قال الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن الله سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم وصوره فأحسن صورته، فهو أعدل المخلوقات قامة، مزيناً بالعقل، مهدياً بالتمييز.

كرم الإنسان

وأوضح " المهنا" خلال خطبة الجمعة الثانية في شوال اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أن ذلك لما أراد سبحانه له من التكليف والاستخلاف في الأرض، ولحكم عظيمة لا يعلمها إلا هو، مشيرًا إلى أن البشر متفاضلون فيما بينهم بحسب ذلك، ولكنهم عند ربهم لا يتفاضلون بتلك الظواهر، فإنها لا تنفع عنده سبحانه، ولا يعبأ بها جل شأنه، وإنما التفاضل لديه جل جلاله بحسب صلاح بضعةٍ باطنة لا يراها العباد بأبصارهم، لكنها محل نظر الله تعالى إلى عبده.

واستشهد بما  قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، منوهًا بأن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه لا ببدنه، وذلك أن أصول العبادات الموصلة إلى الله تعالى محلها القلب، وهو مبعثها، كمحبة الله ورسوله، ورجاء الله وخوفه، وتعظيمه والتوكل عليه، والإخلاص له وأعظم غناءً وأكبر عناءً من مجاهدة الجوارح الظاهرة على فعل نوافل الطاعات.

ونبه إلى أن من صلح قلبه صلحت جوارحه وصحت أفعاله، قال ابن رجب: «ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكثرة الصلاة والصوم بل ببرِّ القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله»، فإذا كان هذا العضو من الإنسان بهذه المنزلة فحريٌّ بالعبد أن يكون محل تعاهده وتفقد هو استصلاحه، لا يغفل عن ذلك طرفة عين، فالنور نور القلب، والبصيرة بصيرته، والصلاح صلاحه.

صحة القلب وسلامته

واستند لما قال تعالى : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )، ولذلك كان من دعاء سيد المرسلين «اللهم اجعل في قلبي نوراً»، منبهًا إلى أن صحة القلب وسلامته ألزم على العبد من صحة بدنه وجوارحه، فإن غاية ما يوجبه سقم البدن أن ينتهي بصاحبه إلى الموت، الذي هو مصير كل مخلوق.

وأضاف أن غاية سقم القلب وفساده الكفر أو النفاق الموجبان الخزي في الدنيا والآخرة ولا ينجو من الخزي يوم البعث إلا من أتى الله بقلب سليم، كما قال تعالى على لسان خليله إبراهيم إمام الحنفاء صلى الله عليه وسلم (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، ومن دعاء أمام المتقين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «وأسألك قلباً سليماً».

وبين أن القلب السليم هو الصحيح السالم من الشرك والشك والبدعة، السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو قلب المؤمن الموحد، فإن قلب الكافر والمنافق مريض، كما قال تعالى (فِي ‌قُلُوبِهِم مَّرَض) ، محذرًا من نقض ميثاق العبودية مع الله تعالى فيقسو القلب، وأن على المسلم أن يكون على هذا الميثاق أشد تعاضداً من تعاضده لماله ونفسه.

وشدد على أنه ينبغي على القلب أن يكون مفطوراً على قبول الحق والتأثر بالهُدى، فالقلب مع ذلك سريع التقلب، لا تزال ترد عليه الذنوب حتى يقسو أو يفسد، وقد يتعاظم حتى يختم عليه، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ولا تؤله جراحات القبائح، ولا يتوجع لجهله بالحق، لافتًا إلى أن الكبر من أعظم أسباب قسوة القلب، فهو حجابٌ على القلوب يمنع عنها دواعي صلاحها ورقتها.

أسباب قسوة القلب

ودلل بما قال تعالى "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ"، قال التابعي الجليل أبو قلابة عبدالله بن زيد الجرمي رحمه الله: منع قلوبهم القرآن"، مشيرًا إلى أن من أعظم أسباب قسوة القلب وفساده، تعلقه بغير الله تعالى حباً وتعظيماً وتوكلاً، حتى لا يعلق بقلبه من التوكل على ربه أدنى عُلقة.

وأفاد بأن أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى، ففيه الشفاء التام الذي لا يغادر فيها سقماً إلا أبرأه، قال ابن رجب رحمه الله: فأما رقة القلوب فتنشأ عن الذكر، فإن ذكر الله يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته ، منوهًا بأن أعلى الذكر جاهاً وأسرعه إصلاحاً للقلوب، ذكر الله بكلامه المنزل، ووحيه المرتل قال جل من قائل (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) .

وأشار إلى أنه على المسلم تلاوة آياته بالتدبر، والسمع له بالخشوع والتفكر، والاتعاظ بآيات الوعيد الأليم، والشوق عند آيات الوعد الكريم، والاعتبار بقصص الأمم الغابرة، وما جرى عليهم بقدرة الله الباهرة، فحريٌّ أن يوافق الداءَ الدواءُ، وأن يجد عند ذلك القلب الشفاء، فمن أراد أن يلين قلبه فليمسح رأس اليتيم، وليطعم المسكين، وليتفقد حوائج ضعفاء المسلمين.

وأوصى المسلمين بتقوى الله تعالى قال جل من قائل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) .

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد النبوي خطيب المسجد النبوي صلى الله علیه وسلم الله تعالى قال تعالى ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

رابطة الجامعات الإسلامية تنظم احتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف

نظمت رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع دار أخبار اليوم احتفالا بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف،  بعنوان :(وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) أقيمت الاحتفالية بمقر دار أخبار اليوم.

اللبنانيون لم يذوقوا النوم الساعات الماضية (شاهد)



شارك في الاحتفالية  الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف،و الدكتور محمود الشريف نقيب الأشراف، و إسلام عفيفي رئيس تحرير مؤسسة دار أخبار اليوم ، و الدكتور عبد الحي عزب رئيس جامعة الأزهر الأسبق ونخبة من المثقفين و الإعلاميين والصحفيين. وعدد من الطلاب الدارسين بالأزهر الشريف من دول مختلفة،

وفي كلمته أكد الأمين العام  لرابطة الجامعات الإسلامية أن الرابطة تهتم بإقامة هذه الاحتفالية احتفاء بذكرى مولد سيد الخلق كل عام وتأتي هذا العام  بالتعاون والتنسيق مع دار أخبار اليوم تلك المؤسسة الصحفية العريقة التي تعد واحدة من أهم وأعرق ألسنة  التعبير الصادق والأمين عن مصر .
وأوضح  الأمين العام أن أفضل احتفال بمولد الهادي البشير هو اتباع هديه وتقصي سنته واتخاذه  قدوة في كل أمورنا  وتعاملاتنا وسلوكياتنا.
مبينا  أنه في ظل ما يشهده عالمنا من تطورات هائلة جراء ثورتي الاتصال والمعلومات التي سهلت من انتشار الأفكار والأخبار والمعلومات وجعلت لها قدرة كبيرة على التأثير وهذا أمر محمود بلا شك ..لكن هناك من استغل هذه التكنولوجيا في الطعن في السنة النبوية الشريفة وفي بعض الصحابة وفي التشكيك في منهجية المحدثين وناقلي السنة من العلماء والرواة.. وهذا الأمر ليس بجديد على الإسلام والمسلمين..  ولطالما تكرر ذلك على مر التاريخ.
ولفت  الشريف  إلى أن  مجتمعاتنا الإسلامية أصبحت نهبا للفتن والشائعات والأخبار المضغوطة والمزيفة، والتي تحدث تأثيرا بالغا في أوساط الشباب بدعوة تجديد الخطاب الديني.
قائلا :إن تجديد الخطاب الديني ببساطة هو دعوة لقراءة واعية للنفس وللآخر وللوا قع الذي نعيشه ..قراءة قادرة على تقديم الحلول الشرعية المناسبة لمجتمعاتنا المعاصرة وهو ليس انقلابا على الدين أو تفلتا من التكاليف الشرعية، كما أنه ليس ازدراء لتراثنا العتيد  وعلمائنا الأجلاء.
وفي ختام كلمته أكد  الشريف  أن الاحتفال بذكرى مولد الحبيب يدفعنا للتأسي بكل أقواله وأفعاله فمن ادعى محبة الله وهو لا يتبع سنة رسوله فليس صادقا ..فالله تعالى يقول :(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) .

واكد وزير الأوقاف* في كلمته أننا نحتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ونحن على مشارف ذكرى حرب أكتوبر المجيدة ..مقدما تحية إجلال وتقدير لرئيس الجمهورية و للقوات المسلحة ولكل  مصري وطني شريف .
موضحا أن الهدي النبوي  يمكن تلخيصه في كلمة واحدة وهي:(الجمال) فالحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم( فصبر جميل )علما بأن في هذه الآية كان سيدنا يعقوب يخاطب أبناءه الذين فجعوه في ولده يوسف ودخلوا يخبرونه بقتله ..فأمام الحقد والحسد وهذه الانفعالات البشرية القبيحة  قال وقتها نبي الله (فصبر جميل) في مواجهة هذا الحقد .
وفي موضع آخر ذكرت الآيات (فاصفح الصفح الجميل) عن سيدنا محمد صلى وسلم فكان الصفح الجميل أمام اتهامه والنيل منه وإيذائه.
ويستكمل  وزير الأوقاف كلمته بأن الله سبحانه  وتعالى في موضع آخر من الآيات يقول: (واهجرهم هجرا جميلا) الهجر الجميل  هنا لمن أذوا سيدنا محمد وحاصروه ثلاث سنوات وقاموا بمعاداته.
‏مضيفا أنه في مواضع أخرى ذكرت كلمة الجمال هذه الكلمة تأتي  في مقابلة ومواجهة الحقد والحسد والقطيعة والأذى .. رغم أن هذه المواضع من الأصل  تستفز في الإنسان كل ما هو سيئ ..لكن الله سبحانه أمر نبيه صلى وسلم بكل ما هو جميل.. وأمره بالتخلق بكل ما هو جميل ونحن مأمورون باتباع  النبي صلى الله عليه وسلم.. عملا بقوله (خذوا عني مناسككم) وأوضح معاليه أن الاحتفال بسيدنا محمد يجعل المجتمع  يعيش بالجمال والأخلاق الحسنة وكل ما من شأنه الارتقاء بالإنسان والمجتمع .

في حين لفت نقيب الأشراف إلى أهمية إقامة هذه الاحتفالية اجلالا وتقديرا  لهذه الذكرى العطرة ..فكل واحد جاء من بيته لحضور هذه الاحتفالية إنما يأخذ عن كل خطوة يخطوها أجرا لأنه جاء حبا في الحبيب صلى الله عليه وسلم موضحا أن القرب من المصطفى يكون بحسن الخلق فقد  قال صلى الله وسلم : (أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا). 
‏ وأكد رئيس تحرير دار أخبار اليوم* أن الجميع قد اجتمع في هذه الاحتفالية  على محبة رسول الله صلى الله وسلم.. موجها الشكر لرابطة الجامعات الإسلامية على مبادراتها لإقامة هذه الاحتفالية و تنظيمها مع مؤسسة دار أخبار اليوم.
‏موضحا  أننا قد أمرنا بحب الرسول صلى وسلم وأن محبته لم تأت بالأمر المباشر بل سبقها (إن الله وملائكته يصلون على النبي )فإذا كان الله وملائكته يصلون على النبي فكيف لا نصلي نحن عليه؟
‏ 
. تضمنت الاحتفالية جزءا من الأناشيد الدينية والتواشيح التي تمتدح  الخصال الحسنة والسيرة العطرة  لخير الأنام صلى الله عليه وسلم. قدم الاحتفالية  سعد المطعني مقدم البرامج بإذاعة القران الكريم

مقالات مشابهة

  • عانى منها محمود كهربا.. أسباب زيادة ضربات القلب وطرق الوقاية
  • أذكار المساء.. أدعية للتحصين من السحر والحسد
  • في يومه العالمي.. تحذير من 5 عادات شائعة تدمر صحة قلبك
  • هكذا نعي مفتي سلطنة عُمان مقتل حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله
  • متبرعو الشارقة الخيرية يدعمون 1461 عملية قلب للأطفال حول العالم
  • رابطة الجامعات الإسلامية تنظم احتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف
  • خطيب مفوّه ويتابعه الأعداء.. نصر الله: المعمم الذي صنع قوّة إقليمية هزمت إسرائيل
  • ما أول شيء خلقه الله في الكون؟.. الإجابة في الأحاديث الشريفة
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف