صدى البلد:
2025-04-28@04:52:38 GMT

نهال علام تكتب : كُلفة الموت

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

فكرت مراراً وتكراراً، خضت أنهاراً وبحاراً وأنا أبحث عن تبرير لكل هذا التهديد والرعب المدمر والوعيد، ولكن بيني وبين الإجابة كل ما لا يقنع العقل بالاستجابة، لذا قررت الاستعاضة عن عقلي ببعض منطق قد أجده لدى من يقرأ تلك السطور باستفاضة، وفي الحوار استفادة من تبادل الرؤى والمنطق والنظريات اللا منطقية الجذابة، ودعوني أبدأ الحكاية من حيث انتهى الكلام ونُكست رايات السلام.

في تلك الليلة التي أسدل العالم فيها جفونه قبل أن يفتح الفجر عيونه ويرسل نفحات الندى الصباحية التي تحمل رسائل الأمل التطمينية، فإذا به يطلق صرخات استغاثية ليعلن أن غزة ابيدت في ليلة ظلامية ولم يبق منها على الخريطة إلا دماء شهدائها النقية، ولن اتطرق الآن للسؤال الحيران الذي لم يعد يسمن ولا يغني من أشلاء الأطفال وجثث النساء، هل كانت فكرة بريئة مصدرها العِزة أم خطة دنيئة لتسليم غزة للمحتل بخسة!

سبق السيف العَزل وأصبح ٧ أكتوبر تاريخا لذكرى نزع فتيل لأزمة ليست على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فقط ولا على المنطقة العربية بشكل عام، بل في ربوع الشرق الأوسط أجمع، الذي أصبح على صفيح ملتهب لن يصل لدرجة الغليان التي ستفضي إلى حرب يشيب لها الولدان، كما أنه بعيد عن درجة البرودة التي تتضمن أن تعود الأمور لتسير بطريقتها الرتيبة المستقرة المعهودة.

ستة أشهر كابوسية تردت فيها الأوضاع الإقليمية بصورة خيالية، بداية من فلسطين ومروراً بالسودان مع ما يحدث في اليمن وتداعيات ممارسات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر، ونهاية بالعرض الإيراني الترويجي عن كيف يكون الرد العسكري تكتيكي ثم الرد الإسرائيلي الذي لا نعلم إذا كان تمثيليا أم سنفاجأ الأيام الجاية بما ستدفع ثمنه لعقود البشرية!
ولكن ربما كانت تلك اللحظة هي المنتظرة ليتبلور بداخلي سؤال ساذج بدا براقا في ظلمة أفكاري كصواريخ القصف الإيراني اللامعة في سماء المحتل المظلمة.

لذا كان السؤال الذي أرق نومي وعكر صحوي تكلفة الصاروخ الواحد يمكنها أن تطعم كم جائع، وتداوي كم مريض، وتأوي كم مشرد، وتساعد كم يتيم؟


فتلك الليلة وحدها تكلفت مليارا ونصف المليار دولار، ولو عدنا للخلف قليلاً سنجد أن فاتورة العدوان على غزة تجاوزت 70 مليار دولار للآن ولا يزال العرض مستمراً، ولو انتقلنا للجانب الآخر من العالم لنطلع على تكلفة الحرب الروسية الأوكرانية سنجد الأرقام مفزعة، بحسب الأرقام التي أصدرها البنك الدولي أن أوكرانيا بحاجة لمبلغ 5 مليارات دولار لرفع الأنقاض وما يزيد على 414 مليار دولار لإعادة إعمارها، أما تراجع معدلات النمو والتباطؤ الاقتصادي في الدولتين تسبب في زيادة معدلات الفقر في أوكرانيا بحوالي 2 مليون مواطن وحتى روسيا نفسها انعكس ذلك على تكبدها قرابة 1.3 تريليون دولار.

