هل أدّى سوء التقدير إلى تصعيد الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران؟
تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا، للصحفيين، رونين بيرغمان، وفرناز فصيحي، وإريك شميت، وآدم إنتوس، وريتشارد بيريز بينيا، قالوا فيه إن دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت على بعد لحظات فقط من الغارة الجوية التي قامت بها في 1 نيسان/ أبريل والتي أسفرت عن مقتل العديد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين في مجمع السفارة الإيرانية في سوريا، عندما أبلغت الولايات المتحدة بما كان على وشك الحدوث.
وسرعان ما نبّه المساعدون جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي بايدن، وجون فاينر، وهو نائب مستشار الأمن القومي، وبريت ماكغورك، منسق بايدن للشرق الأوسط، حيث رأوا أن الضربة قد تكون لها عواقب وخيمة. وأعرب المسؤولون الأمريكيون علنا عن دعمهم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم عبروا سرا عن غضبهم من كونها اتخذت مثل هذا الإجراء العدواني ضد إيران دون استشارة واشنطن.
لقد أخطأ الإسرائيليون في حساباتهم بشدة، معتقدين أن إيران لن ترد بقوة، وفقا للعديد من المسؤولين الأمريكيين الذين شاركوا في مناقشات رفيعة المستوى بعد الهجوم، وهو رأي شارك فيه مسؤول إسرائيلي كبير.
وحتى بعد أن أصبح من الواضح أن إيران سوف ترد، اعتقد المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون في البداية أن حجم الرد سوف يكون محدودا إلى حد ما، قبل أن يتدافعوا لمراجعة تقييمهم مرارا. وينصب التركيز الآن على ما ستفعله دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد ذلك، وكيف يمكن أن ترد إيران.
وقال علي فايز، وهو مدير شؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل: "نحن في وضع حيث يمكن للجميع أن يزعموا النصر. يمكن لإيران أن تقول إنها انتقمت، ويمكن لإسرائيل أن تقول إنها هزمت الهجوم الإيراني، ويمكن للولايات المتحدة أن تقول إنها نجحت في ردع إيران ودافعت عن إسرائيل".
لكن فايز قال: "إذا دخلنا في جولة أخرى من الإجراءات الانتقامية، فمن الممكن أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة بسهولة، ليس فقط بالنسبة لإيران وإسرائيل، ولكن لبقية المنطقة والعالم بأسره".
وتعلق الصحيفة، أنه تم استخلاص هذه الرواية عن هذه الأسابيع المتوترة من مقابلات مع مسؤولين أمريكيين، بالإضافة إلى مسؤولين من دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران ودول شرق أوسطية أخرى. وتحدث جميعهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة أمور حساسة لم يُسمح لهم بالكشف عنها علنا.
وقال مسؤولان إسرائيليان إن التخطيط للضربة الإسرائيلية في سوريا بدأ قبل شهرين. وقبل الضربة بأسبوع تقريبا وافق مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي على العملية، وفقا لسجلاّت الدفاع الإسرائيلية الداخلية.
كما أوضحت هذه السجلات نطاق ردود الفعل التي توقعتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي من إيران، ومن بينها هجمات صغيرة النطاق من قبل وكلاء وهجوم صغير الحجم من إيران.
منذ يوم الضربة، تعهدت إيران بالانتقام، علنا، ومن خلال القنوات الدبلوماسية. لكنها أرسلت أيضا رسائل خاصة مفادها أنها لا تريد حربا صريحة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وانتظرت 12 يوما للهجوم.
وعندما وقع الرد ليلة السبت الماضي، كان استعراض القوة الإيراني كبيرا، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة وحلفاء آخرين اعترضوا جميع الصواريخ والمسيرات تقريبا. القلّة التي وصلت إلى أهدافها كان لها تأثير ضئيل. ويقول المسؤولون الإيرانيون إن "الهجوم كان يهدف إلى إلحاق أضرار محدودة".
ويطلب المسؤولون الأمريكيون من القادة الإسرائيليين أن ينظروا إلى دفاعهم الناجح باعتباره نصرا، مما يشير إلى أن هناك حاجة إلى القليل من الرد الإضافي أو عدم الحاجة إلى أي رد آخر. ولكن على الرغم من الدعوات الدولية لوقف التصعيد، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن الهجوم الإيراني يتطلب ردا آخر، والذي تقول إيران إنها سترد عليه بمزيد من القوة، مما يجعل الوضع أكثر اضطرابا.
وقالت دانا سترول، وهي المسؤولة السابقة في مجال سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون وتعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "السؤال الآن هو كيف سترد إسرائيل بطريقة تمنع إيران من إعادة كتابة قواعد اللعبة دون إثارة دورة جديدة من العنف بين الدول".
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، التي شنّتها حماس، غيّرت القواعد الأساسية للصراع الإقليمي. وبحلول شهر آذار/ مارس الماضي، أصبحت العلاقة بين إدارة بايدن ودولة الاحتلال الإسرائيلي مشحونة على نحو متزايد، حيث انتقدت واشنطن هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ووصفته بأنه مميت ومدمر، بدون مبرر.
ثم جاءت الضربة الإسرائيلية في دمشق. وقال مسؤولون أمريكيون إن الإسرائيليين لم ينتظروا حتى اللحظة الأخيرة فقط لإبلاغ الولايات المتحدة بذلك، ولكن عندما فعلوا ذلك، كان ذلك إخطارا منخفض المستوى نسبيا. ولم يكن هناك أي مؤشر على مدى حساسية الهدف.
وقال مسؤولون أمريكيون ومسؤول إسرائيلي إن الإسرائيليين اعترفوا في وقت لاحق بأنهم أخطأوا بشدة في تقدير عواقب الضربة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن وزير الحرب، لويد أوستن الثالث، اشتكى مباشرة إلى الوزير الإسرائيلي، يوآف غالانت، عبر مكالمة هاتفية، بتاريخ 3 نيسان/ أبريل، مما يؤكد تقريرا سابقا لصحيفة "واشنطن بوست". وقال أوستن إن الهجوم عرّض القوات الأمريكية في المنطقة للخطر، وأن عدم التحذير لم يترك الوقت لتعزيز دفاعاتهم. ولم يكن لدى غالانت تعليق فوري.
وفي ليلة الغارة على دمشق، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية، السفير السويسري في طهران، لنقل غضب إيران إلى واشنطن، إلى جانب رسالة مفادها أنها تعتبر الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو المسؤولة عن الهجوم.
وباستخدام عمان وتركيا وسويسرا كوسطاء، ليس لدى إيران والولايات المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية معهم؛ أوضحت الولايات المتحدة لإيران أنها لم تشارك في الأمر وأنها لا تريد الحرب.
شنّت الحكومة الإيرانية حملة دبلوماسية مفتوحة وواسعة النطاق بشكل غير عادي، ونشرت كلمة مفادها أنها تعتبر الهجوم انتهاكا لسيادتها يتطلب الانتقام.
وأعلنت الحكومة أنها تتبادل الرسائل مع الولايات المتحدة وأن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان كان يتحدث مع ممثلي دول المنطقة ومسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى وقادة في الأمم المتحدة.
وفي 7 نيسان/ أبريل، التقى السيد عبد اللهيان في مسقط، عمان، بنظيره العماني بدر البوسعيدي. وعمان هي أحد الوسطاء الرئيسيين بين طهران والغرب. وكانت الرسالة الإيرانية في ذلك الاجتماع، وفقا لدبلوماسي مطّلع عليه، هي أن إيران يجب أن ترد لكنها ستبقي هجومها تحت السيطرة، وأنها لا تسعى إلى حرب إقليمية.
قبل وبعد ذلك الاجتماع، كانت هناك زوبعة من المكالمات الهاتفية بين الجنرال تشارلز كيو براون جونيور، وهو رئيس هيئة الأركان المشتركة؛ ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، وبايدن وأوستن وسوليفان ونظرائهم في دولة الاحتلال الإسرائيلي والصين والهند والعراق وحلفاء الناتو وغيرهم، على حد قول المسؤولين.
وقال مسؤول أمريكي، إن "إدارة بايدن لا تعتقد أن بإمكانها ثني إيران عن الهجوم على الإطلاق، لكنها تأمل في الحد من النطاق".
من جهته، تحدّث بلينكن إلى كبار أعضاء مجلس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وأكد لهم أن الولايات المتحدة ستساعد في الدفاع ضد أي هجوم إيراني، وحثهم على عدم شن هجوم مضاد متهور دون دراسة جميع الاعتبارات.
وعملت وكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية بشكل وثيق معا، بمساعدة الأردن ودول شرق أوسطية أخرى، لمعرفة ما في وسعها بشأن نوايا إيران. فيما قال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن "وسطاء وحلفاء أبلغوا الولايات المتحدة وإسرائيل أن إيران تخطط لضرب مواقع عسكرية وليس أهدافا مدنية".
