خطوة أولى نحو الاستقرار في المنطقة
تاريخ النشر: 19th, April 2024 GMT
في الأول من أبريل/ نيسان قصفت طائرات إسرائيلية مبنى قنصليًا إيرانيًا في دمشق، وفي 14 من الشهر نفسه ردّت إيران على إسرائيل مرسلة مئات الطائرات الانتحارية والصواريخ الباليستية التي قطعت مسافة تزيد على 1700 كلم، وعبَرت أجواء دول عربية قبل أن يصل بعضها لسماء دولة الاحتلال. حبس العالم أنفاسه؛ خوفًا من اندلاع حرب إقليمية.
بالتأكيد لا. ترتبط الأحداث الأخيرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالصراع العربي – الإسرائيلي، وبشكل أدقّ بحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على شعب غزة. إن استهداف القنصلية الإيرانية هو محاولة إسرائيلية لتمييع جوهر الصراع، ورمي قنابل دخانية ولصرف الانتباه عن الحرب على غزة.
وهل بدأت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ أي بعد العملية الواسعة التي قامت بها المقاومة الفلسطينية على غلاف غزة؟ بالتأكيد لا. ثمة أسباب عميقة أدت وسوف تؤدي إلى حروب في المنطقة، وربما في العالم. هذه الأسباب تُختزل بكلمة واحدة: البحث في جذور الصراع العربي – الإسرائيلي، وأن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وأن يقرر مصيره بيده، وأن يبني دولته وعاصمتها القدس الشريف، وأن يعود اللاجئون المشردون في منافي الأرض إلى ديارهم وممتلكاتهم، استنادًا لقواعد القانون الدولي الآمرة.
وهل القوة العسكرية المفرطة التي تستخدمها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود عجاف من الزمن، سوف تحسم الصراع؟ بالتأكيد لا. القوة المفرطة هي فعل، وسوف يتولد عنه رد فعل. ولو أن القوة غير المستندة للحق استطاعت أن تحسم الصراع لحسمته حين كان الفلسطيني لا يحمل غير الحجر.
في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وأمام مجلس الأمن قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ إن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول لم تأتِ من فراغ. غضب الغرب وشنّت إسرائيل هجومًا حادًا عليه، متهمة إياه بأنه يتبنى الرواية الفلسطينية، وبأنه يشجع الإرهاب الفلسطيني.
كان الأمين العام يقصد أمرًا واضحًا لا لبس فيه، هو أن إسرائيل دولة تمارس أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، كما تمنع إعادة اللاجئين الفلسطينيين بما يعمق الصراع ويطيل أمده، وأن هذه العملية جاءت رد فعل على هذه التراكمات الكبيرة.
تبنى الغرب الرواية الإسرائيلية بالقول؛ إن قطاع غزة كان يعيش وضعًا أمنيًا مستقرًا قبل عملية "طوفان الأقصى"، وأن الهجوم الإسرائيلي يأتي كرد فعل منعزلٍ تمامًا عن أي أسباب أخرى إلا سبب الهجوم نفسه. ثم وفّر للاحتلال دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا غير مسبوق، كما حماه من أية مساءلة قانونية ممكنة.
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول انضمّ حزب الله بشكل جزئي للمعركة وسماها معركة دعم وإسناد. توترت جبهة الجنوب اللبناني بشكل واضح، وباتت ساحة حرب يتبادل فيها الطرفان (إسرائيل وحزب الله) اللكمات العسكرية ضمن قواعد اشتباك لا تزال مضبوطة حتى الآن، لكنها مرشحة للانزلاق في أية لحظة. خسرت إسرائيل أمنها في الشمال، وتضرر اقتصادها بشكل دراماتيكي.
في الواحد والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول، انضمّت جماعة أنصار الله الحوثي إلى الحرب، لكن على الطريقة اليمنية من خلال استهداف سفن إسرائيلية أو تحمل موادّ للإسرائيليين في البحر الأحمر. ثم وسعت نشاطها العسكري، فباتت ترسل طائرات انتحارية وصواريخ باليستية إلى إسرائيل. وأصبحت منطقة البحر الأحمر ساحة حرب حقيقية، ثم انضمت الولايات المتحدة وبريطانيا للحرب وباتتا تقصفان مواقع للحوثيين، ثم وسّع الحوثيون نشاطهم العسكري ليستهدفوا سفنًا عسكرية أميركية وبريطانية.
شنّت إسرائيل حربًا لا أخلاقية ضد سكان قطاع غزة، اصطُلح على تسميتها بحرب الإبادة. قتلت المدنيين ودمرت الأعيان المدنية. وأظهرت قوات الاحتلال (بطولة) منقطعة النظير ضد المستشفيات وأمام قوافل النازحين أو أماكن تجمعهم. قتلت منهم أكثر من 34 ألفًا؛ معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن التدمير المنهجي للتجمعات السكنية، وفرضت حصارًا خانقًا سمي بحرب التجويع: مات الناس جوعًا، وبعضهم دفن حيًا، أو استُهدف بطائرة مسيرة، وهو يبحث عن الطعام.
يشاهد العالم ما يجري في غزة أولًا بأول. قامت المظاهرات المنددة في كل دول العالم، بما فيها الدول الغربية نفسها؛ غضبًا وسخطًا على نفاق الدول الغربية ودعمها اللامحدود للاحتلال بالسلاح والذخيرة والمواقف. لكن الأخيرة لم تخجل من مواقفها واستمرت في الدعم بغض النظر عن خسائرها السياسية الداخلية.
عجزت مؤسّسات الأمم المتحدة عن اتخاذ إجراءات تمنع حرب الإبادة؛ عجز مجلس الأمن، وعجزت الجمعية العامة، وعجزت محكمة العدل الدولية. هذا العجز عمّق الصراع ووسعه. كما عجزت المحكمة الجنائية الدولية، ولم يقُم مدعيها العام بدورٍ فعّال. قامت بعض الدول بمبادرات شجاعة منعزلة (جنوب أفريقيا، نيكاراغوا) ضد سلوك الاحتلال وداعميه.
لم تستطع هذه المبادرات أن تخرق الجدار الصلب وأن تمنع الجرائم؛ لأنها كانت وحيدة، وكانت تتوقع دعمًا حقيقيًا من دول عربية وإسلامية، ومع ذلك فإن التاريخ قد دوّن هذه المبادرات بحبر من ذهب في سجلّ الشرف.
بعد قيام إسرائيل باستهداف القنصلية الإيرانية ورد إيران على إسرائيل، يعيش العالم اليوم حالة من الترقب والحذر. وتعيش منطقة الشرق الأوسط حالة غليان. ثمة قلق حقيقي تعيشه بعض الدول التي تغافلت عن جوهر الصراع، واعتبرت أنّ رد إسرائيل الوحشي يأتي في إطار معركة سوف تنتهي عما قريب. وفوق ذلك كله تعيش المنطقة المحيطة بالصراع حالة من الركود الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
صحيح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأشد تطرفًا، لكن الصحيح أيضًا أن سلوك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم يكن أفضل حالًا، وهي تنفذ سياسة منهجية ترسمها مراكز الدراسات والأبحاث قائمة على قضم الأراضي، وتوسيع الاستيطان، وتهويد القدس، وكبت أو تدمير أية قوة فلسطينية، بغض النظر عن فكرها السياسي. بمعنى أن الحكومات الغربية التي تعتقد أن الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية يمكن أن يخمد جذوة الصراع الحالي، هو اعتقاد قصير النظر. وما عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلا حدث، على أهميته القصوى، كشف الوجع البشع للسياسة الإسرائيلية المزمنة.
إن النظر إلى الصراع العربي – الإسرائيلي وكأنه بدأ مع حكومة يمينية متطرفة ثم اشتد مع عملية "طوفان الأقصى" هو تقييم غير منطقي. فكل الأحداث التي حصلت – وسوف تحصل في المنطقة – هي انعكاس مباشر للظلم الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهي انعكاس للخداع الذي تمارسه الدول الغربية التي قدمت "مبادرات سلام" (أوسلو، حل الدولتين..) قائمة على تعزيز وجود الاحتلال ووأد القضية الفلسطينية وهي حية، وهي انعكاس لسياسة التضليل الإستراتيجي من خلال القول؛ إن القضية الفلسطينية باتت عبئًا على العرب، ولا بد من تجاوزها، وإقامة سياسات تطبيع مع إسرائيل، بما يحقق لكل دولة عربية مصالحها الخاصة.
إن الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحققا إلا بعد معالجة جذور الصراع. وإن وقف حرب الإبادة على غزة هو الخطوة الأولى في هذا المجال. على جميع الدول المتصلة بالصراع أن تدرك خطورة الأمر، وأن تبذل جهدًا حقيقيًا في هذا الاتجاه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات من أکتوبر تشرین الأول الشعب الفلسطینی حرب الإبادة فی المنطقة ت إسرائیل
إقرأ أيضاً:
محللون: إقرار جيش إسرائيل بفشل 7 أكتوبر يطمس حقائق طوفان الأقصى
القدس المحتلة- وجه كتّاب ومحللون عسكريون وسياسيون انتقادات شديدة اللهجة إلى الجيش الإسرائيلي بعد اعترافه بالفشل في منع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات "غلاف غزة" وبلدات إسرائيلية في النقب الغربي.
وأجمعت قراءات المحللين على أن نتائج التحقيقات التي كشف عنها جيش الاحتلال تعكس الإخفاق الممنهج بالمؤسسة العسكرية في مواجهة حركة حماس، وكذلك تعمد رئاسة هيئة الأركان العامة طمس الحقائق والتكتم على الحيثيات التي سبقت "طوفان الأقصى"، وهو ما يعزز أزمة الثقة بين الجمهور الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية.
واستعرضت تقديرات المحللين الانتقادات التي وجهها كبار الضباط في "فرقة غزة" إلى قيادة الجيش، حيث وجهوا انتقادات شديدة اللهجة إلى رئيس هيئة الأركان العامة هرتسي هاليفي.
وأشارت القراءات إلى أن نتائج التحقيقات توحي بأن هاليفي اعتمد رواية كاذبة بالتخلي عن المستويات الدنيا في قيادة الجيش، وتحميلهم مسؤولية الإخفاق والادعاء بأن الضباط على الجبهة الجنوبية لم يطلعوا رئاسة الأركان على حقيقة وصورة الوضع مع بداية الهجوم المفاجئ.
أين كان الجيش؟
يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل إن نشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي لم يكشف إلا عن جزء من صورة الواقع لأحداث السابع من أكتوبر، حيث ما زالت محاور مهمة وقضايا جوهرية غائبة ومفقودة.
إعلانوأضاف هرئيل أن السؤال الذي يطرح مجددا من قبل المجتمع الإسرائيلي هو "أين كان الجيش؟". وأشار إلى أن "دراسة هذه التحقيقات تكشف أنه بالإضافة إلى الإخفاق بالاستعدادات والفشل بالاستخبارات، فإن رئاسة الأركان لم تحقق بعمق بالقضايا الجوهرية، وهو ما يرجح بفتح التحقيقات مجددا من قبل طواقم تحقيق جديدة يعينها رئيس هيئة الأركان العامة الجديد إيال زامير".
ورأى المحلل العسكري أن نتائج التحقيقات توحي بأن الأجهزة الأمنية والعسكرية وبضمنها الجيش وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك" تعاملوا باستخفاف مع حركة حماس، بل إنهم لم يفهموا ما تصرح به والخطوات التي تقوم بها.
ويعتقد هرئيل أن الجيش الإسرائيلي ما زال عالقا في السابع من أكتوبر، وهناك خوف دائم لدى المؤسسة العسكرية من أن يكون وقف إطلاق النار على الجبهتين الرئيسيتين غزة ولبنان مؤقتا، إذ من شأن استئناف الحرب أن يكشف عن تآكل قدرات الجيش واستنزافه.
وتحت عنوان "نشر تحقيقات الجيش الإسرائيلي.. قليل جدا، ومتأخر جدا، ومثير للمشاكل"، كتب المحلل العسكري يوسي يهوشع مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ينتقد فيه أداء الجيش بالتعامل مع التحقيقات الداخلية، حيث أتت نتائج التحقيقات في أحداث 7 أكتوبر -حسب كلامه- مستهلكة ولم تبحث بالعمق، وعليه لا بد من تشكل لجنة تحقيق رسمية حتى لا تتكرر صدمة "يوم الغفران" (حرب أكتوبر 1973).
ويعتقد المحلل العسكري أن رئيس الأركان المنتهية ولايته أرجأ الانتهاء من التحقيقات ثم حرص على أن تخرج جميعها في وقت واحد بطريقة تجعل من الصعب على الجمهور الإسرائيلي الخوض فيها، في محاولة للإبقاء على ضبابية المشهد وطمس الحقائق.
وحتى قبل الخوض في نتائج التحقيق، يضيف يهوشع "لا بد من الاستغراب من واقع أن الجيش الإسرائيلي يقف وحيدا في طليعة التحقيقات، في حين لم يقدم الشاباك نتائجه الخاصة. إن هذا السلوك مثير للغضب لأن مسؤوليته من منظور استخباراتي هي عين مسؤولية الجيش الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، لا يمتنع المستوى السياسي من التحقيق في أدائه في ذلك السبت الأسود والأيام التي سبقته وحسب، بل إنه يبذل كل ما في وسعه لمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية".
إعلانويختم يهوشع أنه في 7 أكتوبر "انهارت العقيدة الأمنية، وعليه فإن جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالعقد الأخير تتحمل مسؤولية الفشل والإخفاق، فضلا عن ضباط في هيئة الأركان العامة وكبار مسؤولي الشاباك. وهناك جانب آخر دراماتيكي في التحقيقات وهو الاعتراف بوجود ثقافة تنظيمية مروعة، والتي كلفت إسرائيل حربا هي الأكثر فظاعة في تاريخ البلاد".
نتنياهو "ضحية"وعلى صعيد تداعيات نتائج التحقيقات على الساحة السياسية، يقول المحلل السياسي في الموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل" شالوم يروشالمي إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حاول الإبقاء على كرة الإخفاق والفشل في ملعب الجيش وأجهزة الاستخبارات بزعم أنه "ضحية" حيث تواصل رئاسة هيئة الأركان العامة إخفاء المعلومات عنه.
وأوضح يروشالمي أن إسراع مكتب رئيس الوزراء بإصدار البيان الاستثنائي الذي يشكو من أن نتنياهو لم يتلق التحقيقات العسكرية في أحداث 7 أكتوبر، هي محاولة منه للتنصل من المسؤولية والإبقاء على أصابع الاتهام بالفشل والإخفاق موجهة إلى الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهو بذلك يعتمد النهج ذاته بالتنصل من المسؤولية وتوجيه الاتهامات للآخرين.
ورجح المحلل السياسي أن نتائج التحقيقات والإخفاقات وتراشق الاتهامات سترافق المشهد الإسرائيلي لفترة طويلة، قائلا "مع مرور الوقت، قد يتمكن نتنياهو من إقناع الجميع بأن من فشلوا وأخفقوا أنهوا الخدمة وما عادوا بمناصبهم، وأن القصة انتهت، وأنه انتقل إلى الأمام لمحاربة الأعداء وبناء شرق أوسط جديد".