والحرب ضرب لا يؤثر في دربه فقط، بل يتجاوز حدود السرب ويولول عالياً فوق رؤوس كل حزب، وهذا ما أكدته تصريحات رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية بيتر أدريان أن حرب روسيا على أوكرانيا كلفت الاقتصاد الألماني نحو 171مليار دولار، كما أدت إلى تضاعف سعر الغاز بنحو 3 حتى 5 أضعاف، كما زادت الكهرباء بأربعة أضعاف، وفي نظرة كلية للاقتصاد الأوروبي نجد أن دخل الفرد انخفض حوالي 2000 يورو مع زيادة أعبائه المعيشية بأرقام فلكية بسبب تداعيات أزمة الطاقة التي تسببت فيها تلك الحرب، وذلك البيان على سبيل المثال وليس الحصر.

أما الاقتصاد المصري تكلف 465 مليارجنيه كتداعيات مباشرة وغير مباشرة للحرب الروسية الأوكرانية في العام الأول فقط منها، وتمثلت تلك التداعيات في عدة جوانب أبزرها ضعف السيولة الأجنبية، وارتفاع فائدة الاقتراض السيادي، بالإضافة إلى تباطؤ الاستثمارات الخاصة، ويرجع تفاقم تلك التداعيات في مصر نظرا لاعتمادها على هاتين الدولتين في تلبية 42% من احتياجاتها للحبوب، و 31% من السياحة الوافدة، وبشكل عام في الوطن العربي تسببت الحرب في أزمات اقتصادية حادة بسبب توقف سلاسل التبادل التجاري، ونجد بعض الدول مثل اليمن تعاني من أزمات طاحنة في نقص الغذاء لاعتمادها الكامل على سلة حبوب تلك الدول المتناحرة.

وإذا عدنا بالتاريخ قليلاً للوراء ونظرنا لأرقام الإنفاق على القتل والعدوان وانتصاراً لعنجهية سلطوية أو مطامع امبريالية، سنجد أن الحرب العالمية الثانية تكلفت ما يساوي 4 تريليون دولار بما يعادل سعر اليوم، وتشير تقديرات إلى أن عدد ضحايا الحرب في العالم من العسكريين والمدنيين تجاوز 62 مليون نسمة أي ما يعادل 2% من سكان العالم في ذلك الوقت، وكان نصف الضحايا من المدنيين، يضاف إلى هذا العدد عشرات الملايين من الجرحى والمشوهين، وقد كان كل من الاتحاد السوفيتي وبولندا وألمانيا من أكثر البلدان الأوروبية تضررًا من ويلات تلك الحرب.

أما خسائر الحرب العالمية الأولى تقدر بأكثر من 8 ملايين قتيل، و21 مليون جريح، و7 مليون أسير ومفقود، وقد أتت خسائر روسيا على رأس قائمة الخسائر البشرية تلتها خسائر كل من ألمانيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وتسببت في العديد من الخسائر المادية العنيفة، فالأراضي التي دارت فيها المعارك أتلفت محاصيلها الزراعية وقضي على المواشي ودمرت مئات آلاف المنازل وآلاف المصانع، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية ومناجم الفحم التي غمرها هذا الطرف أو ذاك بالماء لمنع استغلالها من قبل العدو، أما التكلفة المالية فقد أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها 334 مليار دولار.

مسكينة أيتها الأرض فقد رأت من الدمار والدماء ما يزلزل الجبال، ناهيك عن الحروب الكبرى يذكر التاريخ الصراعات الصغرى التي وصلت فيها الدماء للركب وكانت الصين هي صاحبة النصيب الأكبر من تلك المجازر مثل تمرد التايبينج الذي أسفر عن مقتل 20 مليون شخص، أما حرب الـ3 ممالك شهدت مقتل 37 مليون شخص. ونذكر أيضاً الفتوحات المغولية التى خلفت ورائها 35 مليون قتيل في القرنين 13 و14، أما تكلفة حرب الفنكوش للقضاء على الارهاب المنكوش في ربوع العراق في قرار أمريكي تاريخي اخذته بوجه بشوش، وكأن الأمر أنها ستدقه بشاكوش، وليست دولة ستدكها افتراءً بمساعدة حلفائها الوحوش تجاوزت تكلفتها 1,6 تريليون دولار وانهيار الاقتصاد العراقي وتراجع معدلات النمو في العديد من الدول العربية.

