المثقف الصلب.. أقدم أسير في العالم ينظر إلى غزة (بورتريه)
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
حين كان يتفيأ ظلال الحرية كانت الأرض وفلاحتها وزراعتها طوق النجاة لروحه العاشقة للأرض ولرائحة ترابها.
كان أقرب إلى عاشق رومانسي يحب الأزهار والورود التي تنتشر في جبال وسهول الريف الفلسطيني المدهش والساحر، وكان على قناعة بأنه يجب أن لا تقطف وأن تبقى في مكانها. بحسب ما رُوي عنه.
عرف بصلابته منذ الطفولة وقوة شخصيته وحماسته الوطنية التي ظهرت معه في مرحلة مبكرة جدا من حياته.
ويعد، نائل البرغوثي الذي ولد عام 1957 ببلدة كوبر شرق رام الله، أقدم سجين في العالم فقد عرفته سجون الاحتلال الإسرائيلي طيلة ما يقارب 45 عاما، حين بدأ رحلته المبكرة في المواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1967عندما دخلت قواته الضفة الغربية ووصلت إلى بوابة قرية كوبر وقصفتها، فصعد نائل برفقة أخيه عمر "أبو عاصف" وابن عمه فخري البرغوثي فوق سطح بيتهم حيث جمعوا كومة من الحجارة وبدؤوا يكبرون ويهتفون.
هذه الشحنة القوية من المشاعر الوطنية دفعته إلى اختيار الانتماء إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وآمن بالمقاومة طريقا لتحرير البلاد، وبعد تعرض الحركة عام 1983 لانشقاق بسبب خروج الثورة الفلسطينية من بيروت ومعاناتها من إشكالات داخلية، ورفض ياسر عرفات (أبو عمار) التحقيق في الإخفاقات التي حدثت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، تحول نائل وأخوه عمر إلى "فتح الانتفاضة".
لكنه ما لبث عقب ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن انتمى شقيقه عمر إلى "حماس"، ثم التحق به نائل وهو معتقل في سجن الجنيد بنابلس عام 1995.
كانت بداية تعارف نائل البرغوثي على سجون وأقبية الاحتلال في عام 1977 خلال استعداده لتقديم امتحانات الثانوية العامة، فاعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر، وأُعيد اعتقاله بعد 14 يوما من الإفراج عنه بتهمة مقاومة الاحتلال برفقة شقيقه عمر البرغوثي وابن عمهما فخري البرغوثي بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت وتفجير مقهى في القدس، وحكم على الثلاثة بالسجن المؤبد.
أفرج عن شقيقه عمر عام 1985 ضمن صفقة للتبادل، ورفض الاحتلال إدراج اسم نائل فيها، وفي أي صفقة تبادل أخرى أو في الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات مع الاحتلال وتأسيس السلطة الفلسطينية.
وخلال فترة اعتقاله توفي والده عام 2004 ووالدته عام 2005. كما عانت العائلة من استهداف مستمر بعد قتل الاحتلال لابن شقيقه صالح البرغوثي واعتقال كل العائلة، وهدم منزلها، حيث لا يزال ابن شقيقه عاصم البرغوثي معتقلا في نفس السجن بتهمة تنفيذه عملية إطلاق نار قرب رام الله، واعتقلت أيضا شقيقته حنان البرغوثي "أم عناد".
أطلق سراح نائل البرغوثي لفترة وجيزة ضمن صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، وبعد خروجه من السجن تزوج نائل من الأسيرة المحررة إيمان نافع التي اعتقلت سابقا عام 1987 وأُفرج عنها في عام 1997. إيمان نافع التي ذكرت قبل أيام أنها "تزوجته وعاشت معه عامين ونصف وقضى بقية عمره في السجون الإسرائيلية، وبلغ الآن من العمر 67 سنة".
فرض الاحتلال الإسرائيلي على نائل الإقامة الجبرية، حيث منعه من الخروج من مدينة رام الله وقراها، وبقي حبيس قريته كوبر قرب رام الله.
