“أنسنة المدن” .. وسؤال للبلديات
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
بخيت الزهراني*
ما نسمعه بين فينة وأخرى، هو ذلكم الشعار الجميل الذي ترفعه بلدياتنا (جودة الحياة)؟ .. وفي تقديري أن جودة الحياة مشروع شمولي متكامل – أو هكذا ينبغي له – بحيث يجمع المشاريع الكبيرة والصغيرة كحزمة واحدة.
وبناء على هذا التصور؛ فإن الشوارع التي تبدو مهشمة في الحي الذي تسكن فيه، وليس فيها شجرة واحدة، وليس ثمة في جنبات الحي حدائق، ولا مجسمات جمالية في أطرافه، فإن ذلك لا محالة خدش ظاهر لمشروع “جودة الحياة”.
في مسألة المطبات الاصطناعية، ثمة محددات ترسم دواعيها ومقاييسها، بموجب تنظيم معترف به عالميًا، وليست حسب التساهيل أو مزاجية هذا أو ذاك، ولو تم إقامة أحدها بموجب دراسة من أجل كبح سرعات المتهورين مثلًا .. فإنه يتوجب أن تكون مطلية بالفسفور العاكس للضوء، بما يجعلها واضحةً لمستوى الرؤية، بما لا يفاجئ السائق، فلا يرتطم بها بشكل يكاد يخلع ضرس العقل، ويفكك أوصال العربة.
مشروع “جودة الحياة” .. تعني تعهد المصابيح المعطوبة لأعمدة الشوارع، التي قد يمر عليها وهي هامدة في رقدتها شهورًا بل ربما أكثر من عام … والمشروع يعني حلًا لمعضلة الحدائق، التي إما أن يكون عددها ضئيلًا جدًا، أو أن صيانتها (منسية) حتى صار بعضها مجرد اسم خالٍ من المضمون.
والمشروع يعني كذلك إيقاف وجع التسرب المتوالي للمياه إلى الشوارع، إما مباشرة من طفح البيارات، أو من المياه الحلوة الناتجة عن تسرب (الشبكة المهترئة) لشركة المياه، وفق آلية عمل معروفة وواضحة، يحاسب عليها الموظف المسؤول، سواء كان المواطن أو الوافد المتهاون على حد سواء.
ما نقوله هنا ينسحب على المدن الكبيرة وكذلك القرى والأرياف.. فلا بد أن تكون – جميعها – بيئات جاذبة، تنمية مستدامة، وواقع يتماهى مع جودة الحياة، وكل هذه – في الواقع – متطلبات ضرورية تتسق مع عناوين الحياة الحاضرة، والمستقبلية.
الكثير من مدن العالم – الآن وحتى من قبل سنوات – صارت تتباهى، تتفاخر، وتتسابق على سلم الأولويات في ترتيب ….
أيها أكثر جاذبية …
وأيها أكثر (أنسنة)
وأيها قد صارت (مدنًا صديقة) …
صديقة لأهلها .. لسكانها .. ولزائريها معًا ….
.
الشارقة مثلًا صارت مدينة صديقة للأطفال واليافعين لعام 2019 .. بترشيح من (اليونيسيف)، تحت شعار “بداية صحيحة لمستقبل أفضل”.
وقبل سنوات أطلقت الأمم المتحدة اصطلاح “هندسة المدن الصديقة للمسنين” .. بعد تزايد عددهم، في ظاهرة ما يُعرف بـ (تشييخ المجتمعات) .. يوجد في العالم الآن 650 مليون شخص فوق الـ 60 .. وسيزيدون إلى ملياري شخص بحلول عام 2050
وهناك مدنٌ صديقة للبيئة .. منها ثلاث عواصم آسيوية، طوكيو وبكين وسنغافورة، وصارت تتصدر القائمة، فيما يتعلق بوسائل الانتقال فيها .. لأن معظم سكانها يذهبون لأماكن عملهم إما سيرًا على الأقدام، أو باستخدام مواصلات عامة، بينما أعداد قليلة نسبيًا يستخدمون السيارات الخاصة بالتنقل.
وهناك مدنٌ صديقة للعائلات .. كبرلين وإيبيريا وفالنسيا ومدريد .. وفق معايير عدد الأماكن الجميلة والمعارض والمتاحف المناسبة للعائلات، فضلًا عن تدني معدلات التلوث وزيادة السلامة … إلخ.
وتبقى مسألة (أنسنة المدن) واحدة من أكبر التحديات لصنّاع القرار وعمد المدن ومسؤولي البلديات .. في كيف يمكنهم أن يصوغوا مدنًا تتعاطف مع سكانها، تحترمهم، وتلبي حاجاتهم من الصغير للكبير ..
مدنٌ ليس فقط أبراجًا عالية وأرصفة وشوارع فسيحة كمكونات مادية فقط، بل يتقدم كل ذلك، مدينة تغذي الروح، عبر مشاريع حسية تستدعي ذاكرة المكان .. مدنٌ لا تقزمك كإنسان بمبانيها، ولا تخنقك .. بل تصبح مكانًا يشعرك بقيمتك، بماضيك، بتاريخك وحاضرك، عبر مشاريع (استدامة مستقبلية).
ولو تم ذلك لما تشابهت المدن مع بعضها أبدًا، بل صار لكل مدينة نكهتها، ومذاقها الخاص، وفرادتها … لأنه سيكون للسكان فيها دور كبير في تشكيلها.
وأخيرًا .. سؤال لأحبتنا رؤساء البلديات .. ما خططكم الاستراتيجية لمدنكم؟
*كاتب سعودي
@BakheetTali
نقلاً عن: makkahnews.sa
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: أبرز المواد18 أبریل 2024 جودة الحیاة
إقرأ أيضاً:
دراسة: المدن الأوروبية تتفوق على الأمريكية من حيث جودة الحياة وسهولة المشي
أظهرت دراسة حديثة، أن المدن الأوروبية مثل زيورخ ودبلن تعد الأسهل على الناس المشي فيها والأكثر ملاءمة للعيش مُقارنة بنظيراتها الأمريكية، حيث يمكن وصول أكثر من 95% من سكانها إلى الخدمات الأساسية في غضون 15 دقيقة سيرًا على الأقدام.
وكشفت الدراسة المنشورة في مجلة نيتشر سيتيز اليوم الإثنين أنه يمكن وصول أكثر من 95% في المدن الأوروبية إلى الخدمات الأساسية مثل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والمدارس والأسواق التجارية، في غضون 15 دقيقة سيرا على الأقدام أو بالدراجة.
في المقابل، تكشف الدراسة أن نسبة 2.5% فقط من سكان مدن مثل سان أنطونيو في ولاية تكساس الأمريكية، يتمتعون بسهولة الوصول إلى نفس هذه الخدمات، وذلك بحسب ما نقلت صحيفة الجارديان البريطانية.
وأظهرت الدراسة أن جزءا صغيرا فقط من بين 10.000 مدينة حول العالم، يمكن أن يُطلق عليه ما يُسمى بـ «مدن الـ 15 دقيقة»، حيث يتمكن السكان من الوصول إلى الخدمات الأساسية سيرًا على الأقدام أو بالدراجة.
واختار باحثو الدراسة 54 مدينة لاستكشافها بشكل تفصيلي، ووجدوا أن المدن الأوروبية متوسطة الحجم مثل زيورخ وميلانو وكوبنهاجن ودبلن هي الأكثر سهولة في الوصول إلى الخدمات الأساسية. وفي المقابل، جاءت مدن أمريكا الشمالية مترامية الأطراف والمعتمدة بشكل كبير على السيارات مثل سان أنطونيو ودالاس وأتلانتا وديترويت في أسفل التصنيف.
وطور باحثو الدراسة طريقة حسابية لاستكشاف مدى التغيرات اللازمة في المدن لتصبح أكثر قابلية للوصول للخدمات الأساسية في غضون 15 دقيقة. ووجدوا أن مدينة مثل أتلانتا في حاجة إلى إعادة توزيع 80% من مرافقها لتحقيق توزيع عادل بين السكان، بينما تحتاج باريس إلى إعادة توزيع 10% فقط من مرافقها.
وأشار هيجور بياجيه، المؤلف المشارك في الدراسة، إلى أن الهدف من الدراسة ليس تدمير المدن وإعادة توزيع خدماتها، موضحا: «نحن نبحث عن طرق لتحسين حياة معظم الناس».
وكانت فكرة «مدينة الـ 15 دقيقة» تعرضت في السنوات الأخيرة للهجوم ممن يرون فيها محاولة للسيطرة على حركة الناس وتقييد حريتهم. وقد أزعجت هذه الانتقادات العلماء ومخططي المدن والأطباء الذين يرون في تقليل الاعتماد على السيارات وسيلة فعالة لتحسين صحة وسلامة الناس.
من جانبها أوضحت ناتالي مولر، أخصائية علم الأوبئة البيئية في معهد برشلونة للصحة العالمية، أن تقليل الاعتماد على السيارات وتشجيع النقل العام وزيادة المساحات الخضراء كلها عوامل تسهم في تحسين جودة البيئة الحضرية.
واختتمت الدراسة أنه في الوقت الذي تقود فيه المدن الأوروبية الجهود لجعل بيئاتها الحضرية أكثر سهولة، يبقى هناك الكثير الذي يجب القيام به لتقليل الاعتماد على السيارات وتحقيق المدن الأكثر صحة وملاءمة للحياة.
اقرأ أيضاًدراسة علمية مبتكرة في تنمية مهارات الكتابة للدارسين بالعربية من غير الناطقين بها
محافظ أسوان يستعرض دراسة فنية لمنظومة الكاميرات الأمنية لمراقبة الطرق