عن الوحدة الوطنية والدعوة إلى قيادة فلسطينية موحدة
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
لا يكاد يمر يوم من الأيام لا نسمع فيه أو نقرأ شيئا عن الوحدة الوطنية الفلسطينية وضرورتها. والحق، إن وحدة أي شعب أمام عدوه هي أقوى الأسلحة في مواجهة هذا العدو، فتلك بديهية لا نقاش فيها، ولا تحتاج إلى براهين.
في حقبة النضال الفلسطيني ما قبل أوسلو، كانت الوحدة الوطنية الفلسطينية تعني توافق الكلّ الفلسطيني على الميثاق الوطني الفلسطيني وتطبيقاته، ولا نكاد نجد أحدا أو فصيلا أو جماعة أو مجموعة لم تعلن التزامها بالميثاق الوطني الفلسطيني، وكانت الخلافات في الصف الفلسطيني تدور حول الوسائل النضالية والمرجعيات الفكرية والتحالفات، وكان هذا مفهوما وقابلا للنقاش، وكان قابلا للاستيعاب.
بهذا الفهم تعايشت كل الفصائل الشعب الفلسطيني وقواه الحية، وخاضت معاركها معا وجنبا إلى جنب، ضد العدو المشترك تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، بصرف النظر عن حجم مشاركة هذا الفصيل أو ذاك، أو شطط هذا الفصيل أو ذاك. فلا خلاف على الهدف ولا خلاف على الرواية. ومن نافلة القول أن مطلب توحيد الوسائل والتكتيكات والمرجعيات لم يكن مطروحا بالنظر إلى أنه مطلب غير واقعي لا يمكن تحقيقه، وباعتبار أن من يرفعه إنما يريد وضع العصي في دواليب الوحدة الوطنية إن لم يكن معاديا لها.
لكن هذه الحالة (الوحدوية) التي حافظت على قيادة موحدة (ولو بالحد الأدنى) تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وخلقت مؤسسات سياسية ونقابية واقتصادية واجتماعية وثقافية جامعة للكلّ الفلسطيني؛ أصيبت في مقتل مع خروج جزء من القيادة الفلسطينية على الثوابت المُجمع عليها حين ألقت سلاحها جانبا، وذهبت في مسار المفاوضات الذي أوصلنا إلى أوسلو واتفاقياتها المشؤومة، فانقسمت الرواية الفلسطينية، منذ تلك اللحظة البائسة في تاريخ القضية الفلسطينبة، انقساما يصح فيه وصف النكبة الثانية. فإذا كنا قد خسرنا جزءا من أرض فلسطين في نكبة ١٩٤٨ إلا أن السعب الفلسطيتي بقي شعبا واحدا له رواية واحدة ويعمل لأهداف واحدة، لكننا في "نكبة أوسلو" خسرنا تلك الحالة الوحدوية بذهاب القيادة المتنفذة في منظمة التحرير إلى السلام مع العدو والتسليم بروايته والاعتراف بوجوده ثم بالتنسيق الأمني معه، ما حوّل الفدائي من حارس للحلم الفلسطيني بالتحرير والعودة، إلى حارس لسلطة تلاحق أبناء شعبها وتسجنهم وتضطهدهم، وتكبت أي تحرك ضد العدو حتى لو وصل الأمر بها إلى قتل واغتيال المناضلين خدمة لمشروع أوسلو.
