عربي21:
2025-01-29@06:06:48 GMT

الضربة الإيرانية وعودة المكبوت الطائفي في تونس

تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT

ليلة السبت الماضي قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية -بالتعاون مع حلفائها في العراق ولبنان وسوريا واليمن- بتوجيه ضربات صاروخية ضد الكيان، وهي واقعة أظهرت حجم الحماية الغربية والعربية للكيان، بحكم مشاركة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن وغيره من الدول العربية "المعتدلة" في اعتراض تلك الهجمة والحد من أضرارها المادية والبشرية.

ويأتي هذا التصعيد الذي تجلى في مهاجمة إيران للكيان لأول مرة بصورة مباشرة للتعبير عن تغير في قواعد الاشتباك بينها وبين الكيان. وبينما اعتبر قادة الكيان التحالف الإقليمي (أي مشاركة بعض الدول العربية) "نجاحا مبهرا يظهر تفوقه التكنولوجي والعسكري ومرونته الديبلوماسية"، حرصت إيران على تأكيد نجاحها في تحقيق الأهداف المرسومة لضربتها "المحدودة" التي جاءت لـ"إعادة الاعتبار للردع الإيراني" بالرد على هجوم الكيان على قنصليتها في دمشق ومقتل مسؤولين كبار في حرسها الثوري.

ورغم إجماع التونسيين على نصرة "المقاومة الفلسطينية" بصرف النظر عن المواقف الأيديولوجية المتباينة من قاطرتها "الإخوانية" (حماس والجهاد)، فإن دور "محور الممانعة" ظل محل سجال عمومي بين النخب والأوساط الشعبية على حد سواء منذ انطلاق "طوفان الأقصى". فإيران وحزب الله وبعض الفصائل الشيعية قد شاركت في إفشال الثورة السورية وتحويلها إلى حرب طائفية، على الأقل بحكم وقوفها العسكري وراء النظام البعثي ذي النواة الصلبة العلوية. ورغم مشاركة العديد من القوى الإقليمية السُّنية في هذا المآل الكارثي للثورة السلمية السورية، بل رغم مساهمة هذه القوى (محور الثورات المضادة وعرابي صفقة القرن، خاصة السعودية والإمارات) في تحويل سوريا إلى مكان للصراع الطائفي ووقوفها وراء تدمير بلدان الربيع العربي وإفشال الانتقال الديمقراطي في تونس، فإن ذلك كله لم يشفع لإيران وحلفائها في محور "المقاومة" ولم يمنع من عودة المكبوت الطائفي الذي لا يمكن اعتباره المحدد الأول للمواقف السياسية في تونس، وإن كان أحد محدداتها المركزية.

ما يُحدد الموقف من إيران -والشيعة عموما- في تونس ليس القضية الفلسطينية ولا المرجعية الأيديولوجية، بل الصراعات السياسية المحلية
نظريا، كان من المفترض أن يساعد الالتقاء الموضوع بين جناحي الأمة في محور المقاومة على تخفيف الانقسامات الطائفية والحد من تأثيراتها في المستوى المحلي بتونس، ولكنّ ذلك لم يحصل واقعيا. فحماس والجهاد لم تنكرا يوما الدور الإيراني الأساسي في نصرة المقاومة الفلسطينية، على خلاف أغلب الأنظمة العربية المسارعة إلى التطبيع أو المساندة للكيان بصورة سرية منذ تأسيسه. كما أنّ طوفان الأقصى قد أكدت أنّ "المحور الشيعي" هو الوحيد الذي انتصر للمقاومة ديبلوماسيا وعسكريا. ولكنّ ذلك كله لم يكن كافيا -من جهة أولى- لفصل هذا الموضوع عن باقي الصراعات الإقليمية (خاصة المسألة السورية)، كما لم يكن كافيا -من جهة ثانية- في "التطبيع" مع المكوّن الشيعي في المقاومة بقيادة إيران. وقد زاد في تقوية ها المنطق أنّ محصول هذه الضربة كان شبه صفري من جهة الخسائر البشرية والمادية في الكيان، فضلا عن اعتراف إيران ذاتها بأنها قد أبلغت الولايات المتحدة وبعض الدول في المنطقة بموعد ضربتها العسكرية.

ورغم أن الموقف المهاجم لإيران يتأسس على السردية "الإسرائيلية" بصورة كاملة (ويتقاطع موضوعيا مع سردية محور التطبيع)، ورغم وجود قرائن قوية تشكك في مصداقية تلك السردية (منها فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للمتطرف بن غفير يعترف فيه بوجود خسائر عسكرية وبشرية)، فإنّ تعبير "المسرحية الإيرانية" قد أصبح من أكثر التعابير المتداولة في السجال العمومي في تونس، سواء من جهة القائلين بوجود تلك "المسرحية" أو من جهة المفنّدين لها.

ونحن نعتبر أن كلمة "المسرحية" لم تولد بعد الضربة، بل هي موجودة منذ أن تحرك حلفاء إيران في المنطقة لدعم المقاومة. فإذا كان هذا التحرك قد سرّ القوى "الحداثية" التونسية التي استطاعت أن تجد مبررا سياسيا لنصرة المقاومة "الإخوانية" في غزة (فالمقاومة ليست شأنا "إخوانيا" صرفا)، فإن خصوم النظام السوري -وأصحاب المرجعيات الدينية ذات الجذر "الطائفي"- قد اعتبروا أن ما يقوم به حلفاء إيران هو مجرد خدمة لهذه الدولة (أو مجرد تقوية لمواقع تلك القوى الشيعية في صرعاتها الداخلية) ولا علاقة له بنصرة القضية الفلسطينية بصورة مبدئية.

إن ما يُحدد الموقف من إيران -والشيعة عموما- في تونس ليس القضية الفلسطينية ولا المرجعية الأيديولوجية، بل الصراعات السياسية المحلية. فـ"الحداثي" التونسي لا يجد حرجا في الانتصار لمحور المقاومة بقيادة إيران التي هي في أدبياته "دولة دينية رجعية"، مثلما لا يجد حرجا في التحالف مع "محور الثورات المضادة" وعرّابي صفقة القرن ودعاة التطبيع بقيادة "الرجعية" السعودية الوهابية والإماراتية. وهي وقائع لا يعنيه تناقضها مع مرجعياته الأيديولوجية من جهة، وتعارضها مع ما يؤسس موقفه الرافض للاعتراف بـ"الإسلام السياسي" في تونس واعتباره مكوّنا من مكوّنات الحقل السياسي القانوني، من جهة أخرى.

أما خصوم إيران فلا يعنيهم اعتراف المقاومة الإسلامية الفلسطينية بالدور الإيراني في نصرتها، ولا تعنيهم أيضا حدة الصراع بين إيران وحلفائها وبين الكيان. فكل ذلك ليس إلا "مسرحية" يتقاسم فيها "أعداء الأمة" (أي أعداء أهل السنة والجماعة) الأدوار برعاية أمريكية. فإذا كانت أمريكا في سردية الثورة الإيرانية هي "الشيطان الأكبر"، فإن خصوم إيران يشككون في صدق هذه السردية ويعتبرونها مجرد سردية دعائية تخفي حقيقة التحالف الاستراتيجي بين الكيان وإيران في خدمة المشروع الأمريكي في المنطقة.

ختاما، فإننا نعتبر أن الانتصار لمحور "الممانعة" أو معاداته هو جزء من آليات الصراع الداخلي، أو لنقل هو امتداد خارجي للتموقعات المحلية وما يحكمها من رهانات مادية ورمزية. فمن جهة خصوم محور "الممانعة"، فإنّ التشكيك في طبيعة الدور الإيراني هو أمر يحكمه معطيان؛ أما المعطى الأول فهو معطى مخيالي أو تاريخي أو طائفي يرتد إلى الماضي البعيد، وهو لا يتمظهر في الأغلب بصورة صريحة إلا في بعض السجالات "العامية" وإن كان لا يغيب عن سجالات بعض ممثلي "الثقافة العالمة"، أما المعطى الثاني فهو معطى آني أو راهني ويتمثل في وجود قرائن قوية عن وجود علاقة بين القوى "الحداثية" التونسية وإيران، وهي قرائن قد تشمل النظام الحاكم في تونس وليس فقط المعارضة "الحداثية" التي تسنده أو تقف على هامشه.

المسألة الطائفية هي مكوّن من تلك المكوّنات، فمثلما عجز التونسيون عن بناء سردية سياسية جامعة تدير الانتقال الديمقراطي، فإنهم قد فشلوا في "تحييد" المسألة الطائفية التي أصبحت أداة من أدوات الصراع السياسي بين "القوى الحداثية" وبين خصومهم من الإسلاميين كما بيّنا أعلاه، بل أصبحت أداة لتجذير الانقسام على أساس "الهوية"
أما من جهة أنصار السردية الإيرانية والمثمنين لدورها في دعم المقاومة، فإنهم هم أيضا محكومون بخطاب سياسي يقوم على قاعدتين: أولا إضعاف الإسلام السياسي السني (الإخواني خاصة، والتشكيك في أسسه باستدعاء نقيضه الموضوعي والتاريخي وتوظيفه في الصراع ضد حركة النهضة، ثانيا تعويم دور المقاومة الفلسطينية في محور "الممانعة" ومنع حركة النهضة من استثمار ذلك الدور في تقوية وضعها الداخلي أو "تبييض" صورتها لدى الرأي العام؛ بعد سنوات من الشيطنة النسقية للحركات الإخوانية والدعوة أحيانا إلى تصنيفها "حركات إرهابية".

رغم أن كل مكونات الطيف السياسي التونسي تتحرك نظريا -بل دستوريا- تحت سقف الدولة الوطنية أو الدولة-الأمة، فإن السجال العمومي حول القضية الفلسطينية -وباقي القضايا الإقليمية في المجال العربي الإسلامي- يؤكد انتماء تونس لفضاء أكبر مما فرضه التحديث الفوقي على أساس اللائكية الفرنسية، كما يؤكد استمرار بعض المكونات التراثية -ما قبل الحداثية- في توجيه السجال العمومي التونسي وتحديد سقفه من جهة المفردات والرهانات والتحالفات المحلية والإقليمية.

ولا شك عندنا في أن المسألة الطائفية هي مكوّن من تلك المكوّنات، فمثلما عجز التونسيون عن بناء سردية سياسية جامعة تدير الانتقال الديمقراطي، فإنهم قد فشلوا في "تحييد" المسألة الطائفية التي أصبحت أداة من أدوات الصراع السياسي بين "القوى الحداثية" وبين خصومهم من الإسلاميين كما بيّنا أعلاه، بل أصبحت أداة لتجذير الانقسام على أساس "الهوية" (الحقيقية أو المتخيلة). وهو أمر محصوله تزييف الوعي الجماعي وحرفه عن القضايا المتعلقة بمشروع التحرير والعلاقة بالإمبريالية في مرحلتها الحالية (أي الامبريالية المتصهينة)، وبأذرعها المحلية في منظومة الاستعمار الداخلي وواجهاتها السياسية والأيديولوجية المختلفة قبل الثورة وبعدها (سواء كانت في السلطة أو في المعارضة الجذرية أو في الموالاة النقدية).

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيرانية التونسيين الفلسطينية الطائفية إيران فلسطين تونس الطائفية أيديولوجيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة فی تونس من جهة

إقرأ أيضاً:

