بقوة، وثوابت الداخل التي لا يمكن القفز فوقها دون تكلفة باهظة. وبين هذا وذاك تبقى المقاومة بسلاحها وخطابها جزءاً أساسياً من المشهد لا يمكن تجاوزه لا بالترغيب ولا بالترهيب. أما الساحة اللبنانية، فتبقى رهينة "لعبة الأمم" التي باتت تتجاوز حدود الجغرافيا وتكاد تبتلع ما تبقى من سيادة وطن ممزّق بين التهديد والترقّب.  المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة أبو عبيدة: المقاومة تمتلك إرادة قوية ونحن في حالة رفع للجهوزية استعدادا لكل الاحتمالات Lebanon 24 أبو عبيدة: المقاومة تمتلك إرادة قوية ونحن في حالة رفع للجهوزية استعدادا لكل الاحتمالات 05/04/2025 11:02:04 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 الكرملين: هناك إرادة سياسية من موسكو وواشنطن لتسوية الصراع في أوكرانيا Lebanon 24 الكرملين: هناك إرادة سياسية من موسكو وواشنطن لتسوية الصراع في أوكرانيا 05/04/2025 11:02:04 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 "لبنان 24": اشتداد وتيرة الاشتباكات على مشارف بلدة القصر الحدودية Lebanon 24 "لبنان 24": اشتداد وتيرة الاشتباكات على مشارف بلدة القصر الحدودية 05/04/2025 11:02:04 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان في مرمى الضغوط الأميركية وباريس تخشى الفوضى Lebanon 24 لبنان في مرمى الضغوط الأميركية وباريس تخشى الفوضى 05/04/2025 11:02:04 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص مقالات لبنان24 تابع قد يعجبك أيضاً في السرايا.. لقاء بين اورتاغوس وسلام Lebanon 24 في السرايا.. لقاء بين اورتاغوس وسلام 03:52 | 2025-04-05 05/04/2025 03:52:11 Lebanon 24 Lebanon 24 اورتاغوس استهلت لقاءاتها من بعبدا.. وهذا ما بحثته مع الرئيس عون Lebanon 24 اورتاغوس استهلت لقاءاتها من بعبدا.. وهذا ما بحثته مع الرئيس عون 03:51 | 2025-04-05 05/04/2025 03:51:58 Lebanon 24 Lebanon 24 رئيس الكتائب: متفائل بمسار البلد الخارج من كبوة كبيرة Lebanon 24 رئيس الكتائب: متفائل بمسار البلد الخارج من كبوة كبيرة 03:39 | 2025-04-05 05/04/2025 03:39:50 Lebanon 24 Lebanon 24 مواقف أميركية "متشددة".. هل من مخطط لدفع لبنان نحو التطبيع؟! Lebanon 24 مواقف أميركية "متشددة".. هل من مخطط لدفع لبنان نحو التطبيع؟! 03:00 | 2025-04-05 05/04/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بجرم تزوير ادوية.. توقيف 3 أشخاص في الضاحية الجنوبية Lebanon 24 بجرم تزوير ادوية.. توقيف 3 أشخاص في الضاحية الجنوبية 02:38 | 2025-04-05 05/04/2025 02:38:21 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة تُوفي بسلام في المستشفى... الموت يُغيّب ممثلاً مخضرماً (صورة) Lebanon 24 تُوفي بسلام في المستشفى... الموت يُغيّب ممثلاً مخضرماً (صورة) 08:23 | 2025-04-04 04/04/2025 08:23:18 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا ما ستشهده الكهرباء خلال شهرين Lebanon 24 هذا ما ستشهده الكهرباء خلال شهرين 16:06 | 2025-04-04 04/04/2025 04:06:57 Lebanon 24 Lebanon 24 صحيفة بريطانيّة: إيران "ستزول" بحلول هذا التاريخ Lebanon 24 صحيفة بريطانيّة: إيران "ستزول" بحلول هذا التاريخ 07:17 | 2025-04-04 04/04/2025 07:17:19 Lebanon 24 Lebanon 24 هو رجل أعمال.. راقصة تُفجّر مفاجأة كبيرة: كنت مخطوبة من زوج فنانة لبنانيّة شهيرة جدّاً Lebanon 24 هو رجل أعمال.. راقصة تُفجّر مفاجأة كبيرة: كنت مخطوبة من زوج فنانة لبنانيّة شهيرة جدّاً 05:30 | 2025-04-04 04/04/2025 05:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "خلاف داخل حزب الله".. إقرأوا ما قاله تقرير إسرائيليّ Lebanon 24 "خلاف داخل حزب الله".. إقرأوا ما قاله تقرير إسرائيليّ 16:33 | 2025-04-04 04/04/2025 04:33:57 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب ايناس كريمة Enass Karimeh @EnassKarimeh Lebanese journalist, social media activist and communication enthusiast أيضاً في لبنان 03:52 | 2025-04-05 في السرايا.. لقاء بين اورتاغوس وسلام 03:51 | 2025-04-05 اورتاغوس استهلت لقاءاتها من بعبدا.. وهذا ما بحثته مع الرئيس عون 03:39 | 2025-04-05 رئيس الكتائب: متفائل بمسار البلد الخارج من كبوة كبيرة 03:00 | 2025-04-05 مواقف أميركية "متشددة".. هل من مخطط لدفع لبنان نحو التطبيع؟! 02:38 | 2025-04-05 بجرم تزوير ادوية.. توقيف 3 أشخاص في الضاحية الجنوبية 02:30 | 2025-04-05 قيمته ارتفعت إلى 30 مليار دولار.. هل حان الوقت لاستثمار ذهب لبنان؟ فيديو "لست ملاكا ولن أسكت بعد اليوم".. ماغي بو غصن بأجرأ حواراتها: أنا النجمة الأولى في لبنان وهذا عمري (فيديو) Lebanon 24 "لست ملاكا ولن أسكت بعد اليوم".. ماغي بو غصن بأجرأ حواراتها: أنا النجمة الأولى في لبنان وهذا عمري (فيديو) 02:07 | 2025-04-05 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 حمل نعشها طوال الوقت ولم يتركه.. لحظة انهيار الفنان المصري الشهير أثناء جنازة زوجته وهذا أول تعليق له (فيديو) Lebanon 24 حمل نعشها طوال الوقت ولم يتركه.. لحظة انهيار الفنان المصري الشهير أثناء جنازة زوجته وهذا أول تعليق له (فيديو) 23:15 | 2025-04-04 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 صراخ وتدافع.. أسد يُهاجم مدربه خلال عرض سيرك في مصر وما حصل مرعب (فيديو) Lebanon 24 صراخ وتدافع.. أسد يُهاجم مدربه خلال عرض سيرك في مصر وما حصل مرعب (فيديو) 23:31 | 2025-04-01 05/04/2025 11:02:04 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • الإمارات تنقل التحريض ضد المقاومة الفلسطينية إلى ساحة الأمم المتحدة
  • «الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي
  • تحريض إسرائيلي ضد وزير سوري في الحكومة الجديدة بسبب طوفان الأقصى (شاهد)
  • حزب المؤتمر يُدين ذبح القرابين بالمسجد الأقصى: تصعيد خطير في القضية الفلسطينية
  • لبنان بين الضغوط الأميركية وثوابت المقاومة: صراع الإرادات على مشارف الانفجار
  • عيد محور المقاومة الذي لا يشبه الأعياد
  • مليشيا آل دقلو الدرب راح ليهم فی أَلْمِی !!
  • كاتب مسرحي يهودي: المقاومة الفلسطينية مشروعة
  • مظاهرات حاشدة تشهدها المخيمات الفلسطينية في لبنان نصرة لغزة ورفضا لمجازر العدو
  • برلماني: اقتحام الأقصى انتهاك صارخ وخرق واضح لجميع الاتفاقيات التي تهدف لترسيخ السلام