ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول «حديث القرآن عن الأمة الإسلامية».

خطبة الجمعة 

وقال الدكتور الغفير إن الله عزّ وجلَّ فضل الأمة الإسلامية علي جميع الأمم فأرسل إليها خير رسله، وأنزل فيها خير كتبه، وجعلها خاتمة الأمم، قال النبي ﷺ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، هَدَانَا اللهُ لَهُ - قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى»، كما ميز الله عزّ وجلَّ هذه الأمة بوسطية الفكر والعقل والمنهج والسلوك، قال تعالى «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»، أي خياراً عُدولاً، لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول ﷺ شهيداً عليكم.

وأضاف خطيب الجامع الأزهر أن الله سبحانه وتعالي أعطى لهذه الأمة من المنح والمزايا ما كان يمنح للأنبياء قبل ذلك، كان الله إذا بعث نبياً قال له: «وما جعل عليك في الدين من حرج»، وقال لهذه الأمة: «وما جُعِلَ عليكم في الدين من حرج»، وكان الله إذا بعث نبياً قال له: «ادعني أستجب لك»، وقال لهذه الأمة: «ادعوني أستجب لكم»، وكان الله إذا بعث نبياً جعله شهيداً على قومه، وجعل هذه الأمة شهيدة على جميع الأمم، فأمة الإسلام أكرمها الله عزّ وجلَّ بمزايا ومنح وعطايا إلهية؛ فهي الأمة الوحيدة التي تحفظ كتابها المعظم عن ظهر قلب، وهي الأمة الوحيدة التي أكرمها الله سبحانه وتعالي بصحة الإسناد ومتانة الأنساب، فمن يحفظ القرآن الكريم على شيخ له سند، فسنده يتصل إلى الله عزّ وجلَّ. ونسبه في كتاب الله يصل إلى صاحب الكتاب نفسه وهذه مزية لا توجد في غيرها من الأمم.

وبين الدكتور ربيع الغفير، أن الأمة الإسلامية قد عصمها الله عزّ وجلَّ من عذاب الاستئصال الذي كانت تعذب به الأمم السابقة. قال تعالي: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، ورغم أن صدر هذه الأمة قد كفروا بشرع الله، وحاربوا رسولهم وكذبوه؛ بل وآذووه، وما تركوا مسلكاً من مسالك العذاب إلا وسلكوه، وأمعنوا في الجهالة فقالوا: إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾. لكن الجواب جاء: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ». لا تعذب أمة أرسل إليها رسول الله، فهي أمة مفضلة جعلها الله خير الأمم، قال تعالي: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه﴾ وكان هنا تدل على الاستمرارية والأبدية، أي أنتم خير أمة أخرجت للناس. فكونوا على مقدار هذا الاصطفاء الإلهي.

الغفير: الأمة الإسلامية قد تضعف لكنها لا تموت 

وأوضح «الغفير»، أن الأمة الإسلامية قد تضعف لكنها لا تموت لأنها أمة الحق، والحق هو ميزان الله في الأرض، ويجب علينا أن نقيمه بالعدل والقسط، لأن من مقامات الخيرية التي اتصفت بها هذه الأمة، الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ونبذ الفرقة والاختلاف، والحفاظ على شرع الله عزّ وجلَّ، هذه هي مقومات الخيرية قال تعالي: «كنتم خير أمة أخرجت للناس».

وشدد خطيب الجامع الأزهر على ضرورة أن تعود الأمة لمنابع قوتها، الموجودة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ حتى يرفع الله شأنها وقدرها وتسطيع التغلب على عدوها، كما أن عليها العمل على نبذ الفرقة الداخلية والاختلاف، التي فككتها، وجعلتها أمة متناحرة، قال تعالي: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، وقال ﷺ: «والذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم».

