قرية كاب الجداد …تاريخ راسخ.. وارث تليد
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
كتب : خالد البلولة
(١)
في موقف الصحافات جوار فندق الحرمين بالسوق العربي ركبت حافلة متجهة الي السوق المحلي،بها عدد قليل من الركاب،وينتظر السائق ان تمتليء الحافلة وبدا بعض الركاب يتذمرون من الانتظار والبعضالأخر يتسلل منها بحثا عن مركبة أخرى،جلست بجوار شاب عشريني ظل يلح على السائق بالتحرك :-(اطلع ياعمك،انت قايلنا ماشين كاب الجداد؟)
سالته:-(وين كاب الجداد دي؟).
قال باستغراب:-(والله ماعارف؟
قال :- هو في منطقة اسمها كده؟).
قلت له :- بالله ماعارف؟
قال:-(والله قلتها سااااي).
قلت :-،ايوه كاب الجداد قرية في شمال الجزيرة .
(٢)
يروي د. الطاهر احمد عبد القادر استاذ علم الحديث بجامعة امدرمان الاسلامية وابن منطقة كاب الجداد تاريخ القرية لبرنامج دنيا بتلفزيون السودان قائلا :-(يرجع نسب سكان كاب الجداد إلى قبيلة الدباسين وهم أول من سكن المقرن فلما جف مرعاه رحلوا عنه جنوباً عام 1400م بحثاً عن المرعى فلما وصلوا كاب الجداد على بعد 70 كلم من الخرطوم استنفروا لوفرة الماء والمرعى وكان بها الكثير من جداد الوادي.)
ويري شيخ الحلة محمد رحمه الله أن المنطقة قبل 600 عام كانت رغدة جاذبة للناس وأصل اسم كاب الجداد جاء من(كب الجدد)بضم الجيم أي جاءوا بقوم جدد.ويضيف د.الطاهر أن هناك رواية اخرى تقول:(أن اسم كاب الجداد جاء من كلمة Camp الانجليزية ثم حرفت لكاب الجداد ويفند بروفيسور عبدالله عووضه حمور هذه الرواية في مقالة بموقع سودانير اون لاين ٢٠٠٨م(راي أن الاسم من(Campبعيد جداً لأن الانجليز بذلك الزمن 1400م ما كان لهم وجود بالعالم الوجود كان للعرب والمسلمين وقبلهم النوبة بشمال السودان لهذا نجد عدداً كبيراً من الكلمات الدنقلاوية بلغة الانجليز حتى اليوم مثل كلمة(أسَّي)المعنى الماء وكلمة جامبو وتعني الفأس الكبيرة.
(٣)
وتعد منطقة كاب الجداد من المناطق العريقة بالسودان وتاريخها ضارب في القدم وتنتسب الي قبيلة الدباسين ذات الجذور العربية الراسخة واشتهرت باغنامها ذات اللون الابيض والأسود(الضان الدباسي)ويؤكد بروف حمور لانه يسمع بكاب الجداد كأي قرية من قرى الجزيرة وحقا:(ما يعرفك يجهلك)
(٤)
يقول الإعلامي عبد الجليل عوض تكون قرية كاب الجداد عدة احياء سميت على شخصيات من اهل القرية منها حلة امنه وسميت على امنه بت حبر وهي اوائل المستقرين بالمنطقه، وحلة ابوضوه وهي حفيدة الشيخ ود اب كساوي وحلة الناظر نسبة الي الناظر رحمة الله ودخيرالسيد ناظر عموم الدباسيين بالسودان وحلة السرجاب نسبة الي السراج وهناك فريق الحاج وسمى على حاج حسن هجوني وحفظ ستة من ابنائه القران بخلاوي العبيد ودبدر وفريق الحوري وينتسب الي الجيلاني مدني فرح الصاحب وهو مؤسس السلمه جنوب الخرطوم ويعود اصلهم الي الجريف غرب وتاسس المركز الإسلامي الأفريقي (جامعة أفريقيا العالميه الان)علي ارضه.وهناك فريق الدناقله وهم اولاد نبق من الكاملين والذين اسسوا سوق كاب الجداد مطلع الخمسينات بطريقته الحاليه من الطوب الأحمر بعد أن كان في الجهة الشرقية للقرية وشيد بالطين اللبن (الاخضر)في الاربعينات من القرن الماضي وهناك فريق ام دبيكرات تخليدا لمعركة ام دبيكرات.
(٥)
*رغم عراقة المنطقة فإن التعليم الحديث لم يبدأ إلا في عام 1950م بمدرسة صغرى ثم أولية عام 1958م ومن قبل كانت خلوة الشيخ حسن عبد القادر يدرس فيها علوم القرآن. وساهمت المدرسة الأميرية المتوسطة في نهضة قرية كاب الجداد الاجتماعية والاقتصادية،ويؤكد ذلك د.عوض محمد عوض الله الاعلامي الذي عمل باذاعة صوت الامة السودانية وباذاعة الرياض بالسعودية:-كنت ارى بحكم دراستي في المدرسة الاميرية الوسطى ان لها تاثيرا اقتصاديا واجتماعياملحوظا على كاب الجداد البلد،فالعمال في اغلبهم من أبناء القرية الا الطباخين اللذين كانوا كلهم من الكاملين الا الكدادي الذي كان من الشمالية وتاثير الكاملين كان واضحا في مدرسة كاب الجداد الوسطى فاول ناظر لها هو الاستاذ حسن نصر وهو من الكاملين ويبدو انه كان هناك نفوذ لاولاد نبق وال نبق اسرة كبيرة من الكاملين وترجع اصولهم الى قبيلة الدناقلة .
(٦)
*ويضيف الكاتب الصحفي أحمد المصطفى إبراهيم أحد طلاب المدرسة :-وهذه المدرسة أنشأها تجار الكاملين وفق شروط المدارس بذلك الزمان أن تكون ذات خريطة واحدة حكومية أو اهلية تفرض هذه الخريطة على كل المدارس.قام التجار بإنشاء المدرسة 1957أو 1958 كمدرسة أهلية برسوم قدرت باربعين جنيها واستمرت المدرسة خمس سنوات كمدرسة أهلية وفي العام 1962أصبحت حكومية،لا ادري هل عوضت الحكومة أصحابها؟أم تبرعوا بها ام كان هناك شرط عند التاسيس؟
ويواصل أحمد المصطفى :-شخصيا تم قبولي بها 1963م في منافسة حادة،كان عدد التلاميذ الممتحنين 350 تلميذا يتنافسون على 40 مقعدا فقط وبعدنا زاد عدد الجالسين إلى اكثر من ذلك وكانت المدرسة المتوسطة الوحيدة في كل شمال الجزيرة مثلث رؤوسه قرى بجيجة والبشاقرة وبتري.
*تكونت المدرسة من 4فصول 4 مكاتب ومعمل ومخزن و4 داخليات هي زحل والمريخ وعطارد والزهرة،في كل داخلية 4 عنابر وحمامين ومخزن ولكل تلميذ سرير وبطانية من الصوف الإنجليزي ودولاب وسفرة طعام كبيرة ومطبخ ومولد كهرباء من المغرب إلى منتصف الليل منازل للمدرسين ومنزل ضخم لناظر المدرسة.
(٧)
*ويؤكد صديق يوسف من التلاميذ الدفعة الاولي بالمدرسة ان المدرسة تاسست عام ١٩٥٧م وبدات فصلها الاول في الكاملين والصف الثاني في المعليق واكتملت باربع فصول في كاب الجداد وكانت الاولي على مستوى السودان سنة ١٩٦٧م وسنة ١٩٧٢م وكان كل طلابها المقبولين في ٣٠٠ الاوائل ومن أبرز المعلمين عند أفتتاحها الاستاذ حسن نصر عباس اول مدير لها والاساتذة رحمة الله الفكي سليمان والامين ابراهيم احمد ومصطفى مامون مصطفي.
* ومن ابرز المعلمين الذين عملوا بمدرسة كاب الجدادالاستاذ عوض حسن احمد شاعر أغنية صغيرتي لعبد العزيز داؤد والاستاذ الخير أحمد الزبير من النوبة والاستاذ محمود عبد العال من الحلفايا والتلاميذ الذين درسوا في مدرسة كاب الجداد الاميرية،البروفيسور عبد اللطيف البوني ود. عوض الله محمد عوض الله واحمد المصطفى ابراهيم والمهندس عبد الوهاب عثمان وزير التخطيط العمراني بولاية الخرطوم عليه رحمة الله.،
khalidoof2010@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
زهرةٌ لثوار سوريا… ودمعتان على دمشق
بقلم: منتصر عبد الماجد*
“لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كل ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..