رفع شعار الوحدة الوطنية مع من ينتهجون نهج أوسلو، لا يعدو أن يكون شعارا رغائبيا بعيدا عن الواقع، مهما كان مقدار حسن النية الذي يقف خلفه. ولعل تبديد عقدين من الزمن في محاولات العودة إلى تلك الوحدة وفشل تلك المحاولات لا تسعف في إبقاء أمل في عودة أصحاب نهج أوسلو عن نهجهم، خاصة بعد مواقفهم من عدوان الإبادة والتهجير والحصار والتجويع الجاري على غزة والضفة منذ ستة أشهر وحتى الآن
هكذا صار هناك من يعتبر علاقته مع العدو مقدسة، ومن يعتبر أن أي علاقة له مع أي مناضل من أبناء شعبه علاقة مدنسة، بل يسارع بكل حماسة إلى التعزية بقتلى العدو وموتى قادته، ويَفْجُرُ في استنكار أي عمل ضد العدو ويصفه بالإرهاب، ويصمت أمام تغول المستوطنين وتمدد الإستيطان في كل أنحاء الضفة الغربية ويتخاذل في قضية الأسرى والمقدسات والقدس، ناهيك عما أفرزته حالة أوسلو من اختطاف لقيادة أكبر فصيل فلسطيني وتوظيف تاريخه وتضحياته في خدمة سلطة همها قمع شعبها وتطويعه والهيمنة على قراره، وناهيك عما قامت به هذه السلطة من إشاعة الفساد المالي والأخلاقي ومن تدمير لمنظمة التحرير الفلسطينة ومؤسساتها وتغيير بنيتها وجعلها أشبه ما تكون بجمعية هامشية خارج مسعى النضال الفلسطيني، حتى صارت المنظمة ملحقة بمكتب الرئيس يحييها متى يشاء ويميتها متى يشاء، ويضع فيها من يشاء ويُقصي منها من يشاء، ويرفع لافتتها ولافتة شرعيتها في وجه أي محاولة للوحدة أو الإصلاح، وحتى باتت منظمة التحرير الفلسطينية والمشاركة فيها عنوانا من عناوين الانقسام والإقصاء والفساد والخضوع لإرادة المتنفذين في السلطة المحكومة بسقف اتفاقيات أوسلو أو بما هو أدنى من هذا السقف، وصارت هذه السلطة ونهجها مبررا للنظام الرسمي العربي في التخلي عن واجبه تجاه القضية الفلسطينية تحت شعار "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون"، فخسرت القضية الفلسطينية تضامن الشعوب العربية وخسرت اهتمام شعوب العالم ودعم أحراره في حمأة الركض نحو سلام الواهمين، فكان أن تقزمت القضية لتلائم مقاس قيادة السلطة وضيق صدرها وأفقها وخدمة ارتباطاتها والتزاماتها بمفرزات أوسلو وفسادها الذي تزكم رائحته الأنوف.
غير أن حالة نضالية فلسطينية أفرزتها الانتفاضة الأولى وتصاعدت مع الانتفاضة الثانية، وشاركت فيها كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل التي وُجدت خارجها وتجذرت في صفوف الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، واستطاعت خلق حالة مفارقة لحالة السلطة وحالة عجز منظمة التحرير بنسختها القائمة ما بعد أوسلو؛ حالة تختلف جذريا بل تتناقض بنيويا مع نهج أوسلو المتحكم بالسلطة والمنظمة، والذي صار همه استجداء المقاصة المالية المذلّة مع ما لحق ذلك من تكريس عقيدة دايتون وتغيير المناهج الدراسية والخطاب الثقافي والعبث بالميثاق الوطني والقفز عنه، وإصدار القوانين والقرارات الرئاسية المكممة للأفواه والمعطلة لأي إمكانية ديمقراطية في التغيير أو الإصلاح.
إن رفع شعار الوحدة الوطنية مع من ينتهجون نهج أوسلو، لا يعدو أن يكون شعارا رغائبيا بعيدا عن الواقع، مهما كان مقدار حسن النية الذي يقف خلفه. ولعل تبديد عقدين من الزمن في محاولات العودة إلى تلك الوحدة وفشل تلك المحاولات لا تسعف في إبقاء أمل في عودة أصحاب نهج أوسلو عن نهجهم، خاصة بعد مواقفهم من عدوان الإبادة والتهجير والحصار والتجويع الجاري على غزة والضفة منذ ستة أشهر وحتى الآن، وهي مواقف لا ترتقي إلى ما يقوله ويفعله ناشط سياسي أوروبي داعم لقضيتنا في مدينة أوروبية نائية.
وإذا كان من وحدة نأمل أن تقوم بعد كل ما شهدناه من ويلات أوسلو وبعد حرب الإبادة والتهجير فهي تلك الوحدة التي تقوم على الرواية الفلسطينية عن الصراع، وعمادها أن فلسطين كل فلسطين لنا وأن عدونا محتل أجنبيّ غاصب، يريد محونا جميعا من التاريخ والجغرافيا، وأن حقنا في المقاومة بكل الأشكال والسبل هو حق مكفول ولا يمكن التخلي عنه، وأن وحدتنا تقوم على موقع كل منا كأفراد وقوى في هذه المقاومة والمشاركة فيها.
إن الوحدة المأمولة هي وحدة الرواية والهدف والمصير.. وحدة تقوم على "اللقاء فوق أرض المعركة" كما كانت حركة فتح تقول في شعارها العظيم، قبل اختطافها وتفريغ مبادئها وشعاراتها من محتواها النضالي. وتلك وحدة رأيناها في الانتفاضة الأولى من خلال القيادة الموحدة للانتفاضة الأولى، قبل الغدر بها وإفشال تجربتها بنهج المفاوضات واتفاقية أوسلو، دعم مبادرة كهذه، يحتم عليها أن تحرص على أن تكون إسهاما في قطع الطريق على المؤامرات والمخاطر التي تتربص بالشعب الفلسطيني وقضيته، وعملا على استعادة منظمة التحرير لدورها وإعادة بنائها على أسس وطنية ديمقراطية واضحة للمحافظة على إرثها النضالي وشرعيتها وتمثيلها، بعيدا عن حقبة أوسلو والتزاماتها وافتراقا عن قيادتها التي جُرِّبَتْ على مدى ثلاثين عاما فأوردت القضية وشعبها إلى المهالكوهي وحدة مستقرة في وجدان الشعب الفلسطيني نرى تجلياتها اليوم على أرض غزة، ونرى إرهاصاتها بين مناضلي الضفة بكل أسمائهم وتنوعاتهم، ونراها في التعبيرات الشعبية، من خلال ما نشهده في مسيرات تشييع الشهداء والتظاهرات والاعتصامات الجماهيرية واستطلاعات الرأي، بما يعني أن وحدة كهذه وحدة مطلوبة وممكنة ولا بد أن تجد طريقها إلى الواقع.
والمأمول اليوم ومع تنادي المئات من الفعاليات والشخصيات الفلسطينية لعقد مؤتمر وطني فلسطيني؛ أن يكون هذا النداء في سياق البحث والسعي لإيجاد وسيلة قادرة على تخطي معوقات قيام وحدة وطنية فلسطينية على أساس الميثاق الوطني الفلسطيني وحق تقرير المصير وانتهاج المقاومة، بصرف النظر عن انتماءات أعضاء هذا المؤتمر والداعين إليه، وبصرف النظر عن مرجعياتهم الفكرية ووسائلهم النضالية، ما داموا يحملون الرواية الفلسطينية ذاتها عن الصراع ويؤمنون بحق شعبنا في المقاومة بكل أشكالها وينخرطون في هذه المقاومة كل بما يستطيع، وينبذون نهج أوسلو الذي يتقاطع مع رواية العدو الهادفة لانقسام دائم بين صفوف شعبنا.