وحث أستاذ اللغويات المسلمين الصبر على الابتلاءات والفتن فهذه أقدار الله عزّ وجلَّ لهذه الأمة أن تكون مبتلاة بالفتن، وتسلط الصغار والضعاف وذلك حين تنخذل الأمة وتتخلى عن مواطن قوتها الحقيقية وريادتها التاريخية، وظهور الفتن من علامات الساعة، الذي يعصم الأمة الإسلامية من الفتن عند نزولها داخلياً أو خارجياً هو الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والتآلف والتحاب، والتراحم فيما بينا، والتعوذ من الفتن صباح مساء كما كان النبي ﷺ يتعوذ منها صباح مساء ما ظهر منها وما بطن.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأزهر خطبة الجمعة جامع الأزهر الأمة الإسلامیة لهذه الأمة هذه الأمة قال تعالی الله عز ا الله ان الل

إقرأ أيضاً:

طريق التكامل والتعاون والسيادة (2)

 

سالم بن محمد العبري

لعلنا في الحلقة الماضية أَشَرْنَا إِلى أنَّ محاولات الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدؤوبة هي مدخل لبناء منطقةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ في جغرفيا المنطقة، التي حَدَّدْنَاهَا بالمحيطين شرقًا، وغربًا، وشمالًا بحدود «روسيا الاتحادية»، وجنوبًا بالصحراء الكُبرى بأفريقيا. وذكرنا أن جهود «إيران» الإسلامية منذ قامت الثورة الإسلامية بعد تَخَلُّصِهَا من النظام المـَلَكِي العَضَوضِ -كما يراه الإيرانيون، وعلى رأسهم العلماءُ والمراجعُ؛ لأنه أَعْطَى الغَرْبَ الاستعماريَّ مقاليدَ أمره.

والغرب لا يُقِيمُ نُظُمًا مُسْتَنِيرَة معتدلة، ولا أقول  عادلة، بل يدفع النظم التي تأخذ سلوكًا مُرْضِيًّا للشعوب؛ لتهدأ وتنحو نحو الإصلاح التدريجي، وهو إذ يفعل ذلك كأنه يسابق الزمن؛ ليحلب ويسرق ما أمكنه في وقتٍ ليس ببعيدٍ، وقد نزعم أنَّ هذا الغرب الذي اخْتُصِرَ -في العقود الأربعة الأخيرة- بأمريكا بعد أن قضت حرب السويس، عام: (١٩٥٦م) على القوى القديمة، وإنْ كانت «فرنسا» تُزَيِّنُ وَجْهَهَا الاستعماريَّ، وبَطْشَهَا الإمبريالي بنشر اللغة الفرنسية، والعلوم الإدارية ... إلخ، فإنَّ أختها الكُبرى «بريطانيا» تسابقها في تقسيم الأوطان من آسيا إلى أمريكا اللاتينية، مرورًا بالوطن العربي، وأفريقيا، إلا أنَّ بعض المتعاملين مع هذه الدول يُعْطُون «بريطانيا» أفضليةً للتعامل، وإمكانيةً الفهم، وقد يكون الذي جعلهم يرون هذا أن الصلف والعربدة الأمريكية قد بلغتا حَدًّا لا يُمكن تحمله، حتى مَنْ رضوا بالتعامل والطواعية لها، وهم -أي الأمريكان- قد بلغ بهم التَّعَنُّت والغلو والصلف في السيطرة مَبْلَغًا يجعلهم يدفعون حتى مَن ارتضى التعامل معهم، وإعطاءهم موطىء قدم لهم في وطنه؛ يفعلون ذلك خشية تصرفاتهم الهوجاء، وقد يكون سلك السلوك ذاته؛ لأن العالم فَرَّقُوهُ شِيَعًا ونُتَفًا، وزرعوا الفتن، وأسعروا ما بالمجتمعات من أسباب الفرقة والتناحر، والتدابر والتقاطع، ووجدوا في الأديان والفرق والملل والنحل والمذاهب مطيةً سبوقًا، وساعدهم وغَذَّى فكرتهم كُتْبَ وكُتَّابَ الملل والنحل التي صَنَّفَهَا السابقون منذ أن أَطَلَّت الفتنة الكبرى برأسها بين المسلمين، بُعَيْدَ وفاة رسول الرحمة والهدى -عليه سلام الله وصلاته دائمين  مقبولتين إلى يوم الدين.

