بعد ثورة 25 يناير 2011، شهدت مصر تغييرات جذرية فى الخريطة الحزبية، ترتب عليها حدوث نمو متسارع وغير مسبوق فى عدد الأحزاب السياسية.
وفى سياق الجهود الرامية لتفعيل النظام الحزبى فى مصر، والقضاء على القيود التى أعاقت هذه الغاية لعقود مضت، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 28 مارس 2011، مرسوما بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، وقد تمثلت أهم التعديلات والأحكام التى يتضمنها المرسوم فيما يتعلق بشروط تأسيس واستمرار الأحزاب فى عدة نقاط، وهى:
أولاً: إنشاء لجنة قضائية خالصة تختص بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً لأحكام هذا القانون، على أن تتشكل هذه اللجنة برئاسة النائب الأول لرئيس محكمة النقض، أعلى محكمة مدنية فى البلاد، وعضوية نائبين لرئيس مجلس الدولة، ونائبين لرئيس محكمة النقض، واثنين من رؤساء محاكم الاستئناف.
ثانياً: تأسيس الحزب وإنشاؤه بمجرد الاخطار على أن يعرض ذلك الاخطار على اللجنة التى يتعين عليها الرد عليه، ويمارس الحزب نشاطه السياسى اعتبارا من اليوم التالى لمرور ثلاثين يوما من اخطار لجنة الأحزاب دون اعتراضها.
ثالثاً: يوقع على إخطار قيام وتأسيس الحزب 5 آلاف عضو مؤسس من 10 محافظات على الأقل بما لا يقل عن 300 من كل محافظة.
رابعاً: عدم تأسيس أى حزب على أساس دينى أو طبقى أو طائفى، وألا تتعارض مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع المبادئ الأساسية للدستور أو مقتضيات حماية الأمن القومى المصرى أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى.
خامساً: عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أى نوع من التشكيلات العسكرية، وعلانية مبادئ الحزب وتنظيماته ومصادر تمويله.
سادساً: حذف الكثير من الاشتراطات والعبارات الفضفاضة من نصوص القانون رقم 40 لسنة 1977، ومنها مثلا: اشتراط أن يمثل برنامج الحزب إضافة للأحزاب الموجودة، وعدم استغلال المشاعر الدينية.
سابعاً: الغاء الدعم المادى الذى كان يتم تقديمه للأحزاب عن طريق الدولة وتقليل مدة عضوية الأحزاب للمتجنسين إلى خمس سنوات وليس عشر سنوات.
ثامناً: مراقبة تنفيذ الأحزاب للاشتراطات والالتزامات المنصوص عليها فى القانون والمساءلة فى حالة وقوع مخالفات لهذه الالتزامات يكون من خلال قانون العقوبات، ويجوز للجنة الأحزاب حل الحزب وتصفية أمواله إذا ثبت من التحقيقات التى تجريها جهات التحقيق القضائية أن الحزب يمارس أى نشاط يخالف أياً من الشروط المنصوص عليها فى القانون.
لا شك أن الأحزاب السياسية واحدة من أهم أشكال التنظيمات السياسية الرسمية ودعامة أساسية تفضى فاعلية دورها إلى مأسسة نظام ديمقراطى سليم، إذ إنها إحدى قنوات الاتصال بين الحاكم والمحكوم، وثمة وظائف عدة تؤديها الأحزاب أهمها: المشاركة والتنشئة السياسية، والنقطة الأهم هى ضرورة الاستفادة من التعددية السياسية والحزبية التى يقوم عليها النظام السياسى كما هو وارد فى المادة الخامسة من الدستور فى أن يكون هناك تداول سلمى للسلطة، ويتم ذلك من خلال التنافس بين الأحزاب السياسية ليظهر من بينها حزب الأغلبية وأحزاب الوسط وأحزاب المعارضة. ويكون ذلك من خلال انتخابات تنافسية محايدة ينظمها نظام انتخابى يتيح الفرصة أمام كل الأحزاب السياسية فى المشاركة، لقد أصبحت الحاجة إلى حزب للأغلبية مهمة فى المرحلة القادمة لمساندة الحكومة تحت قبة البرلمان كما نحتاج إلى أحزاب قوية ممثلة تحت القبة للقيام بدورها فى الرقابة والمساءلة، ولن يتم ذلك فى ظل السيولة الحزبية الحالية التى أتاحها تعديل قانون الأحزاب السياسية بعد ثورة 2011، بجعل تأسيس الأحزاب بالإخطار ورغم أن هذا التيسير المهم فى إصدار الأحزاب يجب التمسك به إلا أن الواجب على الأحزاب السياسية أن تبادر بالاندماج لنكون أمام عدد قليل من الأحزاب لا يتعدى العشرة أحزاب من بين حوالى 104 أحزاب موجودة على الساحة معظمها مجهول لا يتعدى مجرد مقر ويافطة، ولا يعرف الشارع عنها شيئا.
فلن يكون هناك إصلاح سياسي حقيقي إلا إذا بدأ من مراجعة الأحزاب السياسية لبرامجها، وعملت مجتمعة على إجراء عملية ريجيم قاسية لتخفيض أعدادها حتى يستطيع الحركة فى الشارع، كما أن هناك حاجة ملحة لتعديل قانون تنظيم الأحزاب السياسية من أجل ضبط الإطار الخارجى للعمل الحزبى لتوجيهه إلى القيام بدوره الفاعل الذى يصب فى المصلحة العامة بما يعود على البلاد والعباد بالفائدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن حزب الأغلبية محمود غلاب ثورة 25 يناير 2011 محكمة النقض الأمن القومى المصرى الأحزاب السیاسیة
إقرأ أيضاً:
السودان: إعادة إعمار ام تأسيس جديد (١)
السودان: إعادة إعمار ام تأسيس جديد (١)
من قال أن السودان بحاجة إلى دعم خارجي واغاثة وتسويق لخطط اعادة الإعمار فهو ناقص عقل ودين ومروءة!!
