سبب الاختلاف في تفسير الرد الإيراني
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
اختلفَ العرب والمسلمون بعد 14 أبريل/نيسان 2024 في تقييمهم للردّ الإيراني على استهداف إسرائيل لقنصليتها في دمشق مطلع أبريل/نيسان وقتل قادة من الصفّ الأول للحرس الثوري، حيث اعتُبر ذلك استهدافًا مباشرًا للأراضي الإيرانية وَفق المادة (51) من القانون الدولي باعتبارها أرضًا إيرانية.
عقب انتهاء العملية التي أعلن عنها الحرس الثوري الإيراني – والتي كانت محدودة التأثير وفق المعايير العسكرية والتي لم يُشاهَد لها إلا انفجارٌ محدود في قاعدة نافاتيم الجوية، حيث قالت إيران؛ إنّ طائرات "إف -35" انطلقت منها – تباينت التحليلات حول هذا الرد، وتحولت إلى معارك طاحنة غير قابلة للنقاش في مسلّمات كل فريق: فريق اعتبرها أمَّ المعارك ونصرًا عظيمًا للعرب والمسلمين، وضرورة مساندتها والتعويل عليها بكل ما أُوتي من قوّة.
هذا الاختلاف والتباين له أسبابه الموضوعية، التي يجب تحليلها بعناية ومعرفة دوافعها وخلفياتها حتى نستفيد من هذه الأحداث نحن والأجيال القادمة، خاصة أن أمتنا لا تزال تكرر أخطاءها دون الاستفادة من الماضي، فما هي تلك الأسباب والدوافع؟
أسباب الاختلاف في التحليل المشهد الدولي المعقد الذي يعيشه العالم: إنّ الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا والتوتر الحاصل بين أميركا والصين، والعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة تجعل عملية التحليل معقدة، خصوصًا أننا نعيش على مشارف بناء نظام عالمي جديد تحاول القوى العظمى ترسيخ نفوذها فيه لقرن قادم. القرب والبعد الجغرافي من إيران: إنَّ المواقف الإيرانية الطائفية تجاه بعض دول الجوار والجرائم المرتكبة من قبل مليشياتها في (العراق – اليمن – سوريا – لبنان) لعبت دورًا مؤثرًا في الاقتناع بها، حيث عانت كثيرًا شعوبُ تلك الدول من مليشياتها ومن القوى المرتبطة بها والانهيارات الحاصلة بسببها، بينما نرى التحليلات القادمة من دول المغرب العربي البعيدة عن المشهد في المشرق العربي ومعاناته وعدم تعاملها معه مباشرة، تبالغ في مدى تأثير تلك الردود على الساحة العربية والإسلامية. العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة: مما يجعل البعض يعتبره ردًا لا يرقى لجريمة الإبادة المستمرة، وأنه لا علاقة له بالرد، وهناك آخرون يرونه ردًا هامًا مستفيدًا من قصف القنصلية، في ظل صمت العالم على تلك الجرائم، ودور عربي ضعيف خلال أحداث غزة. عدم استهداف شخصيات إسرائيلية – أو موقع هام– موازية لشخصيات قيادية قُتلت في دمشق داخل القنصلية وخارجها. المقارنة مع قضايا مشابهة والمعايير المزدوجة: استجلب المحللون التاريخ عبر ما حصل في العراق سابقًا فترة الرئيس صدام حسين، ومقارنته بتعاملهم الحالي مع إيران، فمع بداية القرن الحادي والعشرين ادّعت أميركا وإسرائيل امتلاك العراق – زورًا وبهتانًا – أسلحة دمار شامل، فقامت أميركا والدول المتحالفة معها بمهاجمة العراق واحتلاله، بينما يرى المراقبون أن تعامل أميركا مع الملف النووي الإيراني الحقيقي يتم بمنتهى الدبلوماسية بعيدًا عن أي تهديد عسكري، وكذلك قصف إسرائيل "مفاعل تموز" عام 1981، خارج القانون الدولي، رغم أن فرنسا كانت هي من تقوم ببنائه. ضعف الواقع العربي: إنَّ استمرار حالة الضعف العربي على الصعيد الإقليمي والعالمي في ظلّ دور إيراني متنامٍ على الصعيد الإقليمي، جعل الجميع، خاصة المؤدلجين يستخدمون سياسة التحليل العاطفي؛ لتبرير واقعهم المؤلم. ضعف المنظومة السياسية العربية: يعيش العالم العربي انعدامًا في الدينامية السياسية؛ بسبب عدم وجود أحزاب سياسية فاعلة وموثوقة، يمكن أن تلعب دورًا رياديًا جماهيريًا في التوعية، وشرح القضايا الملتبسة وتوجيه الشعوب لما فيه مصلحة أوطانها وأمّتها. قلة مراكز الأبحاث العربية المحترفة التي تستقطب مفكّرين وباحثين متخصصين يصدرون أبحاثًا رصينة معتبرة. ضعف مصداقية غالبية الإعلام العربي؛ بسبب ارتباطه بالأنظمة والأجهزة الأمنية، مما جعل الجماهير تلجأ لمواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير لفهم الأحداث. تصريحات الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب الذي تكلم سابقًا عن مسرحية تم ترتيبها مع الإيرانيين بعد اغتيال قاسم سليماني.إنّ التحليل السياسي العلمي للأحداث يتطلب أدوات علمية، أهمها فهم طبيعة العلاقات الدولية ومعرفة التاريخ وأهمية الجغرافيا وامتلاك المعلومات الدقيقة، بعيدًا عن التهوين أو التهويل ودغدغة العواطف والمشاعر للحصول على الإعجابات والمشاهدات، فلقد أثبتت الأيام أنّ حكام إيران يمتلكون مشروعًا توسعيًا براغماتيًا، يجيد الكرّ والفرّ وتقديم التنازلات التكتيكية للحصول على مكسب إستراتيجي، ويستفيدون من أدواتهم خاصة الطائفية، بينما المشروع العربي الجمعي يعاني ويتراجع باستمرار، فهل تكون الأحداث الجارية منطلقًا لاستيقاظ أمتنا عبر نخب وأحزاب وطنية بعيدًا عن الارتهان للمشاريع الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية، كما تجيد تسويق مصالحها ومقاطعتها مع الآخرين لتعظيم دورها في أيّ نظام عالمي قادم؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
النجيفي:سيتحرر العراق من النفوذ الإيراني من خلال التغيير السياسي القادم
آخر تحديث: 6 يناير 2025 - 2:37 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- قال أثيل النجيفي، في بيان له، اليوم، إن “التغيير السياسي في العراق بات قادماً لا محالة”، مبيناً أن “هذا التغيير قد يكون مدفوعاً بمتغيرات إقليمية ودولية، وليس فقط بضعف الأداء السياسي الداخلي”.وأضاف النجيفي، أن “الانتخابات البرلمانية أصبحت الأساس الوحيد لاكتساب الشرعية والسلطة في العراق رغم الإنتقادات الموجهة للعملية السياسية، مشيراً إلى أن “النفوذ الإيراني في العراق قد يتراجع لسببين رئيسيين الأول هو فشل القوى المرتبطة بالمشروع الإيراني في تقديم ما يجذب دعم الجماهير، والثاني هو وجود إرادة دولية جديدة في المنطقة”.وأشار النجيفي، إلى أن “الأطراف التي تعرضت لضغوط المشروع الإيراني قد تجد في المتغيرات الإقليمية فرصة لاستعادة الأمل في التغيير”، مضيفًا أن “الدورة الانتخابية المقبلة قد تكون بداية لهذه التحولات”.وختم النجيفي، حديثه بالقول إن “أي محاولة من مؤيدي النفوذ الإيراني لمواجهة هذا التغيير قد تواجه إرادة دولية صارمة”، معرباً عن شكه “في قدرة تلك القوى على تحدي هذه الإرادة الدولية”.وأعرب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم السبت الماضي، عن رفضه لكل من يحاول الربط بين الوضع السياسي في سوريا مع العراق، فيما أكد على أنه لا “مجال لمناقشة تغيير النظام السياسي في البلاد”.يذكر أن موقع “ميديا لاين” الأميركي قد قال، في وقت سابق من الشهر الماضي، إن هناك تقديرات بأن “تغييراً للنظام” وانهياراً له سيحدث في العراق، مع عودة الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب الى السلطة، وفي ظل عامل آخر يتمثل في الحرب الاسرائيلية، التي امتد تأثيرها الى ما هو ابعد من غزة.