نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن عبادة الله، حق واجب له على عباده، فمن أجلها نصبت الموازين، ونشرت الدواوين.
حق واجبوأضاف " المعيقلي" خلال خطبة الجمعة الثانية من شوال اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة: وقام سوق الجنة والنار، وانقسم الناس فيها إلى مؤمنين وكفار، ومتقين وفجار، وأصل العبادة، توحيد الرب جل جلاله، فقد أفاض الله في كتابه، بذكر الأدلة، وضرب الأمثلة، وبيان دلائل الوحدانية، وبراهين التفرد باستحقاق العبادة.
واستشهد بقوله جل وعلا: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ﴾.
ونبه إلى أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وحده لا شريك له، وهذه هي الغاية، التي خلق الله الجن والإنس لها، مؤكدًا أن الله تبارك وتعالى، لم يخلق الخلقَ ليتعزز بهم من ذلة، ولا ليستكثر بهم من قلة، فهو الكبير المتعال، وهو المنعم المتفضل.
أرسل رسلهودلل بما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾، كما قال جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وفي صحيح مسلم: يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا).
وأوضح أنه تعالى أرسل رسله عليهم السلام، وأنزل عليهم كتبه العظام، فقال جل شأنه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، منوهًا بأن العبد إذا أخلص في عبادة ربه، صَلُح أمره، وانشرح صدره، واطمأن قلبه، وأنار وجهه.
واستند لما قال تعالى ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وسُئل الحسن البصري: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهًا؟! فقال: "لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره".
حلاوة الإيمان والطاعةوذكر ما يقول سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "إن الرجل ليصلي بالليل، فيجعل الله في وجه نورًا يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط فيقول: إني لأحب هذا الرجل"، مشيرًا إلى أن من آثار العبادة، حلاوة الإيمان والطاعة.
وأفاد بأنه لا يزال العبد في أداء العبادات، والإكثارِ من الأعمال الصالحات، حتى يصير الذكر أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة قرة عينه، والصيام متعته، فيحييه الله حياة طيبة، فيكون من أطيب الناس عيشاً ، وأشرحهم صدراً ، وأقواهم قلباً ، وأسَرهِّم نفساً، فتراه في أشد الكروب والخطوب، وعند حلول الهموم والغموم، يفزع إلى الصلاة، فيناجي فيها ربه، ويبثُّ إليه شكواه وهمه، يتذكر قول الرب جل في علاه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من الحرم المكي حق واجب
إقرأ أيضاً:
ما الحكمة الشرعية من تحويل القبلة من المسجد الاقصى إلى الكعبة المشرّفة؟
تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة ، أحد أشهر الأحداث التي شهدها شهر شعبان، وهو الحدث الذي أثار جدلا كبيرا وتساولات أكثر عن أسبابة والحكمه، ووعن تلك حكمة هذا التحول يقول الشيخ أحمد الجوهري – من علماء الأزهر الشريف:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله تعالى- أن الله سبحانه لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم، ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم، وتشريعاته سبحانه جميعها لحكمةٍ، يعلمها سبحانه.
وما على المؤمن إلا الاستجابة، والانقياد لأوامر الله، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي عمل به صحابة نبينا -رضي الله عنهم-، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس»، فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة:144]، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. ولم يتخلف واحد، ولم يسأل عن الحكمة من ذلك، وهذا من قوة إيمانهم، وصفاء قلوبهم من أي شك، أو تردد -رضي الله عنهم-، بعكس ضعاف الإيمان، ومن تأثر بدعاية اليهود.
وقد جاء التصريح بموقف الفريقين من تحويل القبلة في قوله سبحانه: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ {البقرة:143}، قال القرطبي: يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة ممن ينقلب على عقبيه، يعني ممن يرتد عن دينه؛ لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم، ونافق قوم؛ ولهذا قال: وإن كانت لكبيرة، أي: تحويلها. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. اهـ.
إلا أن بعض أهل العلم قد ذكر بعض الحكم من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فمن ذلك: استنباطهم من سبب نزول هذه الآية، وهي قوله: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا {البقرة:144}، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يوجه نحو الكعبة، فأنزل الله عليه الآية، ووجهه نحو الكعبة. وهذا ذكره ابن كثير نقلًا عن الإمام أبي حاتم في تفسيره.
أمر آخر ذكروه، وهو: أن الأمر بالتوجه إلى الكعبة؛ حتى يقطع احتجاج اليهود في أن النبي صلى الله عليه وسلم كما وافقهم في قبلتهم، فيوشك أن يوافقهم في دينهم، وممن قال نحو هذا القول: مجاهد، والضحاك، والسدي، وقتادة.
كما أن تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال القيادة والإمامة في الدين من بني إسرائيل، الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم، إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل، وقد شارك أباه إبراهيم -عليهما السلام- في بناء البيت، بخلاف أنبياء بني إسرائيل، فإنهم من ذرية إسحاق -عليه السلام-.
كما أن ارتباط مناسك الحج بالبيت الحرام، وبالكعبة المشرفة، فناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت، الذي تكون فيه وحوله المناسك، وهذا -والله أعلم- جزء من كمال هذا الدين.
هذه بعض الحكم أشرنا إليها على عجل، وقد يكون الأمر بتحويل القبلة لأمور أخر غير هذه.
والله أعلم.