من هنا نرى أن ما يمكننا من إقامة الفهم، وتوسيع الحكمة، وإعمال العقل لبناء منطقة متكاملة منسجمة وطنية عادلة فيما بينها، وبين شعوبها هي العوامل الآتية:

أولًا: الاتفاق والتنفيذ والالتزام وإلزام الأمة بعدم الخوض في الفتنة الكبرى بين المسلمين؛ مقدماتها، وفصولها، ونتائجها؛ فالله –تعالى- يقول:  ﴿‌تِلْكَ ‌أُمَّةٌ ‌قَدْ ‌خَلَتْ ‌لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 134 –و141].

وقد تكون تلك الفتنة هي اختبار من الله لتلك الفئة المؤمنة السابقة بالموقف والإيمان؛ فَمَنْ يسوقُ خبرًا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نَبَّهَ أو أشار إلى تلك الفتنة التي تأتي بعده، فقال أبو بكر الصِّدِّيق: أين أنا؟ فقال: أنت معي في التراب، ثم تساءل عمرُ بنُ الخطَّاب: أين أنا؟ فقال: معنا، ثم أردف عثمان بالسؤال فقال: وأنا أين أكون؟ فقال: بك تبدأ، ثم اخْتُتِم بتساؤل أبي الحسن عليٍّ، فقال: أنت زمامها.

أليست هي فتنة وابتلاء واختبارًا؟ ألم يلهبها عمرو بن العاص حين  دفع أبا موسى الأشعري بخلع الإمام علي ليأتي هو ويُثَبِّتُ معاوية.

لقد مَرَّ عَلَيَّ الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين، وهو أستاذ بكلية دار العلوم، بجامعة القاهرة -آنذاك، وكاتب برامج إعلامية -رحمة الله عليه- وَقَفَ على يسار مكتبي بالسفارة العُمَانية بالقاهرة، وكأن هذا الموقف ماثلًا أمام عيني الآن، فقال: رأيت عمرو بنَ العاص في المنام، وكأنه يعاتبني عن إحجامي عن الخطابة في جامعه بالفسطاط بمصر، وأنا لا أحب الخطابة فيه، وكأن عبد الصبور يَعْزِفُ عن الخطابة بجامعه؛ لما تَرَسَّبَ في صدره عن دور ابن العاص في الفتتة الكُبْرَى، وكانت عن يمينه أجزاء من «التفسير الوسيط» للقرآن الكريم، لشيخ الأزهر الراحل الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي، وكان رُبَّمَا للتَّوِّ قد أهداني الشيخ السيد علي الهاشمي المستشار السابق للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات الراحل نسخةً من التفسير، فَقَلَّبَ عبد الصبور فيه قليلًا، ثم نَطَقَ بصوتٍ عالٍ مُتَوَجِّعْ «نِفْسِي أَعْمَلُ»، أو قَال: «أكتب تفسيرًا»، فقلت في نفسي: أهي رغبة؟ أم أمنية؟ أم إضافة لحاجة لازمة؟ أو لأسباب موجبة أخرى قد بدت له؟

ربما أخذني العجب فحبسته، لكن الواقعة لم تغب عن الذاكرة، ولم تُلق في مهاوي النسيان؛ لأن كل حَدَثٍ يمر عَلَيَّ يستدعي الوقوف عليه، لا يَمُرُّ بسرعةٍ وخِفَّةٍ، وهذه المواقف وتلك الأحداث تعطيني إشارةً عن حال العرب والمسلمين، خصوصًا في هذه الفترة النفطية، والتي رُبَّمَا دفعت بالبعض أن يكتب، ويباهي، وينافس، والمال موفور -إن أمكن الوصول إليه، وتلاقت غايات المـُسطرين  والممولين.

