عربي21:
2025-04-30@11:21:10 GMT

رجل الدولة

تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT

ما بين اللقب والأداء:

الحقيقة أن تبني التعريف للسياسة بأنها فن الممكن والقدرة وما إلى ذلك، لم يرتق بها وإنما تخلف بها كعامل مدني أصابه العطب في أنحاء العالم. والأمر ليس حديثا، فعندما أراد الرئيس الفرنسي رينه كوتي (1954-1959) تعريف رجل الدولة والسياسي قال: "رجل الدولة يعمل من أجل بلاده، والرجل السياسي يريد من بلاده أن تعمل من أجله".

إذن معنى السياسة المنقول لنا وفق تقليدنا للغرب هو هذا، فالسياسي الذي نعنيه هو من يملك المقاربات وإدارة المصالح والمرور من طرق ضيقة لينتهي إلى حيث يريد، وهي مبلطة لانتقاله من جديد، وعندما يكون من حملة القيم وهموم الناس والسعي الجاد من أجلها فهو يضع خطواته ليكون رجل دولة، فرجل الدولة فوق الأحزاب وإن كان حزبه وفوق المساومات وإن كانت ربحه لمنصب أو مال، هكذا ألمح الرئيس فنسنت أوريول رغم أنه كان رئيسا لحكومة مؤقتة.

الفرق بين السياسي ورجل الدولة:

في تعريفنا للسياسة كإدارة مصالح الأمة فالسياسي يعد من رجال الدولة، لكن رجل الدولة ليس بالضرورة أن يكون في السلطة أو يعمل في الدولة، بل هو كل من يساهم في نهضة بلده بأفكار أو أعمال أو رفع هموم الناس والسعي لتخفيفها أو مساعدة النخبة في الدولة لفعل ذلك.

فرجل الدولة يفكر في الأجيال، وإن كان سياسيا فهو لا يساوم بمصالح الناس من أجل الفوز بمكان في السلطة، وغالبا العامل في السياسة مراوغ وليس شفافا، فيما رجل الدولة شفاف واضح. ويمكن أن نرى هذا في تاريخ الساسة في العراق مثلا؛ نوري السعيد كسياسي ورجل دولة، وفي العهد الجمهوري عبد الرحمن البزاز.

المساومات، الصفقات، التسويات.. هذه لا يعتبرها العامل في السياسة أمرا يخجل منه، أو يرى الفساد إن مارسه، لكنه يرى الفساد في الآخرين وبالذات من يظن أنه غلبه على ما يراه غنيمته، ولهذا هو ينسي ولا يتذكر كذبا أو حقائق قالها أو فعلها لأنه يريد عبور اللحظة. وهذا ليس عند رجل الدولة الذي يضع من قيمه حدودا لما يكسبه كشخص حتى لو مُنح له قانونا، فهو سيستعين به لرعاية هدفه في تحسين وضع المواطن، لأن الجمهور ووضعه استراتيجية عنده وليس تكتيكا أو وسيلة صوت ليصل الكرسي.

العامل في السياسة لا يهمه ما يحصل من استثارة السلبية في مشاعر المواطن، وهذا ليس ديدن رجل الدولة الذي يهمه أن يجمع الأمة بالمقاربات ويوجه وسائله للتقارب والتعايش وتخفيف الألم والتصدعات إن وجدت.

كم من فاشل تمكن من السلطة بلا كفاءة وفاعلية سلبية وسفيها، لأن أحد العاملين في السياسة احتاج رفعه لكيلا يرتفع إنسان كفؤ نظيف متمكن، ظنا أنه يمكنه السيطرة عليه وتوجيهه لمصلحته، لكن نسي أن هؤلاء الناس يرتقون السلالم ويدفعونها.

رجل الدولة يبحث عن مشاريع دائمة واستراتيجية تتوسع وتعطي عملا للكثرة ويجمع حوله الخبراء ورجال الفكر والدولة، أما العامل في السياسة، فهو يرى المشاريع صفقة، ولا برنامج مستقبليا إلا لشخصه ومن يحيطون به، وهم مجموعة من الطبول الفارغة التي تمجد من في السلطة.

رجل الدولة ينظر إلى المنصب كمهمة لهذا عندما لا تسير الأمور كما يشتهي يغادر ويعلن فشل المهمة ويغادر، فالكرسي عنده آلية وأداة فقط، أما من يحب السلطة فلا يشعر بالفشل وإنما يعكسه على آخرين بأنهم لم يسمحوا له بأن يقوم بعمله كما ينبغي.

حب الظهور وكلام كثير بلا استراتيجية أو هدف، رسائل مداهنة لهذا وذاك وذم هذا وذاك وتنازلات وتراجع عند اللزوم، المهم أن يتمسك بما وجده من حلاوة الكرسي وميزاتها، أما رجل الدولة فهو رجل أفعال، والتضحية من أجل القيم والاستقرار بل من أجل الناس هي ميزة رجل الدولة في السلطة وخارجها أيضا.

هل كل عامل بالسياسة رجل دولة؟

طالما يُكال المديح بنزع لقب رجل الدولة في الإعلام من مختلف الطبقات؛ ممن يعرف أو لا يعرف معنى قوله تقييما وتصنيفا لهذا أو ذاك من القادة أو السياسيين أو مسؤولي الدولة، وكأن المصنف هذا يجد نفسه مؤهلا لإصدار تلك الأحكام ومن الواضح أنه لا يعرف معناها وأنه محض مداهن يتقبله محبي السلطة، وهذا من عيوب الميديا التي تظهر أجرأ الناس على الكلام نتيجة جهلهم وتغفل نخب المثقفين فعلا لأنهم لا يعتمدون الإثارة، فالمتكلم والمتلقي صفتهم السطحية.

رجل الدولة إن تولى حل الأزمة ورفع النقمة ورفّه شعبه وجانسه ووحّده على قيمة، استصغر عظائم أعماله ودعا النخبة للتخطيط وليس للتمجيد ووزع المهام والمقترحات لدراستها. فترك الاجتهاد بلا تخطيط ضياع للجهد، والأمر ليس بأن تقترح أفكارا إيجابية بل أن يكون هنالك مسار لتنفيذها، وإلا ضاع جهد منظمات المجتمع والحكومة وجهد الصالحين ورأي رجال الدولة من غير الحاكمين بمجاملة الأمنيات ومخاطبه الضعف والحاجة بلا حلول، أو امتداح الفشل المتعاظم انفجاريا على أنه نجاح، فكم رأينا الأمة -نتيجة التضليل- تتمسك بفاشلين عبر التاريخ المنظور حولوا الذهب رمادا، لهذا تأخرنا عن الأمم حين قتلنا أملنا بتغييب الصالحين وتسفيه العلماء والنخب والمثقفين، بل هنالك من يجند المادحين ويكرمهم فيزداد رصيد النفاق، ويبقى الناس في سبات العجز يرون ولكن لا يقوون على الفعل فيميلون للنوم والحلم بما لم يحققوه.

مهمة الإنسان البناء وليس المناكفة، ومهمة رعاية المصالح إعلاء النخب العاملة والفاعلة في النهضة والبناء وليس تعظيم الغوغاء والرياء أو الجدل العقيم والتخلف.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات السياسة السلطة الفساد السلطة الفساد السياسة الأخلاق مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رجل الدولة فی السلطة من أجل

إقرأ أيضاً:

العراق وسوريا.. فرقت بينهما السياسة وجمع بينهما الفن والثقافة

آخر تحديث: 30 أبريل 2025 - 10:04 صبقلم:علي قاسم- كاتب سوري الانفتاح العراقي على سوريا شكّل مفاجأة للأوساط السياسية في المنطقة، ويجب أن نعترف أن ما حدث لم يكن متوقعا، حتى من أكثر المحللين تفاؤلا.الاعتقاد السائد في الأوساط السياسية أن رحيل بشار الأسد، حليف إيران، وصعود نظام جديد لا يخفي انتقاده للحكومة الإيرانية، التي يعتبرها شريكا لنظام الأسد في قمع الشعب السوري، سيعمّق الهوة بين سوريا والعراق، الحليف القوي لإيران. لكن، هذا ما يبدو على السطح، فالعلاقة بين العراق وسوريا أعمق من ذلك بكثير. وسقوط الأسد وحزب الله وضعف الموقف الإيراني من الأمور التي أزالت الحواجز وخلقت الظرف المناسب لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها. للمراقب عن بعد، تبدو العلاقة بين سوريا والعراق مليئة بالخلافات. هذه هي الصورة من الخارج. أما من الداخل، فإن التقارب بينهما لم تستطع سنوات حكم البعث في البلدين أن تخفيه، ولم تستطع عبارة “كل دول العالم ما عدا إسرائيل والعراق،” التي كانت تُختم على جواز السفر السوري، أن تفرّق بين مواطني الدولتين. تسلّلت إيران إلى العراق وسوريا من خلال حزب البعث مرتين؛ مرة عن طريق معاداته والدخول في حرب مدمرة معه في العراق، ومرة من خلال تأمين الحماية له وتثبيت نفوذه في سوريا. في سبعينات القرن الماضي، كنت طالبا أدرس الرسم في كلية الفنون الجميلة بدمشق. كانت جلساتنا الطلابية، حتى داخل مراسم الكلية، لا تخلو من الاستماع إلى الأغاني العراقية، مثل: “لا خبر” لفاضل عواد، وأيقونة الغناء العراقي “يا طيور الطايرة” لسعدون الجابر، وياس خضر الذي كان يسحرنا بأغانيه، “الهدلة” و”المحطة”. بالطبع، لن أنسى حسين نعمة وأغانيه الريفية العراقية، وأنوار عبدالوهاب، ورياض أحمد، وسيد المقامات العراقية دون منازع ناظم الغزالي. كطلاب، ندرس الفنون الجميلة، كنا نحرص على متابعة أخبار الفنانين العراقيين الذين تسيّدوا تلك المرحلة، والتعلم من تجاربهم، مثل: جواد سليم، صاحب جدارية نصب الحرية في بغداد، التي بقيت شاهدة على تاريخ العراق الحديث، وشاكر حسن آل سعيد، المفكر الفنان الذي ساهم في تطوير الفن الحديث في العراق والعالم العربي، ورائد الفن التعبيري في العراق إسماعيل الشيخلي، والنحات محمد غني حكمت، وعلاء بشير، الفنان الطبيب، وخالد الجادر، التشكيلي والأكاديمي الذي كان له دور كبير في نشر الفن العراقي على مستوى العالم. استطاع حافظ الأسد أن يختم جواز السفر السوري بعبارة تمنع زيارة السوريين للعراق، لكن العراق بقي في عقولنا وقلوبنا يحتل الصدارة، ولم تستطع أيّ قوة على الأرض أن تزحزحه. في قمة الخلافات بين النظامين عام 1979، عملت في شمال شرق سوريا، قريبا من الحدود العراقية. أتاحت لي تلك التجربة القصيرة فرصة التلمّس عن قرب لعمق العلاقات التي تربط سوريا بالعراق، التي تجاوزت الجغرافيا، لتشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية. عامل التفرقة الوحيد كان حزب البعث الذي حكم البلدين. بدأت القصة عام 1963، عندما وصل الحزب إلى السلطة في سوريا والعراق عبر انقلابين عسكريين، لكن سرعان ما بدأت الخلافات بين القيادات في البلدين، وانتهت بانقلاب شهدته سوريا عام 1966، أدى إلى انقسام البعث إلى جناحين، أحدهما في دمشق والآخر في بغداد. في عام 1978، جرت محاولة للصلح برعاية الرئيس العراقي أحمد حسن البكر والرئيس السوري حافظ الأسد عبر ميثاق العمل القومي المشترك، سرعان ما أُجهضت بوصول صدام حسين إلى السلطة في العراق عام 1979، وإعدام عدد من القيادات البعثية العراقية التي دعّمت الوحدة، فيما عُرف بـ”مجزرة الرفاق”. بعد عام، اندلعت الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988)، حيث دعّم خلالها نظام الأسد إيران ضد العراق، وهو ما أدى إلى قطيعة تامة بين البلدين. وذهبت حكومة الأسد أبعد من ذلك خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، ووقفت إلى جانب التحالف الدولي ضد العراق، مما زاد من حدة الخلافات. سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وفقدان حزب البعث العراقي للسلطة، لم ينهِ الخلافات، بل بقيت العلاقات بين سوريا والعراق متوترة حتى السنوات الأخيرة، حيث لعبت الأوضاع الأمنية والتدخلات الإقليمية دورا في تحديد طبيعة العلاقة بين البلدين. رغم الخلافات السياسية والأمنية بين البلدين، فإنها لم تلغِ حقيقة التقارب بين الشعبين، والأهم من ذلك الفرصة التي قد يمنحها التقارب لكلا البلدين. بزوال البعث، وضعف الموقف الإيراني، والتحولات الحاصلة على المستوى الدولي، باتت كل الظروف ممهدة لهذا التقارب. لم يكن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يغامر بمنصبه لرعاية هذا التقارب، أو يخشى غضب حكام طهران بعد أن نزعت أنيابهم ومخالبهم، وهو الذي يعلم بحكم التجربة والخبرة أن ما يجمع بين سوريا والعراق أقوى وأمتن بكثير مما يفرق بينهما. تريدون دليلا أكبر على العلاقة القوية التي تربط الشعب السوري بالشعب العراقي؟ إليكم واحدة: إنها قصة حب جمعت شاعر الغزل “الأموي” نزار قباني و”العباسية” بلقيس الراوي، عندما التقاها الشاعر عام 1962 لأول مرة في بغداد خلال مهرجان شعري، ليقع في الحب من النظرة الأولى. حاول التقدم لخطبتها، لكن والدها رفض بسبب سمعته كشاعر يتغزل بالنساء. رغم ذلك، استمر نزار في مراسلتها سرا لسنوات، حتى تدخل الرئيس العراقي أحمد حسن البكر عام 1969 لإقناع والدها بالموافقة على الزواج. عاشا معا 13 عاما إلى عام 1981، ليخطفها الموت في تفجير السفارة العراقية ببيروت، وهو الحدث الذي ترك أثرا عميقا في نفس نزار، ودفعه لكتابة واحدة من أجمل قصائده بعنوان “بلقيس”، قال فيها: “بلقيسُ.. كانتْ أجملَ الملكاتِ في تاريخِ بابلْ. بلقيسُ.. كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرضِ العراقْ. كانتْ إذا تمشي.. ترافقُها طواويسٌ.. وتتبعُها السحابْ..” وإذا نسي العالم كل ما كُتب من شعر في الغزل، فلن ينسى شطرا من الشعر يقول فيه نزار مخاطبا بلقيس: “أشهد أن لا امرأة إلا أنتِ.” ستون عاما من الخلافات السياسية بين العراق وسوريا لم تنجح يوما في زرع الفرقة والخلاف بين شعبين ارتبطا برباط الثقافة والحب.

مقالات مشابهة

  • العراق وسوريا.. فرقت بينهما السياسة وجمع بينهما الفن والثقافة
  • دنابيع السياسة العربية.. من دنبوع اليمن إلى دنبوع فلسطين
  • عباس شومان: المساواة في الميراث ظلم للمرأة وليس إنصافا لها.. فيديو
  • شوبير: الصفقات تُبنى على أساس احتياجات الفريق وليس على الشعارات أو الضجة الإعلامية
  • زيارة البرهان إلى مصر: محاولة لالتقاط أنفاس السياسة وسط ركام الحرب
  • واشنطن: نريد أن تتبع البيشمركة الحكومة وليس الأحزاب
  • البيت الابيض: ترامب يريد وقفا دائما لإطلاق النار في أوكرانيا وليس مؤقتا
  • علي جمعة: تعظيم النبي أمر إلهي وليس اختراعا بشريا
  • عفة القائد وفساد الزبانية ..!
  • يد السياسة تمتد إلى كرة القدم في إقليم كوردستان.. فرصة رائدة لإظهار القوة الناعمة