طريق السلام المسدود… وسقوط نظرياته وأوهامه القديمة
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
ربما لم يحتفظ التاريخ العربي بخطبة أكثر استغراقا في الوهم، مثل التي قدمها الرئيس المصري أنور السادات في الكنيست، مع أن الخطاب لم يكن ركيكا، ومع أن كاتبه حاول أن يوظف لغةً رومانسيةً وحالمةً، وأن ينثر مواطن الانفعال فيه، إلا أن التجول في ملامح أعضاء الكنيست الحاضرين في التسجيل المرئي، يظهر أنهم استقبلوه بفتور وبلادة.
الفلسطينيون من حيث المبدأ، من الصعب أن يقتنعوا بالسلام، فعيشهم في عائلات ممتدة لقرون من الزمن، يجعل الرواية واضحة، وسلب الأرض وتشريد سكانها الذين عاشوا بصورة متصلة لأجيال متعددة، بالطريقة التي حدثت في 1948، وما سبقها وتلاها، مسألة حقوقية واضحة، مهما توارت في مقولات دينية أو قومية، وهذه القضية تدركها (إسرائيل) بصورة متوطنة وواضحة، ولعلها تدرك أن الفلسطينيين الذين يريدون السلام يمثلون الأقلية، أو أن أي قناعةٍ بالسلام ستكون مؤقتة وغير مستدامة، لأن السلام الذي يطرح ويقدم ليس إلا شرعنة للوضع القائم، ويضع الفلسطينيين أنفسهم في تناقض تاريخي، فالمطروح على الطاولة هو استعادة لجزء من الأرض الفلسطينية التي احتلت سنة 1967 بينما تقوم الرمزية الفلسطينية التي تشكل الشعب الفلسطيني على أرضية نشأت لتحرير فلسطين المحتلة عام 1948.
تناقل الفلسطينيون روايات شفهية كثيرة حول مجازر العصابات الإسرائيلية في حرب 1948، في دير ياسين والطنطورة والدوايمة، وتوجد أطلال لقرى دمرت بالكامل، ولكن الشواهد المتبقية هي بعض الصور متدنية الجودة، أما ما يحدث في غزة على امتداد الأشهر الماضية، فالعالم يراه على الهواء مباشرةً، ويحتفظ بوثائقه المرئية، ويسمع أصوات ضحاياه، بما أدى إلى استعادة الرمزية الفلسطينية إلى مستويات الانتفاضة الأولى، بحيث تصبح أي فكرة للسلام مغلفة بالاستسلام، وهو للأسف ما لا يمكن أن يتحقق في الحالة الفلسطينية، فالفلسطينيون لا يمتلكون خيار الاستسلام أو آلياته من الأساس، ولا يوجد أحد يمكنه أن يوقع اتفاقية الاستسلام نيابةً عنهم كما فعل الإمبراطور في اليابان.
تناقل الفلسطينيون روايات شفهية كثيرة حول مجازر العصابات الإسرائيلية في حرب 1948، في دير ياسين والطنطورة والدوايمة، تفتعل (إسرائيل) الأزمات وتديرها بشكل متواصل، وتطبق سياسة الهرب من الاستحقاقات بصورة متواصلة، فمن يمكنه اليوم، وفي ظل هذه الظروف المعقدة، أن يتحدث عن أولوية عودة اللاجئين، أو أن يضع ورقتهم على طاولة، وكل الجهود تمضي لحماية الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والوقوف ضد تهجيرهم في نكبة جديدة؟ ومن يمكنه أن يتحدث عن القدس بوصفها عاصمة لدولة فلسطين، والمسجد الأقصى والمقدسات المسيحية جميعها تحت التهديد المتواصل من الجانب (الإسرائيلي)، وبالنظر إلى هذه الحقائق الراهنة، فإن السلام المتعذر (نفسيا) بعد الحرب على غزة، يصبح متعذرا عمليا بالنظر إلى الواقع ومعطياته الراهنة. ثم مع من يمكن أن يتحدث أحد عن السلام في (إسرائيل)؟ تساءل الكثيرون عن السابع من أكتوبر، وحاولوا أن يصفوا المقاومة التي حركت العمليات في ذلك اليوم بالتطرف والإرهاب، ولكنهم لم يتساءلوا عن سبب صعودها داخل حركة حماس نفسها؟ ولم يلاحظوا أنها ردة فعل مثالية على بن غفير وسموتريتش اللذين يمثلان الأبناء المخلصين لرجل مثل باروخ غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994، وأنهم يقودون حركة الاستيطان بطريقة البلطجة لتستوعب تناقضات المجتمع في (إسرائيل) وتصنع نسخة جديدة توراتية وشرقية المزاج مقابل (إسرائيل) الغربية صاحبة القيم الأوروبية المتحضرة، التي بقيت ضمن المزاعم الواضحة للجيل الذي كان يستمع لخطاب السادات بتململ واستهانة. الأسس النظرية لفكرة السلام الرومانسية أو فهلوة السادات، وطموحاته التمثيلية السابقة، التي جعلته يتبناها، أو تلك التي حاولت مجموعة من الواقعيين العرب والفلسطينيين تمريرها في نهاية السبعينيات، تبدو كلها خارج التصورات الممكنة حاليا.
