الشطارة الملغومة والغباوة المعلومة لدى طرفي الحرب العبثية
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
بقلم / عمر الحويج
كبسولة :
الإنصرافي : هل أنت إنسان سوي ؟.. أم أنت دعي؟؟
تنادي بالعودة إلى الديار وأنت مع استمرار الحرب..!!
وتردد الخرطوم أينعت وتوشحت بأشجارها الخضراء
لقد وصل بك الحال إلى المحال .
الإنصرافي : هل أنت إنسان سوي ؟.. أم أنت دعي؟؟
تأمر عالياً البرائيين والمستنفرين لإستمرار الحرب..!!
وأنتم تفتكون بالخرطوم وتبيدون أشجارها الخضراء
لقد وصل بك الحال إلى المحال .
(وعجبي .. !!)
***
الشطارة الملغومة والغباوة المعلومة لدى طرفي الحرب العبثية .
نقل البرهان هذه المرة الرسالة ، من الإسلامويين لمعلومية الشعب السوداني ، بحذافيرها وليست مبطنة ، ليفسرها كل على هواه ، دون مواربة أو تسويغ ، إنما نقلها لمن يريد (بضبانتها ) ليعلن فيها البرهان " رئيس الحلم الصدفة" في عيديتة الهدية لشعب السودان المنكوب بحلم أبيه ، وصاحبته وبنيه ، من كيزانه وكيزاناته ، على الإنتهاء من خطته وخطة الإسلاموكوز في عودة "ديجانجو" الإرهابي إلى سلطته المخطوفة ، أو الثورة المصنوعة ، كما وصفها في حينها بوقهم الصحفي "عبد الماجد عبد الحميد" ولم يقل لنا في أي المصانع صنعت وزخرفت ، هذه الثورة ، فوجب علينا من أنفسنا ، الرجوع لموروثنا الشعبي"يا إيدي شيليني ختيني" لنقول ربما من مصنع اليرموك أتت ثم نُهِبت بعد أن زخرفت ولونت !! .
حين بدأت خطة العودة ، عنوة واقتداراً إلى السلطة ، ومدخلها التآمر ضد ثورة ديسمبر العملاقة"القرنعالمية" المجيدة ، منذ إنطلقت ، وهي في المهد صبية ، حين كان يتلقى ، شبابها الثوار وشاباتها الثائرات ، أرتال البمبان المرسل إلى الأجساد ، عمداً ومع سبق الإصرار والترصد ، وليس كما قرر العالم الإنساني ، مقيداً محدودية إستعمالها لتفرقة المتظاهرين ، وإرسالهم إلى بيوتهم آمنيين ، ويادار ما دخلك شر ، بعد أن يكونوا قد أوصلوا رسالتهم إلى سلطتهم الحاكمة ، أما بمبان هؤلاء اللا إنسانيين فقد كان ، فقط لا غير ، في البداية ، لفقء العيون ، وإزالتها من محاجرها ، إلا أنهم سرعان ما إكتشفوا عدم فعاليتها ، ولا ترضي غرورهم وعنجهيتهم ، فما كان منهم إلا أن يُلحِّقوها بذخات مطر الرصاص الحي المنهمر كالسيل من علٍ ، منتقلاً من بطء مفعول مسيل الدموع إلى مسيل الدماء ، ومن فقء العيون إلى إختراق جدر الرؤوس وما تحويه داخلها والصدور وما تحمله في باطنها ، وحين فشلت كل محاولاتهم لوقف مسيرة الثورة ، إضطروا ، إلى استدرار التعاطف والإستدارة ، لتجارب ماضي شعبنا في ثوراته السابقات ، أكتوبر ومارس/ أبريل ، بإدعاء خدعة الإنحياز للشعب في تلك الثورات ، وهذا ما أعلنته لجنة النظام الأمنية ، بشقيها النظامي والخلوي ، في 11/أبريل/ 2019م ، وابتلعت قيادة قوى الثورة "الحرية والتغيير " الطُعم ، والسُم الذي قدم لها في دسم الإنحياز [واستطراداً نقول لهم أنتم تحملون وزر الضحايا ، إن أنتم سرتم في خطى خطاياكم السابقة وقد جاءتكم فرصة التكفير عنها فأتعظوا ] فقد كنتم بخلاف قوى الثورة الحية والحقيقية داخل أعتصام القيادة العامة ، التي واصلت زحف ثورتها ، ولم تلتفت لخدعة النظام ، وحين لم تجد اللجنة الأمنية مخرجاً ، لجأت لإرتكاب جريمة الإنقلاب الثاني عسى ولعل تكسر شوكة الثوار ، وذلك بفض الإعتصام حيث"حدس ما حدس" من إرسال المئات ، إن لم يكن الآلاف إلى مجزرة لم بشهدها السودان من قبل ، في تاريخه الحديث ، وإن شهد بعدها عشرات المجازر ، إبان هذه الحرب العبثية المشتعلة ناراً ونيراناً ونيرونا ، وهي تحرق الأخضر واليابس .
كل تلك المحاولات اليائسة، بما فيها الحرب اللعينة الدائرة الآن ، هي في حقيقتها هدفها الأول والأخير ، إجهاض الثورة المجيدة ، ورغم بشاعة المجزرة ، لم تمنع الثوار من مواصلة زحف ثورتهم ، وأفشلوا هذا المخطط في موكبهم الحاسم ، في الثلاثين من يونيو ، من ذات شهر المجزرة ، ولكن لرخاوة قيادة الثورة ، التي لم تكن أمينة مع قاعدتها ، عادت حليمة إلى قديم نخبتها ، ملتحفة فشلها السابق واللاحق وحتى القادم إذا حدث التهاون ، ساعية إلى كراسي السلطة لاهثة ، بذات نَفَّسَها الضيق على إكمال مشاريع الثورات ، في إستعجال قطف الثمار ، حيث تقدم التنازل تلو التنازل ، يشجعهم ضعف وإستكانة رئيس وزرائهم ، "المتمحن حينها أمام الزحف الأرتدادي للفلول إلى الأمام" الرئيس الذي لم تتوفر لأي رئيس أو زعيم ، لا في السودان ولا في خارجه ، من نال ذلك التأييد الشعبي غير المسبوق لزعيم غيره ، جعلتنا هذه الفرصة النادرة التي أتته صاغرة ، ندعمه بكل ما استطعنا إليه سبيلا ، كما جعلتنا نوصيه"وصية،المهلة" ، كما تقول حبوباتنا ، باستثمار هذه الشعبية ، ليجعل من موقعه هذا مانديلا إفريقيا الثاني ، ولكنه خذلنا ، وأختار -وإن لم يكن حذو النعل بالنعل- من أن يكون خائن افريقيا الثاني ، التي تحصل عليها عن جدارة المدعو حينها توشمبي ، حتى أنهم ونعني هنا اللجنة الأمنية التي بات إنحيازها السافر والتام لترتيبات وخطط النظام البائد ، ونجاحهم الباهر كما يرونه ، في عودتهم المستترة إلى المشهد ، ولكنهم رغبوا طمعاً في المزيد ، مُعّْلنة على رؤوس الأشهاد ، وليست من خلف ستار ، كخطوة متقدمة لما سيأتي بعدها من خطوات ، فنظموا بأمر صريح منهم ، لربيب نعمتهم البرهان ، ودبروا معه ، إنقلاب
25 / أكتوبر/ 2021 م المشؤوم ، الذي أعاد لهم كل ما خسروه ، سنوات ظهرهم كان متكئاَ ، على حائط الهزيمة والهربان ، الذي أودى بهم إلى المخابئ والجحور والإحتماء ببلاد الترك والغرباء ، ذلك الإنقلاب الذي رفضه الثوار ، حتى قبل أن يكتمل إعلانه بمارشاتهم العسكرية المعهودة ، التي أصبحت سُنة الإنقلابات العسكرية في السودان ، والتي تراكمت في تاريخ العسكر ، على طريقة "متعوووده!!" كما عادل إمام ، في مسرحيته ، شاهد ما شافش حاجة ، وكأنه كان يمسرح لإنقلابات العسكر ، لكثرة "تعودهم" على تكرارها في السودان .