ودمعة سدى !”
أمل دنقل
______________
نعم تمكن ثوار الشام من إسقاط نظام الأسد.. ولكن!! الأحداث، لا تحمل خلاصاً الشعب السوري وتقرع أجراساً باقتراب دمشق السقوط في جحيم العنف الثيوغراطي الذي أكتوى بنيرانه السودانيون لأربعة عقود، فمنذ سقوط الأسد مطلع هذا الأسبوع درجت الفصائل الداعشية "مدعومة من أوكار التجسس المشبوهه" على استباحة المدنيين العزل تحت مسمى (فجر الحرية) تقتل في المواطنيين وتحرق منازلهم وتنهب ممتلكاتهم.
إنتصار الثورة الشامية يسعد ويحفر ثوار السودان للارتباط العضوي بين أحلام وشعارات الشعبيين.. ولا عجب في ذلك، فنحن كسودانيين، نتغنى بكلمات شاعرنا تاج السر الحسن (يا دمشق - كلنا في الهم والآمال شرق) منذ أواسط القرن الماضي. لذا تبقى مخاوفنا على الثورة السورية مشروعة، طالما أن الآمال والهموم (السودانسورية) منبعها مشيمة واحدة، تخلقت فيها ثورتا الشعبين، لتولدا تؤأماً سيامياً تزامن ميلاده، وتناغما وتطابقا في الشعارات والمنطلقات والأسلوب ووسائل نضال سلمي مطلق أعجز آلة عنف لأقدم نظامين قمعيين في العالم، وأطلت على قياداتها شباب مستنير سطعوا نجوما في تاريخ البسالة والتضحية في مقاومة إرث النظم الفاشية..
هذا التطابق كان بمثابة الحبل السري الذي غذى التوأم الثائر بالإلهام ليتوهج نبراسا يبدد مخاوف الشعوب الحرة في طريقها للحرية والسلام والعدالة التي أطفأت شيطانين الثيوغراطية والشعوبية جذوتها، وتلبست قوت واقتصاد شعوبها المستضعفة، ونفثت نزغها في مفاصل دولهم وجيشها وأسست علاقات دولية على عرض الأوطان للبيع مقابل البقاء في السلطة.
فرضت تلك الأنظمة (المنحطة) على السودانيين والسوريين مساومتهم بالاستمرار في الحكم مقابل وضع مستقبل بلدانهم أمام الخيار الصفري، أو عقوبة الدمار الكامل، والآن يعاقب فلول الإرهاب الديني السودانيين بالقتل والنهب والجوع والتشريد جراء صحوة أمانينهم، بينما يعد ويطبخ طاهي السوء ذات المائدة الحرام للسوريين لتورع رعبها ذات الأيدي الإرهابية الآثمة في شوارع دمشق.
على رفاقنا في الثورة السورية استلهام الدورس والعبر من مآلات الثورة السودانية التي في مقدمتها تجنب الخيار الصفري لبلادهم، وذلك لا يتم الا بعزل تيارات الإسلام السياسي التي نشأت في الغرف الاستخباراتية القذرة، ورضعت العمالة وتبنت العنف الديني لإذلال شعوبها ووأد تطلعاتها.. ولا تطفوا هذه الجماعات على السطح كالبثرة المتعفة الا بالسيناريوهات المصنوعة في الغرف المغلقة التي تتم فيها صناعة قادة عسكريين وتلميع شخصيات سياسية لتسرق لسان الشعب في تنفيذ المسارات لترتيب المشهد الجديد بتوقيع الوثائق الرمادية التي تصيب الثورة في مقتل.
ومفارقة مشهد الثورة السورية بكل قيمها الحداثية الإنسانية بوسائل نضالتها السلمية أن الذي سيقرر مستقبلها ومساراتها القيادات الداعشية التي لم تؤمن يوما بشعاراتها ولا قيمها في التبادل السلمي للسلطة، وصيانة حقوق الأقليات وما زالت حتى اللجظة تحمل بندقيتها لفرض بطشها، لكنها تتصدر مشهد الثورة بقوة دفع مصنوع ومعد سلفا لاستغفال الشعوب.
فهل من العدل استبعاد كل دعاة الديمقراطية والحداثة من قيادة الثورة السورية ويطل على رأسها تلك الوجوه الكالحة التي منبع ومنهل أفكارها فتاوى العنف الديني، وانتمت حينا من الدهر لداعش والنصرة وتنظيم جبهة الشام، ولم يعرف او يسمع عنها ندما او تراجعا عن عنف او حتى نقدا للذي يشكل نسيجهم الرابط، وهذا ليس من باب التوقعات بل حقائق لا تقبل الشك بوقائع مورست خلال تحكمهم في اراضي سوريا والعراق.. فهل نسي السوريون الفظائع والانتهاكات من الإبادات واستبعاد النساء واستباحة الطائفة الأزيدية.
فيا رفاق الحرية والسلام والعدالة في سوريا ماذا يعني رفع الولايات المتحدة أسماء التنظيمات الارهابية التي استباحت أعراضكم باسم الدين من قوائم الارهاب؟ وماذا يعني توغل الجيش الاسرائيلي في الاراضي السورية؟. ماذا يعني تدمير الطيران العبري للمقدرات الدفاعية والاقتصادية السورية؟ ويتبقى السؤال المحوري الأهم، ما فعل قادة الفصائل الملتحين إزاء كل ذلك..؟
وبحسب التجربة السودانية فان سيناريو صناعة المشهد في الغرف المغلقة يصمم على توازن ضعف دقيق بين ثلاثة أعمدة أولها (الجيش والاجهزة الامنية) وثانيها (المليشيات والمرتزقة) ثم ثالثها (مجموعات سياسية متناحرة) ثم يتطلب تنفيذ السيناريو الاحتفاظ بالأجهزة الامنية الفاشية بشرط إضعافها وتهديدها بفقد الامتيازات للتماسك في ضعف في المقابل تطلق أيدي المليشيات ماديا ولوجستيا ويحفز المرتزقة ويصبح الكسب بالبندقية جاذبا تمهيدا لاشتعال الحرب التي ستولد الفوضى والانتهاكات لتبدأ غرف الظلام في نشر خطابات الكراهية ليتم تفكيك الدولة.
ولا يصعب معرفة من الممسك بخيوط لعبة صناعة المشهد الذي يجهض استفاقة الشعوب، فالأمر لا يحتاج لعناء، فالدولة العبرية صاحبة المصلحة الوحيدة في إعادة تشكيل المنطقة جيوسياسيا وديموغرافيا وفقا لعقدها ومفاهيمها التوراتية وخططها في التوسع والسيادة.
توظف اسرائيل لهذا الهدف شبكات تجسس معقدة عالية الكفاءة مصممة على استراتيجيات طويلة المدى تتكون من هياكل متعددة وتبدو متناقضة، لكن جداولها تصب في مصب واحد تشمل (دول عميلة تحلم بادوار اكبر من حجمها) و(قيادات عسكرية تسيطر على المؤسسات الامنية) و(مجموعات نيوليبرالية محلية تتسلق الثورات) وأخطر عملائها على الثورات ما يسمى (بجماعات الاسلام السياسي) التي في الأصل صناعة الموساد وأغدقت عليها الأموال لانتشار واسع بصبغة خطاب ديني مزيف يسمم عقول البسطاء (فوراء كل ملتح جريمة وخيانة).
إن الحرية والسلام والعدالة هي قضية الشعبيين السوري والسوداني المحورية، وعلمنا من تجاربنا المريرة أن الوصول لجوهر الثورة يتطلب عبورا شاقا ودروبا وعرة، فالنظم القمعية ترتبط بأقبية الاستخبارات التي تصنع لها رؤوسا عديدة لتطل في كل مرحلة رأسا أقبح، لذا قصدت أن أبتدر المقال بكلمات الشاعر أمل دنقل لتشير الى قاعدة ان الاستبداد سلوك متجدد، وواجبنا النضال ضد كل الطغاة مهما تعاقبوا وتناسلت انظمتهم.
______________________________
* رئيس تحرير صحيفة مداميك