يقول إيلان بابيه، إن إسرائيل تتفسخ من الداخل، ويزعم أن ضربة السابع من أكتوبر أسهمت في تعطيل تدهورها، الذي بدا واضحا في حراك الشارع قبل الأحداث، إلا أنه يغفل العقيدة الشمشونية التي تشكل جزءا من ثقافة المستوطنين، بمعنى أن انهيار (إسرائيل) أو تفسخها بأي صورة سيستلزم بالضرورة ثمنا باهظا يدفعه الفلسطينيون من أرواحهم ودمائهم وأطرافهم. الدولة الفلسطينية ربما تكون جزءا من تهدئة وتيرة الصدام وتأجيل لحظاته التراجيدية، إلا أن ما يمكن أن ينقذ المنطقة من مصيرها (الماسياني) ومن أشباح (هرمجدون) أو حرب نهاية العالم، هو وجود حقوق عادلة للفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، بمعنى إعادة الصياغة الشاملة لكل من مفهومي فلسطين و(إسرائيل) على أساس فكرة الحقوق والحلول الواقعية، التي تستطيع أن تستوعب تحولات العالم وتغيرات الظروف، وهي مسؤولية تتخطى الأطراف المباشرين في الصراع، وتشمل طيفا واسعا من الدول والشعوب الأخرى، وتتطلب خروجا من الوعي بالآثار المباشرة، إلى تفهم الأفاق غير المباشرة للصراع وتشعباته، وأنه صراع يحمل أفكارا تشكلت في عصور قديمة وفي أماكن متباعدة، وليس الفلسطينيون الذين خرجوا من أراضيهم، أو الذين لا يتمكنون في العيش عليها بسلام، معنيين بأن يدفعوا وحدهم ثمنها، وأن اختزال النقطة الساخنة للصراع في وجودهم أو عدم وجودهم.
يبدو السلام متعذرا، وأي حديث عنه مبتذلا في هذه اللحظة، وأن أسسه النظرية السابقة كلها عرضةُ للتفكك والهشاشة، ولكن وقف المجزرة يمكن أن يستقضي تقدما لما يشبه السلام الذي لن يكون كافيا للحيلولة دون مجزرة أخرى.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الفلسطينيون غزة مصر فلسطين غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
«الخارجية الفلسطينية»: لا يمكن شطب أو الاستغناء عن «الأونروا» وفقا للقانون الدولي
أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أنه لا يمكن شطب أو الاستغناء عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وفقاً للقانون الدولي، ولا يحق للقوة القائمة بالاحتلال أن تتخذ مثل هذا القرار، لا سيما لعدم تمتعها بأي سيادة قانونية على الأرض الفلسطينية المحتلة.
ودعت فى بيان اليوم الأربعاء، أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" - إلى عدم دعم القرار الإسرائيلي بحظر "الأونروا"، ودعم التنفيذ الفورى لحقوق الشعب الفلسطيني، بما يضمن إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض، وضمان حق عودة اللاجئين إلى ديارهم فوراً.
وشددت الخارجية، على أن "الأونروا" رافعة أممية إنسانية تخفف الظلم التاريخى الذى حل بالشعب الفلسطيني، وأن تماهى بعض الدول مع قرار الاحتلال بوقف عملها يشكل مخالفة صريحة وقاسية للقانون الدولي، ولقرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار الجمعية العامة الذى اعتمد الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية، خاصة أن القرار الإسرائيلى يندرج فى إطار مشاريع ومخططات أكبر تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
يذكر أن الكنيست الإسرائيلى مرر قانونين يحظران عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" داخل إسرائيل فى نهاية أكتوبر العام الماضى 2024، على أن يدخلا حيز التنفيذ فى غضون ثلاثة أشهر.. سيصبح بموجبهما التواصل محظوراً بين موظفى الأونروا من جهة والمسؤولين الإسرائيليين من جهة أخرى، ما سيحدّ بشدة من قدرة الوكالة الأممية على مزاولة أنشطتها فى غزة والضفة الغربية المحتلة.
وكان مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، دانى دانون قد أعلن أمس الثلاثاء، أن إسرائيل ستقطع كلّ علاقاتها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وأى هيئة تنوب عنها، وتطالبها "بوقف نشاطها وإخلاء جميع منشآتها فى القدس خلال ثمان وأربعين ساعة"، وذلك فى الوقت الذى حذر فيه مفوض عام الأونروا، فيليب لازاريني، من هذه الخطوة، ومن أنها تقوض وقف إطلاق النار فى غزة.
اقرأ أيضاًخطوة وصفت بـ«الاستفزازية».. الخارجية الفلسطينية تدين اقتحام وزير الدفاع الإسرائيلي لـ جنين
موعد صرف مرتبات شهر فبراير 2025 للعاملين في القطاع الحكومي والخاص
الخارجية الفلسطينية تطالب بفرض عقوبات دولية رادعة على المستعمرين ومنظماتهم الإرهابية