إبراهيم شعبان يكتب : وداعًا صلاح السعدني صاحب الروائع الفنية
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
وسط كل عمالقة الفن الجميل وجيل الستينيات البارز في السينما والدراما التليفزيونية، يظل الفنان الكبير الراحل صلاح السعدني، قطعة غالية تمثل الفن الأصيل والشخصيات الحقيقية الصادقة، التي حُفرت بحروف من ذهب في أذهان الجمهور، لذلك شكل رحيله صدمة في الوسط الفني، رغم أنه اعتزل فعليا الظهور التليفزيوني والإبداعي قبل أكثر من 10 سنوات.
صلاح السعدني، أحد أعمدة الفن المصري طوال ما يزيد على 50 سنة، منذ ظهوره في منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى اعتزاله بعد مسلسل القاصرات عام 2013، فهو لم يكن فنانا عاديا، ولكن حبّة في عقد فريد زين السينما والدراما المصرية مع مجموعة ظهرت في سنوات متقاربة، وشكلت تيارا حقيقيا في الفن المصري، يتقدمهم عادل إمام وصلاح السعدني ونور الشريف وحسين فهمي ومحمود عبد العزيز ويحيى الفخراني.
قدم صلاح السعدني، أكثر من 50 فيلما في مسيرته الفنية، أغلبها إبداعات شهيرة يصعب نسيانها وأدواره فيها التي قدمت بصدق شديد، لعل من أبرزها دور "علوان" في فيلم الأرض أفضل أفلام السينما المصرية من إخراج يوسف شاهين، ودوره في أغنية على الممر مع المخرج الكبير الراحل علي عبد الخالق، والراحل العظيم محمود مرسي، والرصاصة لا تزال في جيبي مع العملاق الراحل محمود ياسين وأفلام أخرى عديدة.
استطاع صلاح السعدني، أن يشكل بأدواره التليفزيونية علامة خاصة، وبصمة حقيقية فالجمهور المصري والعربي لا يزال يذكر باعتزاز، العمدة سليمان غانم في مسلسل ليالي الحلمية وحسن النعماني، في رائعة أسامة أنور عكاشة "أرابيسك"، وأدواره المحفوظة وبطولاته، في أبنائي الأعزاء شكرا وحلم الجنوبي، والناس في كفر عسكر والباطنية وغيرها.
أحب الجمهور المصري والعربي صلاح السعدني، لأدواره اللافتة وصدقه مع جمهوره واختياراته، فالفن رسالة واختيار وما يدخل لبيوت ملايين المشاهدين في مصر والعالم العربي، لا يصح أن يكون عبثا أو سموما أو مخدرات فنية تطيح بالقيم والعقول، وتدفع للجريمة وتشجع عليها.
الفن الذي قدمه صلاح السعدني، وحفر اسمه ودفع الجميع اليوم للترحم عليه، والحزن على رحيله فن صادق، عبر ملاحم درامية ذائعة الصيت علقت في أذهان الناس وذاكرتهم منها رائعته ليالي الحلمية.
صلاح السعدني، فنان كبير رحل بجسده، لكنه باقٍ بأعماله التي ستظل علامة على دقة اختياراته في حياته وإخلاصه لما يقدم لجمهوره، والحفاظ على شخصية مهيبة في حياته الفنية والخاصة وما يقدمه للناس.
وداعا صلاح السعدني، صاحب الروائع الدرامية والسيرة الفنية المتفردة.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: ثمن الكلام
الكلام سعادة روحية أو شقاء روحي، فالكلمة في العلاقات العامة هي التي تدير معاني التفاعل البشري، وأصبحت الكلمة في زمن التواصل الاجتماعي ذات قدرات عالية في تمثيل القيم والمعاني البشرية، حيث اكتسبت الكلمة قوةً لم تكن لها من قبل من حيث سعة الانتشار وعبورها حدود المكان والزمان، وكل كلمة تقال في وسائل التواصل ستجد لها آذاناً سامعةً وعيوناً قارئةً في أي توقيت ظهرت، ومن أي مكان انطلقت وبسرعة هائلة وتفاعلية غير محددة، ولا أحد يسيطر عليها، وتنوعت الاستقبالات بين فهمٍ وسوء فهم وقبول وسخط، ولن يسيطر صاحب الكلمة على مصير كلمته ولا تأويلها أو فهمها. ومن ثم فكل كلمةٍ لها سعرٌ.
وحدث مرةً لإعلامية بريطانية أن سافرت من لندن إلى جنوب أفريقيا، وحين حطت رحلتها في جوهانسبرغ اكتشفت أن مؤسستها التي تعمل فيها قد فصلتها عن العمل، وأصبح وجودها في جوهانسبرغ غير رسمي ولم تغطِ مؤسستها تكاليف وجودها هناك، وكان السبب هو تغريدةٌ أطلقتها قبل أن تغلق هاتفها وهي تستقل الطائرة، وكانت التغريدة تسيء للدولة التي ذهبت إليها، ولم تتحمل جريدتها تلك التغريدة فأعلنت فصلها، وهذا يحيلنا للكلمة التي قيلت لطرفة بن العبد ويل لهذا من هذا وأشاروا إلى لسانه ورأسه وانتهى به الأمر أن قتل بسبب قصيدة له، وهنا طار رأسه بسبب لسانه كما طارت وظيفة الإعلامية البريطانية بسبب تغريدة، مما يعيد صياغة المقولة إلى (ويلٌ لرأسك من أصبعك)، وهو الإصبع الذي يسمى في العربية بالسبابة فأصبحت أيضاً القاتلة، وسنظل نعود للمتنبي الذي أسعفته كلماته مراراً ولكنها قتلته أخيراً، وهو الذي قال:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطقُ إن تسعد الحال
وقد عاش ما عاشه من عمرٍ وهو يستعين بنطقه ليبني نفسه ومجده، إلى أوقعه النطق بالمآسي فخسر صحبة سيف الدولة وفر من وجه كافور وانتهى على يد فاتك الأسدي، الذي هو لصٌّ وقاطع طريق وليس له موقعٌ في التاريخ غير أنه قاتلُ أهم شعراء العرب، وفي النهاية نشير إلى الحديث الشريف (وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم) وتظل اللغة أخطر النعم، وهذا ثمن اللغة وسعرها الباهظ.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض