عربي21:
2025-01-31@22:57:06 GMT

من أيزنهاور إلى بايدن

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

يميل معظم المهتمين بالشأن السياسي إلى حسبان الحياة السياسية محصلة للتفاعلات بين المؤسسات أو التشريعات وإلى حسبان العلاقات الدولية محصلة للمعاملات أو الصراعات بين الدول والحكومات. ولا شك أن في هذا الاعتقاد الشائع قدرا عاليا من الصحة وأنه قد يكون أقرب صورة للواقع. ولكن ليس للواقع بأكمله. ذلك أن الحياة السياسية إنما هي أيضا محصلة للتفاعلات الإنسانية بين الساسة، وبين الساسة وموظفي الخدمة المدنية (التي يسميها الفرنسيون الوظيفة العمومية) وبين الساسة ورجال الأعمال، وبين الساسة والمواطنين أو الناخبين، وغير ذلك من المعاملات الإنسانية الفردية والجماعية التي هي قوام ما يُكسب السياسةَ معنى الاحتدام والحيوية، بحيث يصحّ الحديث عن حياة سياسية حقا.

كما أن العلاقات الدولية هي، في جانب مهم ومؤثر منها، محصلة للعلاقات والمعاملات والتفاعلات الشخصية بين الزعماء والحكام والوزراء والمسؤولين والدبلوماسيين ورجال الاستخبارات، الخ، أي بين الأفراد الذين يتولون مختلف المناصب العالية أو الحساسة في مختلف الدول. الأفراد بمختلف تركيباتهم النفسية والذهنية ومكاسبهم المعرفية وخلفياتهم الإيديولوجية وسِيَرِهم الحياتية والمهنية، الخ.

وكان الفيلسوف روبر مزراحي قد أكد هذ المعنى منذ أوائل الثمانينيات عندما أعلن أنه لا وجود لما يسمى بالمؤسسات! كان يقول إن المؤسسات ما هي إلا مجموعة أفراد، وإنه لا قيمة لها إلا حسب قيمة مسؤوليها وموظفيها، وإنه لا ميزة لكبريات المؤسسات الدستورية خصوصا، مثل الوزارات ورئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، إلا بقدر ميزة قادتها أولا وكبار موظفيها ثانيا. وإذا كان دستور الجمهورية الخامسة قد نجح في تشكيل الحياة السياسية في فرنسا طيلة عقود رغم «تبدّل الأحوال بالجملة» مثلما يقول ابن خلدون، فذلك لأن مهندس الجمهورية الخامسة وزعيمها هو رجل الدولة الفذ شارل ديغول.

منصب الرئاسة الأمريكية لا يزال محكوما بالقواعد الدستورية ذاتها منذ أكثر من قرنينوالأمثلة على صحة مقولة ألاّ قيمة للمؤسسات إلا حسب قيمة مسؤوليها أكثر من أن تحصى. من ذلك أن منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا لا يزال محكوما بالقواعد الدستورية ذاتها منذ ثلاثة قرون تقريبا، ولكن هناك من صعد بالمؤسسة إلى الأعالي مثل هارولد ماكميلان وإدوارد هيث ومارغريت تاتشر وبين من هوى بها إلى الحضيض مثل السيدة ليز تراس، رئيسة وزراء الصدفة العابرة التي أرْدَتْها رداءتُها، ومِن الرداءة ما قتل، والتي شغفتها إسرائيل حبا فما تمالكت نفسها عن البوح بحبها على الملأ، ومن الحب ما أذلّ. كما أن منصب الرئاسة الأمريكية لا يزال محكوما بالقواعد الدستورية ذاتها منذ أكثر من قرنين، ولكن البون شاسع بين أبراهام لينكولن مثلا وبين وورن هاردينغ الذي لا يذكر اسمه إلا مقترنا بقضايا الفساد، وبين رئيس مثقف ومفوّه مثل باراك أوباما ورئيس عَيِيِّ وشبه أميّ مثل جورج بوش الابن. كما أن هوة الفوارق سحيقة بين فرانك ديلانو روزفلت وبين دونالد ترامب.