التحق فيما بعد بجامعة القدس المفتوحة لدراسة التاريخ، لكنه لم يكمل دراسته بعد أن أُعيد اعتقاله عام 2014 وذلك بعد خطاب ألقاه في جامعة بيرزيت عن المقاومة ودورها، واعتقل في إطار حملة اعتقالات واسعة استهدفت كثيرا ممن تم إطلاق سراحهم في صفقة "وفاء الأحرار".
حكم عليه بالسجن 30 شهرا، ورفض الاحتلال الإفراج عنه بعد قضائه مدة محكوميته وأعاد حكمه السابق، أي المؤبد، بدعوى وجود ملف سري.
اشتهر نائل البرغوثي بين الأسرى بأنه قارئ نهم ولديه ثقافة واسعة جدا، ويتحدث الإنجليزية والعبرية التي تعلمها داخل السجن، ويعتبره الأسرى مرجعا لهم في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.
ويطلقون عليه عدة ألقاب من بينها "أبو النور" و "عميد الأسرى" و"أبو اللهب" نظرا لشخصيته القيادية الثورية. ويعده الأسرى مرجعا لهم في محطات النضال الفلسطيني.
لقد تجرع البرغوثي مرارة الفقد مرة أخرى عام 2021 بوفاة شقيقه عمر وحرمه الاحتلال من وداع أحد أحبائه والمقربين إليه ورفيق دربه في الأسر والنضال والمقاومة.
ويأتي الحديث عن أقدم أسير فلسطيني، في اليوم العالمي للأسير الفلسطيني، مختلفا هذا العام عن باقي السنوات وبكمية مرارة زائدة وقهر لا يوصف مع فتح ملف "أسرى غزة" الذين يزيد عددهم عن 5 آلاف لا يعرف مصيرهم حيث يحتجزون في معتقلات سرية تمارس فيها كل الفظاعات والجرائم ضد المدنيين ملف "الإخفاء القسري".
ويبلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي حاليا أكثر من 9500 معتقل، منهم 80 معتقلة، وأكثر من 200 طفل موزعين على سجون: "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون"، وهذا لا يشمل كافة معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة (الإخفاء القسري).
ونتيجة للإهمال الطبي والتعذيب والعزل الانفرادي فقد قدمت الحركة الأسيرة، 252 شهيدا بين الأسرى منذ عام 1967، وهذا لا يشمل كافة شهداء الحركة الأسيرة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مع استمرار إخفاء هويات غالبية شهداء معتقلي غزة الذين ارتقوا في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
وفي إطار اتفاق الهدنة بين الاحتلال والمقاومة الذي تم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى الإفراج عن 240 أسيرا وأسيرة في 7 دفعات تبادل، ولاحقا أعاد الاحتلال اعتقال 15 منهم أفرج عن أسيرين وأبقى على اعتقال 13، من بينهم 5 أطفال، وأربع أسيرات.
وقبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول / أكتوبر ومع تسلم المتطرف إيتمار بن غفير ملف الأسرى، تعاني الحركة الأسيرة من ظروف إنسانية قاسية جدا ومن عمليات تعذيب وتنكيل وإهانات يومية في جميع السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف.
ولم ينج "العميد" نائل البرغوثي من هذه الممارسات فقد أفاد نادي الأسير بعد "الطوفان" بأن البرغوثي تعرض لاعتداء على يد قوات القمع، بعد نقله من سجن "عوفر" إلى سجن "جلبوع".
البرغوثي صاحب أطول اعتقال في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وربما يكون أطول سجين سياسي في العالم بأسره.
يتطلع البرغوثي ورفاقه الأسرى وبشكل خاص الأسرى ذوي الأحكام العالية إلى ما تقوم به المقاومة في قطاع غزة، وما ستخرج به جولات المفاوضات من صفقة محتملة يخرج بموجبها نائل ورفاق له ذوت وذبلت سنوات عمرهم في سجون الاحتلال الموحشة الرطبة والتي تفيض بالكراهية.
وحين يخرج نائل سيركض في براري كوبر يستلقي بين العشب وورود الأقحوان وشقائق النعمان وينظر إلى السماء الزرقاء الصافية يرى أبواب القدس تفتح من جديد على ضوء النهار الذي لا ينتهي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الفلسطيني نائل البرغوثي الاحتلال أقدم أسير غزة فلسطين غزة الاحتلال نائل البرغوثي أقدم أسير بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی نائل البرغوثی شقیقه عمر رام الله
إقرأ أيضاً:
الاحتلال ينتقم من الأسرى المحررين بالتعذيب والإذلال والتجويع
غزة- بصوت خافت بسبب الإعياء الشديد، يقول الأسير المحرر أحمد دبابش "تعرضنا لتحقيق قاسٍ وتعذيب شديد داخل معتقل "بركس حديدي" الذي أُنشئ حديثا لأسرى قطاع غزة، لم نر منه الشمس، ولا نعلم مواقيت الصلاة، ومنعنا الجيش الإسرائيلي من التحدث مع بعضنا".
وأوضح للجزيرة نت أنه قضى -مع عشرات الأسرى- أياما طويلة من التعذيب وهو معصوب العينين ومكبل اليدين، وأجبرهم الاحتلال على وضعية جلوس مؤلمة دون تغييرها، ومنعهم من قضاء حاجتهم.
وبعد نقل دبابش إلى سجن "عوفر"، واصلت قوات الاحتلال منعه من التواصل مع عائلته أو لقاء محاميه، وبقي محروما من كمية كافية من الطعام، وواصل السجانون التنكيل بالأسرى حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنهم وتسليمهم للصليب الأحمر.
تعذيب ممنهجظهرت علامات التعذيب على أجساد الأسرى الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم قوات الاحتلال في الدفعات الأربع الماضية ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والحكومة الإسرائيلية.
وتعمدت إدارة السجون الإسرائيلية تسليم أسرى قطاع غزة للجنة الدولية للصليب الأحمر مع تغطية رؤوسهم، بعدما أجبرتهم على المرور بين صفوف من جنود الاحتلال الذين انهالوا عليهم بالضرب، وروعوهم بالكلاب البوليسية، في حين هددت أسرى الضفة الغربية المحتلة بالقتل وإعادة الاعتقال.
إعلانمن جانبه، لا ينسى الأسير المحرر مصطفى حسونة صرخات الألم التي كان يطلقها وهو في طريقه لمعتقل "سدي تيمان" بعدما انهال عليه جنود الاحتلال بالضرب بالهراوات وأعقاب البنادق، وركله بالأقدام.
ووصف حسونة للجزيرة نت هذا المعتقل، الذي أقامه الجيش الإسرائيلي خصيصا لأسرى غزة، بالجحيم. وأضاف أن جميع الأسرى كانوا يعانون من التعب والهزال وتعرضوا للإغماء بسبب البرد والجوع، وتعمدت قوات الاحتلال تعريتهم في الأجواء شديدة البرودة، "فخارت قواهم، لا سيما أن عددا منهم مرضى".
واتبع الاحتلال أساليب التعذيب ذاتها بحق أسرى الضفة، حيث شعر الأسير المحرر ناجي بشارات من محافظة طوباس بأنه سيفقد يديه بعدما تعمد السجان شد القيد عليهما، وسب أمه وبناته بأبشع الشتائم في الأيام الأخيرة قبل الإفراج عنه.
ويقول بشارات للجزيرة نت "أجبرتني قوات الاحتلال على وضع رأسي بين قدمي لالتقاط صورة مذلة لي برفقة العديد من الأسرى، وتركز ضربنا على أجزاء حساسة من أجسادنا، وكأن لدى السجانين توصية بزيادة تعذيبنا". وفي اليوم المحدد للإفراج عنه، "هدده ضابط جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) "بالتصفية والقتل إذا قام بأي عمل يهدد أمن إسرائيل"، وفق تصريحه.
همجيةوسحل السجانون الأسير إبراهيم صلاح من بلدة الخضر، وبقي دون ملابس في البرد القارس، بعدما تم الاعتداء على أماكن حساسة من جسده، ولم يشفع له تجاوزه 65 عاما من عمره ومرضه بالفشل الكلوي وقرحة المعدة، أمام "همجية" جنود الاحتلال.
وأطلقت قوات الاحتلال الكلاب على صلاح رفقة مجموعة من الأسرى الذين تقرر الإفراج عنهم، وسحلوهم في غرف التحقيق، وهددوهم بالسجن والتعرض لذويهم إذا تحدثوا "ولو بكلمة تضر بمصالح إسرائيل"، حسب ما قال للجزيرة نت.
من جهته، يعتقد الأسير المحرر سمير طوباسي أن الاحتلال صعد اعتداءاته ضد المعتقلين خلال الحرب على غزة، في حين شهدت الأيام الأخيرة له داخل السجن ما وصفها بالمجزرة بعدما حرمتهم إدارة السجون من الطعام طيلة 3 أيام، وصادرت ملابسهم، وعرضتهم للضرب مما أدى لكسور لدى معظمهم في القفص الصدري والأيدي وكدمات في الرأس والبطن.
إعلانوتنوعت أساليب التعذيب التي انتهجتها قوات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين أبرزها الاعتداء الجسدي، وتعمد السجانون ضربهم بشدة وتعريضهم لإهانات لفظية ومنعهم من الطعام حتى اللحظات الأخيرة قبل الإفراج، وفق حديث عبد الله قنديل مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين للجزيرة نت.
وأوضح أن أسرى غزة تعرضوا للتهديد بالقتل بعدما وضع جنود الاحتلال أساور ورقية على معاصمهم تحمل عبارات وعيد للأسير وللشعب الفلسطيني، والتهديد بارتكاب مجازر.
ولفت قنديل إلى أن الأسرى المحررين عانوا من إهمال طبي متعمد، وظهرت عليهم أمراض جلدية وانتكاسات صحية واضحة نتيجة ظروف الاعتقال القاسية، وخرج العديد منهم في حالة صحية ونفسية متدهورة.
هزيمةووفق عبد الله قنديل مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين، اقتحمت قوات الاحتلال منازل عدد من الأسرى المحررين في محافظات الضفة المحتلة، وعمدت إلى تدمير محتوياتها وتهديد ذويهم، بهدف منع إقامة أي مظاهر لاستقبالهم أو الاحتفال بتحريرهم.
وبرأيه، فإن ما يتعرض له الأسرى والأسيرات في اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنهم يعكس مدى "الهمجية والبربرية الإسرائيلية، ويكشف مدى الهزيمة في نفوس الجنود والتعبير عن مكنوناتهم بالاعتداء على أسرى مقيدين يعانون من تجويع وتعذيب وحرمان من التواصل مع ذويهم".
ونوه قنديل إلى أن الاحتلال زاد من تعذيبه للأسرى منذ بداية الحرب على غزة وارتكب جرائم مروعة بحق الأسرى، أسفرت عن قتل العشرات منهم نتيجة التعذيب الشديد.
في السياق ذاته، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم.
وأوضح أنه ظهر على معظمهم علامات تدهور صحي حاد مع فقدانهم عدة كيلوغرامات من وزنهم جراء التجويع المتعمد، في حين حولت قوات الاحتلال سجونها إلى مراكز تعذيب منهجي للأسرى بينهم المحكومون والمحتجزون قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إعلانمن جانبها، وصفت حركة حماس ما تعرض له الأسرى بـ"الانتهاكات المروعة وجرائم ضد الإنسانية، التي تستدعي تدخلا فوريا من المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لوقفها، ومحاسبة مرتكبيها".