نعم أول مقدمات بناء الأمة العربية خاصَّةً، والإسلامية عامَّة، ووحدتها: الترفع والتأدب والصمت  عن تلك الفترة، وأحداثها، ووصمها أنها فترة ابتلاء، وفرقة، واختبار إلهي، وهي قد مَضَتْ بكُلِّ فصولها، وشخوصها، ولنمسك ألسنتنا عن الخوض فيها تأدبًا، وفي هذا الصدد يقول الخليفة الراشد عمرُ بنُ عبد العزيز –رضي الله عنه- حينما سُئِلَ عن أهل صِفِّين؟ فقال: ‌«تلك ‌دماء ‌طهَّر الله يدي منها، فلا أحِبُّ أن أخْضِب لساني بها» -وفي رواية: «عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا»، نُمسِكُ تأدبًا مع تلك القامات التي خَصَّهَا اللهُ بصحبة النبي المجتبى والنور المقتفى، والسراج المنير، وقَدَّرَ لها أن تتعلم منه، وأن تكون معه بالغار، و بدر، وأُحُد، والأحزاب، والفتح، وتكسير الأصنام، وعاصروا الوحي، وشاهدوا التنزيل، ورأوا صور نزول الوحي والهيئة التي يظهر بها أمين الوحي جبريل -عليه السلام.

إنَّ صدق المنطق وعظمة الأمر الجَلَل يدفعنا لأن نتركه لأمر الله، ولزمانه الذي مَضَى عليه أربعة عشر قرنًا من الزمان، فأين نحن منهم؟! وكل ملابساته؟! ولتأخذ الأمة الإسلامية من صور تَرَفُّعِ العُمَانيين ونهجهم في الوحدة، والتئام صفوفها طريقًا للعيش في أحداث اليوم، وحاجاته، ومقضياته، ها هم شيوخ عُمان من علماء تلك الفترة حين بلغ اللغط مبلغه حتى في جوانب من حوار عقيم «كتاب الله أقديم أم حديث»، فاجتمعوا بصحار برئاسة الشيخ محمد بن محبوب الرحيلي، واجتمعت كلمتهم على «أنه كتاب الله، ووحيه، وتنزيله»، فَنَزَّهُوا ألسنتهم، وكلماتهم، ومؤلفاتهم عما دونه، ثم و هُمْ قد رأوا عمر بن عبد العزيز يسير بالأمة على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصلح ما أفسدته تلك الحقبة، وهَذَّبَ الأمة من القِيلِ والقَالِ، ومِنْ أن يتطاول اللاحق على السابق، ومِن أن تُدَنَّسَ المنابر بالإساءة والتلفظ بألفاظ اللعن والطعن والنقد بكلمات أتى الإسلام بحيث لا تَنْطِقُ الألسنُ إلا بالقرآن، وصوره، وكادوا –أقصد: العُمانيين- أن يُعْطُوا ويقدموا صورة ناصعة بأن يكونوا جزءًا من الدولة الإسلامية، وإن اتسمت باسم جزئي «ببني أمية» عَافِّينَ عن الماضي بكل أحداثه، وصراعاته، ودمائه التي سُفِكَت من كل الأمة، وموقنين بأن الوحدة الوسطية هي مقصد الرسالة، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ ‌أُمَّةً ‌وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].

ثم هذان العلامتان المفتيان الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري، والشيخ أحمد الخليلي يكتبان ويُوَجِّهَان ويعملان لتوحيد العُمانيين على كلمةٍ سواءٍ، ويَوَدَّانِ أن يضربا مثلًا لصورة وحدة الشعوب، ومِنْ ثَمَّ الأمة الإسلامية جمعاء.

