الباب مفتوح للحديث المنتصر بغزة ولها، ويحق أن نكيل لها المديح، فهي منتصرة بدمها على عدوها لكن عداد الدم لم يغلق بعد ولا نراه يغلق في مدى منظور، فالعدو المكسور يمارس أعلى درجات الانتقام الجبان فهو يقتل الآن برغبة القتل والتدمير.. مشاهد العودة إلى شمال القطاع كشفت صورا من صور النصر، فالتهجير لم يتم كما اشتهى عدو غزة وما حولها، والسكان الحاضنة مرابطون رباطا يثبت الحق ويوسع الأفق في البقاء والنصر.
الغزاوي لم يغادر أرضه
أفواج العائدين إلى شمال غزة من جنوبها دلت على أعلى درجات الصمود وحققت نصرا عظيما فعليا ورمزيا، والضغوط العالية على المحتل الغازي فرضت وصول الأغذية أو بعضها إلى الشمال الصامد وإلى العائدين إلى الشمال، وعبّر الفلسطيني وهو يدوس على جراحه عن نصره بمظاهر احتفالية تغيض عدوه. مشاهد استخراج الجثث من تحت الأنقاض لم تزدنا إلا يقينا بأن غزة واجهت عدوا نذلا وبلا أخلاق.
تدخل غزة شهرها السابع من حرب التدمير منتصرة بثمن قاس ولكن عدوها دفع ثمنا من حياته أيضا، وقد وجب النظر إلى تخبطه الداخلي وفقدانه كل دليل نحو مستقبل مستقر. فليست غزة وحدها التي تعاني وجعها، لقد أثخنت في عدوها فهو مضطرب ويحاول ترميم وجوده ولن ينفعه المزيد من القتل
تدخل غزة شهرها السابع من حرب التدمير منتصرة بثمن قاس ولكن عدوها دفع ثمنا من حياته أيضا، وقد وجب النظر إلى تخبطه الداخلي وفقدانه كل دليل نحو مستقبل مستقر. فليست غزة وحدها التي تعاني وجعها، لقد أثخنت في عدوها فهو مضطرب ويحاول ترميم وجوده ولن ينفعه المزيد من القتل.
القتل لا يحقق نصرا للقاتل بل هزيمة وجودية، في المستوى الأخلاقي الكوني وفي المستوى الوجودي؛ لن تنفعه آلة القتل المدربة في البقاء، لقد فقدت الدبابة والطائرة سلطتهما وهذا وجه من وجوه النصر التاريخي والاستراتيجي، وهو وضع مشابه أو ربما مطابق للوضع الأمريكي في أفغانستان بعد عقدين من التدمير المنهجي وانتهى بانسحاب مذل وتسليم البلد لطالبان؛ العدو الذي صمد.. أعني الجهة المقاومة التي حمت بلدها واستعادته من آلة القتل العاجزة رغم قوة السلاح.
التفاوض أو الحرب بصيغة أخرى
المفاوض القطري غاضب ويشعر بالإهانة لأن الطرفين الأمريكي والصهيوني يسخران من جهده ويحاولان استعماله لمصلحتهما؛ كانت ملامح وزير الخارجية القطري تشي بغضبه في ندوته الإعلامية. من الواضح أنهما (ومن ورائهما النظام العربي المطبع) يريدون إفراغ نصر غزة من مضامينه الاستراتيجية وأنهم يريدون أن يأخذوا بالتفاوض ما لم يحصلوا عليه بالدبابة، وهو ما يؤشر على تعطل التفاوض وإدامة معاناة السكان.
الغضب القطري مفهوم وهو برهان إضافي على نذالة العدو ذكرنا بطول مفاوضات الكيلو 101 أو خيمة طابا التي فاوض فيها المصري لسنوات، فلم يحصل كل مطالبه. من الواضح أيضا أن القطري وحده في التفاوض فلم يهب لنجدته وإسناده أي من أصدقاء غزة أو ممن يزعمون ذلك؛ إلا أن نؤوّل ظهور الخارجية التركية في المشهد بعد صمت مريب على أنه نجده وإسناد (وهو تأويل متفائل من قبلنا وقد يكون يعني خلاف ذلك).
لكن تعطل التفاوض لا يقلل في نظرنا من النصر الغزاوي وإن كان يطيل أمد المعاناة، لقد اتضحت إلى حد بعيد صورة مستقبل غزة وما حولها. ويمكن إجمال الصورة في ما يلي:
المقاومة باقية وتحكم
الأخبار الخارجة من الأنفاق تقول بأن المقاومة تحتفظ بعد نصف سنة بثمانين في المائة من قدراتها العسكرية (بشرا وسلاحا)، بل إن بعض السلاح المستعمل جديد أي أن ورشات الياسين 105 لا تزال تعمل، فضلا عن البشر الذي يستعملها. وقد سمعنا من مصادر جديرة بالثقة أن لواء رفح لم يدخل المعركة وهو على أهبة الاستعداد. ونحن نصدق المقاومة، فلم نمسك عليها زلة الكذب منذ بشرت بالنصر.
بمجرد انسحاب قطعات العدو العسكرية ظهرت القيادة المدنية للمقاومة وهي تنظم حركة السكان وتوزع المساعدات القليلة، ونسمع رأي السكان الذي يطاوع الإدارة المدنية ويعينها على أمره. وكل هذه علامات نصر في المعركة العسكرية وعلامات قوة لما بعدها، بحيث لم تسقط خطة التهجير وحدها بل سقطت خطة التحكم في غزة بغير قوة المقاومة.
