هل ندرس ونتعلم من أجل الدراسة والتعلم.. أم ماذا.؟!
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
دوما ما أطرح هذا السؤال على نفسى وعلى تلاميذى وطلابى وبعض المقربين منى من ذوى الرأى والخبرة الذين دائما وأبدا ما أتعلم منهم.؟!
والآن أحبتى أطرح عليكم هذا السؤال الشائك الذى قد تكون إجابته معلومة لكن نحاول قدر إمكاننا ألا نواجه به أنفسنا، أو حتى نواجه بها الآخرين خوفاً من أن يصابوا باليأس والإحباط.
لذا أطرح هذا السؤال مرارا وتكرارا ولن أمل الطرح والتكرار لعلنا نجد إجابة شافية لما فى صدورنا.
بداية لابد أن نفرق بين العلم والمعرفة والتعلم، فالمعرفة كل ما يستطيع الإنسان إدراكه والإحاطة به فهذه معرفة بمعناها الواسع، أما العلم فهو التخصص سواء أكانت علوما نظرية أو علوما عملية أكاديمية متخصصة تدرس فى المدارس الأكاديمية المختلفة.
أما التعلم فهو الرغبة الحقيقية إلى تعلم هذه العلوم على سبيل الهواية والعشق ثم الممارسة والحرفية والبراعة فى الاستفادة من هذه العلوم التى تعلمناها.
نأتى إلى سؤالنا المطروح هل نتعلم أو ندرس من أجل الدراسة أم مثلا لتكوين أو بمعنى أوضح لبناء مستقبل مشرق يحقق آمالنا وطموحاتنا سواء الشخصية على المستوى الفردى أو آمال وطموحات المجتمع الذى نعيش فيها، فإذا ما تعلمنا الطب مثلا هل سنفيد به الآخرين، قس على ذلك باقى العلوم العملية، وحتى العلوم النظرية.
لكن قد نجد الإجابة مختلفة ومغلفة بغلاف من اليأس والقنوط، فنجد الشباب يقول وما فائدة العلم والدرس الذى تعلمناه ولم نجد من يقدره ويقدرنا، ما فائدة اجتهادى وتفوقى ولا أجد فرصة عمل تتناسب مع مؤهلى وشهادتى، ما فائدة تفوقى فى علوم القانون ويعين شخص فى وظيفة مرموقة لأن لديه وساطة ومحسوبية وأنا ابن رجل بسيط عامل على باب الله كادح على الكاد الذي يكفى أولاده مؤونة السؤال.
ما فائدة التخرج في كلية الإعلام قسم صحافة ولا أجد فرصة عمل فى جريدة محترمة أو حتى فرصة أن أكتب مقالا ولو بالقطعة.
نعم هذه إجابات بعض الشباب ممن يؤمنون حقيقة بقيمة العلم والتعلم لكن ظروفهم التى فرضت عليهم جعلتهم يصلون إلى هذه الدرجة من الإحباط.
لكن أستطيع أن أرد على كل هؤلاء ردا موجزا، نعم نتفهم مشاكلكم، لكن السؤال: هل هذه المشكلات حلها فى الهروب، والابتعاد عن العلم وتركه، حتى ولو أضعف الإيمان أتحب أن تكون متعلما على دراية وفهم واستبصار أم تكون جاهلا، القوم يسير فى اتجاه وأنت تسير فى اتجاه آخر.
ثم لماذا لا نتعلم ولا نعطى فرصة للشيطان يتخللنا ويجعلنا فريسة للاحباط، نتعلم ونحن من يخلق فرص العمل، ولنا فى آبائنا وأمهاتنا القدوة وعلمائنا القدوة، ولنا فى رسول الله صل الله عليه وسلم القدوة الذى دعا إلى العلم ولنا فى موقفه من أسرى بدر الأسوة والقدوة، كان من الممكن أن يقبل فدية الأسرى أموالا، لكن قبل الفدية بالتعليم، الواحد من الأسرى يعلم عشرة من الصحابة الأميين، يعلمهم القراءة والكتابة.