وقال مسؤولون إسرائيليون وإيرانيون إن رسالة إيران كانت أنها ستخفف من هجومها حتى لا تثير هجوما إسرائيليا مضادا. لكن في الواقع، قال الإسرائيليون إن إيران تعمل على توسيع خططها الهجومية، وتريد على الأقل أن تخترق بعض أسلحتها دفاعات دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الأربعاء الماضي، أكد بايدن علنا، ما كرره هو ومساعدوه دائما: على الرغم من الاحتكاك مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فإن الالتزام الأمريكي بالدفاع عن دولة الاحتلال الإسرائيلي من الهجمات كان "صارما".
ومع ذلك، ضاعفت إدارة بايدن أيضا جهودها الدبلوماسية لتجنب المواجهة، وقال المسؤولون الإيرانيون إن "حكومتهم تلقت مكالمات الأسبوع الماضي من دول عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا تحثهم على ضبط النفس؛ وهو جهد وصفوه بأنه محموم".
يقول المسؤولون الإسرائيليون إنه، بفضل التعاون الدولي جزئيا، كانت لديهم فكرة جيدة مسبقا عن أهداف إيران وأسلحتها. وقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإجلاء عائلات من بعض القواعد الجوية ونقل الطائرات بعيدا عن طريق الأذى.
وقام الجيش الأمريكي بتنسيق جهود الدفاع الجوي مع قوات الاحتلال الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية، وكذلك، بشكل حاسم، مع القوات الأردنية، التي تقع بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي تعملان بهدوء لسنوات مع الدول العربية الصديقة لتطوير نظام دفاع جوي إقليمي مع كشف وإنذارات مشتركة. واكتسبت الجهود زخما بعد عدة هجمات بمسيرات على منشآت النفط السعودية في عام 2019.
وانتشرت أخبار الموجة الأولى من الهجوم الإيراني، السبت الماضي، والتي تتكون من 185 طائرة مسيرة بطيئة نسبيا، في جميع أنحاء العالم قبل ساعات من وصول أي منها إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت صواريخ الكروز الثلاثين التي أطلقتها إيران في وقت لاحق أسرع بكثير، لكن التحدي الأكبر كان يتمثل في الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي سافرت بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات. وأطلقت إيران 110 منها، مما يشكل أول اختبار كبير لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المضاد للصواريخ الباليستية.
وأسقطت الطائرات الحربية وأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية والأردنية معظم المسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقال مسؤولون إسرائيليون إن 75 مسيرة فقط دخلت المجال الجوي الإسرائيلي، حيث تم إسقاط معظمها أيضا. ولم يلحق الهجوم سوى أضرارا طفيفة بقاعدة جوية واحدة، وتم الإبلاغ عن إصابة واحدة خطيرة فقط.
وقال مسؤولون إيرانيون، إنه طوال فترة الضربة، أبقت وزارة الخارجية الإيرانية والحرس الثوري خطا ساخنا مفتوحا مع الحكومة العمانية، لتمرير الرسائل ذهابا وإيابا مع الولايات المتحدة.
وفي الساعة الثالثة صباحا، تم استدعاء السفيرة السويسرية في طهران مرة أخرى، ليس إلى وزارة الخارجية، كما جرت العادة، ولكن إلى قاعدة للحرس الثوري، وفقا لمسؤول إيراني وأمريكي. وطُلب منها أن تنقل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى خارج القتال، وأنه إذا ردت دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن إيران ستضرب مرة أخرى، بقوة أكبر ودون سابق إنذار.
لقد اعتبرت إيران وابل ضرباتها ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي عملا محسوبا ومبررا ولا ينبغي أن يؤدي إلى التصعيد. بينما أخبر بايدن، نتنياهو، عبر مكالمة هاتفية، أن دفاع الاحتلال الإسرائيلي الناجح أظهر تفوقه الفني، وفقا لجون كيربي، وهو المتحدث باسم مجلس الأمن القومي.
وقال كيربي يوم الاثنين: "حث الرئيس رئيس الوزراء على التفكير فيما يعكسه هذا النجاح في حد ذاته لبقية المنطقة".
لكن في المقابلات، وصف المسؤولون الإسرائيليون، الهجوم، بعبارات أكثر خطورة بكثير، ويرجع ذلك جزئيا إلى حجمه الهائل. وشددوا على أن هذه دولة ذات سيادة، من أراضيها، تهاجم دولة الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، وليس من خلال وكلاء في الخارج.
