الهجوم على إيران.. محللون: إسرائيل تلتزم الصمت وتخشى رد طهران
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
القدس المحتلة- تجمع تقديرات محللين عسكريين أن إسرائيل اختارت الصمت وعدم الإعلان رسميا عن أنها تقف وراء الهجوم الذي تعرضت له إيران، اليوم الجمعة، لتجنب أي رد إيراني واسع بالعمق الإسرائيلي. وأن من شأن الرد الإيراني أن يلحق دمارا شاملا بالجبهة الداخلية الإسرائيلية بالكامل، ويجر المنطقة إلى حرب إقليمية لا تعرف تل أبيب سيرها وتطوراتها.
ويتفق محللون إسرائيليون على أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة مفصلية وتتجه نحو حقبة تاريخية جديدة، لكن لن تكون للأفضل.
وقبل أسبوع، هاجمت طهران إسرائيل بشكل مباشر باستخدام مئات الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز ومُسيّرات، وجاء الرد صباح اليوم حيث تعرض هدف عسكري لهجوم قرب مدينة أصفهان، حيث توجد أيضا مواقع لبرنامج إيران النووي.
مخاوف إسرائيلوالأمر المهم بشكل خاص، وفق تقديرات محللين عسكريين إسرائيليين، هو من المسؤول عن الهجوم، حيث أوضح مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بادين أنه عمل إسرائيلي على الأراضي الإيرانية، ويبدو أن المنطقة أقرب مما كانت عليه في الماضي إلى خطر اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق.
وفي قراءة للهجوم المنسوب لإسرائيل، قال المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل إنه ينبغي النظر إلى ما يجري في إيران على أنه محاولة لزعزعة السفينة الإقليمية، بعد أن وقعت إسرائيل في فخ إستراتيجي على كافة الأصعدة.
ولمنع جر منطقة الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية، يعتقد المحلل العسكري أن المجتمع الدولي سيسارع إلى جهود التهدئة تجاه إسرائيل وإيران اللتين تجاوز تبادلُ الضربات بينهما شكل المواجهة في الماضي، مؤكدا أن الوضع الإقليمي لا يزال خطيرا.
وقدّر هرئيل أن الصمت في تل أبيب وغياب رواية رسمية عن الهجوم رغم التمادي بالتهديدات خلال الأيام الماضية من قبل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يأتي انطلاقا من إدراك قوة إيران المتزايدة، وتقييم مفاده أن إسرائيل تخشى حدوث مواجهة شاملة بينما هي متورطة في ساحات القتال في غزة ولبنان.
وأوضح المحلل العسكري أن إسرائيل لم تر في إحباط الهجوم الصاروخي الإيراني عليها نهاية القول الفصل وتتوقع المزيد من الهجمات الحازمة بعمق أراضيها في حال اندلاع حرب إقليمية، لذلك كان الهجوم على مواقع إيرانية محدودا ومركزا على موقع واحد في أصفهان، دون استهداف المنشآت النووية الإيرانية.
يبدو أن الهجوم المنسوب إلى إسرائيل، يعتقد هرئيل، بمثابة استعراض قدرات ونقل رسائل من تل أبيب إلى طهران مفادها "نحن قادرون على إلحاق أضرار جسيمة بكم"، واستعادة الردع من أجل عدم تحفيز إيران على الرد بقوة على الهجوم.
إحباطوإلى جانب الرد المباشر على الهجوم الإيراني، فإن العملية الهجومية في إيران التي لم تعلن إسرائيل المسؤولية الرسمية عنها بعد، يقول هرئيل: "تعبر عن درجة من الإحباط إزاء الفخ الإستراتيجي الإقليمي".
وأوضح المتحدث ذاته أن إسرائيل تواجه تحديات أمنية وتهديدات دون أن تتمكن من الحسم واستعادة الردع منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة والقتال على الجبهة الشمالية مع حزب الله.
وقال إن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق الأهداف المعلنة بتقويض حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عسكريا وسياسيا وإعادة المحتجزين الإسرائيليين.