ثم بعد ذلك وبعد أن نحصل على شهاداتنا، نطرق الأبواب، فكتبت الإجابة لمن أدمن الطرق قد لا تجد الباب مفتوحا أطرق بأدب مرات ومرات، إن كنت كاتبا أكتب وراسل الصحف مرات ومرات إلى أن يفتح أمامك الباب، ليس فى الصحافة فقط بل فى كل مجالات الحياة كل يسعى حسب تخصصه وحتى وإن سعى فى غير تخصصه إلى أن يفتح له باب فى تخصصه، المهم العزيمة لا تفتر والهمة لا تضعف.
على الجانب الآخر نجد شبابا إذا ما واجهتهم بهذا السؤال تجد ردهم صريحا نعم نحب التعلم والقراءة والكتابة من أجل القراءة والكتابة والتعلم فقط، وهذا مثله مثل خزان ملأناه بالمعلومات وأغلقناه، لا هو استفاد ولا أفاد الآخرين، نعم قد يمتلأ عقله ويصاب بتخمة معلوماتية لكن ما الفائدة العائدة عليه بل بالعكس قد يصاب بالقلق والحيرة الفكرية، أما إذا وجه فكره وعلمه إلى واقعه الذى يحياه سيشعر بسعادتين، سعادة ذاتية وسعادة تحدث له باسعاده للآخرين من حوله الذين قام بنشر علومه التى تعلمها لهم.
وهناك صنف ثالث من الشباب ألا وهو الذى جمع بين الحسنيين، التعلم من أجل الاستفادة المعلوماتية من كل جديد وفى كل المجالات والتخصصات، وفى نفس الوقت إفادة الآخرين من حوله لبناء مجتمع تقوم ركائزه الأساسية على العلم فبالعلم تبنى الأمم والمجتمعات، بل وترقى وترتفع،
هذا بالنسبة لردود بعض الشباب أما إذا طرحنا السؤال على البسطاء من الأميين، وقلنا لهم: هل من فائدة مرجوة من التعلم والدراسة ستجد الإجابات متفاوتة أيضا فمنهم من يندب حظه لأنه لم يتعلم حتى أبسط قواعد التعلم القراءة والكتابة فيقول ليتنى تعلمت حتى استطيع أن افك الخط أو أقرأ عناوين الأخبار وخلافه، دلونى كيف امحو أميتى، وهذا نموذج لرجل بسيط متمرد على حالته التى وصل إليها نتيجة لظروف مر بها فى حياته، لكنه لم يستسلم ويبغى أن يتعلم، فوجب علينا أن نمد لأمثال هؤلاء يد العون.
ومنهم من يقول ما الفائدة من العلم ومن تعلم قبلنا ماذا فعل، انظر إلى ما أنا فيه من ثراء وغنى وانظر إلى اقرانى ممن تعلموا لا يستطيعون أن يكملوا حتى شهرهم براتبهم الزهيد (العلم فى الرأس وليس فى الكراس)، وهكذا وأمثاله لا لوم عليهم فهم معذورون بجهلهم، لكن نقول لهم نحن نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل، نحن نتعلم لأن هذه رسالة الأنبياء، فالعلماء ورثة الأنبياء، والعلماء كرمهم الله ورفعهم مكانا عليا فى الدنيا والآخرة. أما المال سيتركك وستلقى الله وستحاسب عليه، أما علمك النافع فسيكون طوق نجاة وصدقة جارية تشفع لك عند الله.
وصنف ثالث لا هو يبغى التعلم ليس هذا وحسب بل ويخرج أولاده من المدارس بحجة الفاقة وعدم الاستطاعة على الإنفاق على أولاده ولا يستطيع الإنفاق على أسرته فيخرج أولاده من التعليم ليساعدوه فى الإنفاق.
لكننا نرى أن هذا ليس مبررا لتسريب أبنائه من التعليم، بل نشاهد كثيرين فى مجتمعنا المصرى، يضحون بكل ما يملكون حتى ملابسهم ومحتويات بيوتهم للإنفاق على أولادهم لإكمال دراساتهم، حتى الوصول بهم إلى بر الأمان.
تلك هى صنوف الناس فى هذا المشكل لماذا نتعلم وهل ندرس من أجل الدراسة.
لكن الرأى عندى وبعد استعراض كل هذه الآراء أرى أننا لا ندرس من أجل الدراسة وإنما للاستفادة والإفادة، الاستفادة على المستوى الشخصى استفادة مادية واستفادة معنوية، مادية فمن خلال التعلم نحقق طموحاتنا ولو بعد حين واهيب بالدولة توفير فرص عمل للشباب خصوصا ونحن مقدمون على جمهورية جديدة وتنمية مستدامة ومشروعات تنموية عملاقة فينبغى الالتفات إلى هذه الثروة البشرية والاستفادة منها كل فى تخصصه فى هذه المشروعات العملاقة دونما وساطة أو محسوبية.
أما الاستفادة المعنوية والروحية فبالعلم تسمو النفس وترقى الروح وتتدرج فى سلسلة كمالاتها حتى تصل إلى مكانها اللائق بها فتبقى فى نعيم أبدى وسعادة سرمدية وهذا ما ألمح إليه الفارابى فى حديثه عن الفرق بين النفوس الجاهلة والنفوس العالمة، فالعالمة تبقى فى سبوحات كمالاتها تترقى بعلومها التى تعلمتها وهذا إعلاء لقيمة العلم.
وأخيرا، هل ندرس ونتعلم من أجل الدرس والتعلم أم من أجل.....
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: من أجل الدراسة هذا السؤال ما فائدة
إقرأ أيضاً:
الإيمان والعلم
الإيمان والعلم يتكاملان ولا يتناقضان، وصحيح العقل لا يتناقض مع صحيح فهم الشرع، فبالعلم نصل للإيمان، حيث يقول الحق سبحانه: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، ويقول سبحانه: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ»، والإيمان يحثنا على طلب العلم، حيث يقول الحق سبحانه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن فى السَّمواتِ ومن فى الأرضِ، حتَّى الحيتانِ فى الماءِ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ».
كما أنه لا تناقض بين الإيمان والعلم على الإطلاق، فالعلم قائم على الأخذ بالأسباب، والإيمان يدعونا إلى الأخذ بأقصى الأسباب، وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقول: «لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق» ويقول: اللهم ارزقنى، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وحتى فى حديث نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى الله حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوْحُ بِطَانًا»، قال أهل العلم وشراح الحديث: إن الطير تأخذ بالأسباب، فتغدو وتروح، ولا تقعد فى مكانها وتقول: اللهم ارزقنى.
ونقل بعض الرواة أن أحد الناس خرج فى تجارة فلجأ إلى حائط بستان للاستراحة فيه، فوجد طائرًا كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله ما لهذا الطائر الكسير كيف يأكل؟ وكيف يشرب؟ وبينما هو على هذه الحال إذا بطائر آخر يأتى بشىء يسير من الطعام فيضعه أمام الطائر كسير الجناح، فقال: يا سبحان الله، سيأتينى ما قسمه الله لى، فقال له صاحبه: كيف رضيت لنفسك أن تكون الطائر المسكين الكسير مهيض الجناح؟ ولم تسع لأن تكون الطائر الآخر القوى الذى يسعى على رزقه ويساعد الآخرين من بنى جنسه، وقد قال أحد الحكماء: لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأله سبحانه أن يقوى ظهرك.
ويقول الحق سبحانه: «فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور»، ولم يقل اقعدوا وسيأتيكم الرزق حيث كنتم، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «تَدَاوَوْا فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ»، ولم يقل أحد على الإطلاق إن الدعاء بديل الدواء، إنما هو تضرع إلى الله (عز وجل) بإعمال الأسباب التى أمرنا سبحانه وتعالى بالأخذ بها لنتائجها.
ولم يقل أحد على الإطلاق من أهل العلم إن الفقه بديل الطب بل إن الفقه الصحيح يؤكد أن تعلم الطب من فروض الكفايات، وقد يرقى فى بعض الأحوال إلى درجة فرض العين على البعض.
ونؤكد أن ثواب تعلم الطب لا يقل عن ثواب تعلم الفقه، وأن الأولوية لأحدهما ترتبط بمدى الحاجة الملحة إليه، فحيث تكون حاجة الأمة يكون الثواب أعلى وأفضل ما صدقت النية لله (عز وجل).
وعلينا ونحن نأخذ بأقصى الأسباب ألا ننسى خالق الأسباب والمسببات، مَنْ أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، فنجمع بين أسباب العلم وأسباب الإيمان معًا، مؤكدين أنه لا تناقض بينهما بل الخير كل الخير والنجاء كل النجاء أن نحسن الجمع بينهما والأخذ بهما معًا.
الأستاذ بجامعة الأزهر