عباس الحايك: تصنيف المسرح على أنه جنس أدبي مجحف.. النص المسرحي هو نص مستقل ويكتب لينفّذ

الاتجاه الذي ينادي بموت المؤلف لا بأس أن يستمر.. المهم ألا يكون هناك صراع بين الاتجاهات

أستهجن استقطاب مشاهير برامج التواصل الاجتماعي للمسرح.. الفن الدرامي ليس «محل برجر»

ككاتب مسرحي لا يجب أن أكون شخصا هامشيا.. بل يجب أن أكون مؤثرا بشكل إيجابي

النص المسرحي في كثير من الأحيان اقتباس.

. اقتباس من الحياة.. من موقف.. من إحساس

استضافت الجمعية العمانية للمسرح في ثاني جلساتها الشهرية «مقهى المسرح» أمس الأول الـ 18 من أبريل 2024 الكاتب المسرحي السعودي عباس أحمد الحايك، وحاوره في الجلسة التي عنونت بـ «النص المسرحي.. ومسرح ما بعد الدراما» الإعلامي والمسرحي أحمد الكلباني.

انطلقت الجلسة بمقدمة أحمد الكلباني التي تضمنت تعريفا بالضيف عباس الحايك، الكاتب المسرحي السعودي، وكاتب السيناريو، وله العديد من الكتابات التي نفذت مسرحيا وذاع صيتها، ومنها «المزبلة الفاضلة»، «فصول من عذابات الشيخ أحمد»، و«المعلقون»، وغيرها من النصوص المسرحية، كما نال الحايك مجموعة من الجوائز، منها جائزة الشارقة للتأليف المسرحي (نصوص مسرحية للكبار) عن نصه «سر من رأى موته» في عام 2020 ونال المركز الثاني.

وتأتي استضافة الحايك في «مقهى المسرح» على هامش تقديمه للبرنامج التدريبي «ورشة التأليف الدرامي» التي تنظمها الجمعية العمانية للمسرح خلال الفترة من 14 إلى 20 أبريل، وتناول جلسة المقهى بعضا من محاور الورشة.

وفي بداية حديثه أشاد الحايك بجهود الجمعية بشكل عام، متطرقا للنشرة الشهرية «فصول» التي تصدرها الجمعية، مستعرضا أهمية مثل هذه النشرات في التوثيق للحراك المسرحي وقد تكون مرجعا مهما ذات يوم.

ومما تطرق له الحايك في الجلسة «ماهية النص المسرحي»، إذ يرى أن النص المسرحي مغتربٌ بين الأدب وبين المسرح، إذ قال: «تصنيف المسرح على أنه جنس أدبي، مجحف، النص المسرحي هو نص مستقل، مثل السيناريو، الأدب يُكتب ليُقرأ، أما النص المسرحي يكتب لينفّذ، وهذا مثار جدل كبير، فأرسطو مثلا صنف الكتابة المسرحية كالشعر، فكرة النص المسرحي أنه جنس أدبي فكرة قديمة وفكرة مثيرة للجدل، وبوجهة نظري هو نص للخشبة وليس للقراءة، توفيق الحكيم كتب النص المسرحي لكي يُقرأ، هو ينظر للنص المسرحي على أنه نص أدبي، قد يُقرأ بمعيار الأدب في الأطروحات الأدبية، وأقول الغاية من كتابة النص المسرحي أن ينفذ على خشبة المسرح، وهذه وجهة نظري».

وتابع: «أعتقد أن الكثير من كتاب المسرح لديهم امتداد مسرحي، وبالمقابل الكثير من الأدباء يفشلون في الكتابة المسرحية، هناك هوة كبيرة بين الأدب والمسرح، يكتب الأديب من منظوره الأدبي، الكاتب المسرحي يعرف عن جسد الممثل، والخشبة، والإضاءة، وأبعاد المسرح، حتى لو جاء الكاتب المسرحي من بيئة أدبية وأحب أن يكتب للمسرح يجب أن يعرف المسرح».

وإجابةً على تساؤل الكلباني عن بناء النص المسرحي، قال الحايك: «النص المسرحي من ناحية البناء مثله مثل أي نص، إن كان أدبيًا (روائيا) أو مسرحيًا، يبدأ بفكرة، وشخصيات، وبنية درامية، والحوار الذي يعتبر أهم جزء، بالتالي لا يمكن فصل أي عنصر عن الآخر، هو بناء متكامل».

وردا على تساؤل «متى نقول إن الكاتب المسرحي أنجز مهمته»، أوضح الحايك: «دائما أقول المهم أن يكون النص مكتملًا، النص قد يمر بكثير من المراحل حتى ينضج، أما الاكتمال يسبق النضج، وأعني بالاكتمال هو اكتمال العناصر، ومراعاة الأبعاد الثلاثة (الاجتماعي، المادي، النفسي) للشخصيات، الحوارات الجيدة وغير المترهلة، وأعني بالبنية الدرامية الوضوح في البداية والوسط والختام، والبنية الدرامية أقول دائما إنها كلاسيكية ولكن يمكن التعامل معها وتحديثها».

وحول وجهة نظره عن النسبة التي يشكلها النص المسرحي من العمل المسرحي ككل، قال الحايك: «من الصعب تحديد النسبة، لكن النص المسرحي هو الخطوة الأولى، أعتقد أن نجاح أي عرض مسرحي هو النص الجيد، والمتفرج الواعي يعرف أن هذا العرض عن نص جيد، صحيح أن هناك اتجاهات تنادي بموت المؤلف، وموت النص، هذا الاتجاه يؤمن بنص الورشة، نص البروفات، نص الفكرة الجماعية، وهو اتجاه لا يجب أن نمنع تطوره بل يجب أن يأخذ مجراه، ولكن المهم ألا يكون هناك صراع بين الاتجاهات، ولكني أطلب من أصحاب هذا الاتجاه بألا يهمشوني ككاتب مسرحي».

وتابع: «أعتقد أن المسرح مجال مفتوح وكل التجارب متاحة، يجب ألا نتعامل مع كل تجربة جديدة بالرفض، وهذه وجهة نظري مع كل الفنون، صار هناك جدال كبير بين تيارات الفنون التشكيلية، ولا أحبذ هذا الجدال، وهذا الجدال موجود في المسرح أيضا بطبيعة الحال، وظهرت أصوات بتأصيل المسرح العربي، وأصوات تعارض التأصيل، لا يفترض بي أن أرفض أي شكل لا أنتمي له، هناك قصة حدثت بيني وبين أحد المسرحيين المغاربة وكنا في سلطنة عمان، وكان يتحدث عن نصي الكلاسيكي بنوع من الاشمئزاز، لذلك أقول لا ينبغي ذلك، هناك جمهور يحكم، وأقول لا للصراعات، والمجال مفتوح».

وتعقيبا على موضوع «بناء العمل وفق رغبة الجمهور»، وما إذا كان هذا الموضوع يولِّد شكلا فنيا هجينا، قال الحايك: «أنا لا أميل إلى الاستسهال في المسرح، والسيناريو، وأستهجن أيضا استقطاب مشاهير برامج التواصل الاجتماعي، الفن الدرامي ليس (محل برجر) لأستقطب مشهورا يروج لي، النتائج تقول إن نجوم برامج التواصل الذين دخلوا المسرح لم يقدموا مسرحا حقيقيا، عمل يعتمد على (الذبات) كما نقول في السعودية، أي السخرية من الآخر، وهذا ليس مسرحًا، هذا أمر خطير قد يؤثر على جيل قد يرى مستقبلا أن هذا هو المسرح، يجب ألا نخلط المجالات، ولا يجب أن نبني على مقولة (الجمهور عاوز كده)، يجب أن تكون هناك مسؤولية على الجميع أن نقدم عملًا ذا قيمة، قيمة جمالية، قيمة فكرية، أنا ككاتب مسرحي لا يجب أن أكون شخصا هامشيا، بل يجب أن أكون مؤثرا بشكل إيجابي، ولا يفترض بي أن أسعى إلى إثارة الجدل حتى أنال الشهرة، وعلى سبيل المثال هناك عمل تلفزيوني أثير حوله الكثير من الجدل مؤخرا، الكاتبة فيه يبدو أنها لا تعرف الجمهور ولم تراعه، فقدمت ما يثير الجدل، يجب ألا أكون كهذا النموذج».

وطرح أحمد الكلباني تساؤلا عن النص المسرحي الأصيل، والنص المسرحي المقتبس، وعن رأي الحايك في هذين النصين، فأجاب الحايك: «كلها كتابة مسرحية حتى لو كانت اقتباسا من نصوص أدبية، فالنص المسرحي في كثير من الأحيان اقتباس، اقتباس من الحياة، من موقف، من إحساس، ولكن متى نقول إن الاقتباس سرقة أدبية؟ عندما لا تتم الإشارة إلى أن العمل مقتبس من قصة أو رواية أو حكاية، بمعنى عدم إهمال النص الأصلي».

وعن متى يتم تخريب النص المسرحي، أوضح الحايك: «نتيجة تخريب النص أن المخرج لم يفهم النص، المخرج أشبه بباحث، يدرس النص وأبعاده وشكله والقضايا، وعليه أن يقرأ القضايا ويحلل الشخصيات، وهذا ما ينعكس على الخشبة، المخرج يجب أن يكون مثقفا حقيقيا، كل نص مسرحي قابل لأن يعدل، ولا يجب أن يقدس الكاتب نصه المسرحي، للمخرج أن يعدل بشرط ألا يحذف المؤلف».

وفي ختام الحديث كان للحضور فرصة لطرح مرئياتهم ووجهات نظرهم واستفساراتهم تعقيبا على ما تم تداوله في الجلسة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکاتب المسرحی النص المسرحی لا یجب أن مسرحی ا

إقرأ أيضاً:

مونولوجات للفلسطينية لداليا طه

رحت أسير في بعض الشوارع التي ذكرت في النصوص التي بين أيدينا؛ فالسير فيها بعد القراءة يجعلك تتأمل في سحنات المارين والمارات، كل وقصصه، همومه واهتماماته، حتى لكأنني أخرج الكتاب وأريهم إياه وأنا أسأل أيهم أنت هنا؟ أيهم أقرب اليك؟

ثمة تأمل في المكان، من خلال وصفه الآن وما فيه من تحولات، بل ووصف للنفوس، واستعادة ما كان من 30 عاما أو يزيد.

مونولوجات داليا طه تعانق مونولوجاتنا ونحن نتجول في فضاءات الأمكنة، من خلال 41، نصا، لعل النصوص بشر، أو هم البشر نصوص قرأتها الكاتبة ما أمكنها. حديث من يمشي في الأماكن، حديثه الداخلي، واستشعاراته لأحاديث الناس الداخلية، من يألف تفاصيل المدينة، عناصر المكان، والبشر، المتجولين والمترددين والمحتارين بأي اتجاه يذهبون، وكأنهم يفكرون باتجاهات الحياة أكثر منها اتجاه المكان.

في سيرة سكّان مدينة "ر": شعر في مونولوجات" للأديبة الشابة داليا طه، اختار الكاتبة الشكل الشعري لأن كتابة السيرة هنا ليست واقعية تماما، لذلك لم تختار الشكل السردي، بل اختارت السرد بالشعر، خصوصا أنها تأتي في طريق سبر الأغوار. وهنا تشكل العيون أداة اتصال بصر وبصيرة في آن واحد، في اكتشاف مرتادي المدينة غير المعروفين تماما للرائية.

ولعل شعور الكاتبة باغتراب سكان مدينة ر يضفي شيئا ما ليس على النصوص كنصوص من النفس للنفس، بل لعل الكاتبة، ونحن نشعر بمثل هذا الشعور. ولعل هذا الشعور-النصوص قادم من تفاعل الإنسان مع الفضاء، في ظل تحولاته المرئية وغير المرئية؛ فمدينة ر مرت في مراحل مختلفة، عايشتها الكاتبة طفلة في الانتفاضة الأولى، وفتاة في الانتفاضة الثانية، حيث كان للنضال الوطني مكان، كما هم الآن وهم يتواجدون كمونولوجات. والظن ان محترفي التجوال هم محترفو تجوال في النفوس يقرؤونها، ويكتشفون ما يستطيعون، عبر استشعار الحديث الداخلي لسكان مدينة ر.

