بدأت الهند -اليوم الجمعة- المرحلة الأولى من انتخاباتها العامة، حيث يبدو من شبه المؤكد فوز رئيس الوزراء الهندوسي القومي ناريندرا مودي على قوى المعارضة المتعثّرة.

ومنذ الصباح الباكر تشكّل طابور انتظار طويل أمام مركز الاقتراع في هاريدوار، وهي من أولى المدن التي يبدأ فيها التصويت، وتعدّ مدينة مقدّسة في العقيدة الهندوسية وتقع على ضفاف نهر الغانج.

وقال غنغا سينغ -وهو سائق عربة ريكشا يبلغ من العمر 27 عاما- "أنا سعيد بالمنحى الذي ينحاه البلد وأدلي بصوتي وفي بالي ازدهار بلدي وليس رفاهي الشخصي".

أما غابار تاكور الذي يعمل مصوّرا للسائحين، فلم يخفِ ما يساوره من "غضب إزاء الحكومة"، مندّدا بـ"ازدهار مزعوم لم يصل إلى حيث" يعيش.

وقد حثّ ناريندرا مودي الناخبين في الاقتراع الممتدّ على 7 مراحل إلى "ممارسة حقّ التصويت بأعداد قياسية"، ولا سيّما الشباب الذين يصوّتون للمرّة الأولى في حياتهم.

وشدد عبر منصة "إكس" على أن "كلّ تصويت له قيمته وكلّ صوت له أهمّيته".

أمّا حزب المؤتمر– أبرز قوى المعارضة- فذكّر الناخبين بأن "من شأن تصويتهم أن يضع حدّا للتضخّم والبطالة والكراهية والظلم"، مردّدا "احرصوا على التصويت" و"لا تنسوا أن تدلوا بأصواتكم".

وفي المجموع، سيُدعى 968 مليون هندي لانتخاب 543 نائبًا في الغرفة الدنيا في البرلمان:

وتمتد عملية التصويت لأسابيع عدّة، على أن تكون المرحلة النهائية في الأول من يونيو/حزيران وستفرز الأصوات في كل أنحاء البلد في اليوم الرابع، وعادة ما تعلن النتائج في اليوم ذاته.

الانتخابات بدأت اليوم وتنتهي 4 يونيو/حزيران المقبل (الفرنسية) شعبية كبيرة

وما زال ناريندرا مودي (73 عاما) يحظى بشعبية كبيرة بعد ولايتين زادت خلالهما الهند من نفوذها الدبلوماسي وثقلها الاقتصادي.

وأفاد استطلاع للرأي صدر عن معهد "بيو" العام الماضي أنّ 80% من الهنود لديهم نظرة إيجابية حيال مودي بعد قرابة عقد في السلطة.

وحقّق مودي لحزبه "بهاراتيا جاناتا" فوزين ساحقين في 2014 و2019، من خلال اللعب على الوتر الديني في أوساط الناخبين الهندوس.

وهذا العام، دشّن مودي في مدينة أيوديا معبدا كبيرا للإله رام أنشئ على موقع مسجد عمره قرون ودمره هندوس متطرّفون.

وحظي هذا الحدث بتغطية إعلامية واسعة النطاق وأقيمت احتفالات عامة في كل أنحاء الهند.

لكن الكاهن موكيش دوبي يقول إن لعب حكومة مودي على الوتر الديني هو "خداع" يهدف إلى صرف الانتباه عن الصعوبات الأكثر خطورة وإلحاحا التي تواجهها الهند، مع وجود الملايين من الشباب من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.

ويرى أن الهدايا الدينية لا فائدة منها إذا "لم يكن لدى الناس عمل ولا طعام".

راهول غاندي يلوح لأنصاره في ولاية كيرلا الجنوبية (رويترز) ملاحقة المعارضة

ولكن المحللين يعتبرون أن مودي هو الفائز في الانتخابات بحكم الأمر الواقع نظرا إلى أن ائتلاف أحزاب المعارضة لم يسمّ بعد مرشحه لمنصب رئيس الوزراء.

وتعزّزت فرص فوز مودي بفعل عدّة تحقيقات جنائية في حقّ معارضيه، فالحسابات المصرفية لحزب "المؤتمر" مجمّدة منذ فبراير/شباط بسبب خلاف حول إقرارات الإيرادات يعود إلى 5 سنوات.

ويُلاحق راهول غاندي -الذي يعدّ الشخصية الأبرز في المعارضة- في حوالي 10 دعاوى قانونية تمضي إجراءاتها ببطء. ويتهمه مسؤولون في حزب "بهاراتيا جاناتا" بالتشهير.

ويتّهم غاندي من جانبه الحكومة بالتسبب في تراجع الديمقراطية، وينتقد تبنّيها للمعتقد الهندوسي على حساب أقليات كبيرة، ولا سيما 210 ملايين مسلم يشعرون بالقلق على مستقبلهم.

وعلّقت عضوية غاندي في البرلمان مؤقتا العام الماضي بسبب إدانته بتهمة التشهير.

غاندي الذي تولّى والده وأجداده منصب رئيس الوزراء، قال مؤخرا "ليس لدينا المال للقيام بحملتنا الانتخابية، ولا يمكننا دعم مرشحينا. لقد ضعفت قدرتنا على خوض المعركة الانتخابية".

وجاء في تقرير صدر الأربعاء عن جمعية "CIVICUS" الحقوقية أن ولايتي مودي شهدتا "نموذجا للقمع يقوم على نسف الديمقراطية والحيّز المدني".

مودي أثناء تسلمه صنمًا للإله الهندوسي راما خلال تجمع انتخابي في ميسورو الهندية (غيتي إيميجز) خامس قوّة اقتصادية

وفي منطقة باستار التي تعدّ آخر معقل للتمرّد الماوي اليساري بولاية تشاتيسغار(الوسط الشرقي)، يدلي المزارع بيرونغ كارما بصوته تأييدا لتحالف المعارضة.

ويقول بيرونغ كارما "قام مودي بسجن زعماء من المعارضة وأنا لا أستسيغ ذلك".

لكن حزب "المؤتمر" الذي حكم البلد بلا انقطاع تقريبا طوال عقود بعد استقلال الهند، تراجعت قوته إلى حد أنه لا يشارك في السلطة سوى في 3 ولايات من أصل 28 ولاية.

وقد شكّل زعماؤه تحالفا مع أكثر من 20 حزبا محليا لمواجهة حزب مودي وإستراتيجيته الانتخابية المحكمة والمموّلة بسخاء.

غير أن التحالف يتخبّط في خلافات حول تقاسم المقاعد وقد انسحب منه أحد زعمائه، وأعلن تـأييد الحزب الحاكم.

ويتّهم التحالف حكومة مودي باستخدام القضاء لإبعاد بعض زعماء المعارضة الذين تستهدفهم تحقيقات جنائية بمن فيهم رئيس وزراء نيودلهي أرفيند كيجريوال الذي ألقي القبض عليه في مارس/آذار الماضي بعد اتهام حزبه بمزاعم فساد مرتبطة بسياسة المشروبات الكحولية في المدينة.

و خلال حكم مودي، أصبحت الهند خامس اقتصاد في العالم متقدّمة على المملكة المتحدة، القوة الاستعمارية السابقة.

ويتقاطر زعماء الغرب إلى الهند لكسب ودّ هذا الحليف المحتمل في مواجهة النفوذ الصيني المتنامي، وذلك بالرغم من تحذيرات المدافعين عن حقوق الإنسان من تراجع حرّية الصحافة فيها.

ومنذ وصول مودي إلى السلطة في 2014، تراجعت الهند 21 مرتبة في التصنيف العالمي لحرّية الصحافة الذي تعده "مراسلون بلا حدود" لتحتل المرتبة 161 بين 180 بلدا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

أي أفق للديمقراطية في ظل منظومة الاستعمار الداخلي؟

بحكم هيمنة الصراعات الهوياتية -الحقيقية أو المفتعلة- على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس منذ المرحلة التأسيسية، لم يتوجه السجال العمومي نحو تأسيس المشترك بقدر ما توجه نحو تضخيم الفوارق حتى عشنا ما أسماه أمين معلوف صراع "الهويات القاتلة". فأصبح "القتل" المادي أو الرمزي ومنطق النفي المتبادل هو جذر الخطابات التي تهيمن على الساحة العامة وأفق صراعاتها "الوجودية". ولم تستطع كل الأزمات الدورية التي مرت بها الأحزاب الحاكمة والمعارضة -مع غيرها من الفاعلين الاجتماعيين- أن تحمل هؤلاء على البحث عن "الأزمة البنيوية" التي تثوي وراء ذلك كله.

ولا يبدو أن "تصحيح المسار" باعتباره انقلابا على الثورة أو تصحيحا لمسارها -من خلال إزاحة "الخطر الجاثم" المتمثل في الديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة ونظامها البرلماني المعدّل- قد غيّر في "روح" تلك الصراعات ومفرداتها ورهاناتها شيئا معتبرا أو دفع بها إلى هامش المشهد العام، حتى فيما يتصل بالعلاقات البينية داخل أطياف المعارضة.

في ظل هذا الواقع الذي لا ينكره إلا مكابر أو واهم، لم يكن للنخب الأكاديمية وللمثقفين دور يتخارج مع منطق السياسي أو النقابي أو الناشط المدني، ذلك المنطق الموجّه نحو إعادة هندسة المشهد العام وتعديل موازين القوى المتحكمة فيه "الآن-وهنا". ورغم وجود بعض الاستثناءات غير المؤثرة، فإن الأغلب الأعم من الشخصيات الاعتبارية "الحداثية" كانوا -منذ المرحلة التأسيسية- في ضرب من التماهي التام أو التطابق مع استراتيجيات مختلف مكوّنات ما يسمى بـ"العائلة الديمقراطية". وهي قوى سياسية غير متجانسة أيديولوجيا في الأصل، ولكنها استطاعت تذويب خلافاتها الأيديولوجية لبناء "تجمّع" ما بعد أيديولوجي لا يختلف في جوهره ولا في دوره عن "التجمع الدستوري الديمقراطي": تجميع كل أعداء الإسلاميين للدفاع عما يسمونه بـ"النمط المجتمعي التونسي". وهو "نمط" تقتضي رهانات الصراع تضخيم "مكاسبه" الحقيقية والمتخيلة (في مستوى حقوق المرأة وبعض الحريات الفردية) وتغييب كل آفاته في المستويين الاقتصادي والاجتماعي (الجهوية، الزبونية، الاقتصاد الريعي، اللاتكافؤ بين الجهات، الفساد القيمي، التبعية الحضارية، تدمير التعليم والأسرة، تدجين النخب وتحول أغلبهم إلى كائنات وظيفية في خدمة منظومة الاستعمار الداخلي.. الخ).

نجاح "تصحيح المسار" هو أعظم تعبير على هشاشة الانتقال الديمقراطي في المستويين السياسي والاقتصادي، وخصوصا من مستوى المَأسسة، وهو ما يجعلنا لا نرى في "تصحيح المسار" انقلابا على الانتقال الديمقراطي بقدر ما نرى فيه تعبيرا عن تناقضاته الداخلية وعطالة العقل السياسي الذي أداره. فـ"تصحيح المسار" هو في وجه من وجوهه الابن الشرعي للانتقال الديمقراطي الفاشل، أو هو محاولة للخروج من أزمة التأسيس (أو الأزمة البنيوية) بطرح تأسيس جديد من خارج الديمقراطية التمثيلية
أما من جهة "حركة النهضة"، فإن رهان "التَّونسة" -سواء كان خيارا حرا أم استجابة لضغط خصومها- مصحوبا بالسعي إلى الاندماج في الدولة بدل مواجهتها، قد دفعا بها، في إطار منطق التوافق منذ أشغال "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" وليس منذ التحالف مع نداء تونس كما هو سائد في أغلب التحاليل السياسية، إلى التطبيع مع المنظومة القديمة وفق شروط تلك المنظومة، أي وفق شروط منظومة الاستعمار الداخلي. وهو ما يعني أن النهضة قد ربطت نفسها استراتيجيا بمنظومة الاستعمار الداخلي من خلال ما أسمته بالتنازلات "المؤلمة" تحت يافطة "المصلحة الوطنية". فمنذ أعمال هيئة تحقيق أهداف الثورة قبلت النهضة بمنطق "القوة النوعية" أو بوجود شرعية غير مستمدة من التمثيل الشعبي، ومرتبطة في العديد من مكوناتها بالمنظومة القديمة، ثم تواصل تأثير تلك "القوة النوعية" ذات التمثيل المحدود شعبيا في المجلس التأسيسي وفي العديد من المؤسسات الدستورية وغير الدستورية.

لقد كان اتساع الهوة بين "القوة الانتخابية" (المرتبطة بالإرادة الشعبية) وبين "القوة النوعية" (المرتبطة باللوبيات الوظيفية) حركة تراكمية تجسدت مؤقتا في تغوّل "القوة النوعية"، بدعم من الرئيس (قصد نزع الشرعية عن القوة الانتخابية المتمثلة أساسا في البرلمان)، ثم وجدت مستقرّها في انتفاء حاجة الدولة العميقة للديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة كلها، بما فيها تلك "القوة النوعية" ذاتها. وهو ما عبّر عنه "تصحيح المسار" الذي يستمد شرعيته -على الأقل نظريا- من عدم حاجته للقوة النوعية (الأجسام الوظيفية المعارضة للإسلاميين والمساندة للانقلاب عليهم بمنطق الاستئصال الناعم أو الصلب)، الأمر الذي دفع بمنظومة الحكم إلى إقصائها وتهميشها تحجيم دورها التقليدي أو حتى شيطنته في إطار "التأسيس الثوري الجديد".

إذا كان فشل الانتقال الديمقراطي دليلا على بؤس الوعي السياسي لمختلف مكونات المشهد التونسي حكما ومعارضةً (عدم التجاوز الجدلي للبورقيبية والأساطير المؤسسة للكيان الوظيفي المسمى مجازا دولة وطنية، الخضوع لمنطق استمرارية الدولة، العجز عن بناء سردية جماعية مرافقة للثورة، استمرار التبعية لمنظومة الاستعمار الداخلي من خلال دورها "التحكيمي" في آليات الصراع ورهاناته ومخرجاته، حرف الصراع عن مداراته القيمية والاجتماعية والاقتصادية وتضخيم صراع "الهويات القاتلة"، غياب الثقافة الحوارية وغلبة أحادية الصوت، تسفيه الإرادة الشعبية أو التلاعب بها أو إقصاؤها عند صياغة السياسات العامة.. الخ)، فإن نجاح "تصحيح المسار" هو أعظم تعبير على هشاشة الانتقال الديمقراطي في المستويين السياسي والاقتصادي، وخصوصا من مستوى المَأسسة، وهو ما يجعلنا لا نرى في "تصحيح المسار" انقلابا على الانتقال الديمقراطي بقدر ما نرى فيه تعبيرا عن تناقضاته الداخلية وعطالة العقل السياسي الذي أداره. فـ"تصحيح المسار" هو في وجه من وجوهه الابن الشرعي للانتقال الديمقراطي الفاشل، أو هو محاولة للخروج من أزمة التأسيس (أو الأزمة البنيوية) بطرح تأسيس جديد من خارج الديمقراطية التمثيلية ذاتها وبإنهاء الحاجة إلى أجسامها الوسيطة ومنطق لا مركزية السلطة.

نظريا، يطرح "تصحيح المسار" نفسه باعتباره أطروحة مناقضة للتأسيسين أو على الأقل متجاوزة لهما جدليا (التأسيس للدولة الوطنية والتأسيس للثورة التونسية)، وهو يطرح الديمقراطية المباشرة أو المجالسية والنظام الرئاسوي والشركات الأهلية باعتبارها ركائز هذا التأسيس الجديد. وفي إطار هذه السردية، فإن الديمقراطية المباشرة تنهي الحاجة للأحزاب وللمال السياسي الفاسد الذي يحكم علاقتها بالناخب وبأجهزة الدولة، والنظام الرئاسوي يُنهي حالة الفوضى ويُجنّب البلاد التفتت، أما الشركات الأهلية فإنها تبشر بميلاد اقتصاد تضامني يحد من هيمنة الاقتصاد الريعي ويقوم بإنتاج الثروات وتوزيعها على أسس أكثر عدلا وإنصافا.

ولكن بين النظرية وتطبيقاتها (البراكسيس) توجد هوّة لا يمكن ردمها بغياب "النخب البديلة"، وفي إطار علاقة "التعامد" بين الرئيس ومنظومة الاستعمار الداخلي. فالتناقض الأساسي في تصحيح المسار أنه يطرح تأسيسا جديلا دون تصعيد نخب جديدة لإدارتهن ولذلك فإنه يستعمل نخب المنظومة القديمة أو النخب الوظيفية التي ارتبطت بورثتها وحلفائها بعد الثورة، وهو ما يجعله -بصرف النظر عن النيات "الصادقة"- عاجزا عن التحرك خارج الإطار العام الذي ترسمه منظومة الاستعمار الداخلي، بل تجعله -في التحليل الأخير- مجرد واجهة سياسية جديدة لها على الأقل في السياق الحالي.