ولن ننسى الحرب الباردة والتي رغم أنها لم تكن حرباً بشكلها التقليدي إلا أن تكلفتها ضربت رقمًا قياسياً في الانفاق بين كل الصراعات العالمية إذ بلغت عشرة تريليونات دولار، تم إنفاقها في تطوير الأسلحة والمعدات الخاصة بالتجسس والاستخبارات، بالإضافة للتوسع في انشاء المفاعلات النووية والشروع في استخدام الأقمار الصناعية.

يا له من عالم بائس، وكيف لا! وهو لا يحمل في طياته إلا حُلم يائس ووجوه نسيت الضحكة وأصبحت متجمدة بشكل عابس! فالقائمين على أمره يدفعون مقابل الموت واليُتم والتشريد والنزوح بسخاء، فالخزائن مفتوحة لجل المزيد من دموع الثكلى من الأمهات، وكل التسهيلات ممنوحة لتتحقق النتيجة وتترمل الزوجات، أما الجائزة الكبرى تذهب لمن يصطاد أكبر قدر من رؤوس النساء وضحكات الأطفال وعزم الشباب ودعوات العجائز، في أرض قُدِر لها ألا تشهد إلا العجائب.

ولا تنزعج عزيزي القارئ إذا علمت أن تكاليف المعيشة الشهرية المتوسطة للفرد في أغلى دول العالم وهي موناكو 3585 دولار شهرياً، وفي باكستان وهي أقل دول العالم كُلفة تتكلف 294 وذلك متوسط المعيشة بصورة ميسرة دون رفاهة بالغة ولا فقر مُذل بحسب محددات كل دولة، لذا أليست تكلفة الحياة أرخص بكثير من كُلفة الموت!


فماذا لو توقفت طبول الحرب ودقت أجراس السلام، وتنعم الناس بالبَرَد والوئام، ماذا لو لم يبق بيننا جائع ولم نستيقظ على صرخات حُلم ضائع! كيف ستكون الحياة إذا وجد المريض دواءه والبردان غطاءه واليتيم أمنه وما يعوضه عن حضن أهله هل سنخسر إذا غاب الخوف وذهب الفزع وتوارت جثة الطمع.. ماذا لو عُدنا لإنسانيتنا واستيقظت ضمائرنا ووئدت كراهيتنا … ماذا لو أصبحنا لله وعلى مذهب الحب وأمسينا لله ومخلصين له العمل بالحب .. ماذا لو؟
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ماذا لو

إقرأ أيضاً:

مصرف عجمان يحدد سعر أول إصدار صكوك بقيمة 500 مليون دولار

مصرف عجمان يحدد سعر أول إصدار صكوك بقيمة 500 مليون دولار

عجمان (الاتحاد) أعلن مصرف عجمان عن تسعير أول إصدارته من الصكوك بقيمة 500 مليون دولار أميركي لمدة 5 سنوات، بمعدل ربح ثابت قدره 5.125% سنوياً، بفارق 130 نقطة أساس فوق سعر سندات الخزانة الأميركية. وشهد الإصدار إقبالاً كبيراً من المستثمرين، حيث تجاوزت طلبات الاكتتاب 2.7 مليار دولار، ما يعكس نسبة تغطية وصلت إلى 5.4 مرة، مع مشاركة أكثر من 100 مستثمر، حيث يمثل هذا الإصدار أول صكوك يصدرها المصرف، ويعد نقطة فارقة في مسيرته في أسواق رأس المال، مما يتيح له التنوع في مصادر التمويل. وباعتبار أن هذا الإصدار يعد أول ظهور لمصرف عجمان في أسواق رأس المال الدولية، فقد قام المصرف بحملة تسويقية شاملة شملت لقاءات مع المستثمرين في هونغ كونغ، وسنغافورة، وماليزيا، ولندن، والإمارات. خلال هذه الاجتماعات، عرض المصرف استراتيجيته التجارية الجديدة والمطورة التي تهدف إلى تعزيز الأداء المالي وتوفير الأسس للنمو المستقبلي في الاقتصاد الإماراتي المزدهر. واستقطب الإصدار طلباً من أكبر المستثمرين المؤسسيين في الأسواق الدولية والإقليمية، مما أتاح للمصرف تحقيق تنوع جغرافي واسع، حيث تم تخصيص 35% من الصكوك للمستثمرين الدوليين و65% للمستثمرين الإقليميين.

