فى كل مرة يمارس المؤمن عبادات وتسابيح وتقاليد زمن الصوم بشكل عام والصوم الكبير بشكل خاص يتأكد له أنه زمن لحياة الإيمان، أى لكى نقبل الله فى حياتنا ونسمح له بأن « يقيم معنا «..
ويذكرنا قداسة البابا المتنيح شنودة الثالث أن الصائم ليس مطلق الحرية، يأخذ من كل ما يراه، ومن كل ما يهواه.. بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه، أى أن يضبط إرادته من جهته، وهكذا كان على الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده، فقد تكون الشجرة « جيدة للأكل، وبهجة للعيون، وشهية للنظر « ( تك 3: 60 )، ومع ذلك يجب الامتناع عنها.
ومعلوم عن الأربعة آحاد الوسطى فى الصوم الكبير التالى.. الأول هو أحد الابن الضال وهو فصل الاختيار، الابن الضال فقد كل شيء إلا الرجاء وعندما رجع إلى بيت أبيه وجد أن السجن خارج البيت، أما مع أبيه فهى الحرية الكاملة، والثانى هو أحد السامرية وهو فصل التكرار، فالسامرية كررت الخطية خمس مرات ولكن عند مقابلتها للسيد المسيح كشفت هذه الخطية ولفظتها ولم تعد إليها، أما الثالث فهو أحد المخلع وهو فصل الاستمرار، فالمخلع ظل هكذا لمدة ٣٨ سنة، وفى العهد القديم كان المرض يرتبط بالخطية، فخطية المخلع قيدته، ولكن ظهر الرجاء عندما قابل السيد المسيح وقال له: « قُمِ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ « فيجب ألا نستسلم للخطية مهما طال الوقت.. والرابع هو أحد المولود أعمى وهو فصل المرار فهذا الإنسان لم يبصر نورًا وهكذا الخطية عندما تمتد مع الإنسان تفقده البصيرة ولكن يأتى الرجاء عندما يقابل السيد المسيح ويبصر..
ولعل فى زمن الصوم الكبير ما يذكرنا بتجربة أزمنة واحداث ما أصعبها، عندما وقع هجومان أثناء قداس « أحد السعف « وكان أولهما فى كنيسة مار جرجس فى طنطا، وبعد ساعات، وقع الانفجار الثانى بمحيط الكاتدرائية الاسكندرية، عندما حاول شرطى التصدى لانتحارى ففجر الانتحارى نفسه، وقد أودى التفجير الأول بحياة نحو ثلاثين شخصًا وأصيب أكثر من سبعين آخرين بجروح معظم من رواد الكنيسة... وكان قداسة البابا تواضروس الثانى، يترأس قداسا أثناء الهجوم الثانى، ولكنه لم يصب بأذى..
وعقب تلك الأحداث الأليمة كتب شاب مسيحى يائس محبط على صفحته الفسبوكية مخاطبًا مواطنيه: « متغيرش صورة البروفايل بتاعك كالعادة.. متشيروش وتنشروا صور الأشلاء والجثث... متنشروش الاكتئاب بين الناس.. الناس مش ناقصة.. متعملوش زى أصحاب أيوب اللى قال لهم « مُعزون مُتعبون كلكم «.. اللى عنده كلمة حلوة تدى سلام وراحة للقلوب المتألمة يقولها.. واللى معندوش يسكت.. اللى حصل هيتكرر.. والعالم من ضيق إلى ضيق.. الحل مش فى الكلام والبكا والشكوى، الحل فى الصلاة.. الشهيد اللى سبقنا على السما لو اتكلم هيقول نفس اللى قاله يسوع المصلوب « لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكن «.. استخبوا فى حضن اللى خلقكم.. فى حضن الكنيسة.. أغضبوا ولا تخطئوا.. صلوا وبس.. «
ولعلنا، ونحن نعايش أزمنة الصيام المسيحية والإسلامية نُعلى معًا كل ما يدعم أواصر المحبة الاجتماعيّة والإنسانية، وأن نتقدّم معًا نحو حضارة الحب التى تمكننا جميعًا من الشعور بأننا مدعوون إليها..
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
بالصور: عندما تحارب الحروف لتصبح ركامًا
الحاج جميل مقداد… السبعيني الذي فقد مكتبته، لا ذاكرته فقد مكتبته بسبب القصف، لكنه لم يفقد ذاكرته ولا حبه لرائحة الحبر والكتب
لم يكن يملك ثروة ولا بيتًا عظيما ، لكن كنزه الحقيقي كانت مكتبة ومطبعة تمتلئ برائحة الكتب والحبر والورق.
مطبعته التي بناها بجهده، ورقةً ورقة، طوال أكثر من ثلاثين عامًا.
الحاج جميل محمد محمد مقداد، رجل تجاوز السبعين من عمره مقيم بمعسكر الشاطئ بمدينة غزة ، كان كلّ من يراه يعلم أن قلبه معلّق بين رفوف الكتب وماكينات الطباعة.
كل زاوية في مكتبته كانت تحمل أثر زمن، وكل مجلد يحمل قصة، وفي كل ورقة توقيعٌ من روحه مختوم بنهاية الغلاف: "دار المقداد للطباعة والنشر".
لكن حين أتى القصف، لم يهدم جدران مكتبته فقط، بل طوى حياةً من القراءة والتدوين والتأمل.
تحوّلت مكتبته إلى رماد، وأحلامه إلى ركام.
قال وهو ينظر إلى ما تبقّى بصوتٍ متحشرج بالحزن:
"ما فقدت مكتبتي فقط… فقدت عمري."
لم يكن ذلك مجرد فقدٍ مادي، بل رحيل صامت لذاكرة وطن وصفحاتٍ كانت تنبض بالحياة والحكمة.
بداية الحلم
أسست مطبعة ومكتبة دار المقداد بمدينة غزة بمخيم الشاطئ منذ 1980 رغم صعوبة الظروف ووجود الاحتلال الإسرائيلي في القطاع.
لكن حلم المكتبة والطباعة كان يراوده منذ شبابه، فقد منعه الاحتلال من إنشاء مشروعه الخاص بعد اعتقاله عام 1981 لمدة ست سنوات.
ومع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، بدأت أول باكورة إنتاج المطبعة.
يستذكر الحاج أبو محمد تلك اللحظات بلوعة واشتياق، وكأن شريطًا سينمائيًا يمر أمام عينيه، ليروي بداية مشروعه الذي بدأ بماكينة تصوير عادية وماكينة سحب من النوع القديم.
استأجر حينها حانوتًا قريبًا من مكان إقامته، وبدأ بالعمل على الطباعة، وجلب الأحبار والورق وكل ما يلزم من مستلزمات الطباعة والكتابة.
شيئًا فشيئًا، بدأ بإنتاج الكتب والدفاتر والملازم الدراسية لطلاب المدارس والجامعات، ومع مرور الوقت تطورت المكتبة نحو الطباعة العامة بدلًا من التصوير اليدوي.
ذاكرة العمل والعائلة
يقول الحاج "مقداد" بصوتٍ صارم وهو يستعيد أجمل الذكريات: "كنت أعمل بالمكتبة والطباعة، وكانت زوجتي شريكة الحياة تساعدني بالعمل، من ترتيب الكتب وقص الورق، لأن أبنائي السبعة كانوا صغارًا. لكن بعدما كبروا، أصبحوا جميعهم يتناوبون على العمل بالمكتبة دون كلل أو ملل."
كانت مكتبة دار مقداد علامة فارقة في غزة، إذ شاركت في إنتاج ورق الانتخابات للسلطة الوطنية عام 1996 كجزء من الدعاية الإعلامية لتلك المرحلة، لتصبح منذ ذلك الوقت أكثر شهرة ومعرفة بين الناس.
يقول أبو محمد: "كنت موظفًا في جامعتي الأزهر والإسلامية، وكنت محبوبًا ومراعيًا لظروف الطلاب، لذلك كنت أنتج الكتب وأطبعها بسعر يناسبهم. كان طموحي أن أتعلم بسرعة كيفية الطباعة، وقد أنجزت ذلك على آلة الطباعة باللغة العربية والإنجليزية والعبرية، فالمطبعة كانت تمثل لي الحياة والأمل، وكنت أتمنى أن تتطور للأفضل."
بين الصمود والتحدي
يجلس اليوم على كرسيه المتواضع، يستذكر المراحل الصعبة التي مرت بها المطبعة.
يقول: "مرت المكتبة بعدة عقبات، كتعطل ماكينات الطباعة، وعدم توفر الورق، فصيانتها مكلفة جدًا، والإمكانيات قليلة جدًا. الماكينات التي تدخل غزة من قبل الاحتلال تكون مستخدمة وبها أعطال كبيرة، وأسعارها باهظة، فضلًا عن احتكار بعض التجار للأسعار."
ورغم كل الصعوبات، كان يختم كل غلاف كتاب بعبارة "دار المقداد"، علامةً للهوية والإصرار.
بين الرماد والذاكرة
بصوتٍ متحشرج، يقول الحاج جميل: "عدت من منطقة نزوح قريبة من مكان مكتبتي، بعد أن داهم الخطر المنطقة، فوجدتها محروقة. وذلك بتاريخ 15 نوفمبر 2023 . كانت تحتوي على 20 لوح طاقة شمسية كلفتني 120 دولارًا، وبطاريات انفيرتر، لا أثر لها. لا أثر للورق، والكتب محروقة، والمخزن الذي كان مليئًا بالأحبار والأقلام والدفاتر اختفى تمامًا. فقدت ماكينتين للطباعة قيمتهما 11 ألف دولار. كانت صدمة وقهرًا أن أرى شقاء عمري أصبح ركامًا، بعد أكثر من 30 سنة من العمل لتطويرها."
جلس يومها على كرسي في الشارع، وبجانبه كوب ماء، يراقب أبناءه وهم يحاولون جمع بقايا المكان من تحت الرماد، بينما هو لم يستطع الوقوف أو لملمة شتات عمره وتعبه.
مكث عامًا كاملًا بلا عمل بسبب انقطاع الكهرباء التي كانت عماد عمله، حتى عاد الجنوب للشمال، فقرر أن يبدأ من جديد.
قام بترميم المكتبة وشراء ماكينة طباعة مستخدمة رغم ارتفاع سعرها، كما اشترى ورقًا مقصوصًا يدويًا بمقص عادي بدلًا من المقص الآلي، بسعر باهظ.
الأمل لا يُقصف
رغم كل ما حدث، لا يزال الحاج جميل مؤمنًا بأن الحروف لا تموت.
يقول بعزمٍ وهدوءٍ يشبه الحبر على الورق: "سنعود، وستعود المكاتب والمطابع، وسيكتب الحبر من جديد، طالما لا يُستنكر علينا الكتابة، رغم غطرسة الاحتلال ومحاولته طمس هويتنا وثقافتنا وعلمنا."
هكذا تحولت مكتبة دار المقداد من صرحٍ ثقافي إلى ركام، لكنها بقيت شاهدة على ذاكرة رجلٍ جعل من الحبر حياة، ومن الورق وطنًا.
المصدر : وكالة سوا - - نسمة الحرازين/ غزة اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من أخبار غزة المحلية شهيد بنيران مسيرة إسرائيلية جنوب قطاع غزة صورة: شهيدان برصاص الجيش الإسرائيلي شرق مدينة غزة ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 68,216 شهيدا الأكثر قراءة الاحتلال يعتقل عدد من المواطنين أثناء تفقد منازلهم شرق رفح وخان يونس عائلات الأسرى الإسرائيليين: جيشنا قتل جنديا في أسر "حماس" استئناف محاكمة نتنياهو: مشروع قانون لإلغاء الجلسات آفاق المرحلة الثانية من خطة ترامب في غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025