قد تكون مدينة ر هي مدينة رام الله الفلسطينية، بما فيها من مفردات واقعية منها، لكن في الوقت نفسه، يمكن أن يندرج حالها على غيرها من المدن. إنه توثيق ما واقعي ورمزي ونقدي ممعن في وجوديته أولا وأخيرا.

قراءة النقس:

في النص الأول بعنوان "أنت"، نجد أنه في ظل مخاطبتها لمن تشير اليه بالضمير المنفصل أنت، فإنه من الممكن أن الكاتبة تخاطب نفسها أيضا:

هل تذكر أول ليلة لك في هذا العالم؟

على الأغلب اسمك قد تحدد منذ أشهر

وهناك من بدأ بإطلاق بعض الصفات عليك

عصي أو هادئ أو متأمل أو حكيم

إلا أنك كائن غريب

أقرب للفضاء منا...

كل شيء سيتكرر

كفك ستغلق وتنبسط..

ستبدأ بالتحديق في وجوه الناس لفترات طويلة

بطريق ما

لا يفهمها العلم حتى الآن

ستقول كلماتك الأولى

وسيطلب منك الكبار أن تكررها

وهنا، نزعة وجودية ظاهرة حول وجود الإنسان منذ ميلاده كيف يتشكل من الآخرين، بحيث يغدو العمر تحديا بين ما نختار وما يتم جبرنا عليه.

وفي نص "المرأة التي تقطع شارع الحسبة بنظرة ساهمة وتحمل أكياسا بلاستيكية":

حتى المركبات القليلة التي تعبر الشارع الآن

تبدو كذكرى

والمتظاهرون الذين كانوا هنا في الصباح

لقد تفرقوا منذ ساعات

والساحات خالية منهم

ولكنهم تركوا وراءهم شيئا: كما لو أنهم قد غادروا للتو

تلك كلمات الشجن والحنين تمثل تحولات المدينة التي لم تتغير في عمقها، حيث بقيت على حالها كما كانت، باعتبار بقاء الاحتلال.

ونلمس مثل هذا الشجن في "عامل البناء في مدينة ر وهو يفتح باب الثلاجة في السوبرماركت ليشتري علبتي شيمينت":

أن لا نخاف من الخسارة كلما غابوا عنا لدقائق

كل مرة نغادر فيها نعود محملين بالندوب وبالجروح

وبوجوه كثيرة تحت قمصاننا

في نص "المناضل الذي اعتقلوه أمام أولاده في مدينة ر وهو يلقي نظرة أخيرة على الشجرة الباسقة قبل أن يغلقوا عليه باب الجيب العسكري":

توجد لغة ولكننا لن نعرف أبدا

كيف نقول ما نرغب بقوله

يوجد من يقفون في مراكز المدن وهم يحملون اللافتات

يوجد من سيهتف دوما من أجل حرية من لا يعرفه

في نص "زوجة الرجل السابقة وهي تعمل في إذاعة مدينة ر وتقدم برنامجا إذاعيا صباحيا عن الأسرى في اللحظة التي أخرجت فيها ورقة بقائمة ما عليها أن تفعله اليوم"، تعبير عن معاناة المرأة:

صحيح انني أتألم

ولا أعرف كلمة جبل

ولكنني أعرف تماما ماذا يعني أن تكون مكانه

في نص "زوجة الرجل الذي اعتقلوه وهي تحدق في شاشة الحاسوب في مكتبها في الطابق الأخير في عمارة في وسط المدينة":

في لحظة خاطفة اقترب أحدهم من صينية الهريسة على الطاولة

ولم يستطع أن يمنع نفسه من شمها

... في الصباح استيقظنا جميعا

العصافير تزقزق كالعادة

وبعد أن خرجت من بين الأنقاض

ألقيت بصينية الهريسة

في سلة النفايات في الخارج:

أنفاسه فيها

قلت لأولادي

استعادة

في نص "رجل من مدينة ر يتذكر شيئا عن المدينة قبل 30 سنة، ستلمحه يجلس في مقهى شعبي في المدينة وهو على وشك أن يطفئ سيجارته"، هو نص استعادي للمدينة المنتفضة منذ 30 عاما (تاريخ نشر الكتاب):

ها هو يرشها الآن

يملؤها بالكتابات

وتحت منع التجول

السنة: 1991

الوقت: الثالثة فجرا

الفترة: الانتفاضة الأولى...

تلك كانت مدينة أخرى

يعرف سكانها كيف يخبئون بعضهم بعضا

من الجنود الذين يلاحقونهم

وفي نص "جميع النساء في مدينة ر"، وهي القصيدة الأكثر اكتمالا:

نحن غاضبات جدا

غاضبات من العالم الذي لا يعرف كيف يطفئ الحرائق

غاضبات من الرجال

الذين لا يعرفون أين يضعون

أيديهم حين يقبلوننا

من أمهاتنا اللواتي

لم يعلمننا أن الحب لن يأتي

...غاضبات لأننا لا نستطيع أن نخبر الأطفال

وهم يسألوننا عن مدنهم

غاضبات على الأطفال الذين لا يخرجون من القبور

غاضبات على البحر الذي لا يشبع

نص نسوي إنساني بامتياز، يفصل مشاعر النساء تجاه ما يعانين من واقع وضغوطات، إنهن يعانين من الرجال والنساء والبحر، بل هن ساخطات على طرق تنشئتهن ومنحن آمالا واهمة.

وتختتمه طه:

نحن الجيش

الذي يكبر في كل العالم

دوم أن ينتبه أحد

وفي نص " مجموعة من الفتيات في مدينة ر يمشين ببطء في الشارع الرئيس وأصوات ضحكاتهن العالية تسترعي انتباه المارة"، نجد الجيل الجديد من الفلسطينيات، وهن يعشن نوعين من الحياة: العادية والمثقلة بالتاريخ الفلسطيني، حين تطلق أسماء الأماكن الفلسطينية المستلبة من فلسطين عام 1948، أو من الأحداث:

كيف لنا أن نهمس بأسماء

بعضنا البعض

ونحن نمارس الحب

وأسماؤنا

مذابح

نحن جيل يتيم..آباؤنا حملوا بنادق

وشردونا في الأرض بعد أن سمونا

بأسماء قراهم

إنه نص عميق في جرأته، وجريء في عمقه في تأمل العلاقة الحميمة التي لا تكتمل بسبب تداعيات الأسماء التي تسطو على الحب حين تذكر بالألم الفلسطيني، حيث يصعب تواجد الحب والألم.

وجودية

أما في نص" صاحب محل العصير المشهور الذي يعرفه جميع سكان مدينة ر في اللحظة التي شق فيها برتقال الى نصفين":

يقولون لي بين رشفات العصير بأنهم يأتون الى هنا منذ سنين

منذ 15 سنة

يقول أحدهم وهو يمسح شفتيه بلسانه

ثم تجحظ عيناه كحبتي برتقال

وكأنه أمام تلال الفاكهة الصامتة

اكتشف العمر الذي مرّ

هنا يأخذ النص منحى عميقا يحفر في النفس في العلاقة مع الزمن حيث نكون منشغلين بالأشياء الصغيرة، فتتبخر الأشياء الكبيرة.

وهكذا بدأنا وجوديا كما بدأنا بالنص الأول الذي اقتبسناه، انتهينا كذلك. لعل الوجودية هي خيط ناظم هنا في هذه القصص.

ثلاثة نصوص نثرية:

وفي النص النثري الأول صفحة 75 المعنون ب "الأشجار في مدينة ر"، قرأنا نصا قريبا واضحا في نقد منظومة سلطة مدينة ر، من نواحي السطو على الحريات، والفساد المالي، والمعماري، وسوء الحال الذي يدفع شباب مدينة ر للهجرة. وقد اختتمت بهذه الفقرة التي تنبئ عن مساءلة مستقبلية: "ولكن ما لا يعرفونه أنه مثلما يراقبوننا ويسجلون لنا أين نلتقي ومع من، ماذا نقول، ومن نشتم وبماذا نحلم، نحن أيضا نراقبكم ونسجل لكم كل شيء، نحن أيضا نملك قوائم بكل ما فعلتموه. نحن لسنا صامتين، نحن نتربص".