وتحت عنوان "هجوم مدروس، حتى لا ترد إيران"، كتب المحلل العسكري في موقع "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، مقالا استعرض من خلاله تداعيات الهجوم المنسوب لإسرائيل على مواقع إيرانية، على الإقليم.
وفي قراءة لطبيعة الهجوم وحجمه، قال بن يشاي: "أيا كان من نفذه، والذي تضمن -وفق تقارير- إطلاق أسلحة متطورة على أهداف للقوات الجوية للحرس الثوري الإيراني، فقد فعل ذلك بهدف تجنب جولة أخرى من تبادل الضربات، والسماح للإيرانيين باحتواء الهجوم وعدم الرد بضرب إسرائيل".
وأضاف: "إذا كانت إسرائيل هي التي نفذت الهجوم بالفعل، فيُحتمل أنه تم عن قصد حتى لا يكون الدمار على نطاق واسع، ويكون متسقا مع الضرر الذي لحق بقاعدة نفاتيم الجوية الإسرائيلية، وتم ذلك ليُتاح للإيرانيين احتواء الحدث دون ضغوط من المحافظين والحرس الثوري على النظام، للرد على الهجوم المنسوب لإسرائيل".
وبحسب التقارير فإن الهجوم، يقول المحلل العسكري الإسرائيلي: "كان ناجحا"، مشيرا إلى أن أضرارا لحقت بقاعدة جوية تابعة للحرس الثوري شمال شرق أصفهان، فيما تمكنت قوات الدفاع الجوي الإيرانية من اعتراض بعض الأسلحة، بينما إسرائيل "تلتزم الصمت ولا تؤكد أو تنفي تورطها رسميا".
تخطي الخطوط الحمراءمن وجهة نظر المحلل العسكري للموقع الإلكتروني "والا" أمير بوخبوط، فإن إيران بهجومها العلني على إسرائيل الأسبوع الماضي تخطت الخطوط الحمراء وحطمت كافة الأدوات، بينما يفيد الهجوم المنسوب لإسرائيل بأن تل أبيب تعيد القتال إلى وراء الكواليس للحد من تبادل الضربات لتجنب حرب إقليمية.
طوال الأسبوع الماضي، برزت بالساحة السياسية والأمنية في تل أبيب ضرورة الرد العسكري الإسرائيلي على الهجوم الإيراني.
ويقول بوخبوط "لكن تقييمات المؤسسة الأمنية والمشاورات مع المستوى السياسي، في ظل الضغوطات الأميركية، كان من الواضح أن إسرائيل ستسعى إلى إيصال رسالة، وليس القيام بعمل واسع، من شأنه أن يجر إيران إلى مواجهة مباشرة ومستمرة ضد إسرائيل".
لذلك، وفي تحليل التقارير الأجنبية حول العملية السرية والصامتة نسبيا، والتي شملت طائرات مُسيّرة ثقيلة هاجمت مطارا عسكريا إيرانيا ردا على هجوم على مطار عسكري إسرائيلي في النقب، يضيف المحلل العسكري "يبدو أنها معادلة بسيطة وهي العين بالعين".
وأشار إلى أن العمل الإسرائيلي المحدود ضد أهداف في إيران يهدف إلى ترك مساحة للإنكار للإيرانيين وعدم إتباعه برد فعل قوي وواسع ضد إسرائيل، إلى جانب إرضاء الولايات المتحدة، والاستمرار في التركيز على قطاع غزة باعتباره المسرح الرئيسي للحرب.
وقدّر المحلل العسكري أن الجيش الإسرائيلي كان يبحث عن طريقة للرد على الهجوم الإيراني دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة ومستمرة، قائلا إن "الهجوم على إيران يوحي لطهران أن إسرائيل قادرة على ضربها حتى دون إرسال طائرات مقاتلة إلى مسافة آلاف الكيلومترات".
وسط هذا الصمت يبدو أن مصدر القلق الإسرائيلي، يقول بوخبوط "هو حقيقة أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تقيم بشكل صحيح العدوانية الإيرانية المتغيرة على خلفية العلاقة الوثيقة مع روسيا، والتي كانت رد فعل على اغتيال مسؤول إيراني كبير".