رحلة قُطعت بين طهران وبيروت.. تقرير إسرائيلي يتحدّث

نشر موقع "aurora" الإسرائيلي تقريراً جديداً ذكرت فيه أن إيران باتت ضعيفة في الشرق الأوسط لاسيما بعد الحروب الأخيرة.   ويقول التقرير الذي ترجمه "لبنان24" إنه قبل سنوات، قال الجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني إنه "بات بإمكان أي أحد ركوب سيارة في طهران والوصول إلى الضاحية الجنوبية لبيروت"، لكن هذا الأمر لم يعد قائماً اليوم لأن طهران خسرت مع حلفائها قوتها في الأشهر الأخيرة بمنطقة الشرق الأوسط، كما يشير التقرير.   وأوضح الموقع إنه حالياً، لا يمكن لأي جنرال إيراني القيام بمثل هذه الرحلة، ويرجع ذلك أساساً إلى سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مشيراً إلى أن الانتكاسات التي تعرض لها حزب الله في لبنان بعد حربه الأخيرة مع إسرائيل، ساهمت في إضعاف نفوذ إيران".   وأكمل: "بالإضافة إلى ذلك، تواجه طهران سياسياً احتمال خسارة نفوذها في العراق والأمر نفسه يحصل في لبنان. على مدى عقود من الزمن، نسجت الجمهورية الإسلامية شبكة من الحلفاء تعرف باسم محور المقاومة من خلال دعم الدول والجماعات في المنطقة، والتي أصبحت أحد ركائز سياستها الخارجية لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل".   وتابع: "لكن محور المقاومة الذي يتألف من حركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، ومجموعة كبيرة من الجماعات في العراق، وحتى وقت قريب في سوريا، يعاني من استنزاف شديد، مما يقلل من النفوذ الإيراني في المنطقة".   وقال حسين مرعشي، السياسي الإصلاحي ونائب الرئيس الإيراني السابق والبرلماني، مؤخرا: "علاقتنا بالعالم الخارجي تواجه تحديات كانت موجودة بالفعل، لكنها دخلت فصلا جديدا وهو أننا فقدنا عدة أوراق كانت تعتبر جزءا من قوة إيران".   وأضاف: "لم يعد لدينا لبنان وسوريا والعراق، والحوثيون يتعرضون لضغوط كبيرة، ولا أعتقد أننا نستطيع الاعتماد عليهم بعد الآن".   الموقع يقول أيضاً إنَّ سقوط الأسد في سوريا أدى إلى قطع الطريق البري المباشر بين إيران وحزب الله، مشيراً إلى أن "حماس" تعرضت للتدمير منذ بداية الحرب في تشرين الأول 2023، وتابع: "في ظل هذه الظروف، تواجه طهران الآن إمكانية فقدان نفوذها السياسي في لبنان بعد انتخاب جوزاف عون رئيساً للبلاد في منتصف كانون الثاني".   في المقابل، يؤكد القادة الإيرانيون أن إيران و"محور المقاومة" لم يضعفوا، ويشيرون إلى الهدنة في غزة بين حماس وإسرائيل كدليل على ذلك.   لكن مع هذا، فإن الموقع يقول إن خسارة إيران لنفوذها في المنطقة يتزامن مع عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الأخير طبق خلال ولايته الأولى "سياسة الضغط الأقصى" ضد طهران، وتخلى عن الاتفاق النووي وأعاد فرض العقوبات التي أرهقت إقتصاد إيران.   كذلك، فقد أمر ترامب أيضاً بقتل الجنرال قاسم سليماني في العراق، الذي كان مسؤولاً عن فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري، والذي كان مهندس "محور المقاومة"، يختم التقرير.

مقالات مشابهة

  • مرشد الثورة في إيران: غزة أركعت الكيان الصهيوني المدجج بالسلاح والمدعوم أمريكا
  • خامنئي: غزة جعلت الكيان الصهيوني يجثو على ركبتيه.. وحزب الله ازدادت عزيمته
  • إيران ترفض اتهامات الكيان الصهيوني بشكل قاطع
  • سوريا محور المقاومة وأولويات النظام الجديد
  • رحلة قُطعت بين طهران وبيروت.. تقرير إسرائيلي يتحدّث
  • بن غفير: افتتاح محور نتساريم وعودة النازحين انتصار لحماس
  • اليمن ضمن محور المقاومة
  • بن جفير: فتح محور نتساريم وعودة عشرات الآلاف إلى شمال غزة انتصار لحماس
  • فتح شارع صلاح الدين أمام السيارات وعودة النازحين لشمال غزة
  • حزب الله: الدول الراعية للاتفاق مطالب بتحمل مسؤولياته أمام انتهاكات الكيان