لا نشك في أن هذا النجاح يصيب العدو بالجنون ويدفعه إلى المزيد من التخبط، ومنها حماقة يصر عليها بالدخول إلى رفح والتي ستكون في تقديرنا ضربة قاضية لسمعته العسكرية، أعني ما تبقى منها، وستقلب المفاوضات لصالح المقاومة. فليس بعد رفح أرض أخرى يمكنه أن يهاجمها، إنها المعركة الأخيرة المحتملة لنصر لن يظفر به.
مشاعرنا من حول غزة في مدخل الشهر السابع يختلط فيها ألم كبير لمعاناة السكان بأمل كبير في هزيمة عدو غزة وعدو الإنسانية؛ لن يتجرأ بعدها على توجيه فوهة مدفع نحو غزة ولن تنصره طائراته
إنه يعمل على خلق بؤر حرب أخرى ليهرب من هزيمة تاريخية.. يناوش إيران ويستفزها، يريد فتح جبهة ولا يظفر بها ويحرج حلفاءه المتورطين فيه، فلا هم يمنحونه حرية حركة (تكلفهم الكثير) ولا هم يجدون مخرجا (قريبا) ينقذه، بما يقلب معركة غزة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ترفع كلفة وجوده على أحلافه الغربيين.
مع وجوب الخجل من معاناة السكان في غزة التي يحتملون فيها وحدهم ما لم تعانيه الجبال (أي أننا لا ندفع معهم كلفة الحرب ونكتفي بالفرجة ويجب أن نخجل من ذلك)، نرى أن استنزاف العدو مفيد على المدى المتوسط والبعيد، حتى أن تعطل التفاوض يعمل لصالح المقاوم لا ضده.
نشاهد المقاومة تضرب بالتقسيط المريح، تدخر قوتها ولا تغامر، ونفهم أنها تستنزف عدوها، وهذا ذكاء إضافي مذهل يكشف أن معركة السابع من أكتوبر توقعت هذه المرحلة من الحرب وأعدت لها عدتها. حرب الاستنزاف من غزة تدمر أعصاب العدو وتدمر حلف التطبيع وتقطع أمله في نهاية سريعة يعود بعدها إلى خطته التطبيعية، وتجعل الأمريكي يرى هزيمته الانتخابية حيث هو (لقد تحدث غيرنا أفضل منا في خسائر العدو الاقتصادية).
مشاعرنا من حول غزة في مدخل الشهر السابع يختلط فيها ألم كبير لمعاناة السكان بأمل كبير في هزيمة عدو غزة وعدو الإنسانية؛ لن يتجرأ بعدها على توجيه فوهة مدفع نحو غزة ولن تنصره طائراته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النصر غزة المقاومة إسرائيل غزة النصر المقاومة الهزيمة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مدينة صفد المحتلة وفي ثكنة “دوفيف” ومستوطنة “يرؤون” بصليات صاروخية
2024-11-24naghamسابق المقاومة اللبنانية تستهدف قاعدة “بيريا” (القاعدة الأساسية للدفاع الجوي والصاروخي الإسرائيلي) بصلية صاروخية انظر ايضاًالمقاومة اللبنانية تستهدف قاعدة “بيريا” (القاعدة الأساسية للدفاع الجوي والصاروخي الإسرائيلي) بصلية صاروخية
آخر الأخبار 2024-11-24الزراعة توقع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر للتعاون في مشاريع دعم سكان الريف 2024-11-2444211 شهيداً جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة 2024-11-24صباغ يلتقي بيدرسون و المباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان 2024-11-24المقاومة اللبنانية تهاجم بالمسيرات الانقضاضية أهدافاً عسكرية للعدو الإسرائيلي 2024-11-24قانون حماية المستهلك ضمن جلسة حوارية في السويداء 2024-11-24أكثر من 70 طالباً وخريجاً في دورة حول تقنيات العلاج اليدوي في جامعة البعث 2024-11-24بيسكوف: روسيا مضطرة للرد على تصعيد واشنطن غير المسبوق 2024-11-24السفير ميا يبحث مع وزيرة التعليم في سلطنة عمان سبل التعاون في مجال المنح الدراسية والبعثات العلمية 2024-11-24بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية 2024-11-24إنتاج مستحضرات تجميل من مواد طبيعية… مشروع عائلي متناهي الصغر
مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها عدوان إسرائيلي يستهدف معبر جوسية على الحدود السورية اللبنانية 2024-11-23 القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18صور من سورية منوعات مركبة الشحن الفضائية الصينية “تيانتشو-8″تلتحم مع محطة الفضاء الصينية تيانقونغ 2024-11-16 انبعاثات الكربون العالمية تصل إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري 2024-11-13فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة متوالية الأحداث الصعبة… بقلم: منهل إبراهيم 2024-11-22 استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2424 تشرين الثاني 1989- انتخاب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية اللبنانية 2024-11-2323 تشرين الثاني 1989- هدم جدار برلين بالكامل 2024-11-2222 تشرين الثاني عيد الاستقلال في لبنان 2024-11-2121 تشرين الثاني-اليوم العالمي للتلفاز 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل 2024-11-1919 تشرين الثاني 1954 – بدء بث «تلفزيون مونتي كارلو» وهي أقدم قناة تلفزيونية خاصة في أوروبا
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |