اعتبر فيلسوف الحداثة ميشيل فوكو أن كل المجتمع غاطس في حوض من علاقات القوة، فالكل يحارب الكل في حرب أهلية مبطنة غير معلنة. وفي هذا الخضم العارم من النزاع وعلاقات القوة فإن الأقوياء يسعون ليس إلى بناء علاقات إنسانية، بل إلى إزالة الطواغيت واستبدالهم بطواغيت جدد، ولذا فإن ما جاء بالقوة أعاد مرض القوة، وهذا سر استعصاء الحياة السياسية في العالم العربي لأنه مبني على علاقات القوة، فمن أراد التغيير عمد إلى القوة، فالعالم الإسلامي انفك عن أحداث العالم وانفصم عن صيرورة التاريخ وأمواج المعاصرة.



فمرض الطاغوتية يعم العالم أجمع بدءا من رأس الحية والطاغية الأكبر أمريكا والشرك الأعظم الفيتو، وانتهاء بالديكتاتوريين في العالم الثالث أو عمالقة المال الذين يشترون كل شيء وتمتد إمبراطوريتهم عبر كل القارات فلا تغيب عنها الشمس قط؛ بما لم يحلم به هارون الرشيد والملكة فكتوريا. والسؤال: ما الذي يوقظ الشهية إلى قوة لا تعرف الشبع؟ كيف يتقرر مصير من يسلك الدرب ليصل إلى القمة؟ وأخيرا كيف تؤثر متعة القوة في مزاج الأقوياء الجبارين؟

ما الذي يوقظ الشهية إلى قوة لا تعرف الشبع؟ كيف يتقرر مصير من يسلك الدرب ليصل إلى القمة؟ وأخيرا كيف تؤثر متعة القوة في مزاج الأقوياء الجبارين؟
هذه المشكلة هزت الدكتور فيليب زيمباردو أستاذ النفس الاجتماعي بجامعة ستانفورد لفهم ظاهرة الطغيان الإنساني؛ هل هي إفراز للوسط الاجتماعي؟ هي تابعة للأخلاق الفردية أو جينات الوراثة عند كل منا؟ فقام بتجربته الشهيرة التي عرفت بتجربة ستانفورد ونشرتها مجلة در شبيجل الألمانية (العد 11-2001) لفهم سيكولوجية "السيطرة والانصياع" والتخدر بأفيون القوة، وكيف يتغير الإنسان عندما يضع يده على مفاتيح القوة؟ وما الذي يحول الإنسان من رجل عادي بسيط إلى مجرم محترف وقاتل سادي كما يحصل مع الطغاة؟

قام زيمباردو بانتخاب 24 متطوعا من أصل 75 درسهم في اختبارات الذكاء، حيث طهروا أناسا عاديين أسوياء، ثم قام بتقسيمهم إلى مجموعتين على نحو عشوائي فأصبح فريق منهم "مسجونين"، والنصف الثاني "سجانين". وزيادة في فعالية التجربة قام البوليس بإلقاء القبض على المسجونين فعصبوا عيونهم ثم أودعوا القبو، أما السجانون الذين تلقوهم بملابسهم ونظاراتهم السوداء فكانوا يوحون بأنهم شرطة حقيقية ومعهم كل الصلاحيات، وفي أيديهم الهروات مع رزمة المفاتيح، وكاميرات الفيديو تراقب مع مسجل صوتي في كل زنزانة. وفي لحظات وصولهم الأولى تم نزع ملابسهم ومسح أسمائهم، حيث تحول كل واحد إلى رقم، ومع البودرة والحمام تم تنظيفهم من القمل، ولبسوا ملابس العنابر القطنية الطويلة المهترئة وأما اغطية الرأس فكانت جوارب نسائية.