المنصب هو ذاته، والقواعد الدستورية هي ذاتها، ولكن هذا رئيس وَجيه ذو حكمة وبعد نظر وهذا «رئيس» صبياني رذيل اتخذ إلهه هواه وأسلم أمره وأمر بلاده لغرائزه وأباطيله، متوهما بذلك أنه سيعيد أمريكا سيرتها الأولى قوية عظيمة عزيزة حسب شعاره الدوغمائي: MAGA.ولمزيد تبيان ألا قيمة للمؤسسات إلا حسب قيمة مسؤوليها فلنتصور لو أن الذي كان يسكن البيت الأبيض أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 هو رئيس آخر غير القائد العسكري المنضبط المستقيم دوايت أيزنهاور، فهل كان سيقدم على لجم إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بتلك السرعة الحاسمة؟ تصور لو كان جو بايدن هو الرئيس عام 1956… أليس الأرجح أنه كان سيسمح باستمرار العدوان على مصر شهورا بدل بضعة أيام، وأنه كان سيزج بالولايات المتحدة في العدوان زجا بالتسليح المستمر لإسرائيل مثلما فعل ويفعل في غزة؟ ولو كان بايدن هو الرئيس في الخمسينيات أفكانت إسرائيل تحتاج المساعدة الفرنسية السرية في اكتساب السلاح النووي؟ أما كان هو الذي سيسارع بكل فخر إلى عرض التكنولوجيا النووية العسكرية على إسرائيل حتى دون أن تسأل؟

إن قوة الشخصية هي أولى خصال الزعامة. لهذا كان من اليسير على رونالد ريغان أن يوبخ مناحيم بيغن، وكان في وسع جيمس بيكر أن يُغْلِظ لإسحاق شامير في القول ويسمعه ما يكره. أما مسخرة «أحبّك ولكني لا أوافقك» التي يتقي بها بايدن المسكين شرّ نتنياهو الصفيق الرقيع المدجج بترسانة الكِبْر والخيلاء فهي الدليل أن دولة الزعيم الضعيف ضعيفة بالضرورة.

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن امريكا واشنطن بايدن مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

ترامب يهاجم بايدن وأوباما بعد كارثة الطائرة المنكوبة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، أنّ المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة ركاب في سماء العاصمة واشنطن، ليل الأربعاء، كانت تحلق في مسار "سيئ بشكل يفوق التصوّر".

وأشار إلى أنّ المراقب الجوي في برج المراقبة قد نبه في اللحظة الأخيرة قائلاً "هل ترون.. هل ترونه؟"، ولكن لم يكن لديه وقت كافٍ للتحذير بشكل كامل قبل وقوع الحادث.
وفي مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، اتهم ترامب سلفيه الديمقراطيين باراك أوباما وجو بايدن بخفض معايير السلامة الجوية في البلاد، مشيرًا إلى أنّ هذه السياسات تسببت في "تدني معايير السلامة".

تحقيق فوري واستبعاد "العمل الإرهابي" في حادث تحطم الطائرتين بواشنطن - موقع 24أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث إطلاق البنتاغون تحقيقات فورية في حادث اصطدام طائرة للركاب بمروحية عسكرية في واشنطن، ليل الأربعاء، فيما استبعد مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ارتباط الحادث بعمل إرهابي.

وأوضح ترامب أن سياسات التوظيف، التي ركزت على تعزيز التنوّع في وكالة الطيران الفيدرالية، كانت السبب وراء الحادث، حيث أشار إلى أن "التوظيف وفق مبدأ التنوّع على حساب الكفاءة"، ساهم في تدهور مستوى السلامة الجوية.
و أكد الرئيس الأمريكي أنّه لا يوجد أي ناجين من الكارثة الجوية، التي أسفرت عن مقتل 67 شخصًا، بما فيهم ركاب الطائرة وطاقم المروحية.
وأوضح قائلًا: "تحوّل العمل الآن إلى مهمة لانتشال الجثث. للأسف".

مقالات مشابهة

  • رابطة المستأجرين: إلغاء القانون القديم أمر غير وارد بحكم الدستورية
  • خطيب المسجد النبوي يحذر من هذه الواسطة بينك وبين الله في الدعاء
  • المحكمة الدستورية في أسبوع | توصيات بتشريعات الظروف الاستثئنائية بمؤتمر المحاكم العليا الإفريقية
  • المحكمة الدستورية تعلن دستورية 4 مواد من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
  • ترامب يعلّق على حادثة الطائرة والمروحية ويلوم بايدن وأوباما
  • ترامب يهاجم بايدن وأوباما بعد كارثة الطائرة المنكوبة
  • ترامب يحمّل بايدن واوباما مسؤولية تصادم الطائرتين
  • إسكان النواب: لقاء الرئيس السيسي برؤساء المحاكم الدستورية بأفريقيا رسالة لتعزيز واحترام القانون
  • لا بايدن ولا ترامب، وإنما المقاومة
  • رئيس تيار الاستقلال الفلسطيني في حوار لـ«البوابة نيوز»: القيادة المصرية الحكيمة مارست كل الضغوط على إسرائيل لإيقاف العدوان.. موقف ترامب لن يختلف استراتيجيًا وواقعيًا عن بايدن.. نأمل وضع حد للعدوان