أما النص النثري الثاني صفحة 129 الذي جاء تحت عنوان "البيان الذي صدر عن مؤسسة في مدينة ر بشكل حرفيّ"، فقد احتوى على قصص تعذيب عدد من المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مختتمة بشكل نقدي مؤسسات حقوق الإنسان وللموقف الرسمي: "معظمهم تعرضوا للتعذيب الشديد وصمتت عن محاولات تصفيتهم في الزنازين منظمات حقوق الإنسان ولم نسمع عنهم شيئا في الخطابات الرسمية". في هذا النص بالذات، ومن خلال ذكر أسماء المعتقلين، يتأكد لنا أن مدينة رام الله، مدينة محتملة واقعيا كي تكون المقصودة، جنبا الى جنب مع المدن المحتملة رمزيا في العالم العربي والعالم، كما ذكرنا.

وفي النص الثالث "الفتاة نفسها التي ابتسمت لك ابتسامة غامضة في الطريق"، تتحدث الكاتبة عن رقابة الاحتلال على الكتب الواردة الى البلاد، وتختتم "أنت لن تشك أبدا باثنين يقفان في مكتبة صغيرة ومهملة يتبادلان حديثا عابرا. ولكن صدقني هكذا يبدو أيضا من يخططون لثورة".

الأسلوب:

ثمة أسلوب جديد لدى داليا طه، بل ولغة غير مكررة، تنبع من النفس، عبر استكشافاتها، حيث تنحاز للعادي من اللغة المعبرة عن غير العادي.

من إبداع الكتاب، جمل المبتدأ في العناوين، حين يكون النص هو الإخبار النحوي والنفسي والعاطفي.

كما أن اختيار العبارات بل الفقرات لتكون عناوين للنصوص، أمر غير موجود بالأدب؛ فاختيار عنوان بهذا الطول يدفعنا للتفكير، كأن الكاتبة تضعنا داخل المشهد.

وطول كلمات العناوين، في جميع النصوص مثير، حيث احتوت العناوين مرة واحدة على كلمة واحدة، كما في النص الأول بعنوان "أنت".

احتوى الديوان على ثلاث نصوص نثرية كما ذكرنا، كأن الكاتبة تذكرنا بأن الكتاب إنما هو سيرة الناس.

وقد جاء النص النثري الأول مطعما بعبارتين فيهما اللهجة " وتعتقل حراكيين على الرايح والجاي"، "وتائه لا يحلم سوى بالهجرة أو يقتل ع الطرقات"، ما يعني أن هناك ميلا نحو اللغة الشعبية، كمعبرة عن حالة حراك ثقافي وسياسي.

داليا طه، كاتبة وشاعرة. صدر لها العديد من الكتب الشعرية. تكتب داليا أيضاً للمسرح، ولها العديد من المسرحيات التي عرضت محلياً وعالمياً. تحمل شهادة الماجستير في الكتابة المسرحية من جامعة براون في الولايات المتحدة. تقوم حالياً بالعمل على كتاب "الكتابة خطيرة، مجموعة مقالات"، والحائز على منحة آفاق للكتابة الإبداعية.

صدر الكتاب عن دار الأهلية للنشر والتوزيع 2021، وقد وقع في 169 صفحة.

مقالات مشابهة

  • عيد عبدالحليم يكتب: أهمية أن تفتح نافذة للضوء
  • أهمية أن تفتح نافذة للضوء
  • بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي
  • عرض الموسم الأخير من مسلسل Squid Game في عام 2025
  • 76 عامًا ولا يزال النص العظيم ملهمًا
  • مسلسل المهرج يتصدر الترند.. وعودة قوية لـ أمل بوشوشة
  • مونولوجات للفلسطينية لداليا طه
  • ملفات حيوية على طاولة النقاش بين غرفة ملاحة بورسعيد وهيئة قناة السويس.. صور
  • النص الكامل لتقرير ديوان المحاسبة 2023
  • ندوة “التدريب المسرحي في العالم العربي : التحديات والفرص” في مهرجان الرياض للمسرح