إن دعم مبادرة كهذه، يحتم عليها أن تحرص على أن تكون إسهاما في قطع الطريق على المؤامرات والمخاطر التي تتربص بالشعب الفلسطيني وقضيته، وعملا على استعادة منظمة التحرير لدورها وإعادة بنائها على أسس وطنية ديمقراطية واضحة للمحافظة على إرثها النضالي وشرعيتها وتمثيلها، بعيدا عن حقبة أوسلو والتزاماتها وافتراقا عن قيادتها التي جُرِّبَتْ على مدى ثلاثين عاما فأوردت القضية وشعبها إلى المهالك، وما كان لقيادة كهذه أن تكون جزءا من قيادة موحّدة للشعب الفلسطيني.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الوحدة الفلسطينية الفصائل فلسطين الاحتلال الحوار الوطني فصائل الوحدة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمة التحریر الفلسطینیة الشعب الفلسطینی الوحدة الوطنیة بعیدا عن ما کان
إقرأ أيضاً:
مصر وحماس ومنظمة التحرير ترحب بتصريحات ترامب الأخيرة حول غزة
القاهرة جنيف "د ب أ" "أ ف ب": رحّبت كل من مصر وحركة حماس الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية اليوم بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد قوله"لا أحد سيطرد الفلسطينيين" من قطاع غزة.
ولم يتضح على الفور ما إذا كانت تصريحات ترامب تُشير إلى تراجع عن خطته المقترحة للسيطرة على القطاع الفلسطيني وتهجير سكانه إلى الدول المجاورة.
وقال ترامب في البيت الأبيض الأربعاء "لا أحد سيطرد الفلسطينيين"، رافضا سؤالا من صحفي سأله عما إذا كانت خطط "طرد الفلسطينيين من غزة" قيد المناقشة مع رئيس الوزراء الأيرلندي الزائر مايكل مارتن.
وأعربت مصر التي تتوسط مع الولايات المتحدة وقطر في محادثات التهدئة بين حماس وإسرائيل عن "تقديرها لتصريحات الرئيس الأمريكي بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته".
وأكدت مصر في بيان لوزارة خارجيتها على "أهمية البناء على هذا التوجه الإيجابي لدفع جهود إحلال السلام في الشرق الأوسط، وذلك من خلال تبني مسار شامل يستند إلى رؤية واضحة تحقّق الاستقرار والأمن لكافة الأطراف".
ورحّب الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم بتصريحات ترامب، واعتبرها "تراجعا" عن فكرة تهجير سكان غزة.
وقال قاسم لفرانس برس "تصريحات ترامب حول عدم طرد سكان غزة مرحّب بها".
وأثار ترامب تنديدا واسع النطاق في كل أنحاء العالم باقتراحه ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن المجاورتين، لتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بملكية أميركية.
وفي مواجهة ذلك، صاغت مصر خطة تلحظ إعادة إعمار غزة بدون تهجير الفلسطينيين مع عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع.
واعتمد القادة العرب الخطة في قمة في القاهرة في 4 مارس قبل أن تؤيدها منظمة التعاون الإسلامي في اجتماع طارئ في 7 مارس لتصبح خطة "عربية إسلامية" بشأن غزة.
وكتب أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ على موقع "إكس"، "نقدّر تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي أكد فيها عدم مطالبة سكان قطاع غزة بالرحيل عن وطنهم".
من جهتها اتهمت لجنة من الخبراء الأمميين إسرائيل بارتكاب انتهاكات حقوقية صارخة، تتضمن استخدام العنف كوسيلة لقمع الشعب الفلسطيني والسيطرة عليه.
وجاء في التقرير الذي صدر اليوم إن العنف " زادت وتيرته وحدته".
ويقال إن هذه الأعمال تم تنفيذها بأوامر مباشرة أو بموافقة ضمنية من الجيش والقيادة المدنية.
وأوضح التقرير أن مراكز الصحة في قطاع غزة تعرض لدمار ممنهج على يد القوات الإسرائيلية، كما تم تعليق واردات الأدوية واللوازم الأساسية للحوامل والرضع ونتيجة لذلك لقى نساء وأطفال حتفهم بسبب مضاعفات كان يمكن تجنبها.
وقالت نافي بيلاي رئيسة اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة" الدلائل التي جمعتها اللجنة تكشف زيادة مؤسفة في أعمال العنف.
وأضافت" لا يوجد مفر من الاستنتاج بأن إسرائيل توظف العنف ضد الفلسطينيين لإرهابهم وإقرار نظام قمعي يقوض حقهم في تقرير المصير".