«شقو».. خلطة فنية تراهن على البطولة الجماعية
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
أمينة خليل راقصة ويسرا زعيمة عصابة.. نجوم الفيلم تمردوا على أنفسهم
تصدر فيلم «شقو» إيرادات موسم عيد الفطر فى الأسبوع الأول من عرضه، وتخطت إيراداته 40 مليون جنيه، وهو رقم قياسى مقارنة بالأفلام المشاركة معه فى نفس الموسم.
الفيلم هو خلطة فنية تجمع الأكشن والكوميدى، وتجذب الأنظار منذ عرض البرومو الذى رصد المهارة العالية فى تنفيذ المعارك ومشاهد الحركة، وهو ما جعل الجمهور يتوقع سينما مليئة بالإبهار والتشويق، مع كادرات جاذبة للعين تميز بها المخرج كريم السبكى.
كذلك يميز الفيلم مشاركة عدد كبير من نجوم الصف الأول فى عودة للبطولة الجماعية التى تضمن النجاح، ولكن الجديد أن كل فريق العمل تمرد على أدواره ويقدم شخصيات جديدة تماما فى مقدمتهم النجمة يسرا التى تظهر للمرة الأولى سينمائيا بشخصية شريرة «الدكتورة» زعيمة العصابة، وأمينة خليل التى ترتدى بدلة الرقص للمرة الأولى لتتمرد على شخصية الفتاة الرومانسية الارستقراطية، بالإضافة إلى كيميا عمرو يوسف ومحمد ممدوح والمتمثلة فى «المخ والعضلات» وهى التيمة الشعبية التى يحبها الجمهور.
تعتمد فكرة الفيلم على مفهوم الصداقة، حيث تدور الأحداث حول صديقين يمارسان الأعمال الإجرامية بانتظام، عن طريق الاقتحام للسرقة أو حيل النصب، ويتورط الثنائى فى خلاف مع شخص ذي سلطة كبيرة، ويقعان فى فخ للوقيعة بينهما، قبل أن يتداركا الأمر ويعودا للانتقام، وما يميز الفيلم اعتماده على فكرة «روبن هود» الصديقين الأشقياء لكنهما لا يسرقا الفقراء بل يساعدانهم، من خلال سرقة الأغنياء.
«شقو» مستوحى من رواية «أمير اللصوص» للكاتب الأمريكى تشاك هوجان، وشارك فى بطولته كل من عمرو يوسف، محمد ممدوح، دينا الشربينى، يسرا، أمينة خليل، عباس أبوالحسن، محمد جمعة، وليد فواز، ويظهر الفنان أحمد فهمى كضيف شرف، من إخراج كريم السبكى، تأليف وسام صبرى.
عمرو يوسف: بذلنا مجهودا كبيرا وهدفنا إسعاد الناس
عبر الفنان عمرو يوسف عن سعادته بردود الفعل التى تلقاها حول الفيلم وقال، توقعت هذا النجاح منذ قراءة السيناريو.
وأضاف: وقعت على عقود تصوير فيلم شقو عام 2021 واستغرق التصوير 3 أعوام، واستهلكنا وقتا طويلا فى التجهيز له، والحمد لله ظهرت نتيجته مرضية لنا كفريق عمل، والأهم أن تكون مرضية لكل الناس.
وأضاف: الفيلم شارك فيه نجوم وأبطال غيروا من جلدهم وظهروا بشخصيات جديدة ومختلفة.
وعن الصعوبات التى واجهته خلال التصوير قال، أحتاج لمجهود كبير أثناء التصوير بسبب مشاهد الأكشن، وكان هناك مشاهد صعبة، حيث كنت أقف على تكييف فى الطابق الثلاثين، مشهد آخر عندما قفزت من الطابق الثالث بالحبل من إحدى العمارات وسط البلد.
وأضاف عمرو يوسف أنه لم يستعن بأى دوبلير أثناء التصوير، وأنه قام بتنفيذ جميع المشاهد بشخصه، وذلك بتوجيهات خبراء معارك أجانب وليس مصريين.
واختتم عمرو بأنه سعيد بالتعاون مع الفنانة يسرا من خلال فيلم «شقو»، حيث إن هذه هى المرة الأولى الذى يتعاون معها بها من خلال عمل فنى.
يسرا: سعيدة بنجاح الفيلم وتوقعت إيراداته
عبرت النجمة يسرا عن سعادتها الكبيرة بنجاحها فى فيلم «شقو» وردود الفعل التى وصلتها على الدور خصوصا أنه يختلف عما اعتادت تقديمه فى السينما المصرية.
وأضافت يسرا أن بطل الفيلم عمرو يوسف هو من أقنعها بالفيلم وهو فنان ذكى وموهوب.
وعن مخرج العمل كريم السبكى، قالت يسرا إنه يقدم تجربة قوية فى هذا الفيلم ويقدم نفسه كمخرج موهوب، مؤكدة أنها ستسافر مع باقى فريق الفيلم إلى السعودية والإمارات لحضور العروض الخاصة بالفيلم هناك.
وعلقت قائلة فرحانة جدا إنى جزء من الفيلم، وسعيدة بالتعاون مع فريق العمل، وكل الفنانين مختلفون تماما عن أى توقع ممكن تتوقعوه، والإخراج حلو والموضوع حلو والإنتاج كبير وعاملين شغل محصلش وفرحانة بيهم فرحة عمرى، وفرحانة أكتر إنى كنت متحوطة بحب».
وأضافت يسرا عن تقديمها دور شرف فى الفيلم: «بعمل الشغل من قلبى لأنه مش بحجم كُبر الدور ولا صغره ولكن بمعناه وتأثيره والفيلم لم يكتمل غير بدور الدكتورة الذى أقدمه.
كما أشادت يسرا بأبطال العمل قائلة: عمرو يوسف ومحمد ممدوح قدما دورا مميزا جداً، وأمينة خليل ودينا الشربينى مختلفان تمامًا وحلوين حلاوة محصلتش».
محمد ممدوح: شخصية حجازى من الواقع.. ولم أستعن بدوبلير
عبر الفنان محمد ممدوح عن سعادته بالمشاركة فى الفيلم، وقال: الحمد لله على نجاح فيلم «شقو»، وأنا أجسد فيه شخصية حجازى مترقة، شخصية جديدة على والفيلم تجربة جديدة ومختلفة.
وكشف عن علاقته بأبطال الفيلم، قائلا: عمرو يوسف شقى وأخويا، ويشرفنى أن أشاركه فى أعمال فنية، ونحن دائما «فى ظهر بعض»، وتشرفت بالعمل مع فريق الفيلم بالكامل، وفخور بمشاركة نجمة كبيرة مثل يسرا، وهى إضافة لنا جميعا.
وأشار إلى أنه قابل بحياته شخصيات مثل شخصية حجازى التى يقدمها فى الفيلم، معلقاً أنها شخصية واقعية واعتمدنا فيها أن تكون قريبة من الجمهور حتى يتقبلها.
وأضاف «ممدوح» أنه كان يرغب بتقديم فيلم فى عيد الفطر، وكانت إحدى أهم أولوياته، وجاءت له فرصة المشاركة فى فيلم «شقو»، وأعجبه أنه مزيج من الأكشن والكوميدى، قائلاً: تدربت كثيرا على مشاهد الأكشن حتى يظهر بهذا الشكل دون الاستعانة بدوبلير.
عن أمنية محمد ممدوح للفيلم قال: بذلت مجهودا كبيرا فيه وأتمنى أن ينال العمل إعجاب الجمهور ويستمر نجاحه فى السينمات.
أمينة خليل: شخصية الراقصة الأصعب فى مشوارى الفنى
قالت الفنانة أمينة خليل إن دورها فى فيلم «شقو» هو مغامرة محسوبة، وأضافت قائلة: تمردت على أدوارى السابقة وقررت أن أقدم شخصية مختلفة تماما وجريئة وبعيدة عنى فى كل التفاصيل، ولذلك كنت مصرة أن تكون الشخصية سرية قبل طرح الفيلم.
وأضافت «خليل» قصة الفيلم مختلفة، ولم أقدم دور راقصة فى كباريه من قبل، تحسمت لشخصية (فتنة) لأنها مركبة، إذ تتكلم بطريقة غريبة وشكلها مختلف أيضا.
وعن الصعوبات التى واجهتها خلال تصوير الفيلم قالت: لم يكن هناك أمر صعب سوى التحضير للشخصية قبل بدء التصوير، والتجهيز للشخصية فى كل مشهد حيث إن ملابس الشخصية كانت تستغرق ساعات طويلة جدا لوضع الباروكة وتفاصيل المكياج والملابس.
وعن فريق العمل قالت: كل فريق العمل أصدقائى على المستوى الشخصى وأنا فخورة أن يكون فى تاريخى فيلم شاركت فيه جميع هؤلاء النجوم.
دينا الشربينى: «المحبة» فى كواليس الفيلم ظهرت على الشاشة
قالت الفنانة دينا الشربينى: انها شاركت فى الفيلم بمجرد معرفة الأبطال المشاركين فيه حتى قبل قراءة السيناريو، وأضافت: أحب دائما المشاركة فى أعمال فنية يجمعها الحب والألفة والعلاقات الطيبة بين فريق العمل.
وأضافت: مشاركة النجمة يسرا فى العمل هو الأفضل لأنه أضاف الكثير من الحب والتميز فى العمل، فهى إضافة لكل أبطاله، موضحة أنها أجمل وجه على أفيش العمل، ورغم أنها لم تجتمع معها فى أى مشهد إلا أنها سعيدة بمشاركتها.
وعن دورها أكدت أنها فتاة طيبة تعمل ممرضة، وتقع فى حب عمرو يوسف الذى ترفض عمله الاجرامى، والشخصية بسبب «غلبها» وقعت فى ظروف صعبة بسبب تعرضها لصدمة كبيرة وتحاول الخروج منها بمساعدة زملائها.
كريم السبكى: راهنت على النجاح.. واستعنا بمصمم المعارك اندرو ماكنزى
عبر المخرج كريم السبكى عن سعادته بحجم الايرادات التى جمعها الفيلم، ومستوى إعجاب الجمهور، وأضاف قائلا: توقعت هذا النجاح للفيلم، لأنه مليء بكل عناصر النجاح، فهو يجمع عددا كبيرا من النجوم الذى أجمع الجمهور على حبهم، سواء عمرو يوسف ودينا الشربينى وأمينة خليل ومحمد ممدوح ويسرا، وأدوار مميزة لمحمد جمعة ووليد فواز كلهم قدموا تنوعا وشكلا مختلفا تماما، وتوقعت منذ المعالجة الأولى للسيناريو أن يحقق الفيلم هذا النجاح.
وعن تمرد الفنانين على أدوارهم قال: هذا هو الطبيعى، هناك فنانون يخافون من التغيير، لكن فى رأيى النجومية تتحدد بالقدرة على التألق والاختلاف، على سبيل المثال النجمة يسرا صاحبة عدد كبير جدا من الأعمال الفنية سينمائيا ودراميا لكنها لا تقبل بالمشاركة فى العمل إلا إذا كان يقدمها بشكل مختلف، وهذا ما ظهر فى الفيلم فهى تجسد شخصية شريرة ولكنها مفاجأة الفيلم ووجودها ضمن أحداث فيلم «شقو» من أجمل الأشياء، لأن وجودها دائما مميز ولها طلة مختلفة.
وعن استعانته بمصمم المعارك أندرو ماكنزى قال: حاولنا بقدر الإمكان أن نقدم شكل الأكشن الذى يحترم عقلية المشاهد، لم نستعن بدوبلير، وفريق المعارك كان يدرب كل فنان على مشاهد الحركة، والحمد لله بذلنا قصارى جهدنا لكى تخرج صورة الفيلم بشكل راق ومحترم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: شقو أمينة خليل فيلم شقو النجمة یسرا أمینة خلیل فریق العمل محمد ممدوح عمرو یوسف فى الفیلم
إقرأ أيضاً:
عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها
قصة قصيرة [ لم أعد حياً .. لكني أتنفس ]
بقلم / عمر الحويج
باغتنا الإنفجار ، جاءنا.. مدوياً ، من فوقنا . جاءنا .. عابراً سماءنا ، تلك التي ظلت .. تظلل صفاءنا ، جاءنا مخترقاً جبالنا ، تلك التي أبداً ، كانت .. أماننا و حِمانا.
