فورين بوليسي: السودان ليس حالة ميؤوسا منها
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
ذكر مقال في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن القادة الأكثر نفوذا في العالم وكذلك الهيئات والمنظمات الدولية دأبوا على وصف المعارك التي تدور رحاها في السودان بأنها "مأساوية، وتجاوزت مرحلة اللاعودة"، ولم يتخذوا خطوات عملية لإنهاء هذه المأساة.
وصادف يوم 15 أبريل/نيسان الجاري مرور عام على انزلاق السودان في نزاع مسلح بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع، التي يتزعمها محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وتقول الخبيرة بشؤون السودان والشرق الأوسط سهى موسى، في مقالها -الذي نشر قبل يومين- إن مصطلحات من قبيل تلك التي تطلقها المنظمات ووسائل الإعلام والقادة، تبدو منطقية على الورق في وصف الظروف العصيبة على الأرض، حيث قُتل أكثر من 15 ألف شخص في أعمال عنف مرتبطة بالحرب، ونزح أكثر من 8 ملايين شخص، وتفشت مظاهر الجوع على نطاق واسع.
تبرير العجز
ومع إقرارها بأن تلك المصطلحات أو اللغة تشد الانتباه وقابلة للاقتباس، إلا إن الكاتبة -المقيمة في نيويورك- ترى أنها قيدت استجابة المجتمع الدولي للصراع في أفق إيجاد حل نهائي له.
وتؤكد سهى موسى أن هذا النمط من اللغة -الذي يعتبر العديد من مناطق الصراع قضايا ميؤوسا منها وخاسرة- نغمة ثابتة ملازمة للأزمات الإنسانية، وكثيرا ما يُستخدم للإشارة إلى عجز المجتمع الدولي المفترض عن تخفيف المعاناة. وتضيف أن تلك اللغة كثيرا ما تُستخدم للإيحاء بأن المجتمع الدولي عاجز عن إيجاد الحلول.
وتعتقد الكاتبة أن الخطاب "القَدَري" في حالة السودان -كما كان الحال في العديد من الحروب السابقة، بما في ذلك في سوريا والآن في قطاع غزة- يُكرِّس الخرافات الضارة التي تشوه حقيقة الصراع في تلك الدولة الأفريقية، ويحول دون إحراز تقدم ذي شأن، ويسهم في إطالة أمد المعاناة في نهاية المطاف.
ووفقا للمقال، فعلى الرغم من أن فرص التوصل إلى حل سلمي للصراع لا تزال متواضعة، فإن الوصف المسبق للسودان بأنه دولة "مهجورة بلا أمل يُرتجى" يجعل الكيانات الدولية في حِلِّ من تحمل المسؤولية أو أي علاقة لها بالصراع هناك.
وكان المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، قال إنه نظرا لأن "الأزمة تتجه نحو نقطة اللاعودة"، يجب على الأطراف المتحاربة البحث عن أرضية موحدة لإنهاء الصراع. وعلقت كاتبة المقال على هذا التصريح بأن الأقوال أسهل من الأفعال.
ليست قضية خاسرة
واقترحت سهى على الطرفين الأميركي والسعودي -اللذين قادا مفاوضات غير ناجحة العام الماضي لوضع حد للحرب- التأكد من مشاركة قوات الدعم السريع والجيش، إلى جانب رعاتهم الأجانب، بما في ذلك الإمارات وروسيا، في المحادثات، وتحميلهم المسؤولية من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليهم والمطالبة بإشراف المدنيين على عملية الانتقال السياسي.
وفي معرض تعليقها على تصريحات بيرييلو، قالت الكاتبة إن المبعوث الأميركي يثير المخاوف من خلال تحذيره من"عودة العناصر المتطرفة" -في إشارة إلى الدعم الإيراني للجيش- مشيرة إلى أنه يتعمد استخدام هذه اللغة ليوحي بأن السودان أصبح ساحة معركة بالوكالة في المنطقة.
وباستخدامها تلك اللغة، فإن واشنطن تولي الاهتمام بالمحادثات بشأن التنافس الجيوسياسي بين أطراف الحرب وحلفائهم بدلا من التركيز على الجانب الإنساني وما يتعرض له من تهديدات على الأرض، وفق مقال فورين بوليسي.
ومضى المقال إلى الإيعاز بأن السودان يستحق اهتمام العالم، ولكن وصف الصراع بأنه ميؤوس منه، تسبب في ترسيخ نفور المجتمع الدولي، مما يقلل من فرص التوصل إلى حل.