وجهٌ آخر للقلق الإسرائيلي، وفقا للمحلل العسكري، يتعلق بتغيير قواعد اللعبة وهو أن "الإيرانيين قرروا تسليط الضوء على الحرب بين البلدين، وتحويلها إلى مواجهة مباشرة".
وخلص للقول: "الآن، في أي عمل عسكري صعب أو مفاجئ ضد المصالح الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، سيكون على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن تأخذ في الاعتبار الرد الإيراني المباشر، وهذه المعادلة الجديدة. وفي إسرائيل، لا بد من إدخال لاعب جديد إلى المعادلة لردع نظام آية الله الخميني".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات المحلل العسکری حرب إقلیمیة على الهجوم أن إسرائیل تل أبیب
إقرأ أيضاً:
التفاوض بين إيران وأميركا.. دوافعه وتحدياته ومآلاته المتوقعة
في ظل التحولات المتسارعة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، يعود ملف التفاوض بين إيران وأميركا إلى واجهة الأحداث، وسط تساؤلات ملحة بشأن أسبابه وإمكانياته ومآلاته المحتملة، خاصة في ضوء المتغيرات التي فرضتها مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وطوفان الأقصى.
وفي قراءة معمقة نشرها عبر حسابه بموقع "إكس"، تتبع عبد القادر فايز، مدير مكتب الجزيرة في طهران والصحفي المتخصص في الدراسات الإيرانية، مسار التفاوض بين الجانبين عبر تحليل دقيق يستعرض العوامل التي تدفع الطرفين للجلوس إلى الطاولة مرة أخرى، والتحديات التي تعترض طريقهما نحو اتفاق جديد.
فمنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، ظلت العلاقة بين طهران وواشنطن محكومة بمعادلة "لا حرب ولا سلام"، لكن مع مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برزت محاولة لفرض معادلة جديدة تقوم على إما الحرب أو السلام الكامل، وهو ما وضع التفاوض أمام منعطف مصيري.
بالمقابل، سعت إيران إلى صياغة معادلة خاصة بها عبر تثبيت مفهوم "لا حرب ونصف سلام"، في محاولة لشراء الوقت وترسيخ مكتسباتها الإقليمية دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع القوة العظمى.
دوافع التفاوض
ويُجمع المراقبون، وفق قراءة فايز، على أن الضرورة الأمنية شكلت المحرك الأساسي لكل جولات التفاوض بين الجانبين، حيث دفعت الضرورات الأمنية والمصالح العليا كل طرف إلى تبني الحوار كأداة لتفادي الصدام المباشر باهظ التكلفة.
إعلانوتاريخيا، خاضت طهران وواشنطن 6 جولات تفاوضية مهمة، بدءا بمحاولة إبقاء العلاقات قائمة بعد الثورة، مرورا بأزمة الرهائن وصفقة "إيران-كونترا"، وصولا إلى المحادثات النووية التي أثمرت اتفاق 2015، وكلها كانت مدفوعة بالضرورات الأمنية.
ومع التحولات الأخيرة، بدا واضحا أن نمط المفاوضات تغير بشكل جذري، إذ لم تعد المسألة مجرد تفاوض دبلوماسي بين إدارات، بل أصبحت عملية تفاوض بين رأس النظام الإيراني والرئيس الأميركي بشكل مباشر، مما أكسبها طابعا أكثر حساسية وتعقيدا.
منطلقات مختلفةوتشير قراءة عبد القادر فايز إلى أن المفاوضات الحالية انطلقت دون شروط مسبقة، حيث لم تعد واشنطن تشترط العودة إلى الاتفاق النووي، ولم توقف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، مما خلق أرضية تفاوضية انطلقت من الواقع القائم بدلا من محاولة الرجوع إلى الوراء.
كذلك، تتسم الجولة الراهنة بطابع تفاوضي ثنائي مباشر بصيغة 1+1 بين إيران وأميركا، مع استمرار دول مثل روسيا والصين والترويكا الأوروبية بلعب أدوار خلف الستار عبر قنوات اتصال غير مباشرة.
ومن اللافت أن المفاوضات الراهنة تجاوزت مرحلة التمهيد الطويل، إذ لم تسبقها جلسات تمهيدية مطولة، بل انطلقت مباشرة بقرارات سياسية عليا، في دلالة على حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي تحيط بالجانبين.
ضمانات ممكنة
ورغم ذلك، تبقى مسألة الضمانات العقبة الكبرى أمام أي اتفاق، إذ تطالب أميركا بضمانات مادية تمنع إيران من تطوير سلاح نووي، في حين تصر طهران على ضمانات ملموسة بعدم انسحاب واشنطن مجددا من أي اتفاق يتم التوصل إليه.
ويرصد فايز في قراءته أفكارا مطروحة لحل معضلة الضمانات الإيرانية، تتمثل في دور موسع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب إشراك روسيا والصين كضامنين، أو حتى تأسيس صيغة إقليمية لتخصيب اليورانيوم بمشاركة دول حليفة لواشنطن.
إعلانأما الضمانات الأميركية الممكنة، فتشمل عرض الاتفاق على الكونغرس لتحويله إلى اتفاقية ملزمة قانونيا، والدخول في استثمارات اقتصادية داخل إيران، ومنع فرض عقوبات جديدة ترتبط بملفات أخرى، رغم صعوبة ضمان النقطة الأخيرة.
عوامل مؤثرةوفي سياق آخر، رصدت القراءة مستجدات نوعية مؤثرة في سير المفاوضات، أبرزها تبدل الموقف الإقليمي، حيث باتت إسرائيل تقف وحيدة نسبيا في معارضة الاتفاق، لكنها أصبحت أكثر جرأة في التلويح بالخيار العسكري المباشر ضد إيران.
وفي المقابل، راكمت إيران قدرات نووية مهمة منذ 2015، شملت تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 60%، وزيادة أعداد وأصناف أجهزة الطرد المركزي، مما منحها أوراق ضغط إضافية على طاولة المفاوضات.
ومع ذلك، أضعفت التطورات العسكرية الأخيرة في غزة وسوريا ولبنان واليمن نفوذ إيران الإقليمي خارج نطاق قدراتها النووية، مما انعكس سلبا على موقفها التفاوضي، وفرض معادلات جديدة لا يمكن تجاهلها.
كما تغير موقف روسيا والصين مقارنة بمفاوضات 2015، حيث يبدو أن موسكو وبكين تدفعان اليوم بجدية نحو إنجاح التفاوض، انسجاما مع أهدافهما الإستراتيجية في تحجيم النفوذ الأميركي بالمنطقة.
وتتداخل معطيات الداخل الإيراني بدورها في رسم ملامح التفاوض، فالضغوط الاقتصادية والاجتماعية أصبحت اليوم محددا مركزيا وليس هامشيا، مما يزيد من إلحاح القيادة الإيرانية على رفع العقوبات وتحقيق انفراجة اقتصادية سريعة.
ويضاف إلى ذلك عامل الوقت الضاغط على كلا الطرفين، إذ يسعى ترامب إلى إنجاز اتفاق شامل خلال فترة قياسية، في حين تحتاج طهران بشدة إلى تخفيف الضغط الاقتصادي قبل حلول مواعيد مفصلية قريبة مثل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانتهاء بعض بنود اتفاق 2015.
مآلات متوقعة
تشير المعطيات، وفق تحليل عبد القادر فايز، إلى أن كلا الطرفين مضطران للوصول إلى صيغة اتفاق جديدة، تتيح الخروج من معادلة "لا حرب ولا سلام"، وتفتح الباب أمام ترتيب مشهد إقليمي مغاير لما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
إعلانففي الوقت الذي يأمل فيه ترامب تسويق الاتفاق كإنجاز تاريخي يغير خريطة الشرق الأوسط دون طلقة واحدة، تسعى إيران لإعادة تموضع داخلي وخارجي ينسجم مع المعطيات الجديدة، ويحصنها أمام الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.
ويبدو أن نجاح هذا المسار، أو إخفاقه، سيتحدد في غضون أشهر قليلة، مع دخول مفاوضات الوقت الحرج، وسط مراقبة دقيقة لكل إشارة تصدر عن طهران وواشنطن، ولأي تحرك على رقعة الشطرنج النووي التي باتت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.