وأمرت حكومة الحرب الإسرائيلية الجيش بوضع خطط لمجموعة واسعة النطاق من الضربات ضد أهداف في إيران في حالة وقوع هجوم إيراني واسع النطاق. وبعد ورود أنباء عن عمليات إطلاق إيرانية يوم السبت، قال بعض القادة خلف الأبواب المغلقة إنه يجب على دولة الاحتلال الإسرائيلي الرد على الفور.
وقالوا إن الانتظار سوف يسمح للضغوط الدولية بتعزيز ضبط النفس الإسرائيلي، وقد يجعل إيران تعتقد أنها وضعت قواعد أساسية جديدة للصراع، وهو ما تعتبره دولة الاحتلال الإسرائيلي غير مقبول.
ومن بين القادة الذين قدموا هذه الحجة، وفقا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين، كان بيني غانتس وغادي آيزنكوت، رئيسا الأركان العسكريان السابقان اللذان كانا في المعارضة البرلمانية لحكومة نتنياهو اليمينية، وعادة ما يعتبران أقل تشددا، لكنهما انضما إلى مجلس الوزراء الحربي في الخريف الماضي.
وكان سلاح الجو الإسرائيلي على استعداد لتنفيذ الأمر، لكنه لم يأت قط. ليلة السبت، بعد أن تحدث نتنياهو مع بايدن، ولأن الأضرار كانت محدودة، أجلت حكومة الحرب اتخاذ قرار، وتبع ذلك المزيد من التأجيلات. وما زال العالم ينتظر ليرى ماذا ستفعل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الإيرانيين طهران إيران امريكا طهران المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی المسؤولون الإسرائیلیون قال مسؤولون أمریکیون الولایات المتحدة الإسرائیلیون إن وقال مسؤولون أن إیران
إقرأ أيضاً:
الصراع العربي- الإسرائيلي والاقتصادات العالمية (3-3)
عبيدلي العبيدلي
تعطيل طرق التجارة العالمية
تعتمد التجارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل كبير على الطرق البحرية والبرية، والتي تتعرض الآن للتهديد بسبب اندلاع الحرب ضد غزة، والمنطقة المحيطة بها.
قناة السويس:تتعامل قناة السويس المصرية، وهي واحدة من أهم الشرايين التجارية في العالم، مع ما يقرب من 12% من التجارة العالمية و30% من شحنات النفط العالمية. ومع ذلك، أدى النزاع إلى: زيادة بنسبة 15% في تكاليف الشحن بسبب زيادة أقساط التأمين وتغيير المسار. وانخفاض بنسبة 66% في حركة السفن عبر القناة منذ بدء التصعيد في أواخر عام 2023.
وشهدت مصر، التي تعتمد على قناة السويس بنسبة 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، انخفاضا في الإيرادات الشهرية بنسبة 40% في أوائل العام 2024، من 2.1 مليار دولار إلى 1.26 مليار دولار.
2- البحر الأحمر وخليج عدن:
يواجه البحر الأحمر، وهو طريق تجاري حيوي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هجمات متزايدة على السفن التجارية، لا سيما بالقرب من اليمن، حيث تصاعدت التوترات.
وأدت الإجراءات الأمنية الإضافية للسفن العابرة للمنطقة إلى ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 20%، مما أثر على الميزان التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي.
3- الاختناقات اللوجستية الإقليمية:
أدى إغلاق الحدود بين إسرائيل وغزة ومصر إلى تعطيل تدفق البضائع، مما أثر بشكل خاص على واردات غزة من الإمدادات الأساسية وصادرات إسرائيل من المنتجات الزراعية التي تبلغ قيمتها ملياري دولار سنويًا.
التأثير على الاتفاقيات التجارية الإقليمية والعلاقات الاقتصادية
1- نكسات اتفاقيات إبراهام:
أدت اتفاقيات إبراهام، الموقعة في العام 2020، إلى تطبيع العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول عربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين، إلى نمو التجارة الثنائية بنسبة 25% سنويا، لتصل إلى 3 مليارات دولار في العام 2023.
وبعد تصاعد النزاع، علقت البحرين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وأوقفت ما يقدر بنحو 600 مليون دولار من التجارة السنوية.
وأفاد مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي بانخفاض بنسبة 40% في الاتفاقيات التجارية الجديدة في الربع الرابع من العام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
2- التجارة مع الدول المجاورة:
تأثر كل من الأردن ولبنان، اللذان يعتمدان بشكل كبير على التجارة الإقليمية، وانخفضت صادرات الأردن إلى إسرائيل، التي تقدر قيمتها بـ 700 مليون دولار سنويا، بنسبة 50%. وشهد الاقتصاد اللبناني المتعثر انخفاضا في التجارة البينية بنسبة 12%، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري البالغ 3.6 مليار دولار.