وأشارت سهى إلى الجهود التي تبذلها مجموعات داخل السودان والسودانيين في دول المهجر لجمع التبرعات، مستخدمة مهاراتها لاستهداف قطاعات محددة، سواء كان ذلك عبر جمعية الأطباء السودانيين الأميركيين التي تركز على البنية التحتية للرعاية الصحية أو التزام منتدى "ناس السودان" الاجتماعي بالتعليم.
وخلصت الكاتبة إلى أن السودان يستحق مستقبلا ينعم فيه أهله بالسلام والاستقرار والتنمية، واهتماما دوليا راسخا، مضيفة أنه طالما الشعب السوداني يحلم بسودان أفضل فلن يكون قضيةً خاسرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ترجمات المجتمع الدولی
إقرأ أيضاً:
الكاتبة العمانية بدرية النبهاني: وجود «السلطنة» ضيف شرف معرض القاهرة للكتاب إنجاز ثقافي كبير لنا
مصر وعُمان حضارتان ضاربتان في عمق التاريخ، تلاقتا عبر القرون في مسارات الفكر والتجارة والسياسة، فكان بينهما وئام لا ينقطع، وعلى هامش مشاركة سلطنة عمان كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، تحاور جريدة «الوطن» الكاتبة والباحثة الدكتورة بدرية النبهاني، التي كرست جهودها في استكشاف التاريخ العماني وفهم جذوره الفكرية والسياسية، مسلطة الضوء على محطات التفاعل الحضاري بين البلدين.
في هذا اللقاء، تكشف رؤيتها حول دور التاريخ في تشكيل الهوية الوطنية، وأهمية البحث الأكاديمي في توثيق الموروث العماني، كما تتحدث عن الروابط التاريخية بين مصر وعمان، ودور الثقافة في تعميق هذا الامتداد الحضاري، مؤكدة أن استحضار التاريخ ليس مجرد استدعاء للماضي، بل هو وعيٌ بصير بالحاضر واستشراف للمستقبل.
- ماذا عن العلاقات التاريخية بين مصر وعمان؟
العلاقات بين عمان ومصر تمتد إلى عمق التاريخ، فهي علاقات قديمة جدا، وأقول دائمًا إن الكيانات الحضارية العريقة ذات الجذور الضاربة في القدم تظل محافظة على التواصل والوئام مهما تعرضت للأزمات السياسية، هذه العلاقات متأصلة ومتجذرة سياسيا واقتصاديا، ما يجعلها دائمة ومستمرة.
وعمان كان لها أدوار كبيرة في التاريخ القديم، في عهد السلطان قابوس - رحمه الله - برزت هذه الرؤية التاريخية بشكل واضح، إذ كان قارئا متمرسا للتاريخ، يدرك قيمة عمان ومصر في المنطقة، كان يوقن أن مصر تشكل ركيزة أساسية في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار تاريخها العريق، ولهذا حرص على توطيد العلاقات بين البلدين.
ورغم انقطاع العلاقات بين مصر ومعظم الدول العربية في بعض الفترات، السلطان قابوس كان ثابتا في موقفه، محافظًا على الوئام والتركيز على البعد الحضاري بين الدول، عمان كانت مساندة لمصر، ومصر كانت سندا لعمان منذ بداية النهضة المباركة عام 1970.
- كيف استقبل المثقفون العمانيون اختيار السلطنة ضيف شرف دورة هذا العام من معرض القاهرة الدولي للكتاب؟
وجود سلطنة عمان ضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يُعد - على ما أعتقد - ثاني أكبر معرض للكتاب في العالم، يمثل إنجازا ثقافيا كبيرا، هذا الحضور يعزز العلاقات الثقافية والحضارية بين عمان ومصر، في جناح عمان، يُبرز العمانيون إصدارات فكرية وثقافية متنوعة، إلى جانب جدول ثقافي مشترك يحضره ممثلو الجانبين العماني والمصري.
ومثل هذه الفعاليات تتيح فرصة للتعرف على الآخر، فمن يحضر الفعاليات العمانية في معرض القاهرة الدولي يكتشف كيف يفكر العمانيون وكيف ينظرون لعلاقاتهم بمصر، هناك تفاصيل تاريخية ربما كانت مجهولة للكثير، لكن البحث التاريخي والعلمي كشف عنها اليوم، على سبيل المثال، في الندوة التي تناولت العلاقات بين عمان ومصر، تحدثنا عن هذا الوئام الأزلي المستمر بين البلدين، واستعرضنا شخصيات وأسماء ظهرت عبر فترات مختلفة من التاريخ.واستمرار هذا الوئام حتى يومنا هذا في عام 2025 يعد امتدادا لتلك العلاقات المتجذرة التي ستظل - بإذن الله تعالى - شاهدا على عمق الروابط التاريخية والحضارية بين عمان ومصر.
- ما الذي دفعك للاهتمام بالتاريخ العماني والفكر السياسي والثقافي؟
دافعي الأساسي لدراسة التاريخ بشكل عام، والتاريخ العماني بشكل خاص، كان ندرة الدراسات التاريخية التي تناولت هذا المجال في مختلف العصور، تخصصت بداية في التاريخ الإسلامي، ثم توسعت لاحقا إلى دراسة التاريخ الحديث والمعاصر.
الفكر السياسي العماني يُعد من أقدم النظريات السياسية التي ظهرت في العصر الإسلامي، حيث بدأ العمانيون في تطوير هذا الفكر بعد فترة الخلفاء الراشدين، وحوّلوه إلى إطار سياسي منظم بإقامة الدولة العمانية عام 132 هجريا، في بداية الدولة العباسية، هذا الانتقال من الإطار الفكري إلى الإطار السياسي أدى إلى كثرة التأليف عند العمانيين في مراحل تاريخية مختلفة، وإن كان معظم هذا التأليف ركز على الجوانب الفقهية والعقائدية تبعا للظروف السائدة في تلك الفترات.
- كيف أثرت نشأتك في تشكيل رؤيتك التاريخية عن عمان؟نشأتي كان لها تأثير كبير، خاصة مع ندرة الدراسات وضعفها فيما يتعلق بفترات تاريخية معينة، مثل الفترة التي حكمت فيها أسرة النباهنة عمان (من القرن السادس الهجري إلى العاشر الهجري)، هذا الغموض التاريخي كان دافعًا قويًا للبحث في المصادر العمانية لمحاولة فهم أسباب قلة الإشارة إلى هذه الأسرة وأهميتها، ومن هنا بدأت اهتمامي بالتاريخ السياسي لعُمان.
- من أبرز الشخصيات أو الأحداث التي أثرت في مسيرتك الأكاديمية والفكرية؟
أبرز الشخصيات التي أثرت في مسيرتي هما أستاذاي: الدكتور فاروق عمر فوزي، الذي كان مشرفي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، كان نموذجا للمؤرخ المتمكن والمتواضع، ولم يدخر جهدًا في توجيهي إلى أهم المصادر والمراجع، رغم أنه كان متخصصا بشكل أكبر في الدولة العباسية، بينما رسالتي تناولت مسلمة بن عبد الملك بن مروان من الدولة الأموية، والشخصية الثانية كانت مشرفي الرئيسي في الدكتوراه، إرشاداته وتوجيهاته ساهمت في بناء دراسة معمقة حول التاريخ العماني السياسي.
- كتابك «آل الرحيل: قرنان من صياغة التاريخ السياسي والفكري في عمان» لاقى اهتمامًا كبيرا.. ما الذي دفعك لتناول هذا الموضوع تحديدا؟
خلال تلك الفترة كنت متخصصة في دراسة التاريخ الإسلامي، ولفت انتباهي غياب دراسات متخصصة حول ظاهرة «الأسر العلمية»، وهي ظاهرة منتشرة في التاريخ الحضاري الإسلامي، لكنها لم تكن محل دراسة كافية في عمان، هذه الأسر العلمية، التي تضم الأبناء والأحفاد أو أبناء العمومة، كان لها دور كبير في نشأة الكيان السياسي العماني خلال تلك الحقبة.
أسرة «آل الرحيل» كانت نموذجا بارزا لهذه الظاهرة، حيث ساهم علماؤها في تأسيس الدولة العمانية خلال العصر العباسي، وساعدوا في بلورة الفكر العقائدي للإباضية، فضلا عن دورهم في استقرار الأوضاع السياسية خلال ما يُعرف تاريخيا بالإمامة الإباضية الثانية.
- كيف كان العمل على «أعلام من حاضرة سناو»؟.. وما أبرز الإسهامات التي تضمنها؟
«أعلام من حاضرة سناو» ركّز على ولاية سناو ودورها التاريخي والعلمي، حاولنا في هذه الدراسة أن نوضح كيف أن الأدب والشعر يمكن أن يشكلا مدخلا لصناعة التاريخ السياسي، تناولنا في الورقة دور العلماء في تمهيد الطريق لوعي المجتمعات، ليس من خلال الثورات الداخلية فقط، بل عبر قصائدهم وتوجيهاتهم الفكرية، إحدى الشخصيات البارزة التي تناولناها كانت الشيخ سعيد الراشدي، الذي كان له دور كبير في نشر الوعي في عُمان خلال فترة الاضطرابات السياسية من خلال شعره ونظمه.
- مقالتك عن التاريخ الاقتصادي العماني تناولت السلع العمانية كنموذج.. ما الذي اكتشفته من خلال هذا البحث؟
ركزتُ في المقالة على تاريخ الاقتصاد من خلال دراسة السلع التجارية، كجزء أساسي من تشكيل اقتصاديات الدول، على سبيل المثال، تناولتُ فترة زمنية مُنع فيها تصدير التمور العمانية، ما أثّر على الداخل العماني، وخلق رفضا شعبيا لبعض القرارات السياسية، ويتضح من هذا البحث أن التاريخ الاقتصادي يُبرز تفاعل الاقتصاد مع السياسة، ما يجعل دراسة الاقتصاد أداة استشارية مهمة لفهم المراحل التاريخية المختلفة.
- ما أبرز التحديات التي تواجه الباحثين في التاريخ العماني؟
أبرز التحديات تتمثل في قلة الكتابات التاريخية المبكرة، فالتأليف التاريخي العماني لم يظهر بصورته الواضحة إلا في القرن العاشر الهجري، وما قبله لا توجد كتابات أصيلة، لذا، يعتمد الباحث على المدونات الفقهية لفهم الفكر السياسي العماني، إذا لم يتمكن الباحث من استيعاب هذا الجانب، سيكون من الصعب فهم تطور السياسة العمانية حتى اليوم.
والتحدي الآخر هو غياب المصادر الأولية لفترات تاريخية معينة، مثل فترة النباهنة، التي لم يُدوّن عنها سوى دواوين شعرية، هذا يجعل الباحث بحاجة إلى إتقان اللغة العربية لفهم النصوص الشعرية، والربط بينها وبين الأحداث التاريخية، حيث يُعتبر الشعر «ديوان العرب»، ومصدرا مهما لتوثيق التاريخ.
- كيف يمكن للتاريخ العماني أن يسهم في تعزيز الهوية الوطنية؟
التاريخ يُعتبر ركيزة أساسية للهوية الوطنية، ويجب أن نقدمه للأجيال الحالية بطرق تتناسب مع عصرهم، باستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لجعل التاريخ مفهوما وجذابا، التاريخ هو «الهوية»، وإذا فشلنا في إيصال هذا البعد للأجيال الشابة، سنفقد جزءًا من ارتباطهم بماضيهم، من خلال فهم التاريخ والوعي به، يمكن بناء الحاضر وحماية الأجيال من تأثير التيارات الثقافية المختلفة التي تحيط بنا في هذا العالم المفتوح.
- ورقتك عن تأثير الشيخ حامد السالمي على الفكر الديني والثقافي في عُمان.. كيف كان العمل عليها؟
تناولت الورقة دور الشيخ حامد السالمي، الذي كان جَدّ الشيخ نور الدين السالمي، وتأثيره الروحي والفكري في المجتمعات التي عاش فيها، الشيخ حامد كان شخصية هادئة ومرنة، ما جعله خيارا موثوقا لحل القضايا الشائكة التي استعانت به الدولة فيها، دوره امتد ليشمل ترسيخ المبادئ الدينية والثقافية في المناطق التي عمل فيها كقاضٍ.
- كيف ترين دور المرأة العمانية في الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي؟
المرأة العمانية أثبتت دورها المحوري في الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي، والمشاركة في مسيرة الدولة بجميع جوانبها، ومكنتها الدولة من إبراز قدراتها، وتفعيل دورها في هذا المجال، إلى جانب أدوارها الأخرى في المجتمع.
- ماذا عن تطور حركة البحث التاريخي في عُمان اليوم.. وما الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الثقافية؟
شهد البحث التاريخي في عمان تطورا ملحوظا، خاصة مع تزايد عدد الرسائل الجامعية المحلية والدولية، التي تتناول التاريخ العماني، الشباب العمانيون أظهروا اهتماما متزايدا بفهم تاريخ بلادهم من زوايا مختلفة، وبرزت نظريات تاريخية جديدة في هذا السياق، والمؤسسات الثقافية، إلى جانب الأكاديميين العمانيين داخل وخارج البلاد، تلعب دورا مهما في نشر الوعي بالتاريخ العماني.
والحكومة العمانية، بدورها، تشجع على قراءة وكتابة التاريخ العماني من قبل الباحثين العمانيين، باعتبارهم الأكثر قدرة على فهم السياق التاريخي المحلي، ومن الجدير بالذكر وجود برامج ثقافية تعرض على شبكات إعلامية دولية.