وحين ظنوا أنهم أسكتوا صوت الثورة للأبد ، بدأ إختلاف اللصين على المسروق ماركته المسجلة ، انحيازاً كذوباً للثورة ، وبدأ سباق حصان السلطة العنفوي المباشر ، وكما قلت وأقول الآن ، لم يكن هذا السباق بين الجنرالين ، وإنما كان استثماراً ، لدراسات نفسية تم فحصها من دواخل نفوس المتسابقين إلى الرئاسة ، في استنطاق وإستبطان ، أحلام كلا الرجلين ، لرئاسة حكم البلد الهامل ، في نظرهما ، وكانت بداية الصراع المسنود ، كل بجيشه ومليشياته وسلاحه ، حين أعلن جنرال الخلا الثاني في الرئاسة ، رفضه اللاحق والمتأخر أكثر بكثير من "حبتين" ، والإعتذار بغرض " وفي الغرض مرض" لإشتراكه في تنفيذ الإنقلاب ، وأقولها مجدداً ، أن هذا الإعتذار لم ينبع عن قناعة ، من جنرال الخلا الثاني ، ولا برغبة جنده المرصوص جاهزية ، لا لاداء مهنة الجندية وإنما لمهنتة الجربندية التي يتقنها ، فإن أصل الفكرة ، نبعت من شطارة مستشاريته أكثر من توأمهم الآخر صاحب الغباء المستفحل والمستعجل للسلطة أبدا ، الأمر الذي أكسب المستشاربة كثير تفوق في المجال الدولي خاصة ، دون الداخلي ، بقبول دعوة السلام وعودة الديمقراطية والحكم المدني ، وجعلهم أكثر مقبولية من أولئك الأخرين بل أكثر صدقية في طرحهم الفضائي من توأمهم المتعجل لهفة إلى السلطة دون تريث . علماً أن هذه المستشارية هي في ذات تكوينها ، خرجت أساساً من الرحم الكيزاني الأصل ، وهي في داخلها أقسام متشعبة ومختلفة ومتنوعة ، ففيما بطن منهم وما ظهر عليهم ، من إتجاهات أيديولوجية إسلاموية متشاكسة ، وبعضها ذا نزعة عنصرية ، ففيهم من حمل كتابه الأسود للقراءة الأخيرة ، ثم التطبيق في إتجاه الدولة المنفصلة ،أو في الإتجاه الآخر ، حيث فكرة الدولة الكبرى ، دولة الساحل والصحراء ، وفرضها بقوة السلاح ، ومنهم من حمل ثعلبية شيخهم الترابية ، ومنهم من إصطحب صراحة مرشداً له ، تقيته غير السنية ، وفقه الضرورة الذي أخرجه من جراب علمه ، على شاكلة (أذهب أنت للقصر رئساً بتكملتها) ، وكلهم تأبطوا شراً من خارجهم ، في هتافات الله أكبر تدثراً ونفاقاً وكل منهم يغني لليلاه ، وسترونهم يوماً تفرقوا شذر مذر ، فراق أيدي سبأ .
هذا الشقاق الإسلاموي المتجذر فيهم ، أصله وفصله ، في خلافات المواقع والإستيلاء علي مفاصلها ، وتضارب المصالح والأرزقيات المتكالب عليها ، والتي راكمتها سنوات ثلاثينيتهم الهالكة البغيضة ، وحين تصوروا أنهم عادوا قريبين من الإمساك بمقاليد العودة للسلطة من جديد ، لعبت قيادات الطرفين على أحلام الجنرالين ، سبروا غور أولهما ، بحلم أبيه في حكم السودان ، والثاني بحلم الديمقراطية والحكم المدني ، التي وعدت به المستشارية ، زعيمها القبلي والعائلي حتى النخاع ، وأخفوا عنه ، أنه لم توجد بعد ديمقراطية حقيقية ، تنهض على أسنة الرماح ، وفوهات البنادق ، ولكنه كان حتماً يعرف أن المعنية هي ديمقراطية السلاح ، والمقصودة هي تلك التي تأتي بالبالمدفعية الثقيلة ، المرفق معها إنتخاباتها المخجوجة ، وهو مدخل ما أقنعت به المستشارية الإسلاموية زعيمها ، في سعيها كما غريمتها للوصول لرأس السلطة ، وهكذا كانت الحرب في صورتها التخريبة ، وفي عبثيتها الإجرامية ، هدفها قتل الشعب وفنائه ، ولكن الشعوب لا تفنى ومن سيفنى عاجلاً أو آجلاً ، هم مشعلوا الحروب من الطرفين ، وهذه المرة الفناء سيأتيهم فجيعة لم يحسبوها ولن يحتسبوها ، أثناء أحلامهم الهلامية ، غير محسوبة العواقب ، حيث تنتهي بمثولهم أمام المحاكم الدولية والمحلية ، هذا غير إحتمالات حملات المشانق الإنتقامية ضدهم في الشوارع وفي البيوت ، كردة فعل طبيعية ، لحرب الفناء التي أشعلوها ضد شعبهم وثورته السلمية .
omeralhiwaig441@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هل أشعلت الحرب عقول الشباب السوداني؟
حدثنا البروفيسور شمس الدين زين العابدين عن الرئيس الهندي الأسبق أبوبكر عبد الكلام أنه خاطبهم في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم قائلا لهم: “لا تكتفوا بتدريس طلابكم، بل أشعلوا عقولهم”.
كتاب له مشهور عنوانه Ignited Minds إشعال العقول، عوّل فيه على إشعال العقول الشابة Igniting young minds حين بدأ التخطيط لفترة رئاسته. رأى أن يكون قائدًا ولا يفرض فكره على الآخرين.
كتب في مقدمة الكتاب أن صدمة كبيرة أوصلته إلى هذه القناعة، عندما نجا من تحطم مروحية كانت تقله.
يبدو أن الحرب قد أشعلت عقول السودانيين، أو كما نقول بالدارجة: “فَتحَت راسهم”. وربما أصابهم ما يصيب الجسم بعد العلاج بالصدمة الكهربائية. صدمة مؤلمة لكنها فعالة.
ظهرت العشرات من العناوين التي ألفها السودانيون في فترة الحرب، ومئات المنصات الالكترونية العلمية ومنها منصات ذات محتوى رفيع لشباب واعد يقدم مشروعات في الزراعة والصناعة والطاقة وغيرها.
قد يقال إن هذه الكتب والمؤلفات والمنصات ليست سوى مظهر لـ “قلة الشَغَلة” بعد أن أوى اللاجئون إلى الشقق في مصر وتركيا والسعودية ولم يجدوا شيئًا يفعلونه غير صياغة المشروعات وتأليف الكتب.
وقد يقال إن هذه المنصات الالكترونية الرصينة ليس لها أثر، لأن المؤثرين الفعليين هم (اللايفاتية) بأصواتهم العالية ورؤوسهم الخاوية!
هل يصل إلى الناس مثلا ما يقوله البروفيسور سيد أحمد العقيد أو الدكتور عباس أحمد الحاج؟ أذكر هذين الاسمين من علمائنا المرموقين، من باب المثال لا الحصر. الأول أنشأ مجموعة إعادة قراءة ونشر تاريخ السودان القديم المنسي من أجل الوعي بالذات. هكذا سمى المجموعة وقال إنها مجموعة تهدف إلى إيقاظ الحس الوطني. أما عباس فهو يعرِّف نفسه بأنه إعلامي، لكني أراه ممتلئًا بالتاريخ آخذًا بزمامه.
في صباح هذا اليوم الذي أكتب فيه بعث إليَّ الدكتور عباس تسجيلا صوتيًا يرد فيه على من أراد التقليل من الحضارة السودانية. ويعجبك عباس حين يتكلم بعمق عن أمة السودان العظيمة وعن الدولة العادلة في السلطنة الزرقاء وعن الكتلة التاريخية التي نشأت بتحالف عمارة دنقس وعبد الله جماع. ومن الجديد الذي سمعته منه أن نظام فصل السلطات أخذه الأمريكيون من السلطنة الزرقاء فقد زار أحد الآباء المؤسسين لأمريكا سنار وهو توماس جيفرسون، واحد ممن كتبوا الدستور الأمريكي. ويمضي دكتور عباس في القول بأن الحضارة السودانية سبقت بعلم الفلك وأن السودان موطن اللغة العربية، ففيه كان مبعث سيدنا إدريس عليه السلام أول من قرأ وأول من كتب في الرمل وأول من تطبب وأول من خاط الملابس.
أنشأ عباس مع آخرين مركز بحوث التاريخ والحضارة السودانية، ليضم أكثر من 180 عالما في التاريخ والثقافة. وجاء في تعريفه: مجموعة لإعادة قراءة تاريخ السودان بما يكشف جوانب المجد والسمو لهذا البلد العظيم.
إيه حكاية إعادة قراءة التاريخ؟
على طريقة السودانيين ترك البعض جوهر القضية وانغمسوا في حوار جانبي: هل الصحيح أن نقول إعادة قراءة التاريخ أم إعادة كتابة التاريخ؟ وكاد المتحاورون أن يتفرقوا إلى حزبين متشاكسين: حزب إعادة القراءة وحزب إعادة الكتابة!
يقول الكاتب المغربي محمد عابد الجابري: “مهمة المؤرخ إعادة بناء الماضي عقليًا”.
ليتفق المتحاورون إذن أن الكتابة والقراءة كلتيهما دراسة، فلتكن مهمة المجموعتين: إعادة دراسة التاريخ.
والمهم في إطلاق هذه المبادرات العلمية والأدبية أن تساعد في تنمية الوعي بأوضاع بلادنا التي تجتاز منعطفًا أساسيًا في تاريخه. معرفة الماضي تكشف الأسباب والعوامل التي قادت إلى ما نحن فيه الآن، والفهم الصحيح للماضي يساعد على فهم الحاضر واستشراف المستقبل.
يا ليت حركة التأليف والنشر لا تنتهي إلى مجرد إنتاج فكري متراكم، أو إلى بحوث توضع في أرفف المكتبات، وإلا فما أكثر الإنتاج البحثي في جامعاتنا التي لا تصل إلى الناس. المطلوب مشروع فكري يقود الحركة السياسية وتنفعل به حركة المجتمع، ولتكن هذه الصحوة الفكرية هي أساس صحوة وطنية شاملة.
بالله عليكم انبذوا مشعلي الإثارة والتهييج والعنف، وشجعوا مُشعلِي العقول الذين ينيرون طريق المستقبل المنشود.
بقلم: د. عثمان أبوزيد
صحيفة البلد