حينها .. تحولت قريتنا ، الوادعة ، إلي كتل من اللهب ، والنيران ، والدخان .. تلتها ، لا بل رافقتها ، زخات من المطر الرصاص ، المنهمر علينا ، من كل أنواع الأسلحة ، الخفيف منها ، و الثقيل .. أحاطنا من جميع أركاننا ، من أمامنا ، من خلفنا .. من يميننا ، من يسارنا ، أما من تحتنا ، فقد اهتزت ، بنا الأرض ومادت ، وكأنها زلزلت زلزالا ، رجّتها أصوات الدبابات وحركتها الضاجة ، حين أخذت ، تخبط خبط عشواء ، في أرضنا.. في مساكننا.. في البشر والناس .. و حتى قطعاننا وطيرنا وأنعامنا .
إلا ، أنا .. وجدتني ، مازلت حياً .. أتنفس .. !!
بدأت أتحسس ما حولي ، ببصري .. لا أري ، غير الدخان ، وألسنة النيران واللهب ، كما لا أسمع ، غير ضجيج الدبابات وهديرها ، وهي تجوب المكان هنا وهناك .. مسرعة .
لا أدري ، ما هو فاصل الزمن ، بين بداية الانفجار الأول .. وما تلاه . ولكني وجدت نفسي ، في الحالة الأخيرة ، التي كنت عليها ، حين حملني ، أحفادي الأربعة ، على ظهر ، نقّالتي الخشبية . المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، والتي صنعوها، خصيصاً لحركتي اليومية ، خاصة من قُطّيتي .. سكني إلي حيث شجرتي الظليلة ، و التي تحتويني ، تحت ظلالها ، طيلة نهاري ، وبعض ليلي .
وحتماً .. أن شجرتي الظليلة ، هي التي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً ، بعد كل ما حدث .. وما يزال . وأنا الحي كميت منذ زمان مضى .. بعيد ، حين أصابني ذلك البلاء ، الذي شل كامل جسدي ، عن الحركة ، وترك لي فقط ، بعض من حواسي : عيناي .. اللتان ظلتا ، تخترقان بعض الضوء .. إلا قليلاً. وسمعي .. دون لساني .. وقلبي الذي يخفق .
وهكذا ، أنا .. وجدتني .. ما زلت حياً .. أتنفس ..!!
إلا أن شجرتي الظليلة ، والتي حمتني .. أو ربما هي بالتأكيد التي أبقتني حياً . لم تستطع أن تحمي الآخرين . فها أنذا ، قد طال انتظاري ، ولم يأتيني أحد ، من أهلي ، حتى الآن ، ليتفقدني .. كما عودوني .
وأنا .. لا زلت ، لا أرى أمامي ، سوى الدخان .. والفضاء ، حالك السواد ، بعيني الغائمتين . فقط يخترق أذني ، ذلك الهدير الآتي ، من هياج الدبابات وما يلحق بها ، من الآليات العسكرية ، التي أعرفها جيداً ، وأكاد أحدد ، أنواعها .. فقط ، من صوت ، تحرك عجلاتها . ففي زمان مضى .. بعيد ، عملت جندياً ، بعد تجوالي ، في العديد من المهن ، السفلى منها والأسفل.. !!. أذكر في ذلك العهد .. البعيد ، كانوا أيضاً يدفعون بنا دفعاً ، لاقتحام القرى والمدن . لنقتل ونحرق ، في تلك الأنحاء البعيدة .. كبعدنا الآن ، عن هؤلاء الذين جاءوا ، لحرقنا وقتلنا .. لماذا ؟؟ ، لست أدري . ما أدريه الآن فقط ، أن كل ما حولي ، أضحى هامداً خامداً .. ومتلاشياً . أين يا ترى ، إختفى نبض قريتي ، الذي كان يحتويني ، رغم عجزي وقلة حيلتي ، بدفئه وحنيته وحنينه ، أين أهلي؟.. أين ناسي؟ أين حتى ، قطعاننا وطيورنا وأنعامنا ؟. فانا لا أسمع لها : خواراً أو صهيلاً ، نهيقاً أو نقيقاً . ولكني الآن أسمع : قد أتتني ، أصوات أقدام ، تتقدم نحوي ، بخطوات منتظمة، وأخرى مهرولة .. بل بدأت ، أسمع أصوات أصحابها ، يتصايحون .. يتجادلون .. يأمر بعضهم ، ويأتمر البعض الآخر .. عرفتهم ، من أصواتهم .. عرفتهم ، من لسانهم .. الذي به ينطقون ، نعم عرفتهم . لقد عذبني ، هذا اللسان كثيراً : أبني الصغير ، أصغر أبنائي .. في ذلك الزمن .. البعيد . يوم عمّت الفوضى ، تلك المدينة الكبيرة .. وحين استعادوها "من المتمردين" يقولون . أخذوا .. يبحثون ، يفتشون ، ينقبون : في الشوارع ، في البيوت ، في الدّواخل وفي النفوس ، في سحنات الناس ، وفي ألوانهم . وفي الطريق العام ، كان إبني يسير .. حين أوقفوه ، عن اسمه .. سألوه . حين سمعوه أخذوه .. ثم قتلوه . في ذات الطريق العام .. قتلوه . أنا عرفت.. فيما بعد .. أنا عرفت . إبني قتله لسانه.. ولم يقتله سلاحه . والآن .. لا أنا ، ولا أهلي وناسي ، نملك سلاحنا ، وإن كنا نملك لساننا ، وهذا ربما مورد هلاكنا ، وكذلك أحفادي . ولكن أين هم الآن . لماذا لم يأتوا ، ليتفقدوني كعادتهم .. أثار تعجبي منهم . وأندهاشي . أنهم في الأيام الأخيرة ، وبغير عادتهم وجدتهم ، يتحلَّقون حولي ، تحت ظل ، شجرتي الظليلة . أسعدوني بوجودهم قربي ، ولكنهم أحزنوني بحواراتهم ، فعن طريقهم ، عرفت الحرب ، التي تدور حولنا ، عرفت بعنفها .. أغلقت مدارسهم "وعرفت حينها سبب تحلقهم حولي" عرفت منهم ، أن الناس هناك ، يهربون من قراهم ، إلى الكهوف ، في جبالهم.
ما أدمى قلبى ، أن إثنان من أكبر أبنائي ، قد التحقا بها "تلك الحرب اللعينة" ما أدمى قلبى أكثر ، أن أحدهم ، يحارب في جانب ، والآخر في الجانب المقابل . وما أدمى قلبى ، أكثر وأكثر ، أن اثنان من أحفادي ، تعاركا أمامي ، كُل منهم .. دفاعاً عن والده . وأنا العاجز أصلاً ، وجدتني عاجزٌ عن الفهم ، وعاجزٌ أكثر ، عن وقف عِراكهما أمامي ، فقط .. ما قدرني عجزي عليه ، أن دمعت عيناي ، كما الآن .. فقد دمعت عيناي ، لهذا الذي مر بخاطري ، حتى غامتا ، ولم تريا ، أصحاب تلك الأقدام ، التي أخذت تحوم حولي ، بل تتقدم نحوي ، أراهم الآن .. ينحني أربعة منهم ، تقبض أياديهم على أركان ، نقالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقل الجسد ، أحسست بعدها ، بارتفاعي المفاجئ عن الأرض ، بعنف لم أعهده في أحفادي ، حين يحملونني برفق ، ليتحركوا بي ، من موقع لآخر . وبعنف أقوى .. مشوا بي ، إلي أين؟.. لست أدري ، فقط مشوا بي ، ثم مشوا . ثم فجأة توقفوا ، ودون انتظار ، دون إنذار ، أطلق أربَعتَّهم ، سراح أيديهم ، من أركان ، نقّالتي الخشبية .. المتآكلة بفعل الزمن ، وثِقَّل الجسد ، وبعنفٍ .. تركوني إرتطم بالأرض ، وقبل أن أفيق قليلاً ، انحنى اثنان منهم ، ومن جانب واحد ، من نقّالتي الخشبية ، دفعا بي إلى أسفل .. ولكن دون نقالتي الخشبية !! . ووجدتني داخل حفرة ، وإن لم تكن عميقة ، لسرعة وصولي .. قاعها ، وحين أفقت .
وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس..!!
وبدأت أتبين ما حولي . أجساد محترقة ، إنهم أهلي .. ناسي . هؤلاء الأربعة .. إنهم أحفادي ، عرفتهم .. بإحساسي عرفتهم ببصيرتي . إثنان منهما ، متلاصقان .. متماسكان ، يحضنان بعضهما ، هل يا ترى كانا يتصافحان ، أم كانا يواصلان عِراكهما .. لست أدري !! . ما أدريه فقط الآن ، أن نظري المتلاشي قد وقع ، على جسد آخر . إنها زوجة حفيدي : صغير السن هو .. صغيرة السن هي ، والآن بكامل زينتها . تزوجها حفيدي ، قبل عام مضى ، أقام لهما والده حفل زواج ، ظل حديث قريتنا زماناً طويلاً ، رقص فيه الشباب .. فتياناً وفتيات ، كما لم يرقصوا من قبل ، إستدعوا فيه ، كل موروثاتهم القديمة والمتنوعة .. رقصاً وغناءً . فقد كانت زوجته من قبيلة مجاورة ، وليسوا من قبيلتنا .. !! .
ولكن .. ما أرى؟؟ .. إنها دماء ، دماء على ساقيها ، دماء على فخذيها .. يا الهي .. لقد أتوها ، حتماً أتوها ،ثم اغتصبوها .. ولكني لا أدري .. إن كان أتوها .. ثم اغتصبوها ، قبل موتها .. أم بعد موتها أتوها .. ثم اغتصبوها . ظللت طيلة سنوات عجزي ، بالنية داخلي .. أصلّي . الآن .. على ضياع صباها أصلّي . وأنا أصلّي .. أتاني من خلفي أنين ، إنه أنين طفلة ، تيقنت منه ، إنه منبعث ، من إبنة حفيدتي .. آخر عهدي بها ، ذاك النهار ، جاءتني .. وتحت ظل شجرتي الظليلة ، علي الأرض ، جلست تحفر ، بأظافرها الرقيقة .. اذكرها ، حين التفتت نحوي ، نادتني : جدي.. جدي.. " أنا جعانة ".. أخذني منها ، صوت آخر ، إنه هدير جرّافة ، أعرفها هذه الجرّافة ، عملت عليها أيام الجندية ، دائماً جاهزة ، هذه الجرّافة.. للحفر والردم .
مالهم هؤلاء الناس !!.. هل سيدفنوننا ، بهكذا عجلة أحياء .. !! .
تذكرت أجدادي .. في ذلك الزمن البعيد ، يحكون لنا .. أن مواراة الميت الثرى عندهم ، تستغرق أياماً بلياليها ، يعدون حفرة الدفن ، بمرقدها .. يتوسدها الميت ، يحيطونه ببعض ، مقتنياته الثمينة . أما هؤلاء .. فما اعجلهم !! .
أسمعها .. الجرّافة ، تتحرك .. تملأ جوفها ، بالرمل والحصى والتراب .. تتقدم نحونا ،
ولا يزال أنين حفيدتي يأتيني من خلفي ، والجرّافة تُفرِغ ما بجوفها ، في حفرتنا .. فيسكت الأنين . أصرخ أنا من داخلي.. يا هؤلاء : هل جئتم تسكتون جوع حفيدتي ، أم جئتم تسكتون أنينها ..؟؟
وعادت الجرّافة مرة اخرى ، بعد أن ملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت حمولتها في حفرتنا ، وبعدها .. لم أعد أرى !!.
ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً.. أتنفس ..!!
وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وقبل أن تُفرِغ حمولتها ، صحت بكل قوتي ، ومن داخلي مرة اخرى .. أمهلني يا هذا حتى .. أتشهد !!. ولكنه .. لن يسمعني .. ولا يريد أن يسمعني . بل سمعته أنا .. يردد : " ... وقتلاهم في النار " .
ثم أفرغ حمولته ، في حفرتنا .
وبعدها .. لم أعد أسمع !!.
ولكني .. وجدتني ، لا زلت حياً .. أتنفس ..!!
وعادت الجرّافة ، وملأت جوفها .. بالرمل والحصى والتراب .. وأفرغت ما في جوفها ، في حفرتنا .
وبعدها.. لم أعد حياً !! .
ولكني .. وجدتني ، ما زلت .. أتنفس !! .
***
omeralhiwaig441@gmail.com