وكان من المفروض أن تستمر التجربة 14 يوما، والذي حصل أن الوسط تحول إلى جو إرهاب خلال ثلاثة أيام، وفي اليوم السادس دق ناقوس الخطر واضطر عالم النفس الأمريكي أن يوقف التجربة تحت ضغط زميلته في العمل وأنه لا يمكن تبريره أخلاقيا باسم التجارب العلمية.

والنتيجة المفزعة التي خرج بها زيمباردو أن ما يحكم ليس الأخلاق الفردية بل الوسط الاجتماعي عندما تحين الفرص للتحكم بالآخرين ولا يوجد من يردع،

فكانت الرسالة واضحة في التجربة: يجب أن نستبدل قناعتنا بأن مثل هذا لا يمكن أن نفعله، بجملة أصدق: كلنا يمكن أن يفعل أي شيء مع تغير الوسط. وصدق ديكارت حينما قال: "إن أعظم النفوس عندها استعداد أن ترتكب أفظع الرذائل".

وبالعودة إلى الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، فهو ينقل قصة مثيرة كان شاهدا عليها أثناء مروره على دمشق، حينما تعالي صراخ الناس في المسجد، وهم يحيطون برجل يشبعونه ضربا، فهرع مع الناس يستطلع الخبر، ليفاجأ بهجوم العامة الكاسح على فقيه تتعاون عليه الأيدي بالتأديب، وبالنعال على رأسه، فسقط الفقيه وطارت عمامته، واقتيد إلى أحد القضاة للتعزيز. ونفاجأ بأن الفقيه الذي أكل هذه العلقة الساخنة وطارت عمامته من خفق النعال على جمجمته لم يكن سوى العالم المصلح المجدد ابن تيمية رحمه الله.

هذه القصص وأمثالها لم تنته عند ابن تيمية بل بدأت في عالمنا العربي ولم تتوقف، وإن ما جرى في أحداث الربيع العربي الشواهد كثيرة وفظيعة ولا تروي سوى حقيقة واحدة مفادها أن التاريخ رسم بالدم والسم والدموع والدخان واللهيب، لا مناص منها ولا مفر ولا وزر منها أو مخبأ، وأن الاستبداد والطغيان وعلاقات القوة هي التي تتحكم بنا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات القوة النفس الطغيان الديكتاتورية القوة النفس النفوذ الطغيان سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

فيديو | محمد بن راشد يكرم اليوم أوائل «صناع الأمل» في الوطن العربي

دبي: «الخليج»

يكرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، اليوم، أوائل صناع الأمل في العالم العربي، خلال الحفل الختامي للنسخة الخامسة من المبادرة الأكبر من نوعها عربياً لتكريم أصحاب البذل والعطاء، الذي يجري في «كوكا كولا أرينا» في دبي، حيث ينال الفائز مكافأة مالية بقيمة مليون درهم.

إضافة إلى التغطية الواسعة للحفل الختامي للنسخة الخامسة، عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية، ستكون متابعة الحفل متاحة أيضاً على منصات التواصل الاجتماعي لمبادرة «صناع الأمل».
ويقدم الحفل الختامي للنسخة الخامسة، التي استقبلت أكثر من 26 ألف طلب ترشيح خلال شهر واحد، الإعلاميان نيشان ديرهاروتيونيان، وأسمهان النقبي.
يتابع الحضور في «كوكا كولا أرينا»، قبل تتويج صانع الأمل الأول في الوطن العربي، أوبريتاً غنائياً تشارك فيه مجموعة من أشهر نجوم الغناء العرب وهم: حمود الخضر، ووليد الشامي، وبلقيس، وعمر العبد اللات.
كما يشارك في الحفل الختامي، المغني والموسيقي العالمي «رد ون RedOne» الذي يعتبر من أشهر المؤلفين والمنتجين الموسيقيين في العالم.

الصورة


قصص ملهمة 
يستعرض الحفل الختامي قصصاً إنسانية ملهمة لعدد من صناع الأمل في العالم العربي، الذين سخروا جهودهم ومواردهم لخدمة مجتمعاتهم، من خلال تنفيذ مبادرات ومشاريع مبتكرة أسهمت في الارتقاء بحياة الناس وترسيخ ثقافة البذل والتكافل الاجتماعي، وذلك بحضور عدد كبير من النجوم والفنانين والمثقفين والإعلاميين ومشاهير التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، إضافة إلى نخبة من الشخصيات المشهود لها في العمل الخيري والإنساني في دولة الإمارات.
معايير دقيقة
اختارت لجنة تحكيم مبادرة «صناع الأمل»، والتي تضم نخبة من أصحاب التخصصات والكفاءات، المتأهلين إلى المرحلة النهائية استناداً إلى التأثير الإيجابي الذي حققه أصحاب هذه المبادرات في مجتمعاتهم، حيث عملت اللجنة على تقييم كل ترشيح بحسب معايير محددة تشمل موضوع المبادرة والتحديات المرتبطة بها، ودورها في صنع تغيير حقيقي وملموس، وقابليتها للوصول للشريحة المستهدفة.
320 ألف ترشيح
استقطـبت مـبادرة «صـناع الأمل» منذ إطلاقها في عام 2017، أكثر من 320 ألف ترشيح، وتهـدف المبادرة التي تنضـوي تحت مظلـة مؤسسـة «مـبادرات محمد بن راشد آل مكـتوم العـالمية» إلى تسليط الضوء على صنّاع الأمل فـي العالـــم العربي، من النساء والرجال، الذين يكرِّسون وقتهم وجهدهم ومواردهم لخدمة الآخرين ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإغاثة المنكوبين والمساهمة في تحسين الحياة من حولهم، والتعريف بمبادرات ومشاريع وبرامج صناع الأمل عبر مختلف وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، وعبر منصات الإعلام الجـــديد، وتعزيز شهرتهم في مجتمعاتهم وفي الوطن العربي.
مكافأة أصحاب المبادرات
تهدف مـبادرة «صـناع الأمل» إلى مكافأة صناع الأمل المتميزين من أصحاب المبادرات الأكثر تأثيراً عبر تقديم الدعم المادي لهم لمساعدتهم في مواصلة مبادراتهم وتكثيف جهودهم الإنسانية والتطوعية في مجتمعاتهم، وتوسيع نطاق مبادراتهم ومشاريعهم لتشمل عدداً أكبر من المستفيدين.
وتسهم المبادرة في غرس ثقافة الأمل والإيجابية في مختلف أنحاء الوطن العربي وتشجيع العطاء أياً كانت الظروف، ومهما بلغ حجم التحديات، كما تسهم في خلق نماذج إيجابية ملهِمة من الشباب في العالم العربي يكونون أمثلة تحتذى لغيرهم في العمل من أجل التغيير البنّاء وتطوير مجتمعاتهم.
 

مقالات مشابهة

  • الديمقراطية في الأردن: بين وهم التحديث وحقيقة الاستبداد المقنّع
  • محمد بن راشد يكرم أوائل «صناع الأمل» في الوطن العربي اليوم
  • غواصة لزوار «سي وورلد أبوظبي»
  • فيديو | محمد بن راشد يكرم اليوم أوائل «صناع الأمل» في الوطن العربي
  • محافظ كفر الشيخ يكرم «قنعان ندا» بطل العالم في القوة البدنية | صور
  • محمد بن راشد يكرم غداً أوائل صناع الأمل في العالم العربي
  • محمد بن راشد يكرم غداً أوائل صناع الأمل في الوطن العربي
  • المغرب يواصل تألقه العالمي ويعزز تفوقه في مؤشر القوة الناعمة لعام 2025
  • الإمارات.. وطن «القوة الناعمة»
  • ريال بات رمزا لعملة السعودية.. ما الذي نعرفه عن رموز عملات العالم؟