سعاد خليل هذا الدراسة عن مفهوم شعر التفعيلة كما بينا في المقال السابق ولطول الدراسة راينا ان نجزئها الي مقالتين . في عام 1906 ترجم بولس شحادة المشهد الأول من مسرحية شكسبير يوليوس قيصر علي الطريقة نفسها ،وفي العام نفسه كتب نقولا فياض قصيدته المرسلة (زيارة من غير موعد ) من ديوانه (رفيف الاقحوان 1950 ) ثم تبعهما عبد الرحمن شكري ، فضمن قصيدته كلمات العواطف ، من ديوانه (ضوء الفدر 1909) عدة ابيات غير مقفاه ، وضمن ديوانه الثاني (الالي الأفكار 1913 ) اربع قصائد منه ، ولكننا في دواوينه الأخرى نجد ان القصائد التي عدل فيها عن وحدة القافية كانت نزرة قليلة .
ومن بعد هؤلاء نجد قصائد مرسلة لمحمد فريد أبو حديد، واحمد زكي ابوشاكي وخير الدين الزركلي ومعروف الرصافي ، وبشارة الخوري . ج – مجمع البحور او ملتقي الاوزان هو الشعر الذي يجمع بين عدد من الابحر في قصيدة واحدة ، وأول من ابتدعه احمد زكي أبو شادي في قصيدته (الفنان ) من ديوانه الشفق الباكي 1926 حيث مزج الطويل والمتقارب والمجتث والبسيط ومطلعها . تفتش في لب الوجود معبرا عن الفكرة العظمي لألباء الطويل تترجم اسمي معاني البقاء المتقارب وتثبت بالفن سر الحياة المتقارب وكل معني يرف ل\يكفي الفني حي المجتث حقيقة هذه الدراسة عميقة جدا مستندا كاتبها علي تفاصيل دقيقة وامثلة واشعار نشرت لأكبر الشعراء محللا ومبينا كل التفاصيل الخاصة بمفهوم شعر التفعيلة .موثقا لها بمراجع وتواريخ دقيقة . وقول في قصيدة ترنيمة اتون التي ترجمها عن اللغة الإنجليزية، وهي في الأصل ترنيمة مصرية قديمة، والتي تحررت من وحدة القافية والبحر معا ، ومزجت عدة بحور: تبلج الفجر حال بأفق هذا السماء المجتث يا اتون الحي يا مستمدا للحياة الرمل عندما انت تعتلي افق الشرق للسماء الخفيف كل ارض ملكتها من جمال ملكته الخفيف فانت حال عظيم يزهو علي الأرض بعدا ء المجتث حصرت اشعتك لحقول ،ان تكن ما قد صنعت الكامل . ومن بعده كتب علي الناصر قصيدته (الي امرأة ضالة 1931 ) التي مزجت السريع والمتقارب وكتب خليل شيبوب قصيدته الشراع 1932 ) التي مزجت لخفيف الطويل ، وكتب إيليا أبو ماضي قصيدته (الشعر والسلطات الجائر 1933 ) التي مزجت الوافر والهزج والمتقارب والمجتث ، وقد فتح هذا النظم الحرم الباب علي مصراعيه لترجمة المسرحيات الشعرية وتأليفها ، فتبناها علي احمد بأكثير (روميو وجولييت عام 1946 وشجته هذه التجربة علي كتابة مسرحياته علي الطريقة نفسها ،ثم أصبحت من بعده ديدن المسرح الشعري . د – الشعر المشطور ، هو ما حذف منه شطره ، فعد الشطر الأخير بيتا ، واكثر الرجز واقل السريع من هذا النمط ، فلا تأتي الابحر الأخرى مشطورة ، وفي العصر الحديث جرب بعض الشعراء الحديثين هذا النمط من الشعر فيغير الرجز والسريع ، ولكن تجربتهم لم يكتب لها ان تنتشر ومن هؤلاء علي محمود طه (1902-1942 ) في قصيدته ميلاد شاعر الخفيف ) ادخلوا الان أيها المحسنونا جنة كنتم بها توعدونا اجعلوها من البدائع زونا وأملاؤها من ا لجمال فنونا املاوها فنا وليس فتونا وانشروا الصفو فوقها والسكونا . رابعا: ظاهرة شعر التفعيلة وروادها الأوائل : اكتشف علي احمد بأكثير بحسه المرهف وثقافته الشعرية ان البيت يضيق بحواره المسرحي ، فتوصل الي تكرار التفعيلة الواحدة بدلا من ا لشطر او البيت ، ولكن اكتشافه الحاسم لم يعطكما تقول الدكتورة الجيوسي ما يستحقه من تقدير لقاء ما انجزه فعلي الرغم من طليعيته ورؤيته النافذة وحبه المغامرة لم تكن لديه موهبة تكفي سواء اكانت في حجمها ام في قدرتها علي الاقتحام – لدفع اكتشافه المهم الي حدوده القصوى ،لا سيما انه طبق تجاربه في الشكل المسرحي الذي لم يكن ذا شعبية واسعة ، ومن هنا ظل اكتشافه مجهولا تماما ، لم يلاحظه احد الي ان ادعت نازك الملائكة انها وحدها اكتشفت الشعر الحر غير ان السياب –وقد ازعجه ادعاؤها نبه العالم الادبي الي تجارب باكثير المبكرة . ففي أواخر الخمسينات ظهرت تجربتان جديدتان، احدثتا تحولا هائلا في حركة الشعر العربي الحديث وهم : أ تجربة نازك الملائكة: تذكر الملائكة ان قصيدتها ( الكوليرا ) التي كتبتها يوم 27/10/1947 ونشرتها مجلة العروبة اللبنانية في عددها الصادر في الأول من كانون الأول من العام نفسه هي اول قصيدة حرة الوزن ، ساقتها اليها ضرورة التعبيرة (المتدارك ) طلع الفجر فعلن فعل اص الي وقع خطي الماشين فاعل فعلن فعلن فعلان في صمت الفجر فعلن فعلان اصغ انظر ركب الباكين فعلن فاعلن فعلن فعلان عشرة اموات ، عرونا فاعل فعلن فعلن فعلن لا تحص ، اصخ للباكينا فاعن فعلن فعلن فعلن اسمع صوت الطفل المسكين فاعن فعلن فعلن فعلان موتي موتي ضا العدد فعلن فعلن فعلن فعلن موتي موتي لم يبق غد فعلن فعلن فعلن فعلن . وسوا اساقت الشاعرة الملائكة ضرورة التعبير الي اكتشاف هذه التجربة ام ساقتها تأثيرات اخري كالبند والموشحات التي تنكر تأثيرها في تجربتها، كما راينا لا يمكن للمرء الا ان يجدها امتداد طبيعيا للتجربة الفنية الأخرى التي سبقتها، ولا سيما تجربة بكثير في حواره المسرحي . ب تجربة بدر شاكر السياب: يرخ السياب قصيدته (هل كان حبا في 29-11-1946، وينشرها في ديوانه (ازهار ذابلة ) الذي صدر في القاهرة في النصف الثاني من شهر كانون الأول من عام 1947 أي تتفق قصيدتا الملائكة والسياب في تاريخ النشر ، وتختلفان في تاريخ الكتابة ومطلعها : ( الرمل ) هل تسمين الذي القي هيام فاعلانن فاعلاتن فاعلاتن ام جنونا بالأماني ام غراما ؟ فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ما يكو الحب ونوحا وابتساما فاعلاتن فاعلاتن فاتن ام خفوق الاضلع الحري ، اذا حان التلاقي فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن بين عينينا ، فاطرقت فرار باشتياقي فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن عن سماء ليس تسقيني ، اذا ما فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن جئتها مستسقيا الا اوما فاعلاتن فاعلاتن . والسياب يصف هذه القصيد بانها محاولة جدية في العر مختلف الاوزان والقوافي، وهي كأغلب الشعر الغربي ، ولا سيما الإنجليزي تجمع بين بحر من البحور ومجزوءاته ، أي ان التفاعيل ذات النوع الواحد يختلف عددها من بيت الي اخر ،فهو لا ينكر البته تأثره بالشعر الإنجليزي ، ولا سيما شعر اليوت وايديث ستويل . والدكتور نذير العظمة في كتابه (بدر شاكر السياب وايديث ستويل ) يتتبع هذا التأثير ، ويخلص الي ان شعر ستويل واليوت كان من مصادر السياب ، وينظر علي سبيل المثال الي قصيدة السياب الشهيرة (انشودة المطر ) وقصيدة ستويل (ما يزال المطر يسقط 1940 ) فيجدهما توأمتين ،ان نظرة فاحصة الي كلتا القصيدتين تكشف لنا عن مشابهات صارخة في المضمون والشكل ،وفي الرؤيا والرمز، في التركيب والصور والايقاع ،حتي ليخيل الينا ان كلتيهما قد ولدتا من خيال او رحم واحدة .
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
الأمين العام لـ«البحوث الإسلامية»: مفهوم الحوار بالإسلام لم ينسلخ عن مطالبات الفطرة الإنسانية
قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن القواعد المحورية الكلية للمؤتمر الذي يعقده الأزهر اليوم، الأحد، بعنوان "الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري.. رؤية واقعية استشرافية"، تؤكد أهمية هذا المؤتمر الذي يجسد رؤية الأزهر بكل قطاعاته، لذا حرص مجمع البحوث الإسلامية وكلية الدعوة الإسلامية على التشارك لعقده برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الذي يولي كل الحرص لهذه القضايا المهمة في حياة الشعوب.
وأضاف الجندي خلال كلمته اليوم، الأحد، في المؤتمر الرابع لكلية الدعوة الإسلامية الذي يعقد في مركز الأزهر للمؤتمرات بحضور علماء وقيادات الأزهر ووزير الأوقاف ونخبة من العلماء والقيادات الدينية، أن مجمع البحوث الإسلامية بكل أماناته وإداراته المركزية والفرعية وإصداراته وفعالياته ليعنى عناية واضحة بالدعوة الإسلامية وعظا وإرشادا وإفتاء ونشرا، وقد جاء هذا المؤتمر في وقت انتشرت فيه الصراعات، وشاعت فيه التحديات الإقليمية والعالمية.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن مفهوم الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي الإلهي عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية، فالحوار خطاب للوجود كله بمنهج يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وقد ساق البشرية كلها إلى حياة الإلف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة، وحررها بخطوٍ ينبهها من خطر السيكولوجيات المضللة، وتأتي رسالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لتؤكد وتجدد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه، فإنه لا اجتهاد مع النص.
وأوضح الجندي أن خبراء الحوار قد اختصروا الغاية منه في الإسلام في عبارات جزلة يقول الإمام الغزالي في كتاب "الإحياء" عند ذكره لعلامات طلب الحق في الحوار: "أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق"، وقال الإمام الشافعي: "ما حاورت أحدًا إلا تمنيت لو أن الله أظهر الحق على لسانه وفي ذلك إسقاط للعصبية والتعصب والأنا وفقدان المعيار ونشدان الانتصار".
وبيَّن فضيلته أن منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة، ومن كانت لهم اليد الطولى في التقعيد للحوار المنطقي العقلي والدعوي وآدابه، استمدوا منهجهم من الإسلام. فنرى منهج الإسلام في الحوار في منهج الإمام أبو حنيفة النعمان وفي منهج الإمام أحمد بن حنبيل. وفي منهج العلامة إمام الحرمين الجويني الذي قال العلامة التاج السبكي في وصفه: «هو الإمام شيخ الإسلام البحر الحبر المدقق، المحقق النظار الأصولي المتكلم، البليغ الفصيح الأديب العلم زينة المحققين إمام الأئمة على الإطلاق عجمًا وعربًا... »، وقد أحدث العلامة طفرة بحواره مع أبي جعفر الهمذاني،وكذلك أخرى حين حاور أبي إسحاق بنيسابور.
وذكر أن منهج الإسلام في الحوار موجود كذلك في منهج العلامة أبي بكر الباقلاني، منهج العلامة أبي حامد الغزالي، وفي منهج العلامة أبي الحسن الفارسي، وفي منهج العلامة عبد الكريم بن محمد الدامغاني، وفي منهج العلامة الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، وفي منهج العلامة الإمام البيجوري، وفي منهج العلامة الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، وفي منهج العلامة أحمد الملوي، وفي منهج العلامة محمد بن عياد الطنطاوي الشافعي، وفي منهج العلامة الإمام المراغي، وفي منهج العلامة الإمام عبد الحليم محمود، وفي منهج العلامة مولانا الإمام الأكبر أحمد الطيب.
وخلص الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في ختام كلمته إلى أنه من خلال هذه القواعد المسلسلة نرسخ للحوار الدعوي في كنف رؤية محبوكة تضمن الانسجام في المجتمعات تحقيقا لحفظ الضرورات الخمس، ونصوغ رؤية استشرافية مستنبطة من أقسة وقراءات عملية، خصوصا في ظل التحديات الإقليمية والعالمية.