3- السياحة وتجارة الخدمات:
تأثرت السياحة، التي تعد محركا مهما لصادرات الخدمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشدة؛ حيث انخفضت عائدات السياحة في مصر، التي تساهم بنسبة 9% في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 30% في الربع الأول من العام 2024 بسبب انخفاض السفر داخل المنطقة.
وشهدت إسرائيل انخفاضا بنسبة 60% في عدد السياح الوافدين؛ حيث خسرت ما يقرب من 1.2 مليار دولار من عائدات السياحة خلال نفس الفترة.
أزمات اللاجئين والتجارة الإنسانية
وخلقت الأزمة الإنسانية الناجمة عن النزاع ضغوطا إضافية على التجارة البينية الإقليمية:
1- تدفق اللاجئين؛ حيث نزح أكثر من 1.8 مليون شخص بسبب النزاع، مما أثر بشكل أساسي الواقع الاقتصادي والاجتماعي في مصر والأردن ولبنان.
ويزيد اللاجئون من الطلب على التجارة الإنسانية، مثل الغذاء والإمدادات الطبية، ولكنه يضغط أيضا على الموازين التجارية للبلدان المضيفة.
وارتفعت واردات الأردن الغذائية بنسبة 15% في العام 2024، مما أدى إلى زيادة العجز التجاري بمقدار 400 مليون دولار.
وواجه لبنان ارتفاعا بنسبة 20% في أسعار القمح، مما أدى إلى تفاقم أزمته الاقتصادية.
2- تدفقات المساعدات الإنسانية:
تكافح المساعدات الإنسانية، التي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار سنويا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للوصول إلى غزة بسبب إغلاق الحدود والحواجز اللوجستية. وأدت اختناقات المساعدات إلى تقليص التسليم الفعال للسلع بنسبة 40%، مما أثر على الأمن الغذائي والخدمات الصحية في المناطق المتضررة.
الآثار الأوسع نطاقا على التكامل الإقليمي
كشفت الحرب على غزة هشاشة جهود التكامل الإقليمي:
1- مبادرات جامعة الدول العربية:
شهدت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التابعة لجامعة الدول العربية، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة البينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقدما محدودا:
ونمت التجارة بين أعضاء منطقة التجارة الحرة والتجارة الحرة بنسبة 3% سنويا خلال العقد الماضي، ولكن من المتوقع أن تنخفض بنسبة 6% في العام 2024، مما يعكس سنوات من الاندماج التدريجي.
وأدت الحواجز غير الجمركية، مثل القيود الأمنية، إلى إعاقة التدفقات التجارية.
2- التعاون الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي:
تعطلت الجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز سلاسل التوريد الإقليمية. وتأخرت مشاريع البنية التحتية المشتركة، مثل سكة حديد الخليج، التي تهدف إلى تعزيز الربط التجاري، بسبب زيادة انعدام الأمن الإقليمي.
3- التكاليف الاقتصادية طويلة الأجل:
يُقدِّر صندوق النقد الدولي أن عدم الاستقرار الذي طال أمده قد يؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنسبة 1.2% سنويا، وهو ما يعادل خسارة نحو 65 مليار دولار من الناتج الاقتصادي على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ولا يزال استقرار الشرق الأوسط أمرًا بالغ الأهمية لصحة الاقتصاد العالمي. وتؤكد الدروس المستفادة من الحرب على غزة على الحاجة الملحة إلى نهج منهجية لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، وتحقيق التوازن بين إدارة الأزمات على المدى القصير والتنمية الطويلة الأجل، وتعزيز إطار دولي تعاوني. ومن خلال تبني المرونة والابتكار والدبلوماسية، يمكن للمجتمع العالمي أن يتغلب على هذه التحديات وتحويلها إلى فرص للنمو الاقتصادي والاستقرار المستدامين.أعلى الشكل
إنَّ الحرب على غزة، إلى جانب التوترات الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط، لها تداعيات اقتصادية بعيدة المدى على المنطقة والعالم. وفي حين تزدهر صناعة الأسلحة وسط زيادة الإنفاق العسكري، فإن مواطن الضعف الاقتصادية الأوسع نطاقًا- بما في ذلك تقلبات أسعار النفط، وتعطل سلاسل التوريد، وتراجع ثقة المستثمرين- تؤكد تحديات عدم الاستقرار الناجم عن الصراع. تتطلب معالجة هذه القضايا جهودًا دولية متضافرة واستراتيجيات اقتصادية مبتكرة والتزامًا بالتنمية المُستدامة.
رابط مختصر