الشعب التونسي في أغلبه الأعم لا يريد ديمقراطية "شكلية" تجعل الناخب في مركز الشرعية دون أن تكون مصالحه وانتظاراته المشروعة هي مركز القرار السياسي. وهو واقع لا يبدو أن أطياف المعارضة تتعامل معه بالجدية اللازمة؛ بحكم ما أسلفنا من "آفات" العقل السياسي التونسي الذي ما زال يتغنى بالكيان الوظيفي باعتباره دولة، وما زال ممثلوه يطرحون خدماتهم على مع منظومة الاستعمار الداخلي باعتبارها سلطة "ما فوق سياسية" يجب استرضاؤها قبل الإرادة العامة أو حتى ضدها
تعلم المعارضة التونسية بمختلف أطيافها أن قوة "تصحيح المسار" الأساسية ليست مستمدة من الدعم الشعبي، بل من حاجة منظومة الاستعمار الداخلي ونواتها الصلبة له. كما تعلم هذه المعارضة أن انتفاء الحاجة إليها أو إعادة تأهيلها في إطار تسويات ممكنة مع السلطة ليس مجرد شأن داخلي صرف، ولكنه لا ينفصل عن موازين القوى الداخلية، خاصة قوة المعارضة وما تملك من مصداقية لدى عموم المواطنين. ولكنّ هذا الوعي لا يتجلى في أغلب خطابات المعارضة التي ما زالت محكومة بآفتين هما: أولا منطق الصراعات البينية ذات الجذر الهوياتي-الأيديولوجي، وهو منطق يضعفها أمام السلطة ويجعلها غير قادرة على التحرك باعتبارها "كتلة" أو هوية جماعية ذات بديل واضح أمام الرأي العام؛ ثانيا إدارة الصراع السياسي باعتباره صراعا ضد المنظومة الحاكمة وسرديتها السياسية؛ لا ضد منظومة الاستعمار الداخلي وخياراتها التأسيسية منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا.

ختاما، لا شك في أنّ هذا السرديات السياسية التي يضع أصحابها أنفسهم -قصديا أو بصورة غير قصدية- في خدمة منظومة الاستعمار الداخلي (بدعوي استمرارية الدولة أو الوحدة الوطنية أو مواجهة "الخطر الجاثم" المتمثل في الأجسام/المؤسسات الوسيطة المعبّرة عن تعدد الشرعيات التمثيلية)، لا يمكن أن تنتج إلا ديمقراطية "صورية" كما كان الشأن زمن الانتقال الديمقراطي، أو نسفا للديمقراطية بمعناها الليبرالي كما هو الشأن في "تصحيح المسار". وهو ما يعني أن سعي المعارضة للعودة إلى تصدر المشهد العام بمنطق ما قبل 25 تموز/ يوليو 2021 هو سعي محكوم بالفشل، ولا يمكن -حتى في صورة نجاحه المستبعدة- أن يكون حاملا لمشروع ديمقراطي صلب.

فالشعب التونسي في أغلبه الأعم لا يريد ديمقراطية "شكلية" تجعل الناخب في مركز الشرعية دون أن تكون مصالحه وانتظاراته المشروعة هي مركز القرار السياسي. وهو واقع لا يبدو أن أطياف المعارضة تتعامل معه بالجدية اللازمة؛ بحكم ما أسلفنا من "آفات" العقل السياسي التونسي الذي ما زال يتغنى بالكيان الوظيفي باعتباره دولة، وما زال ممثلوه يطرحون خدماتهم على مع منظومة الاستعمار الداخلي باعتبارها سلطة "ما فوق سياسية" يجب استرضاؤها قبل الإرادة العامة أو حتى ضدها.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • الهند وبريطانيا تستأنفان المحادثات حول اتفاق تجارة حرة
  • خسارة الوزن.. تناول ماء جوز الهند يوميا وشاهد النتيجة
  • لنشر الوعي الديني.. الإفتاء تقدم خطة شاملة في شهر رمضان - (تفاصيل)
  • وزير الأوقاف والإرشاد في مؤتمر الحوار الإسلامي يدعو الى توحيد الجهود لمكافحة الطائفية والتطرف وتعزيز قيم التسامح والتعايش
  • حتى السويد تتغير الى اليمين والتطرف …. السبب !!
  • أي أفق للديمقراطية في ظل منظومة الاستعمار الداخلي؟
  • في ذكرى الحراك.. دعوات للسلطات الجزائرية لاحترام حقوق الإنسان
  • رئيس الوطنية للانتخابات يكشف حقيقة الإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية
  • عناصر مسلحة تختطف الصحفي عماد الديني أمام أسرته في المكلا
  • ندوة  حول الدور الفاعل للمرأة في حماية السلم المجتمعي والتطرف الفكري