عربي21:
2025-02-02@21:52:54 GMT

في سقوط أيديولوجية القوة الإيرانية

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

في الصراع السياسي والعسكري بين الدول، ثمة فارق مهم جدا بين من يُقدم على تغيير قواعد الاشتباك وبين من يُجبر عليها: في الحالة الأولى تمتلك الدولة القدرة العسكرية والسياسية التي تؤهلها للخروج من الستاتيكو السياسي والعسكري القائم، أو من قواعد الاشتباك السائدة والمتفق عليها ضمنيا بين طرفي الصراع، بينما لا تمتلك الدولة في الحالة الثانية هذه القدرات، واضطرارها إلى دخول المستوى الجديد من الصراع ليس إلا لخفض الأثمان الاستراتيجية إذا هي لم تقم بذلك.



ضمن هذه المقاربة يمكن النظر إلى الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، ثم الرد العسكري الإيراني بمئات المُسيرات والصواريخ من الأراضي الإيرانية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تغيير قواعد الاشتباك

بقصفها مبنى دبلوماسي رسمي لإيران في دمشق غيرت إسرائيل قواعد الاشتباك السائدة منذ سنوات بينها وبين إيران (معركة بين الحروب)، وهي إذ تفعل ذلك، فإنما فعلته بعد دراسة عميقة للمتغير الحالي في المنطقة والمتمثل بحرب غزة من جهة، والدعم الغربي غير المحدود لإسرائيل من جهة ثانية، وهما متغيران يدفعان صناع القرار في إيران ـ من وجهة نظر إسرائيلية ـ إلى التفكير مليا في توجيه ضربة عسكرية مباشرة لإسرائيل إن قامت الأخيرة بتغيير قواعد الاشتباك وضرب أهداف إيرانية رسمية بشكل مباشر.

الخيارات الإيرانية

كان أمام إيران خياران:

ـ المحافظة على قواعد الاشتباك مع ما يعنيه ذلك من خسائر كبيرة، ليس على المستوى المعنوي والشعبي فحسب، بل أيضا على المستوى الاستراتيجي، لأنه ينهي نهائيا مقولة الصبر الاستراتيجي الإيرانية، ولأنه سيدفع إسرائيل إلى المضي قدما في تغير قواعد الاشتباك.

ـ رد عسكري، ولكن الردود العسكرية تكون دائما على مستويين: الأول ضعيف يحمل رسائل سياسية وإن جاءت عبر السلاح، بينما يكون الثاني قويا يندرج ضمن معادلة الردع القاسي.

اختارت إيران الرد الضعيف لأربعة أسباب رئيسية:

الأول، تفاوت القدرة العسكرية بينها وبين إسرائيل، إذ أن رد عسكري إيراني قوي يؤذي إسرائيل سيُقابل بالضرورة برد عسكري، وسيؤدي إلى فتح باب حرب طويلة بين الجانبين، لن يكون بمقدور إيران تحملها في ظل دعم أميركي هائل لإسرائيل ودعم غربي تكشف بوضوح منذ أحداث السابع من أكتوبر العام الماضي في محيط غزة.

الثاني، لن يستطيع الاقتصاد الإيراني المأزوم وهو في مرحلة التعافي المبكر من تحمل حرب بهذا المستوى، الأمر الذي قد يؤدي إلى رفع مستوى الغضب الشعبي الموجود أصلا نتيجة التدهور الاقتصادي.

يمكن فهم أن إسرائيل لن ترد على الرد الإيراني مباشرة بقصفها مواقع داخل إيران، أو إعادة تكرار سيناريو القنصلية في دمشق، بل ستقوم بعمليات عسكرية مباشرة في سورية ضد الميليشيات التابعة لها، أو عمليات غير مباشرة داخل الأراضي الإيرانية دون أن تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها (تفجيرات أصفهان المحدودة أمس)، فمثل هذه العملية داخل الأراضي الإيرانية تهدف إلى توجيه رسالة سياسية مفادها أن إسرائيل قادرة إن لزم الأمر في الوصول إلى العمق الإيراني.الثالث، ليس لدى إيران رغبة في أن تؤدي الحرب إلى نشوء تحالف إسرائيلي عربي ـ كان وما يزال مضمرا وبحدود معينة ـ واضح من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف مكامن القوة الإيراني في البلدان العربية (العراق، سورية، لبنان، اليمن).

الرابع، عدم رغبة صناع القرار في طهران بحدوث قطيعة سياسية مع الولايات المتحدة، خصوصا بعد الانفراجات الجزئية التي حصلت بين الدولتين خلال الأعوام الماضية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية على إيران.

في المجمل، كان الرد الإيراني ضعيف الأثر، انعكاسا لقدرة إيران المحدودة فيما يتعلق بإسرائيل، ويمكن القول إن التجارب الطويلة بين الجانبين خلال العقود الماضية من جهة، وقصف القنصلية الإيراني في دمشق والرد الإيراني، لا تخدم القضية الفلسطينية، بقدر ما تخدم المصالح الإيرانية في المنطقة، فإذا لم تستطع إيران ـ التي تحمل في شعاراتها محاربة إسرائيل بسبب احتلالها لفلسطين ـ من استثمار لحظة فارقة (ضرب القنصلية) لفرض واقع جديد، فإن كل استراتيجيتها سقطت أمام هذا الامتحان.

وما قول البعض بأن إيران ألزمت إسرائيل بالعودة إلى قواعد الاشتباك السابقة (المعركة بين الحروب)، وأن الصواريخ الإيرانية والمُسيرات كشفت منظومات الصواريخ الإسرائيلية الاستراتيجية، وقول آخرين من أن إسرائيل كانت ضعيفة لدرجة أنها لجأت إلى دول عربية وغربية للمشاركة معها في إسقاط الصواريخ الإيرانية، ما قول كل هذا إلا هراء بالمعنى الاستراتيجي، وإن كان ثمة حقيقة واضحة لا يبدو أن العرب قادرين على فهمها أو استغلالها، وهي أن عملية "طوفان الأقصى) والرد العسكري الإيراني كشفا حالة الخوف والهلع الإسرائيلية العالية جدا.

ولا يتعلق هذا الخوف بطبيعة الحال بسبب ضعف إسرائيل على المستوى العسكري، بل ناجم من الشخصية الإسرائيلية التي ترتعب جدا من أي محاولة عربية أو إسلامية للنهوض، أو أية محاولة لتوجيه ضربة لها.

من هنا، يمكن فهم أن إسرائيل لن ترد على الرد الإيراني مباشرة بقصفها مواقع داخل إيران، أو إعادة تكرار سيناريو القنصلية في دمشق، بل ستقوم بعمليات عسكرية مباشرة في سورية ضد الميليشيات التابعة لها، أو عمليات غير مباشرة داخل الأراضي الإيرانية دون أن تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها (تفجيرات أصفهان المحدودة أمس)، فمثل هذه العملية داخل الأراضي الإيرانية تهدف إلى توجيه رسالة سياسية مفادها أن إسرائيل قادرة إن لزم الأمر في الوصول إلى العمق الإيراني.

كما أن إسرائيل غير قادرة على الدخول في أزمة مع الولايات المتحدة غير الراغبة إطلاقا بنشوء حرب واسعة في الشرق الأوسط، حفاظا على مصالحها التي أصبحت خلال السنوات السابقة متمثلة بثلاث مستويات:

الأول، استمرار تدفق النفط بسلاسة إلى العالم الغربي.

الثاني، استمرار طرق الملاحة البحرية في عملها دون تهديد.

الثالث، الإبقاء على الوضع الراهن السياسي في البلدان العربية عبر استقرار النظم الاستبدادية والحيلولة دون نشوء نظم ديمقراطية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية الإيرانية إيران إسرائيل رأي مواجهة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة داخل الأراضی الإیرانیة قواعد الاشتباک الرد الإیرانی أن إسرائیل فی دمشق

إقرأ أيضاً:

قطر تتواصل مع إسرائيل وحماس للتحضير لمحادثات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار

سرايا - قال رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأحد، إنه لا توجد خطة واضحة بشأن موعد بدء المفاوضات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) فيما يتعلق بالمرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في الدوحة أن قطر تتواصل مع إسرائيل وحماس للتحضير للمحادثات.

وأشار إلى أن قطر تأمل في رؤية بعض التحركات في "الأيام القليلة المقبلة".

وينص اتفاق وقف إطلاق النار على بدء المفاوضات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق قبل اليوم السادس عشر من بدء تنفيذ المرحلة الأولى، والذي يوافق غدا الاثنين.

