مثل ملايين غيرى فى أنحاء الأمة العربية، ممن لا حول لهم ولا قوة، سوى الغضب والأسى والتمنى والترجى وانتظار الفرج، تلقيت الرد الإيرانى على إسرائيل بروح من التشفى قبل الانتقال لإحصاء خسائره. الأسباب عديدة، بينها أنه حق لها على ضرب مقرها القنصلى فى دمشق، واغتيال عدد من كبار قيادات حرسها الثورى تواجدوا به.
وكان رفض الطلب السورى بإدانة مجلس الأمن لجريمة إسرائيل قصف القنصلية الإيرانية، أو تحميلها أى مسئولية على خرق سيادة دولتين فى آن واحد سوريا وإيران، بمثابة موافقة ضمنية على عدوانها. بل أن المجلس كافأها باستخدام واشنطن حق النقض الفيتو ضد المقترح الجزائرى نيابة عن المجموعة العربية، لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة فى هيئة الأمم المتحدة بدلا من وضعها الراهن كدولة مراقب منذ عام 2012، برغم اعتراف 137 دولة من بين 193 من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.
ولم نكن فى حاجة للاستماع للخطاب الوقح الغارق فى النرجسية والغرور، والحافل بالتعالى وقلب الحقائق للمندوب الإسرائيلى، لكى نعلم أن واشنطن تتربص بالمشروع الجزائرى، وتمارس ضغوطا على الدول من أجل إفشاله، فى الوقت نفسه الذى لا تكف عن التشدق بدعمها حل الدولتين، والتدليس بالترويج لأكذوبة أن التطبيع بين إسرائيل والسعودية، هو الطريق الأمثل لسرعة قيام الدولة الفلسطينية!
بعيدا عن مشاعرى البدائية فى التشفى فى إسرائيل، ونحو 300 مسيرة وعدد من الصواريخ الباليستية الإيرانية تسقط داخل أرضيها، فقد أعادت الضربة الإيرانية المحسومة وغير المباغتة، التأكيد على أن إسرائيل قادرة بغيرها. وكان من الطبيعى تبعا لذلك أن تعلن واشنطن قبل تل أبيب، أن الهجوم الإيرانى قد فشل. فالقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية فى عدد من دول المنطقة وحاملات الطائرات والبوارج البريطانية والأمريكية التى ترسو على شاطئ البحرين الأحمر والمتوسط، هى ما ساهم فى التصدى للهجوم الإيرانى.
بالغت إيران لأسباب داخلية تتعلق بأزمتها الاقتصادية والعقوبات الأمريكية والغربية التى أدت لعزلتها، فى حجم الخسائر الإسرائيلية. وقللت إسرائيل من قيمة تلك الخسائر ووصفتها بالطفيفة، فى سياق منهجها فى التستر على خسائرها الحربية، وفرض رقابة صارمة عليها.
لكن المؤكد أن الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب فشلت فى الربط بين هذا التصعيد وبين كونه من نتائج حرب إسرائيل الوحشية على غزة. كما طغت تلك الضربات على الحرب الإسرائيلية فى غزة التى غدت الخبر الثالث فى نشرات الأخبار. وبعد أن تراجع الغرب نسبيا تحت ضغط تعاطف شعوبه مع معاناة غزة، عن تبنى الروايات الإسرائيلية المضللة عن مذابح غزة وتدميرها، عاد من جديد لترديدها وتأكيد التزامه بحماية أمن إسرائيل. بل إن الأخيرة تسعى بمساعدة أمريكية لتشيكل تحالف إقليمى عسكرى للتصدى للخطر الإيرانى، فى عودة للحديث مجددا عن حلف ناتو فى المنطقة. وبعد أن كان عدد من الدول الغربية قد قرر وقف تصدير السلاح إلى إسرائيل توقف الحديث عن تلك المسألة.
ولا شك أن هذا التصعيد قد أنقذ نتيناهو من الضغوط الداخلية عليه من أجل إتمام صفقة مع حماس للإفراج عن الرهائن، ووقف الحرب، ومطالبته بمغادرة موقعه كرئيس للحكومة بعد تقلده له على امتداد 15 عاما، وإجراء انتخابات مبكرة، خاصة بعد إعلان الطرف القطرى التشكيك فى جديته ومصداقيته فى مسار التفاوض مع الوسطاء. وعادت إسرائيل بعد أن تم جرجرتها إلى محكمة العدل الدولية بتهمة جرائم إبادة جماعية، لترتدى دور الضحية الذى كان قد تراجع خلال الأشهر القليلة الماضية.
لكن الأخطر من كل ما سبق، هو أن نتنياهو قد حصل، وفقاً لما ذكرته بعض الصحف الأمريكية، على موافقة ضمنية من إدارة بايدن على اجتياح رفح، وهو ما ينطوى على خطر أن إسرائيل لم تعد تخضع لضغوط تعهدات أمريكية وغربية سابقة برفض لتهجير نحو مليون ونصف المليون من الفلسطينيين إلى سيناء المصرية، سعيا لغلق ملف القضية الفلسطينية ودولتها المستقلة من جدول أعمال المجتمع الدولى.
التصدى للغطرسة الإسرائيلية يتطلب أن تتخلى إيران عن أحلامها الإمبراطورية فى المنطقة، وأن تصبح دولة طبيعية كبقية الدول فى الإقليم، وأن تسعى بنية صادقة، إذا كانت حقا تريد قهر «الشيطان الأكبر» الرابض فى واشنطن، لتحسين علاقاتها بالدول العربية، وعدم المساهمة فى المخطط الغربى الساعى لتأجيج الصراع المذهبى والطائفى وإشاعة مزيد من الفوضى ليضمن لإسرائيل التفوق العسكرى بشكل دائم على كل دول الإقليم. وهو جهد هام ومطلوب لا يجب أن تكون الدولة المصرية بعيدة عنه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدولة المصرية على فكرة أمينة النقاش
إقرأ أيضاً:
أردوغان: الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة بلغت ذروتها
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن الهجمات الإسرائيلية وصلت ذروتها في غزة، إذ استشهد أكثر من 50 ألف مدني فلسطيني، وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطيني، مُشيرا إلى أن المسجد الأقصى يقع تحت ظلم إسرائيل، ويتعرض لخطر التهويد أيضا.
وأضاف في كلمته خلال القمة الحادية عشرة لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، عبر فضائية «إكسترا نيوز»، أن هناك تحديات إضافية تُحيط بالمنطقة مع زيادة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، مُشيرا إلى أن هناك محاولات مع مصر لوقف إطلاق النار والوصول إلى حل سياسي في فلسطين منذ 7 أكتوبر حتى الآن.
أوروبا تدعم إسرائيل في تنفيذ هجماتها على المنطقةوتابع، أن إسرائيل لم تدخر جهدا في توسعة هجماتها بدعم من الدول الأوروبية بطريقة غير مباشرة، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، مُستطردا: «نشهد اعتداءات إسرائيلية على لبنان وسوريا، واستغلال الوضع لاحتلال هضبة الجولان».
وطالب مجموعة الدول الثمانية النامية إبداء رد فعل قوي تجاه تلك التصرفات التي تهدد أمن المنطقة وسوريا، مشيرا إلى أنه لابد من اتخاذ خطوات لازمة، من بين ذلك فرض حظر بيع السلاح على إسرائيل، وإنهاء التجارة معها على الصعيد الدولي.
وواصل: «هناك دعم من 52 دولة من بينهم عضوان في مجلس الأمن للأمم المتحدة وكذلك مؤسستين دوليتين تدعم مقترحنا بفرض حظر بيع السلاح لإسرائيل».
أردوغان: علينا بذل قصارى جهدنا لوقف إطلاق النار في غزةواستطرد: «أصبحنا طرف في القضية المرفوعة لدى المحكمة الدولية من قبل جنوب أفريقيا، وأن تكون الدول الثمانية ضمن ذلك أمر مهم للغاية، وعلينا بذل قصارى جهدنا من أجل وقف إطلاق النار الدائم في غزة ويجب تحمل المسؤولية كاملة، فهدنا هو الوصول إلى حل قائم على أساس الدولتين».