صديق محمد عثمان
– في مناهج التاريخ الدراسية في السودان درسونا ونحن أطفال أن الالباني محمد علي باشا الحاكم العثماني لمنطقة الحجاز قد أرسل جيشه في العام ١٨٢١ بقياده ابنه إسماعيل وصهره الدفتردار لغزو السودان بحثا عن الرجال والذهب. كان محمد علي بحاجة إلى المال ( الذهب ) لتمويل توسعه في حكم المنطقة باسم الخلافة العثمانية، كما كان بحاجة إلى الرجال الأشداء المقاتلين لدعم جيوشه التي يوسع ويحمي بها حكمه.
– وبالفعل وجد محمد علي في أرض السودان ما يبتغيه من الرجال والمال فبعد معارك طاحنة ومقتل ابنه إسماعيل في محرقة المتمة الشهيرة دان مقاتلو السودان لصهره الدفتردار فاتخذ منهم اورطات وانتظم صفهم في سلك الجندية السنجكية فاشتهرت قطاعات من سكان الشمال بالانخراط في سلك الجندية التركية الجديدة باسم السناجك والسنجك في بعض لسان العرب هو الصعلوك الذي لا يحسن صنعة ولكن سنجك في التركية نسبة إلى منطقة من مناطق البلقان حيث ينحدر معظم قادة جيوش محمد علي باشا حينها فصار الفرد منهم سنجكا.
– ولأجل تحصيل الرجال والذهب اهداف الغزو فقد اعمل الالبان سيوفهم في رقاب اهل السودان فاذلوهم وأذاقوهم عسف السلطان وجبروته وفي ذلك روايات من الادب الشعبي والشعر الفصيح يمكن لمن شاء العودة اليها في مصادرها من تاريخ تلك الحقبة وهي مصادر متعددة المشارب والمنطلقات من نعوم شقير وبروف حسن احمد ابراهيم ود محمد سعيد القدال وغيرها من المصادر التي رصدت التاريخ السياسي للحكم التركي او بحثت في اسباب قيام الثورة المهدية إلى بروفيسور الحبر يوسف نورالدائم مرورا بمحمد عبدالرحيم وغيره من مؤرخي المديح والشعر الشعبي وبقية المصادر التي بحثت في بيان الشخصية الثقافية لانسان السودان حينها او رصدت اثار الادب الشعبي والصوفي في مقاومة التركية الجبارة.
– ومن عيوب المنهج الدارسي الاولي لتاريخ الحكم التركي في السودان اكتفاؤه بالعموميات والعناوين البارزة في رصد الاحداث الجليلة فحينما تعود الآن لتقرأ في كتب التلاميذ محرقة المتمة التي دبرها المك نمر لإسماعيل باشا الحاكم العسكري الذي دانت له البلاد، لا تكاد تقف على تمهيد ينقل التلميذ من حالة الهزيمة والإذعان التي وصف بها محمد ود عدلان حاكم سنار الجعليين والشايقية في رسالته إلى إسماعيل باشا ردا على طلبه الاستسلام حينما كتب معرضا بالذين انهزموا امام الغازي : ( لا يغرنك انتصارك على الحعليين والشايقية فنحن الملوك وهم الرعية ). لا تهي كتب المناهج التلميذ للانتقال مع المك نمر من حالة الاستسلام إلى حالة الاحتيال بالتآمر على حياة الحاكم الغازي ولا تأتي على سيرة الاستغاثات التي كانت تصدر من الشعب لقياداته المكوك والأعيان :
ود الميرفاب الماسك الدرب يتكلس
هانوه الترك وطاع تبع الرسن واتسلس
مصاغ البنات بي عيني شفتو اتملص
والبطي في الطلب لي جيتي ليك ما أتخلص
وهي استغاثة ممن سمى نفسه بود الميرفاب يبعثها للمك نمر يحكي له فيها فعايل جنود التركية الذين هانوه ووضعوا الرسن على عنقه وملصوا مصاغ بناته وحريمه وما استمعوا لرجاءاته وتوسلاته لهم.
واستغاثة اخرى اطلقها من يستنهض المستسلمين لحكم الترك ويزفها إلى المك:
يا الأرباب بحكيلك حكاية الطاعوا
بانت فوقهم العوجة ولي جناهم باعوا
الحي ما انستر والمات رقد بي أوجاعو
ياكلوا فيهم الترك متين ما جاعوا
واما ناظر الشكرية الذي زهد في البقاء في منطقته فهاجر منها وهو يبكي :
الباشا البعنوا لو*
شن عرضو وشن طولو؟
كان حجّر حلّو لو*
حتى شرق الله البارد
صبح هولو
* البعنوا لو (اي الذي يقصده الناس)
* ( حجّر اي حجز على ، حلّو لو أي احلوا له)
وآخر كان يدعى ود ثروى من التجار المشهورين حينها حمل ما استطاع حمله من اموال وتجارة ويمّم وجهه شطر دارفور التي ستصبح ملجأ المتمردين على السلطان الغازي منذئذ، فاصبح بذلك مثالا يهفو اليه المزاج الشعبي المتذمر من جباية ( التُرك) وأسطورة من اساطير الادب الشعبي :
أكان الترك حوض رملة
حوض الرملة قط ما بيروى
*شن بيناتنا غير من سروة
لبكان ما سكن ود ثروى
*أي ما يحبسنا عن السرى ( المسير ليلا ) إلى ذات المكان الذي قصده قبلنا ود ثروى ؟!
Siddigmohamed Osman
إنضم لقناة النيلين على واتساب