تزعجني جدا الاستجابات العاطفية للأحداث من الكثيرين الذين يظنون أنهم يعلمون ويفهمون وهم أبعد ما يكونوا عن ذلك ، ليس كل ما تسمعه حقيقي ، وليس كل ما تراه حدث ، ولا تصلح رواية واحدة لتحديد صادق للواقعة ، فالمجتمعات والشعوب والأمم تؤسس وعي مواطنيها وهوية شعبها وبناء دولتها على ثوابت وبديهيات فكرية وقيمية عليا ، فإذا ذهبت تلك الثوابت إنفرط عقد المجتمع وتداعت الدولة وامتسخت الهوية.

.
لهذا لا يكفي المعرفة الأكاديمية ولا الشهادات العليا، ولا مناصب الاحتواء، ولا الانضباط الصوري ، ولا حتى النضال الصوتي ، لاختيار القيادي التقدمي للمجتمع ، فقد تعلمنا من النخب اليمنية خلال العشرة الأعوام الماضية والحرب والعدوان على اليمن تلك التجربة المؤلمة ، وكيف أنحرف من كانوا أكثر الناس معرفة وثقافة عن الحق ، وكيف خان من كانوا يبدون أكثر الناس إخلاصا ووطنية وأصبحوا أكثر الناس خيانة وعمالة وإرتزاقاً..
لأن عمل كل الذين انحرفوا وسقطوا في الخيانة والعمالة والارتزاق هو تحييد أكبر قدر ممكن من الجماهير التي حولك عن قضاياهم الرئيسية ، أو أن يصبح أكثر قدراً ممكناً من الناس محايدين سلبيا ، و المحايد مع القضايا الكبرى يعني انه يخدم عدوه بنفسه ، وهذا الحياد نفسه يعمل على تنشيط قوى الصراع الاجتماعي الثلاث ، أو ما يسمى بـ(صراع الشلل) وهم ثلاثة أنواع : النوع الأول : هم الذين يدركون ويعون ان الحل هو بناء وعي وهوية المجتمع والدولة ويلتزمونه ويناضلون من أجل هذا وهؤلاء هم (التقدميون) ، أما النوع الثاني : هم الذين لا يدركون ولا يعون إلا الحل الذي يرعى (مصالحهم الخاصة)، فيدافعون عن مصالحهم فقط ، وإذا حصل ما يمس مصالحهم يعملون على تثبيت الواقع المزري للعمل ضد تطور بناء وعي وهوية المجتمع والدولة وهؤلاء هم (الرجعيون)..
وفيما بين النوع الأول والثاني ومن حولهما تتذبذب فئة لهم مصلحتهم في الابقاء على الواقع المزري ، وهنا هم مع الرجعيين ، وتطلعهم إلى المزيد من التغيير وهم هنا مع التقدميين ، عملهم هو تثبيت الواقع المزري ولكن مع تغيير أسلوب التغيير نفسه لصالح مصالح الرجعيين ، وفي ذات الوقت يقومون باستغلال التقدميين ويحالفونهم ولكنهم ضد أي حركة تغيير جادة لبناء الدولة والمجتمع وهذا هو النوع الثالث وهم (الانتهازيون)..
إذا نجح تحالف الرجعي والانتهازي فإنهما يخلقان قطاعاً عريضاً من الناس داخل المجتمع ضد التقدميين ، يجهلوا الناس حتى لايعون ولا يدركون مصالحهم (كما هي محددة بثوابتها ـ الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية والقومية والإنسانية والموضوعية) ، أو أين تقع مصالحهم من الحق ومن الهوية ومن القضايا الكبرى ، لهذا تجد فجأة أن الأغلبية من الناس يستجيبون للأحداث العاطفية الصغرى ولا يستجيبون لدعوات النضال والتحرر والاستقلال ، بل تجدهم أحيانا يقفون موقف الأبله خارج الصراع ولا يسهمون في أي تأثير لنصرة الحق والقضايا الكبرى ..
هنا يكون كل عدو وخصم لك قد نجح في التغلغل إلى عقل وضمير جماهيرك لتجنيد أكبر قدر ممكن منهم لنصرة الباطل ، وخاصة إذا ما نجح في تحويل خواء النفوس إلى فعل أو هدف مُحدد ، كأن يقدم لهم ما أنت عاجز عنه ويشبعهم بما لا يمكنك تقديمه لهم ، رغم علمنا ان العدو في الحقيقة لا يقوم بإشباع من يتبعه إلا بالعبودية والارتهان ، وهذا الاشباع بسفاسف الأمور يبني في الناس البناء المعادل الموضوعي والمنطقي لإسقاط مسئولياتهم و واجباتهم ، وأداة عدوك الأولى لفعل كل ذلك بك من حيث لا تعلم هم التافهون والجهلة والمطبلون المعشعشون تحت تمويل و حماية واحتواء (مصالح الرجعيين و مناصب الانتهازيين) الذين لديك ..

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل الذين يعبرون عن رفضهم للحرب في غزة

عاجل | تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل الذين يعبرون عن رفضهم للحرب في غزة

عاجل | تحقيق لأسوشيتد برس: الحملة المستمرة منذ عام تدفع كثيرين للرقابة الذاتية خوفا من السجن ومزيد من التهميش

 

التفاصيل بعد قليل..

مقالات مشابهة

  • تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل الذين يعبرون عن رفضهم للحرب في غزة
  • للسيطرة على الوضع الأمني.. خبير يكشف أسباب إصدار مصر لـ قانون لجوء الأجانب
  • نوع خضار شهير يقلل الإصابة بمرض السكر
  • دولة خليجية تكشف أكثر جنسية ترتكب الجرائم الخطرة وتهدد الأمن
  • هذا النوع من البقوليات درع واقٍ ضد السكري وأمراض القلب.. جربوه
  • السفراء العرب في روما يطالبون المجتمع الدولي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان
  • سفراء عرب في روما يطالبون المجتمع الدولي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان
  • دراسة: الشخص يصبح أكثر ذكاءً في مرحلة الشيخوخة
  • المنسق الأممي: حل الدولتين لا يزال يحظى بإجماع دولي
  • ميركل: ترامب "مفتون" بهذا النوع من القادة