ومن المتوقع أن تشمل المرحلة الثانية إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين ووقف إطلاق النار بشكل دائم والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 998  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 02-02-2025 06:54 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند تأجيل النوم الانتقامي .. اكتشف ثمن متعة الثأر من ساعات النهار العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية دراسة تكشف حقيقة الفرق في الثرثرة بين الرجال والنساء بالفيديو .. إحدى ضحايا قضية الموقر تروي تفاصيل... في لقاء حصري مع "سرايا" .. طلال أبو... أمطار غزيرة وثلوج ورياح قوية في طريقها إلى المملكة... هل ستشهد المملكة تساقطاً للثلوج هذا الأسبوع؟ السجن 17 عامًا لمزور شهادتي دراسات عليا لمسؤولين في... روسيا تعلن إسقاط 44 طائرة أطلقتها أوكرانيابرشلونة يعبر ألافيس ويقلص الفارق مع الريال برشلونةعودة النازحين إلى جنوب لبنان وسط تصعيد ميداني61709 شهداء ضحية حرب الإبادة على غزة و50 مليار...ضابط إسرائيلي سابق: استعراض حماس لقوتها يدحض...ترامب: على كندا ان تصبح الولاية الأمريكية رقم 51بالفيديو .. اصابتان إثر حادث تدهور باص في المشارع...بالفيديو .. "خرق جديد" إصابات إثر قصف...بالفيديو .. استقبال حافل للطبيب العراقي "محمد... الحروب يطلق ألبومه الغنائي الأول... سيرين عبد النور تثير الجدل برسالة غامضة: هل هي... نهال عنبر تكشف عن أجرها في برنامج رامز نيفر إند :... دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية "حمزة مون... فنانة مصرية تفجر قنبلة .. وتكشف أجرها بمقلب رامز جلال عكس الشائع .. التمارين الرياضية لا تحرق السعرات الحرارية بالقدر الذي تظنه! التعمري يقترب من الانضمام لرين الفرنسي المحترف التونسي الحمروني يلتحق بتدريبات الفيصلي لماذا تتزايد سرعة الرياضيين باستمرار؟ لاعب الحسين إربد سيف درويش ينتقل إلى فريق الصريح ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند تأجيل النوم الانتقامي .. اكتشف ثمن متعة الثأر من ساعات النهار العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية دراسة تكشف حقيقة الفرق في الثرثرة بين الرجال والنساء مؤثرة صينية تصدم جمهورها بمظهرها الحقيقي من هي الدولة الأكثر استهلاكًا للشاي في العالم؟ بالفيديو .. عجلٌ يتسبّب بعرقلة حركة السير بالفيديو .. "الله أكبر" رجل يوثق لحظة سقوط طائرة فيلادلفيا مقتل شاب إثر اعتداء آخرين عليه .. اليكم التفاصيل مغامرة كادت تودي بحياتهما .. متزلجان يتسببان في كارثة ثلجية وينجوان بأعجوبة من الموت

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تنسحب من مواقع سورية سيطرت عليها بعد سقوط الأسد
  • إيران تكشف عن صاروخ اعتماد.. رسالة تهديد إلى إسرائيل قبل ذكرى الثورة الإسلامية | تقرير
  • إسرائيل تنسحب من مواقع في سوريا سيطرت عليها بعد سقوط الأسد
  • قطر تتواصل مع إسرائيل وحماس للتحضير لمحادثات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار
  • واشنطن بوست: إسرائيل تبني قواعد عسكرية في المنطقة منزوعة السلاح على الحدود السورية
  • قلق من جيش مصر.. سفير إسرائيل يثير تفاعلا بحديث عن القوة العسكرية المصرية وتناميها
  • تقرير: إسرائيل تشكو من تمويل إيران لحزب الله بحقائب من النقود عبر مطار بيروت
  • عاجل | أسوشيتد برس عن مسؤولين: فصائل عراقية متحالفة مع إيران تعيد النظر في مطلبها خروج القوات الأميركية بعد سقوط الأسد
  • إسرائيل تزعم مواصلة تمويل إيران لفصائل لبنان بحقائب مليئة بالنقد
  • إسرائيل تضرب أهدافًا لحزب الله.. وتقدّم شكوى ضد إيران لمواصلة تمويلها الجماعة