فهيا للوحدة؛ فالوحدة قوة، والتفرق عِلَّة تُوهِنُ القوة، وتَذْهَبُ بها، وتُورِّثُ الفرقة والضعف، وتتداعى الأمم عليكم، كما تتداعى الأكلة على القصعة، أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند حسن، من حديث ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- مَوْلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ ‌الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى ‌الْأَكَلَةُ عَلَى ‌قَصْعَتِهَا». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ: أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ». قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».

وحال الأمة -الآن- خير دليل وداع لما ندعو ونقول .. حرب ضروس جاوزت العام، والمجاهدون يجودون بأرواحهم، ويبذلون دماءهم، ويُقَدِّمون مهجهم رخيصة في سبيل الله، ومساكنهم خيمهم  التى تقيهم القَرَّ والحر، و تستر عوراتهم، والبعض لا يترفع، والمعركة مع الباغي ظاهرة، والحق أبلج، والباطل لجلج، لا يترفع، ويسكت حتى تنتهي المعركة، وتقف المجازر التي تأتي على بني الإسلام، وأوطان الاسلام، فإذا ما تَمَّ النصر لكم أن تنقدوا، وتبدوا رأيكم بصور الحوار الراقية البَنَّاءة، لا الظالمة المفترية المتعنتة، ثُمَّ تخلينا عما ندعو إليه، وفُرِّقَت الأمةَ عربًا وعَجَمًا، ألا يحزنكم أن تكون النصرة والموقف والمدد من إيران الإسلامية، وأنتم بعضٌ أو كُلٌّ كأن الحرب لا تدور من أجل الأقصى وفلسطين العربية المغتصبة، ومن أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ثم قولوا لي بالله عليكم: أَنُسِخَت آية الله: ﴿‌لَتَجِدَنَّ ‌أَشَدَّ ‌النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82].

ثم هل غابت عن أعينكم صور ما يُرَادُ للبشرية مِنْ رجوعٍ لصورٍ أُبِيدَت أمم من أجل ارتكابها، وممارستها، ألم يهلكِ اللهُ قومَ لوط؛ لأنهم تركوا ما خلق الله لهم، وصاروا «مثليين»؟! ألا ترون أن من يدعم العدو «الكيان الاسرائيلي»، هم مَنْ يريدون تبديل دين الله -بعضهم زَوْجُهُ مِثْلُهُ- وهو يقود  العداء والحرب على الفلسطينين، واللبنانين، والسوريين، والعراقيين.

أتقولون لبعض المجاهدين: إنهم روافض، كلا إنهم مجاهدون، وعنا وعن الأمة يدفعون، فهلا تركنا الشقاق، وتمسكنا واعتصمنا بالوحدة والاتحاد الذي أمرنا الله به، وحثَّنا نبينا عليه، وإلى القادم -بعون الله- وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أُنِيب.

مقالات مشابهة

  • حفظ النسل.. الجامع الأزهر يعقد الملتقى الفقهي الطبي الأول
  • طريق التكامل والتعاون والسيادة (2)
  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: العقيدة تضبط القيم والأخلاق داخل الأسر والمجتمعات
  • أمين مجمع البحوث الإسلامية: العقيدة تضبط القيم والأخلاق داخل الأسر والمجتمعات
  • ضمن فعاليات "بداية"| الجامع الأزهر يعقد الملتقى الأسبوعي بعنوان التكافل الاجتماعي..الثلاثاء
  • شيخ الأزهر: نتمنى صياغة منهج دراسي يعمم على دول العالم الإسلامي لمواجهة التطرف
  • انطلاق الملتقى الفقهي الأول «رؤية معاصرة» بالجامع الأزهر غدا
  • شيخ الأزهر يستقبل رئيس مؤسسة السلام في العالمين الإندونيسية الخيرية
  • شيخ الأزهر يدعو لصياغة منهج تعليمي لرفع الوعي.. ويؤكد: «العالم أصبح متعطشا للسلام أكثر من أي وقت مضى»
  • شيخ الأزهر يستقبل رئيس مؤسسة «السلام في العالمين» الإندونيسية الخيرية