أخبار ذات صلة عمار النعيمي يترأس اجتماع مصرف عجمان مصرف عجمان يحدد سعر أول إصدار صكوك بقيمة 500 مليون دولار

 

وقال مصطفى الخلفاوي، الرئيس التنفيذي لمصرف عجمان: «نحن سعداء بنجاح إصدار صكوكنا الأولى وبالاستجابة القوية من المستثمرين، التي تعكس الثقة التي يوليها المستثمرون المحليون والدوليون في مصرف عجمان، بالإضافة إلى النمو المستمر لإمارة عجمان ومتانة الاقتصاد الإماراتي بشكل عام. وقد رحب المستثمرون باستراتيجيتنا الطموحة للنمو، واهتمامنا المستمر بتحسين جودة الأصول، وأعربوا عن تقديرهم للفرصة التي أتاحها المصرف للتعامل مع اسم جديد في السوق. كما عبّروا عن ارتياحهم وآرائهم الإيجابية حول بيئة العمل في دولة الإمارات وقوة اقتصادها». وقد قرر مصرف عجمان دخول السوق، رغم التوترات الناتجة عن تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، حيث أعلن المصرف عن نيته إصدار صكوك جديدة صباح يوم الثلاثاء، وأجرى العديد من المكالمات مع مديري الصناديق في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة طوال اليوم. وبناءً على ردود الفعل الإيجابية من المستثمرين، قرر الفريق تسريع تنفيذ الصفقة وإغلاقها يوم الأربعاء. تم إطلاق السعر المبدئي للصكوك عند 165 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية صباح الأربعاء، ليتم تحديد السعر النهائي عند 130 نقطة أساس بحلول ظهر نفس اليوم في لندن. هذا التراجع البالغ 35 نقطة أساس يعكس جودة سجل الطلبات، الذي ضم بعضاً من أكبر مديري الصناديق في العالم، والبنوك، وصناديق التقاعد، وشركات التأمين. يتم تصنيف مصرف عجمان بدرجة BBB+ من قبل وكالة «فيتش» مع نظرة مستقبلية مستقرة. وسيتم تصنيف الصكوك أيضاً بدرجة BBB+ من قبل «فيتش»، وسيتم إدراجها في سوق الأوراق المالية الدولية في لندن وناسداك دبي. وكان المنسقون العالميون الرئيسيون في الصفقة هم بنك «ستاندرد تشارترد»، و«الإمارات دبي الوطني كابيتال»، و«بنك أبوظبي الأول»، و«جي بي مورغان»، الذين عملوا أيضاً كمديرين مشتركين ورؤساء دفاتر مشتركين إلى جانب «بنك أبوظبي التجاري»، و«بنك أبوظبي الإسلامي»، وبنك «ABC»، و«سيتي بنك»، و«دبي الإسلامي»، و«بيتك كابيتال»، و«المشرق»، و«QNB كابيتال»، و«مصرف الشارقة الإسلامي»، و«المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص»، وبنك «وربة».

مقالات مشابهة

  • كريمة أبو العينين تكتب: الموت من الداخل
  • بقيمة 15 مليون دولار.. دولتان عربيتان تسددان ديون سوريا لدى البنك الدولي
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • ترامب ظاهرة الرئيس الصفيق الذي كشف وجه أمريكا القبيح !
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
  • ما تم نهبه فقط من بنك السوداني ٨٢٠ مليون دولار نقدا، و٥ طن ذهب
  • آخر خبر.. 200 مليون دولار للبنان كـمساعدة مالية!
  • د. رهام سلامة تكتب: البابا فرانسيس رجل سلام في زمن الحياد المزيف
  • مصرف عجمان يحدد سعر أول إصدار صكوك بقيمة 500 مليون دولار