الدوحةـ رغم مرور 3 عقود على الإبادة الجماعية بحق عرقية التوتسي التي شهدتها رواندا في أبريل/نيسان 1994، إلا أن ذكريات هذه المأساة ما تزال عالقة في أذهان الكثيرين، ومنهم الناجية جلوريوسا أويمبوهوي.

فقدت جلوريوسا والديها وإخوتها الأربعة (أخان وأختان)، وعاشت تجارب مرعبة سواء خلال الإبادة أو بعدها، خاصة أن تفرقها عن عائلتها وانفصالها عنهم خلال عمليات الإبادة، كان سببا في نجاتها.

لم تكن النجاة من الإبادة رحمة، وإنما كانت أكثر إيلاما لجلوريوسا التي لم تجد فرصة لدفن أفراد عائلتها وأحبائها بكرامة، واضطرت للعيش وسط مرتكبي الإبادة الجماعية سواء اعترفوا أم لا، وكلما تراهم تشعر بالحزن، وتتساءل عما إذا كانت عائلتها قُتلت على أيديهم، وتشعر أن بعضهم يعرف ما حدث، وأين قُتلوا.

حضور كبير لفعالية إحياء ذكرى الإبادة الجماعية لعرقية التوتسي بمركز قطر الوطني للمؤتمرات (الجزيرة) نهضة رواندا

شاركت جلوريوسا في فعالية "كويبوكا 30" التي نظمتها سفارة رواندا في العاصمة القطرية الدوحة بمناسبة الذكرى الـ30 للإبادة الجماعية ضد التوتسي، والتي أقيمت مساء الخميس بمركز قطر الوطني للمؤتمرات.

ورغم ما عاشته فإنها بعد مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية لعرقيتها تغيرت كثيرا، وأصبحت أكثر إيجابية من أجل نهضة رواندا الجديدة، ورؤية الأجيال القادمة أكثر مرونة وتفهما، ونشر شعلة الأمل بينهم، واستبدال الكراهية بالحب.

وتقول جلوريوسا للجزيرة نت إن الأجيال الناجية تعلمت من الأسوأ لتسير البلاد نحو الأفضل، "إننا واحد ولا يمكن أن نكون إلا روانديين، هناك ألم عميق بداخلي، وعندما أتذكر والدي وأحلامه في مستقبل أكثر إشراقا، أرى رواندا الجديدة".

وتضمنت الفعالية التي شهدت حضورا دبلوماسيا مميزا، معرضا صغيرا، وبدأت بدقيقة صمت وتلاه عمل رمزي بإيقاد شعلة الأمل، ثم عرض مسرحي قدمته مالايكا أواماهورو، الممثلة والشاعرة والمغنية الرواندية المولد، واستعرضت خلاله قصة الإبادة الجماعية وكيفية تخطي هذه الفاجعة المؤلمة وبناء رواندا الجديدة.

وانطلقت في رواندا، في السابع من أبريل/نيسان الجاري، مراسم إحياء ذكرى مرور 30 عاما على الإبادة الجماعية (كويبوكا 30)؛ التي شهدتها عام 1994 ونفذها متطرفون من عرقية الهوتو ضد أقلية التوتسي على مدى 100 يوم دامية، قُتل خلالها أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي.

وترى جلوريوسا أن "كويبوكا" التي تعني "التذكر" باللغة الكينيارواندية، تمثل بالنسبة لها الفرصة المناسبة لتذكر والديها وإخوتها والعائلة الأكبر، والأهم من ذلك أن تتذكر استهداف التوتسي بسبب هويتهم، وتمزيق البلاد وتحول شعبها إلى كراهية بعضهم البعض. وقالت إن نجاتها من هذه الإبادة كانت بفضل الروانديين "جبهة رواندا الوطنية" الذين ناضلوا من أجل إنقاذ البلاد.

عرض مسرحي يستعرض قصة الإبادة الجماعية ومراحل بناء رواندا الجديدة (الجزيرة) فرصة للامتنان

تضيف أن "كويبوكا 30" فرصة أيضا للامتنان "للذين ضحوا بحياتهم لإنقاذنا من الإبادة الجماعية"، وتذكر كيف تخلى عنهم العالم الذي لم يتوقف قط عن تعليمهم كيفية السلام والديمقراطية والتنمية، ولكنه تركهم "في أيدي الجزارين"، وفقا لجلوريوسا.

ويوضح السفير الرواندي بقطر إيغور مارارا كاينامورا، أن إحياء ذكرى الإبادة الجماعية بحق عرقية التوتسي، والذي يقام تحت عنوان "نتذكر- نتحد – نجدد" يحمل أهمية عميقة للشعب الرواندي الذي يفكر بوعي كبير في ماضيه ورحلة الشفاء والمصالحة وإعادة البناء التي تلت ذلك.

ويقول كاينامورا للجزيرة نت "نقف خلال هذه الذكرى، اعترافا بانتصار وحدتنا على أي شيء آخر، فمن بلد كان يُعتقد أنه مكان ميؤوس منه في عام 1994، بنينا مجتمعا متحدا تغذيه الرغبة في الارتقاء ورفع بعضنا البعض".

ويضيف "بينما نفكر في الدروس المستفادة من ماضينا، نعتقد أن مكافحة أيديولوجيات الإبادة الجماعية بأي شكل من الأشكال هي معركة لا ينبغي للإنسانية أن تتوقف عن خوضها أبدا، ونجدد التزامنا بالتعاون النشط مع جميع أصحاب المصلحة، لتعزيز السلام والأمن الإقليميين والدوليين".

و"لقد اخترنا أن نظل مسؤولين أمام بعضنا البعض، ونتطلع إلى الداخل بحثا عن الأسباب والحلول الوحيدة لتحدياتنا الوجودية، وأن نؤمن أن ماضينا المأساوي لن يحرمنا أبدا من مستقبل مشرق".

كاينامورا: مكافحة أيديولوجيات الإبادة الجماعية معركة لا ينبغي للإنسانية أن تتوقف عن خوضها (الجزيرة) الإبادة في صور

وتخللت الفعالية شهادات مختلفة مرتبطة بالإبادة الجماعية، منها شهادة توزاهورا توبيبوكا إيتيكا رايوز، الذي فقد والديه و6 من إخوته، وعكست قصته تجربة جيل ما بعد الإبادة الجماعية.

أما ياسين نوزيمان (34 عاما) وإتيناس إريمان (36 عاما) المقيمان في الدوحة، فقد أعربا للجزيرة نت عن حزنهما الشديد لهذه الإبادة الجماعية بحق عرقية التوتسي، والتي أودت بنحو مليون شخص.

ويعتبر نوزيمان أن سبب حضوره الفعالية هو المشاركة في إحياء هذه الذكرى لأكثر من مليون شخص من الأجداد والآباء والأمهات والأطفال، خاصة أنه لن تتاح لنا الفرصة أبدا لمعرفتهم، "لكننا عرفنا أن جريمتهم الوحيدة هي أنهم ولدوا تحت اسم التوتسي"، وفق قوله.

أما إريمان الذي كان يرتدي الزي القطري، فيقول إنه لم يعايش هذه الإبادة لأنه كان صغيرا وقتها، ولكنه سمع عنها الكثير، ويشعر بحزن وقهر شديدين لما حدث، إلا أنه شدد على أن هذا الأمر بقي في الماضي، "واليوم نحن الشباب نتطلع إلى رواندا الجديدة".

وضم المعرض الذي صاحب الفعالية صورا وقصاصات كانت بمثابة رحلة تعليمية للمشاركين، وقدم نبذة حول كيفية الإعداد للإبادة الجماعية ضد التوتسي وتنفيذها، وتأثيرها العميق، ورحلة المثابرة في رواندا.

وتناولت الصور الإبادة الجماعية والعلامات التحذيرية لصانعي السياسات بوقوع هذه الفاجعة بعد تاريخ من التمييز والعنف والمجازر التي سبقها، واستعرضت الصور عددا الأشخاص الذين قتلوا في الإبادة.

وتطرقت إحدى القصاصات إلى كيفية بداية الإبادة الجماعية، في حين تحدثت ثانية عن عنصرية الهوتو ضد التوتسي، وثالثة عن أحداث الـ100 يوم من الإبادة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الإبادة الجماعیة من الإبادة

إقرأ أيضاً:

من غزة إلى تشيلي.. جدارية تحكي قصص أطفال لم يعرفوا سوى الحرب والشتات

في قلب سانتياغو، عاصمة تشيلي، تبرز لوحة جدارية فريدة تزين جدران المدينة، محملة برسائل قوية عن الحرية والتضامن. هذه التحفة الفنية هي نتاج تعاون غير تقليدي بين أطفال من غزة وأطفال تشيلي، حيث اجتمع الفنانون والمعلمون من الجانبين لإنشاء مشروع يعبر عن الأمل والتواصل بين ثقافتين بعيدتين جغرافيا.

اعلان

بدأت الفكرة بمبادرة من الفنان التشكيلي إيان بيرس، حيث قام الأطفال الفلسطينيون بإرسال صور ورسائل تعبر عن أحلامهم، مثل أن يصبحوا أطباء أو أن يعيشوا في حرية، بينما قام الأطفال التشيليون بترجمة هذه الأحلام إلى رسومات تزين الجدارية

. ووصف بيرس المشروع بأنه أكثر من مجرد فن، قائلاً: "هذا ليس فقط لإشغال الأطفال، بل هو شكل من أشكال المقاومة ضد الاحتلال. نحتاج إلى التضامن والدعم الروحي بقدر حاجتنا إلى الغذاء والدواء".

تعكس معظم الجدرايات في تشيلي المساندة لأطفال غزة

وعلى الجدارية، تظهر فتاة تحمل قفصًا فارغًا بينما تطير الطيور فوق رأسها، في إشارة إلى الحرية والأمل. وعلقت المعلمة آنا ماريا أوسوريو، التي أشرفت على مشاركة الأطفال التشيليين، بأن هذا المشروع يحمل رسالة واضحة عن السلام والحرية، مشيرة إلى أن الأطفال هنا تأثروا عميقًا بما يعانيه أطفال غزة.

رسومات أطفال غزةAP Photo

ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع يأتي في ظل أحداث مأساوية شهدتها غزة، حيث قُتل أكثر من 45,000 شخص في القصف والاجتياح الإسرائيلي الذي بدأ في أكتوبر 2023، بينهم نساء وأطفال. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، تسببت هذه العمليات في تدمير واسع النطاق وتشريد حوالي 90% من سكان القطاع.

ويأمل بيرس أن تكون هذه التجربة نموذجًا يمكن تكراره في أماكن أخرى حول العالم. وقال: "رسالتنا هي أن حكومات العالم فشلت، ونأمل أن تكون هذه المبادرة مصدر إلهام للمجتمعات التعليمية والفنية".

Relatedمهرجان مراكش السينمائي يكرم الراحلة نعيمة المشرقي بحضور نجوم الفن العربيحينما كانت الأحلام كهربائية: الفن يسبق التكنولوجيا ويشكل المستقبلفي خطوة غير مسبوقة.. طهران تفتح معرضاً يضم أبرز لوحات الفن الغربي من بينها أعمال لبيكاسو وفان غوخ

وبينما يتجسد حلم أطفال غزة على جدران سانتياغو، تبقى الرسالة الأهم هي أن التضامن الإنساني قادر على تجاوز الحدود، وتحقيق الأمل في عالم أكثر عدالة.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "رسم الحياة.. رؤى من غزة".. معرض فني في دير البلح يروي صمود الفلسطينيين وقصصهم في مواجهة الحرب كعك العيد على نار الحرب في غزة: نساء نازحات في دير البلح يبدعن من العدم لرسم بسمة على وجوه محرومة  شاهد: ألصقوا على وجهه صورة لشخصية كارتونية.. نشطاء يستهدفون بورتريه رسمي للملك تشارلز غزةفنانونالفنون الجميلةتشيلياعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب في يومها الـ445: الأونروا تؤكد مقتل طفل كل ساعة في غزة وانسحاب بطيء لإسرائيل من جنوب لبنان يعرض الآن Next جنود مصريون في القرن الإفريقي.. ما أسباب مشاركة القاهرة في بعثة حفظ السلام في الصومال؟ يعرض الآن Next عاجل. إجلاء السائحين من برج إيفل بعد ورود تقارير عن حريق في المصعد يعرض الآن Next بين عواصف الشتاء وغارات إسرائيل.. نازحون فلسطينيون يكافحون من أجل البقاء في خيام مهترئة في النصيرات يعرض الآن Next عاجل. سفينة شحن روسية تحمل شحنات أسلحة إلى سوريا تغرق في البحر الأبيض المتوسط اعلانالاكثر قراءة بعد ثلاثة أيام.. العثور على ركاب الطائرة المفقودة في كامتشاتكا أحياء مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز هل بدأ انتقام إسرائيل من أردوغان وهل أصبحت تركيا الهدف المقبل للدولة العبرية؟ فلتذهبوا إلى الجحيم! اللعنة كلهم يشبه بعضه! هكذا تعاملت ممرضة روسية مع جندي جريح من كوريا الشمالية بحضور الوزير فيدان.. الشرع يعد بنزع سلاح كل الفصائل بما فيها قسد وإسرائيل قلقة من تحرك عسكري تركي اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومعيد الميلادبشار الأسدإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني سوريادونالد ترامبشرطةضحاياروسياأبو محمد الجولاني أوروباهيئة تحرير الشام الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • مصدر عراقي: المباحثات التي أجريت مع الإدارة السورية الجديدة أمنية
  • رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية: استقبال طلبات التقدم لمسابقة «أفضل سيناريو» لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير
  • محاكمة علي كوشيب: بارقة أمل لضحايا الإبادة الجماعية في دارفور
  • رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية : استقبال طلبات التقدم لمسابقة "أفضل سيناريو" لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير
  • حضور نسائي وخريج الزراعة الذي أطاع بالأسد.. ما تخفيه التعيينات في الإدارة الجديدة بسوريا؟
  • دراسة فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على الهواتف الجديدة التي يجلبها الأفراد من الخارج
  • التجمع المسيحي بالأراضي المقدسة: المسيحيون في قلب معركة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
  • منع دخول المساعدات.. سلاح إسرائيل لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة
  • باحث: نتنياهو يستغل المفاوضات لتمرير الإبادة الجماعية في غزة
  • من غزة إلى تشيلي.. جدارية تحكي قصص أطفال لم يعرفوا سوى الحرب والشتات